سيدة عصرية.. مثقفة.. قرأت فلاسفة العبث واللامعقول وأحبت ممارسة الاختبار الذاتي في تجربة اليوجا، والتنويم المغناطيسي..
رفضت الفساتين، وحكاية الموضة، تكره قراءة المجلات النسائية العربية، باعتبارها مأتما لا تسمع فيه إلا النواح التاريخي للمرأة الشرقية..
الزوج الحبيب يمارس عادة الصبر، بلع أقراصا مهدئة.. يراقب ولا بتدخل، معتبرا أن حالة زوجته مجرد موقف فلسفي، لا يمكن أن يصادم أو يحاكم الا بالتجربة..
طالت أيام المعاناة.. رقصت الصراصير في المطبخ والحمامات… تراكمت العلب الفارغة للأطعمة المستوردة، والمجلوبة من مطاعم الوجبات السريعة..
سيدة المنزل معتكفة على قراءة (دانتي، وجان جنبيه) والمحراب المسحور لا يقترب منه إلا الضوء والماء..
الحديث بينهما لا يتم إلا في الثالثة والنصف حسب التوقيت الشتوي (لجرينتش) وفي الحالات الطارئة يذكرها الزوج العزيز بواسطة ورقة يخط عليها كلمات بوجبة العشاء أو الغداء التي يدفعها من تحت الباب..
أغلقت الدار على الزائرين قطع الهاتف، ومنع فتح الأجهزة الصوتية والمرئية، حتى الأقرباء كان الاعتذار من استقبالهم يأتي باعتبار أن السيدة الكريمة في حالة استغراق تام في كتابة رسالتها لشهادة الماجستير..
بعد حوار قصير، ومحدود الكلمات، وافقت الزوجة السعيدة باستقبال خادمة تقوم على الشؤون العادية في المنزل..
الزوج اعتبر هذا انتصارا تاريخيا، وحين جاءت الخادمة.. رسم لها خطة العمل الواجبات الرئيسية المطلوبة للسيدة الكريمة.. كيف تستيقظ، متى تأكل.. أسلوب التفاهم بالهمس، منع استعمال المبيدات الحشرية أو المطهرات إلا في أزمنة خاصة يتفق عليها فيما بعد مع السيدة الكريمة..
العزلة الطويلة أثرت على مفاصل وأعضاء السيدة الكريمة.. لأول مرة تخرج عن حدود عالمها العظيم.. المحيط الذي حولها تغير.. من الذي سمع بتحريك الدواليب والكراسي عن أماكنها.. كيف تجاسر الزوج على تشغيل المكيف في الصالة الداخلية، من الذي حول المزهرية من المدخل الى الصالون؟..
الزوج الكريم لم يجب، ولكنه أدرك بعد عناء، إن الرسالة الحقيقية يجب أن يشرع بكتابتها منذ ذلك اليوم، لتكون للدكتوراه عن موضوع الزوجة السعيدة، في المنزل السعيد، والأزمنة السعيدة !!
0 تعليق