بفناء المسجد كان يقضي بين الناس، ويعلم أصول الدين وشيئا من اللغة العربية..
كان – يرحمه الله – متواضعا وحنونا، وحازما في أمر القضاء، غير مكترث الكبير والصغير في العدل بينهم..
ولأنه يحمل صفات المؤمن الصادق بكل ما تحمله هذه الكلمة فإنه تميز بأخلاق نادرة حين يزور المرضى ويمشي بجنائز الضعفاء، ويجلس على قارعة الطريق مع عامة الناس بعباءته المرقعة، ونظارته السميكة!!
يؤم الناس في المسجد، وفي خلوته يكب على كتب الفقه ومتون اللغة والأدب..
جاءوه يوما بخصومتهم تسبقهم مشاحناتهم وصلفهم ولم يوقف سيل تلك الكلمات النابية إلا حرمة المسجد وهيبة الشيخ الجليل..
الخصوم ينقلون شابا يئن، وأحيانا يدخل في إغماءه طويلة، ولكن الشيخ الجليل لحظ أن الشاب محتال، وإن كان لم يسلم من الضرب في خناقة عابرة..
الشيخ الذكي عرف بحدسه أن هذه الحيلة ليست جديدة على من يباشر قضايا الناس ومشاكلهم، وقد استيقظت في ذهنه حيلة أخرى لكشف كذب هذا الشاب المحتال..
جلب (الوجاغ) والفحم ومسامير الكي، والتفت يقضي بين الناس في حاجاتهم الأخرى ممهلا الخصم المنتظر في مسألة الحكم الأخير..
سأل القاضي مرافقي الشاب المضروب.. وفهم إفادتهم.. جلس إلى طرف الوجاغ متناولا السيخ المحمي بالنار.
قال والد الشاب:
- (وماذا تريد أن تعمل يا فضيلة الشيخ)؟!
رد مجاوبا: - (إن ما يخطر ببالي أن ابنكم مصاب ببرد، أو بمرض قد يشفيه الكي، وهذا آخر
الطب …)!
(ولكن ابننا ضرب وربما كسرت اضلاعه)!؟ - (لم ار أي أثر لذلك الاعتداء.. ولكن دعونا نجرب طبا سهلا)!!
الشاب يفز من بينهم!! - (لا يا شيخ بارك الله فيك.. تراني مسامح خصمي، ولا لي طلابة عليه)!!
الشيخ الجليل يضحك..
ويرد:
(ولكن خذوه «للحبس ليتعلم مرة ثانية كيف يصدق)!!
• • •
للأخ الكريم الذي أعجبتني كلمات صدقه الأستاذ (عثمان محمد صالح نصيف).. بالرغم من وجاهة ما تقول بالحدود الضيقة فأنني لا أوافقك على هذه الروح المتشائمة.. وإن كنت أقدر الحس الذي يغالب فيك السبعين عاما من الانتظار للحصاد الثقافي. لكنني أقول تقبل تحياتي!!
0 تعليق