لم أغضب أو أحتج حين زحفت نظراته عليّ تقيسني عرضا، وطولا.. ولم أعرف أنه ربما يزن جيبي، وهل أتعاطى الطريقة الجديدة في مبايعات الأسواق الكبيرة في (الدانير كلاب)، أو الأمريكان اكسبرس، أو كرت فيزا)..
ضحكت بغريزة الغريب عن هذا الامتحان المسير.. سألت نفسي.. التنظيم الحديث في أي أمر كان مقبول.. (الكرت) يدخل عالمنا الجديد.. لكن ما هي مقاييس الانضباط في العزف ؟؟..
جذبتني كلماته الجادة..
-.. ( الشراب بخمسة وعشرين ريالا.. والحذاء بسبعمائة ريال.. الشراب من الحرير الحلبي، وصناعة ( ايف سان لوران) والحذاء جلد تمساح صغير من حديقة التماسيح في بانكوك)!.
-( والسروال الداخلي والفانيله)؟؟..
- فقط بثمانين ريالا !.. وعندنا (باروكة) للرجال تتراوح ما بين مائتين ومائتين وخمسين ريالا)؟..
-( ولكنني لست أصلع) ؟..
-( ليس بالضرورة أن تكون أصلع، ولكن بإمكانك أن تحلق رأسك الأشيب، وتستبدله ( بالباروكة)؟ -(واللحية.. والشارب، وشعر الوجه)؟ - ( هناك صبغة تزيل هذا.. ومشط مساعد التلوين الشعر)!..
- ( أفهم انكم على استعداد لفتح صالون – التجميل الرجال)؟..
- هذا شيء عادي في أي بلد خارجي.. هناك مساج للوجه وصبغة للأظافر، وأقلام للحواجب والرموش)!
- (وفي تلك البلدان تعلق قلادة من ذهب على رقبة الكلب، والقطة ولها صالونات خاصة، وتطعم عند الكبار ( البطارخ.. والكافيار) وكبد (الوز)؟؟
- (المهم انني لا أستطيع دفع قيمة هذه المشتريات بهذه الأسعار)؟..
- (اذا لم تملك نقدا الآن نحن نتعامل (بالكروت) ويكون التسديد مؤجلا حتى تصلك (كمبيالات البنك)!
التاسعة مساء.. الصالة المخملية في بلد أوربي تعج بالأصوات.. الكلمات العربية تتصاعد حزام الأمن حول الصالة مكثف للغاية،.. الدخول ممنوع إلا بصحبة زبون او تزکیته…
طاولة ( الروليت) الخضراء تدور.. تطحن الأرقام.. الخرزة الصغيرة تسقط على الرقم.. العيون تتابع بسخط وفرح، وجنون.. ( الديلر) الذي يلبس أزياء العصر الفيكتوري، يقف ضابط أمن يوزع طعاما على أفواه الجياع بسخرية مبطنة يلتفت على ركام (الفيش) أمام العربي الأشقر..
-( لم يحالفك الحظ هذه المرة يا سيدي)؟
يتحرك العربي الاشقر.. يتفقد ربطة عنقه.. يبتسم (للديلر) – سأستمر ولو بعت هذا الخاتم)..
يتناول (السكرتير) الكرت المفتوح.. العربي الاشقر..
- ( هات من البنك عشرة آلاف جنيه أخري)
العجلة تدور.. العيون تطارد الأرقام، والفيش.. والعربي الأشقر يدفع ( بصولد) کبیر..
متفرج أوربی.. - (هل تعتقد انه يشتري الجزيرة المعلن عنها في اليونان)؟
- (أنه قادر على شراء يخت، وشاطیء في جزر الكناری)..
العربي الأشقر يسحب نفسا طويلا من ( سیجار هافانا)
.. الساعة تشير للثانية ليلا…
( الكرت) يقوم برحلته العاشرة لشباك البنك . - ( وکم خسارة سعادتكم هذا المساء)؟..
