نحن بلد يخطو نحو التنمية البشرية والمادية.. وبذلك لا بد أن يأخذ بكل اسباب الحياة، وخاصة تلك المصاعب التي تبرز دائما وتتوسع تبعا لحجم المشاريع المطروحة وتبعا للمواقف التي تتركها هذه المصاعب على الجدول الزمني للمشاريع.
لقد واجهنا ولا زلنا نواجه، مصاعب الخطة الخمسية الحالية، كأسلوب حديث بالنسبة لنا، ولا بد من مواجهة هذه المشاكل باستحداث حلول تناسب واقعنا، ونمشي تبعا لطموحنا.. ومن بين تلك العلل بروز مشكلة العمالة. كأحد أهم الأسباب التي لا زلنا نعاني منها حتى اليوم..
إن طرح مشاريع الدولة، والتوسع الذي طرأ على السيولة النقدية في الداخل، في القطاع الخاص، وما صاحبه من اقراض بنوك التنمية العقارية والزراعية والصناعية أوجد طلبا حادا وسريعا لاستقدام قطاعات كبيرة من الأيدي العاملة تبعا للحاجة الملحة لتنفيذ هذه المشاريع وبأقصى الحدود الممكنة ونتيجة ذلك عشنا اختناقات عديدة في – الموانئ – الاسكان – الطرق.. وفي المدن الرئيسية واجهتنا مشاكل الكهرباء والماء ووسائل الاتصال، وازدحام المرور وغلاء الأسعار الرئيسية.. كل ذلك أصبح من الأشياء المميزة لدى كل مواطن وحاضرة أمامه كواقعة حقيقية مع أنه في الوقت الحاضر قد خفت حدة أكثرها نتيجة إدراك الدولة للأسباب التي نشأت عنها تلك الظروف فأوقفت الإنفاق على أكثر مشاريعها وراقبت أسعار الحاجات الأساسية في السوق المحلية، وفك مخانق الموانئ والطرق.. لكن تبقى مشكلة العمالة عالية التأثير، وقوة ضاغطة بحكم نقص القوى العاملة الداخلية وندرة المدرب منها.. وبحكم ضغط العامل الزمني بتنفيذ مشاريع الخطة في وقتها..
هنا نقول : ما هي أبرز مشاكل القوى العاملة في بلدنا وعلى أي المناحي يجب أن يأتي التخطيط لهذه القوى؟.
ولنكن أكثر تحديدا.. كيف نقوم حاجاتنا من هذه الطاقات وقياسها على انتاجياتنا ووفرة العمالة، أو نوعيتها؟.
لهذه الأسئلة يتوافر عدة تصورات وعدة اجابات حسب التقويم العام لأعداد العمال، ونوع تخصصاتهم وتبعيتهم لنوع الادارة المستغلة لهم.. على أنه يبرز سؤال أولي.. ما هي بداية المشكلة؟.. لقد واجهت وزارة الداخلية والعمل ومعها سفاراتنا في الخارج ذلك التصاعد الكبير في الطلبات المقدمة لاستقدام هذه الأعداد، وبالرغم من بعض العوائق الروتينية إلا أن هذه الجهات استطاعت أن تنظم عملية الاستقدام سواء للقطاع الحكومي، أو القطاع الخاص.. ولقد كان القطاع الخاص في حالات عديدة أكثر تسرعا في إبرام عقوده بشعور أنه قد يحصل على نوعيات مؤهلة وبأقل الأجور، وكانت العروض تستهوي كثيرا من العمال في الخارج، قياسا على الأجر بین ما يأخذه في بلده، وما سيأخذه في المملكة.. وهنا كان رد الفعل أن تخلت أكثر هذه القوی عن عقودها مراعاة للحالة الاقتصادية للبلد وعدم تناسب دخولهم وواقع الحياة المعيشية والسكنية.. أو جاء التخلي عن العقد من صاحب العمل نفسه لادرا که أن الايجابية في العمل من قبل العامل ليست ذات مردود اقتصادي لضعف التخصص أو لسلبية أداء العامل بشكل يرضي عنه الأجر.. وعلى هذا الأساس بدأت المضاربة على القوى العاملة في الداخل، وخاصة المتخصصة في مجال – العمارة – واصبح لها سوق سوداء، وصارت تقبل بأقل ساعات العمل الاسبوعية في سبيل الحصول على أجر مرتفع برغم ادخال الآلية في كثير من هذه المشاريع بغية توفير الوقت وتوفير الأيدي العاملة البشرية.
