الشيخ الكبير التي تهتز أطرافه وهو يخطو لصلاة المغرب.. وجبة العشاء هي الرئيسية في تلك المدينة الصغيرة.. (رز) أو (جریش) أي ان الوجبة مرتبطة بموسمها الصيفي أو الشتوي، إذا ما وجد المرق أو اللحم..
الشيخ الذي هجره أبناؤه إلى الظهران، يدير رأسه في صفوف المصلين.. بستانه الكبير محتاج إلى عامل نشط..
جرب أنصاف الشيوخ، والشباب ضعفاء القوة.. ولم تعد قواه تعطيه فرصة عمل عشر ساعات بين السواني، وأحواض النخيل..
الرجل الذي يواليه في الصف الأول يصافحه.. يقرأ في عينيه تحفز سؤال خاص.. الإمام لا يمهل الوقت حين يقف للصلاة..
• • •
على عتبة باب المسجد وقـف.. شاهـده غريبا عن الحارة والناس..
سأله مباشرة..
- «الأخ غريب» …!
- يرد ببطء
- «من القرية التي (وراكم)!
- «حياك الله على العشاء»..
• • •
على السفرة الصغيرة يسأله الشيخ وإن كان يستطيع العمل معه في المزرعة..
تم الاتفاق.. الأيام تمر.. والشاب النشط يعطي مجهود شخصين..
قال الشيخ، مخاطبا نفسه..
- صدقت فراستي.. الشاب وفر عليّ شغل اثنين!
العلاقة بالحياة والتأقلم مع المدينة الصغيرة والأمعاء التي بدأت تمتلئ جعلته لا يعطي ذلك النشاط في أيامه الأولى..
الشيخ محتار من ظاهرة الشاب.. قضيته أن يخسره مشكلة لا يحب أن يواجهها..
قال له وهو على سفرة العشاء.. - “شايفك .. وأنا بوك على غير عادتك القديمة”؟!
الشاب يواجهه بسؤال مضاد.. - “وعسى ما شفت مكروه وأنا ولدك”؟!
- “النخل ما صار يروى من الماء.. والشجر البعيد انقطع عنه!!
يتوقف عن الأكل.. يدير عينيه عن الشيخ الكبير.. يواجهه بالحقيقة.. - “يا والدي من أول جائع، واشتغل من شان أشبع.. واليوم امتلئ البطن وارتخت العزيمة”..
الشيخ يمصمص شفتيه.. يسحب أجرته المتبقية من جيب صدره الكبير، يردد..
“ولد النعمة ما يشتغل”!
0 تعليق