يرد العربي الأشقر على زميله المقابل على الطاولة.. - « عشرون ألف جنيه حتي الآن، !!
- « اقل من خسارة الليلة الماضية بعشرة آلاف جنيه !!
-« ليس مهما عندي الكسب والخسارة.. المهم أن تكون سعيدا وتقتل هذه الساعات بأی شيء قابل للتسلية، !!
بالعشرين ألف جنيه، نشتري مكتبة.. نعلم شابا عربيا في جامعة أوربية..
يتذكر كلمات ذلك اليهودي الأمریکی.. «إن أكبر خطيئة اقترفتها أمريكا وأوربا في فتح باب جامعاتها للعرب الأعداء (!!!) إن مسئوليتنا التاريخية أمامهم أن لا نعلمهم إلا ما تبقي على حاجتنا الخاصة بهم.. وهذا هو منطق الواقع مع الاعداء !!
لم يكن العربي الأشقر الوحيد الذي يتسلى.. كانت ( الطاولات) الأخرى تعج بأشخاص الوحدة العربية من المحيط إلى الخليج، بمختلف سحنهم وألقابهم..
صاحب الصالة يصرح أن مكاسبه السنوية تعادل ميزانية دولة نامية، وتستطيع تسليح بلد كأفغانستان.. وتطعم كل جياع أوغندا، أو الفلبين..
تصرخ العشرون ألف جنيه.. العربي الأشقر يملك ويتصرف.. وهو حر في تلبية رغباته التي يحقق بها معني ذاتيا له (!!!)
الصرخة تمتد إلى الأعماق.. إنه ضيف ثقيل الظل على هذه الصالة.. ولكن عذابه النفسي لا ينقطع..
سحب قدميه المرتعشتين.. صفعته موجات الصباح الباردة .
جريدة الصباح العربية المهاجرة تقول : هذا اليوم يوافق عيد الأضحى المبارك،، وكل عام وانتم بخير .،!!
ولإيليا ابی ماضی
نَسِيَ الطينُ ساعَةً أَنَّهُ طينٌ
حَقيرٌ فَصالَ تيها وَعَربَد
وَكَسى الخَزُّ جِسمَهُ فَتَباهى
وَحَوى المالَ كيسُهُ فَتَمَرَّد
يا أَخي لا تَمِل بِوَجهِكَ عَنّي
ما أَنا فَحمَة وَلا أَنتَ فَرقَد
أَنتَ لَم تَصنَعِ الحَريرَ الَّذي
تَلبَس وَاللُؤلُؤَ الَّذي تَتَقَلَّد
أَنتَ لا تَأكُلُ النُضارَ إِذا جِع
ت وَلا تَشرَبُ الجُمانَ المُنَضَّد
أَنتَ في البُردَةِ المُوَشّاةِ مِثلي
في كِسائي الرَديمِ تَشقى وَتُسعَد
لَكَ في عالَمِ النَهارِ أَماني
وَرُأى وَالظَلامُ فَوقَكَ مُمتَد
وَلِقَلبي كَما لِقَلبِكَ أَحلا
مٌ حِسانٌ فَإِنَّهُ غَيرُ جَلمَد
أَأَمانِيَّ كُلَّها مِن تُرابٍ
وَأَمانيكَ كُلَّها مِن عَسجَد
وَأَمانِيَّ كُلُّها لِلتَلاشي
وَأَمانيكَ لِلخُلودِ المُؤَكَّد
لا فَهَذي وَتِلكَ تَأتي وَتَمضي
كَذَويها وَأَيُّ شَيءٍ يُؤَبَّد
أَيُّها المُزدَهي إِذا مَسَّكَ السُقــ
ـمُ أَلا تَشتَكي أَلا تَتَنَهَّد
التاريخ: 21 – 11 – 1400 هـ
0 تعليق