وحالة أخرى.. لقد استغل البعض هذا الموقف بأن أنشأ مكاتب لاستيراد العمال وتشغيلهم، وبطرق غير نظامية.. وغير عادلة مما أدى إلى تدني انتاجهم بشعور أنه لا يحصل على أجره الفعلي.. أو أنه يحصل علية مقاسمة مع الوسيط، وصار الشعور النفسي بالغبن يسيطر ويكون له المردود السيء على عطائه..
وقياسا على ذلك فإن المشكلة تأخذ اطارها بعدة أبعاد، لعل أهمها، من حيث الأولويات هي:
• حصر مشاريع الدولة حسب أهميتها ومعرفة ما يجب توفيره من الأيدي العاملة في الوقت الحاضر والتطلع إلى المستقبل بتصور أکثر دقة بغية الحصول على قوى مدربة وبكلفة مناسبة ..
• دراسة مشاريع القطاع الخاص، ومدى استيعابها القوى العاملة في السوق المحلية الآن، ومدى الحاجة الى استقدام أعداد أخرى إذا تطلب الوضع ذلك..
• تحديد نوعيات العمال تبعا لمهاراتهم الفنية، وحسب انتاجيتهم في ساعات العمل التي قررها نظام العمل..
• الوسائل التي تكون سببا في جذب العامل الوطني، ومدى التخطيط لتدريبهم، وطرح أسهم لهم في المشاريع التي يشاركون في ادارتها وطرح الحوافز الجيدة كحصولهم، مثلا، على نسب من الأرباح، أو الاشتراك في مجالس ادارة الشركات ممن يكون مبرزا في مجال تخصصه..
• وضع لائحة للأجور تبعا للمؤهل الفني للعامل وتقدير خبرته في مجال تخصصه ومراعاة ندرة التخصص، وعدم فسح المجال لاستيراد العمال بدون خطة مدروسة وتبعا للحاجة..
هنا قد نخطو الخطوة الأولى في سبيل تخطيط القوى العاملة وقياس العطاء المباشر واليومي لانتاجيتها .. وثمة شيء مهم أن طرح الحوافز والأجور المناسبة قد تكون من العوامل الجاذبة للشباب اللاتجاه الميدان الفني والمهني.. فقد خطت وزارة الدفاع مثلا خطوة رائدة وممتازة حينما جعلت من الوكلاء الفنيين من تكون أجورهم، والامتيازات التي يحصلون عليها، أكثر من بعض الضباط .. وهذه التجربة يمكن الأخذ بها في التخطيط للقوى العاملة في الدولة ككل، لأنها تطرح بدائل منافسة لجيش المكتبة والموظفين، وأيضا تحد من الاتجاه للدراسات النظرية، والحصول على شهادات جامعية ذات قيادات خاصة في المجال العملي.. وشيء آخر.. إن الارتفاع بوسائل التدريب ذات التقنية الحديثة، وفتح معاهد ومراكز أكثر حداثة وأكثر تسهيلا في ادارتها ومناهجها، وفي مناطق تكاثر السكان قد يكون سيبا في الإقبال على هذه المعاهد، او المراكز..
فالأغلب – مثلا – من العمال في الدولة لا يحمل مؤهلا فنيا أو دراسيا، بل إن نسبة الأمية شائعة الى حد كبير بينهم وفي لجوئهم للدولة كان السبب المهم هو حصولهم على أجور أكثر من المستخدمين، ولا يخضعون لفرضيات نظام المستخدمين الذي يحدد السن والأجر تبعا لسلم خاص، بل هناك الكثير من ترك وظيفة المستخدم ليتحول عاملا، وبذلك صار امتصاص هذه القوی عبئا منافسا ومضافا إلى المستخدمين وقوة غير معطاءة .
