قرص أذن الصغير.. سحبه حافيا في ذلك الصباح البارد.. الطفل تزوغ عيناه، تتناثر خطواته في تلك الأزقة الطينية المتربة.. تصوراته “للمطوع” لا تخضع لترتيب معين فهو رمز للقوة والسيطرة.. ولأن أقرانه في الشارع ممن يكبرونه سنا يركضون هاربين لبيوتهم لمجرد رؤيته خارجا من البيت، أو المسجد فإن الإحساس بالخوف والرهبة هما المسيطرين عليه طيلة الليلة التي فاجأه والده بعزمه إدخاله عند «المطوع»!!
الكوابيس منعت صوته من البكاء، ليلته الماضية ركضت بجلده الحشرات وسيطرت عليه قوى ضاغطة، وكل تلك الأحلام تصب في شخص المعلم الوقور.
• • •
- “ترى لك اللحم، ولنا العظام، والولد بذمتك لين يحفظ القرآن، ويعرف يقرا ويرقم”!!
«المطوع» أو «المعلم» ينتزع ابتسامة مغتصبة من بين شفتيه..
ولأن المقام يستدعي الصرامة، والحزم فإنه قلما ضحك أمام الأطفال لكنه رد باتزان.. - «الولد، إن شاء الله يبي يصير رجال وعاقل، وإلا الفلكة والعصا تعقل المهبول»!!
الحوار الساخن، وضجيج الأطفال «بالكتاب» زاد من روعه، وخنق أي أمل في العودة إلى عالمه الآمن..
• • •
تذكر الأب ماضيه كله.. شح الملابس، والأكل، ومواجهة الحياة كلها منذ الطفولة الأولى..
نظر لابنه الصغير، تلبسه المربية ملابس الرياضة ليخرج مع السائق إلى المدرسة الخاصة، حيث كل الظروف مهيأة للدرس والتحصيل، إلا شيء واحد هو عدم رغبة الطفل للذهاب للمدرسة صباح هذا اليوم لأنه يكره الرياضة في البرد!!
الإشكال لم تحله حتى صرخة الجدة الكبيرة حين صرخت بكبرياء الماضي بكل عفويته..
- «الظاهر إن عييل هاالزمان ما يرضيهم إلا تطبخون لهم كبد السعلو بزياد، وتحلبون لهم العصافير»!!
ضحك الأب.. الكلمات ذاتها التي كان يفطر عليها كل صباح قبل خروجه لدار (المطوع)..
• • •
المسافة تكبر وتتعرج الطرق، ولكن الأب الصبور أدرك أن الحاجة حافز متقدم للحياة، وأن الفرص والمصادفات ليس لها أعمار، ولذلك لم يلتق مع الصدفة، وهو يتذكر كيف أمضى سنواته الخمس بالمعهد يذاكر دروسه على ذبالة السراج الصغير، ويتقاسم مع زميلاه في ذلك «الدحو»
الصغير وجبة الرز بالصلصة ولكن لكل زمان وكل لحظة مواليد جدد.. وعالم جديد..
0 تعليق