دخل يتهادى بمشيته الرصينة، عملاق القامة، يضع نظارة (برسول) الشمسية على عينيه، ويعلق على كتفه آلة تصوير، اختار أن تكون رفيقته في رحلة الإياب الأولى لقريته المنغلقة على نفسها..
“حمدان” كان واحدا من أوائل المبتعثين للقاهرة للدراسات العسكرية.. المدينة الكبيرة استوعبت تفكيره، وحياته، وطحنته داخل ثكنتها الهائلة..
… كانت تتصارع بنفسه، جو القرية.. أزقتها الضيقة التي تختلط فيها روث الحيوانات مع تزاحم الصغار والكبار وقت النشاط، وعالمها الأسطوري الذي جعلته يخاف العفاريت داخل الآبار، أو الذين ينزرعون ليلا عند بائعي اللحوم “يخاشرون” القطط السوداء، والكلاب بقايا العظام المنثورة، وبين العاصمة الكبرى..
كان حمدان حديث الحارة.. بذلته العسكرية، وصورة غطاء رأسه العجيب و(بساطيره) التي احتذى بها تكرش تراب تلك الازقة
.. وأعجب منها النظارات، وتلك الآلة التي يديرها على الحيطان والمارة (لتعكس) اشكالهم على حقيقتها…
• • •
المجلس يكتظ كعادته بعد صلاة الظهر، بالشيوخ والأطفال، يرددون حكايات، وإشاعات عديدة.. حمدان وحده الذي طرق أبوابا جديدة في التعليق.. الكثيرون يحسدونه على ظاهرته العجيبة ويتمنون لأبنائهم أن يقلدوه… (محيسن) فقط الذي كان يخالفهم لدرجة السخرية من أفكارهم…
حمـدان لم يعلق لأن التقاليد تجعله يمتنع أن يخوض في أمور يطلب منه الحديث عنها.. ثم أن التهذيب الذي وعاء أثناء غربة السنتين الماضيتين يجعلانه أكثر رصانة..
قال (محيسن) مستثيرا حمدان..
و- هل صحيح أنك جبت عكاسة تصور الناس، ؟
- رد بحذر..
- “وما وجه الخطأ؟
قال محيسن ساخرا.. - أعتقد أنك نسيت أخذ عكس لجحيش سليم”!
رد حمدان:
-“ولكن الصورة لا تكون جميلة إلا إذا عانقته بقبلتك الباسمة”..
الحضور بضجون بالضحك، لأنه لأول مرة يوجد من يردع محيسن بنفس الأسلوب، ومن يومها علق عليه لقب محيسن الجحيش”!!
0 تعليق