إن تلك التقاليد الاجتماعية التي تحتقر أنواعا متعددة من المهن لم تعد محركا اجتماعيا رائجا ولكن لا زال هاجس القيادة – سواء في الوظيفة العادية أو الفنية – هو الغاية الأولى عند أكتر العائلات الميسورة أو الغنية، وبالتالي فإن هذه عودة غبر مباشرة للنفور من العمل المهني، ومحاولة صنع كوادر خاصة بنا شذوذا عن كل القواعد العاملة في العالم.. فإذا ما عرفنا أن أي مهندس لابد أن يتبعة بالضرورة خمسة عشر عاملا مدربا عرفنا مدى الأزمة التي تنتظرنا إذا ما أوجدنا عشرات المهندسين أو الأطباء، ولا يتواجد بالمقابل عمال منفذون، أو ممرضون أو عاملون في أجهزة التخدير وغيرهم ممن هم سواعد ضرورية للطييب.. وقبل ما تدعو أو تفرض بعض الدول تجنيدا اجباريا، فإنه لا بد من توجيه التعليم المهني والفني بنفس الفرضية، وخلق مدارس لامنهجية أي مدارس تجمع بين التعليم النظري والعملي، وتبعا لميول الطالب ومقدار بروزه في تخصص ما يوجه إلى ذلك التخصص، ونكون قد حصلنا على أعداد يمكن توجيهها مهنيا وبأسلوب لا يشعر الطالب بالدونية إذا ما عرف أن المدرسة لها هذا المنهج وأن الخروج للجامعة لا يتم إلا بدرجات معينة ووفق ظروف تخضع للخط العام لحاجة المملكة، وأن هذا التطبيق يتم بدون ممايزة لدرجة الطالب الاجتماعية وأن فرص العمل لن تكون متاحة إلا لتخصصات خاضعة لنوع من التعليم مقنن من الدولة وحتى في مجال القطاع الخاص فإن التوجيه المهني يجب أن لا يخرج عن قاعدة خطة الدولة العامة سواء في التدريب أو في الأجور، وحتى لا نخضع للمشكلة التي واجهتنا في السنوات القريبة الماضية حينما تنامت أجور العمال في القطاع الخاص، أو قطاع الشركات التي تنفذ مشاريع الدولة، أكثر من أجور موظفي الدولة وحصل ذلك التسابق بین أجر العامل والموظف مما دعا الدولة لتغيير سلم الرواتب أكثر من مرة، وفرضت تلك الحال نوعا من التضخم ساعد على خلق مصاعبنا المعروفة، وإذا كان في خطتنا القادمة بناء صناعة متقدمة تخضع في ادارتها وفي تنظيمها لأسلوبنا الخاص وضمن الخطط المتقدمة في العالم فإن الضرورات الأولى لكسب قوى عامل مدربة لن يأتي – وحسب واقعنا الحالي – بسهولة.. هذا إذا كان في المنظور الطويل الاعتماد على القوة الذاتية الداخلية وعلى الادارة التقنية الآلية التي قد لا تتطلب أيد عاملة كثيرة فإنه – لكي تصل بكسب هذه القوى – لا بد من توفر الضروريات التالية:
• مسكن تتوفر به العوامل الصحية موصول بالمرافق العامة وبأجر رمزي
• ضمان صحي وضمان اجتماعي ضد الحالات التي قد تحدث مثل الإقعاد عن العمل بعاهة صحية او باصابة ناتجة عن العمل…
• الحصول على أجور وحوافز مادية مناسبة أو تدريبية في الداخل والخارج
• ایجاد أسواق للضروريات، وبعض الكماليات التي هي بحكم الضروريات بسعر مناسب ومنخفض، عن السوق العامة ..
• المساواة بكل الامتيازات بين العامل الوطني أو غير الوطني اذا تساوت المؤهلات..
• توفر المدارس والمعاهد، ودور الترفية التي لا تتعارض ومسار تقاليدنا وعاداتنا..
هذه العناصر أعتقد أنها أبجديات مفهومة . وطرحها يأتي فقط من باب العلم بالشيء .. أو هي أوليات التخطيط الأول في بناء أي مشروع صناعي ينشد تقدما مدروسا..
یبقی مدى التأثيرات الاجتماعية من خلال الاختلاط بنوعيات متعددة من بيئات مختلفة .. هذا الموضوع باعتقادي، لا يخضع للتصور الآني إنه لن يتضح إلا بنماذج تلك التراكيب الاجتماعية، والخروج منها ببحث ميداني من متخصصي علم الاجتماع الصناعي..
وكما أحب أن أقول: إنها تصورات تركن فقط بعض التجارب أو المشاهدات وبذلك فإن الحبل ممدود الطرح نقاش أکثر علمية ويستند إلى مبادىء احصائية او اجتماعية .. لكنني أعتقد أنه لا نعدم أن نجد فكرة ما نستفيد منها أو رأيا قد يساهم في تطوير مفهومنا للعمالة وموقفنا منها، وهو ما حدا بي أن أكتب هذه الكلمات المتواضعة.
وبفخر .. هكذا كانت!
