في “السكة” الضيقة تناثرت أحذيتهم الخشنة المقدودة والمقطعة من بقايا عجلات السيارات.. ما بين صلاة المغرب والعشاء تلتم تلك الشلة الصغيرة من البنائين وبائعي بقايا نوى التمر والبرسيم، بحكم التجاور في ذلك الزقاق الضيق، الذي يغلق عليهم حياتهم في تلك الأمسيات الصارمة.. والحديث لا يخرج عن المألوف لأنهم قطاع لا يعرف من جدول الحياة إلا تعاقب الليل والنهار فقط..
قال، وهو يلف بقايا شماغ خلق يطويه عن بقايا برد الشتاء على حلقه..
- “حمد.. سمعت أبو حامد يتمنى”… “قاطعه جاره يلقى خزنه تحت درجة بيته.. أو يتزوج بنت قرين الشمس”!!
-“القف ما لقفك.. قلت إنه تمنى قصر حنيني.. والجدارين قرصان “!!
ضجوا بالضحك.. علق آخر.. - “غلطان أحسن من رفيقك اللي تمنى يطيح بقليب عسل، ويحلتونه العيال بكليجا” !!
شرق حمد بالضحك.. سعل زاد من انكماشه من تيار الهواء البارد عند مدخل الزقاق الذي يكش عليه.. علق على الحوار الساخر. - “… أما أنتم اللى شبعتوا وتدهنتوا إن شاء الله .. نعطر الأول وندخله على بنت خمس عشرة سنة..
وأنت يا راس الزنبور تصير جلتك ذهب”!!
الأذان يقطع أحاديثهم … يستغفرون الله من كل ذنب عظيم..
• • •
الفقر ذلك الشخصية العالمية التي لا تفنى أو تموت حصد أولئك الطيبين.. حتى حارتهم بقيت تلة من التراب في مدخل تلك المدينة الصغيرة، فقط أعواد الأثل والجريد هي التي بيعت في مزاد خاص لمحرقة (الجص) لأخر الباقين من الأحياء!!
0 تعليق