من تلك القرية الصامتة إلا من أصوات بعض المواشي والدجاج عند كل صباح، أو مساء، خرج من قريته إلى المدينة الكبيرة.
الملامح الصلبة. واللهجة العفوية، وعدم الرضوخ الى تسييس المدينة جعلته فريدا في كل تصرفاته.
عرف الأبجديات الأولى للحروف، وضحك من كتاب المقرر لمكافحة الأمية الذي كانت كلمات السطور الأولى من الهجاء.. وزن.. وصعد!!
تحرر من كلمة (فراش) بعد أكثر من أربع سنوات وعرف كيف يستلم المعاملات ويكتب اسمه، ويمسحه.. يقصد التوقيع!!
وتعلم أن المعاملات تحمل رقم الورود والصدور ، وحتي كلمة (مشفوعات) تلك الجنية اللعينة أدرك أنها أوراق المعاملة المرفقة !!
• • •
وضع اسمه بين العاملين خارج وقت الدوام، وبدأ يتدرب على حفظ الملفات، ومن تلك القوائم الطويلة من الأسماء والموضوعات، لم ينس مشيته، وحركات يديه السريعة، وحتى كيف يلبس العقال الرفيع جدا، والمائل إلى السقوط ترفده اذنه اليسرى..
جرب ان يتعلم الكتابة على الآلة الطابعة، ولكنه لم يستطع أن يتجاوز الخمس كلمات بالدقيقة، وهي النسبة التي لم تؤهله لخوض المسابقة!! طاردته الظروف الصعبة..
أصبح بيته مضافة (للجماعة).. تراكمت الديون.. ولأنه رجل (الفزعات) فإنه لم يستطع تلبية طلب ذلك الضيف الذي طلب ستمائة ريال دفعة واحدة وهو الذي لم يتعد راتبه مربوط الثامنة القديمة (525) ريالا..
• • •
قرأ على الظرف الذي استلمه (سرى للغاية ولسعادة المدير)..
حمل الدفتر (وبرفالته) خبط على مكتب المدير.. تطايرت الأوراق..
سأله المدير:
ـ – (ومتى إن شاء الله ناوي تعقل وتعدل عقالك المايل)!!
ينسى مشكلة الستمائة ريال.. يلتفت على مدير الموظفين.
- (تعتقد أنه جاي فقرة في نظام الموظفين بتعديل عقالي)..
المدير تقهره النكتة..
ولكنها قسرته على الضحك رغم مرارتها…
• • •
في اليوم الثاني كانت استقالته آخر أخبار ذلك الصباح .. اختفى (عليان) واختفت تلك الابتسامات العذبة بغيابه..
0 تعليق