حينما نقف اجلالا لكثير من مراحل تاريخنا، فإننا في زحمة النظريات وفلسفة التاريخ لا يغفو بيننا تاریخ مساهمات أمهاتنا ومجالدتهن للحياة بصبر عظیم نعجز ونحن نرویه، أن لا نرى تلك المجالدة وذلك الوقوف أمام المصاعب شيئا يدخل دائرة التصديق لقد كانت تحارب ولكن بأسلحتها الخاصة وبحجم الوظيفة التي فرضتها عليها حياة المجتمع وكانت أشياء كثيرة تعبر أمامنا، ولكننا لا ندرك أننا حينما نراها بمقاييس اليوم أن ما كانت تعمله كان اعجاز أو أكثر من قواها ومن طبيعة تكوينها، لكن الحاجة حينما تكون في مواجهة الكائن العاقل تفرض عليه شق الصخر.
إن جیلا حاضرا بيننا الآن لايدرك المدى الذي كانت عليه أمهاتنا وكيف ساهمن مع الرجال في تذليل ظروف حياة الفقر والمرض.. والتحرك داخل رحم الصحراء تغالب شح موارد العيش وتبني مع الرجل البيت مقاسمة في كل الجهود، إن لم تتفوق عليه في صبرها، وكتم معاناتها..
فالزواج لم يكن له طقوس الحاضر أو بذخه كل ما في الأمر اتفاق على مهر رمزي وحاجيات سهلة… فراش، وشيء من النقود، لا تقدم في الوقت الحاضر أجرا للقائم على (القهوة) في أحد حفلات (الخطبة) وسجادة خشنة وملابس ربما لا تشاهد على المرأة إلا أیام زفافها!! وفي رحلة العودة إلى بيت الزوج تبدأ المتاعب.. لن تجد (فلة) مفروشة، ومكيفة ومطابخ حديثة او ماء وكهرباء.. أو بمعنى أصح لن تجد شيئا من هذا، ولم يدخل بدائرة تصوراتها أو أحلامها أنها ستواجه (الرحی) تديرها أكثر ساعات يومها ووتدها ينتقل من يد لأخرى.. و(شوال) القمح أو الشعير هو التحدي الذي يطلب الإنجاز، أو ستتقابل مع جاراتها أمام “المنحاز” ساعات طويلة تهرس ( اللقيمي ) وبرضى وسعادة وعلى دقات عود ( المنحاز ) تبدأ أغنية سهلة و غير شاكية، وفي الضحى من كل يوم تبدأ تجاهد (قدورها) في المطبخ.. الوقود ( جله ) أو حطب السمر.. تفرك عينيها الدامعتين من الدخان، لتقدم الوجبة المعتادة مع لبن ( الصميل ) أو ماء ( الشنة )، وبقية النهار أو الهزيع الأول من الليل تخطف إناء ( الرواة ) لنجاهد ( الرشا ) الخشن ( والدلو ) تمتح من قاع البير بجهاد حاد لتجلب ماء البيت وتتغلب على تسلخ راحتيها ( بالحناء ) وليست هناك من شكوى من رشح الماء على ثيابها البسيطة في زمهریر الشتاء .. ولم تكن باكية حينما تعرف أن باقی ساعات عملها اليومي تنتظر اعلاف ( الغنم )، وترويب لبنها أو العودة ليلا مع وتد الرحى وعلى ذبالة سراجها الضعيف تكمل شيئا من ( شوال ) القمح.. إنها..
• حلابة
• وطحانة..
• ورواية
• وحطابة
وإذا تطلب الأمر فهي ( جلاية ) ، وحتى في زينتها في مواسم الأعياد أو الزیجات ، تجلس أمام ( المشاطة ) ترصع على جدائلها خليط ( المشاط ) الذي غالبا ما يتكون من الحنا وظفر الموت ومطحون الورد” اليابس.. حتى الزينة مرسومة بصلابة ومطرة بالخشونة..
قد يكون ماقلت شيئا غريبا .. إلا لمن لحق أطراف مثل هذه الحياة أو سمعها ضمن حكايات جداته .. ولكنها في الواقع شيء منا ومن تاريخنا ومنقوشة – باعتزاز – على أيدي الباقية من أمهاتنا .. على تجاعيد وجوههن.. أو مع حركات أصابعهن بخرزات سبحاتهن، مع كل تسبيحة أو تهليل..
لم يكن الماضي عارنا أو شيئا يجب طرده من ذاكرتنا أو قبره في صدور آبائنا وأمهاتنا كرحلة لتاريخ يشوه حياتنا ويغمسنا في وحل الفقر ودياجير الجهل.. إنه شيء من أبعاد زمننا ، وشهادة حاضرة لواقعنا .. أو أنه الجهاد الصامت لأمهاتنا الذي لم تدونه إلا ذاكرة ذلك الجيل الذي ربما رحل هذا التاريخ معه، وأصبح في محطة الأبعاد الماضية لا يسلب من خواطرنا حتى الابتسامة المتسامحة فلنكتب ذلك بصراحة وبواقعية، أو لیكن راية لنا تمثل على مسارح مستقبلنا فهي شهادة لن تمنح لنا من أحد، إذا ما ندرك عمق عظمتها وقوة تأثيرها في ممر الحياة القادمة التي هي شقاء من نوع اخر..
كل أم من أمهاتنا لم تنم على وسائد الحرير، لم تعرف أمصال الصيدليات ولا أطباء اليوم.. كانت تتداوى بالعشب والكي، وبروح الله تظللها بذاك الرجاء الحار بالعافية.. تمسح عن عيوننا الرمد.. وتخيط بيدها وابرتها ثيابنا.. كانت مع مراحل النهار مع كل يوم تدعو لنا بالذهاب والإياب أن يحفظنا المولى هي المسامرة لليالينا و ( بسوالفها ) نرقد بحنان بین يديها.. وفي زمن الربیع (تجني ) لنا ( القرفاص والحميض ، والبسباس) وكانت تدلنا على منابت ( الفقع ) وزهور الأقحوان ، والقيصوم.. هكذا كانت أمهاتنا سيرة دائمة للحنان والجهاد، ولبقاء التاريخ، ما دام التاريخ حيا ..
خطوات أیام عابرة
- المعاملة عند المدير
- والمدير يطبخها ببريق النعناع ( ويتقهواها ) ؟
- ينتظر صباحك الحلو..
- لكن جيت أعقب المعاملة .. وبس !
- وهل أخذت اجازة حتى تترك عملك ؟
- وانت مفتش اداري حتى تحقق معي ؟
- النظام لا يعفيك من العقوبة إذا حضرت بدون اجازة
- علم رئيسك ليقطع رأسي ..
- لا .. يوقف راتبك فقط ، ويحيلك للتحقيق ..
- أتحداك .. و ..
يدخل المدير.. وتسوى المشكلة ..
الثلاثاء 16 منه
الهاتف يرن مرة ، وأخرى .. - نعم ۰۰۰
- كلم البيت ..
- خير إن شاء الله ..
- ما في غاز ..
- اطبخوا على فحم ..
- ولا فيه ماء ..
- استغيثوا أن يرزقنا الله المطر ..
- وانطفا الكهرباء ..
- افتحوا الأبواب ليدخل الهواء ..
- وغيره ..
- مع السلامة ..
الجمعة 19 منه
في أخبار الساعة السابعة صباحا ..
( تعلن كل من شركة الكهرباء، ومصلحة المياه عن قطع التيار الكهربائي و الماء عن الحارة ( … ) من الساعة السابعة صباحا، وحتى الخامسة مساء .. شكرا لكم .. نرجو العلم به .. )
السبت 13 منه..
.. لا تغیر يذکر ۰۰ الكل عابرون إلى مشنقة الساعات اليومية، الأطفال تكوي اقدامهم ووجوههم جحيم هذا النهار القائظ، ولو أن الساعة هي بداية النهار.. الحركة تزداد وصخب السيارات، وهي تطحن بعجلاتها أرض يوم جديد ( والبواري ) تزعق في مداخل الشوارع وعند المستشفيات والمدارس .. لوحة ( ممنوع استعمال المنبه ) منكسة للأرض وكأنها تعلن احتجاجا لأميي السير..
الطريق طويل، والوقوف عند كل اشارة حمراء هو ضخ كمية من العرق .. الوجوه مصلوبة أمام الإشارة ، الكل يبحث عن أي حركة تسلية، ولو كان بحادث تصادم، أو مشاجرة مراهقين.
الأحد 14 منه
نفس الوجوه، ونفس المكاتب .. طابع الآلة يزفر من خط موظف لا يحسن الكتابة .. وآخر بجانبه يتثاءب يحاول طرح نعاس ليلة ساهرة مع ( زعيق ) طفله المريض .. كاتب الوارد والصادر يفرز الصور والمعاملات الجديدة .. يقف أمامه مراجع يبرز ورقة مكتوب عليها “حولت المعاملة لقسم … وبرقم وتاريخ .. يرفع الكاتب رأسه ..
عابرة
لم تك إلا عابرة
لم تك إلا غيمة مرت علي
ترى على من سوف تهوي ممطر !
***
الشمس في السماء عذاب
وجبهتي زيت وماء وتراب
ونظرتي ضيق وكلمتي سباب
وانشقت الطريق فجأة على امرأة
ارتفعت بالماء نافورة
واعترفت بالعطر قارورة
امرأة بلورة مضواة
( أحمد حجازي )
التاريخ: 17 – 06 –1398 هـ
0 تعليق