من الكائنات الحية ذات الخلية الواحدة، إلى الانسان الكائن العاقل والمتفرد بسيطرته على محيطه الطبيعي، الكل يسير بنظام فريد مقدر من الاله القدير ولذلك أخذت الدراسات للقوى الطبيعية وللإنسان مسارات متنوعة ..
فالماديون الماركسيون يقولون بشيوعية الإنسان الأولى، وأنه لم يعرف الحدود للملكية الخاصة لا في الزراعة ، ولا في الثروات الحيوانية وإنما هناك سيطرة عامة بعد نشوء القبيلة لكل الأفراد بحسب حاجاتهم.
ورواد النهضة الأوربية يطرحون الإنسان أنه قيمة عامرة بالمثل إذا ما أحسن تربيته وسط مجتمع يربط القيم الروحية بالتربية الأخلاقية ، ومن مفهوم أنه عضو مشارك في صنع مسيرة الحياة ، ليست أخطاؤه إلا وقائع مكتسبة من شذوذ المجتمع الذي حرمه وسائل العيش والمساواة في الحقوق العامة..
ويعلل فلاسفة القوة « هیجل ، ونيتشه » أن نشوء الضعف هو مرحلة تكيف معها الإنسان نتيجة غياب الإرادة التي هي المعجزة المتحدية في خلق نظام إنساني متفوق يتميز بعقل خلاق ، وإرادة لا تتعايش مع العواطف أو الضعف الانساني .. وكما أن التعارض في هذه المفاهيم جاء من خلال ممرات متفاوتة في تعريض الإنسان لمشرحة التقييم ، وإعطاؤه الأولوية في التمييز على بقية الكائنات الأخرى .. فإنه بات من المفاهيم المتعددة أن وسائل الأغذية ، والهدوء النفسي ، وحماية حريات الإنسان ، هي أبعاد نشوء نظام اجتماعي متطور يخضع لغايات إرادية عليا .. فالأسباب مقرونة – دائما- بمسببات تصنع بداية السببية ، أو كما يعلل الفلاسفة الوجوديون أن الماهية تسبق الوجود ، أو تصور الشيء ينشأ قبل المادة الملموسة أو المحسوسة .. والخلاف في كل هذه الحالات ليست الطرق التي وجد بها الانسان ؟.
وما هو الحجم الذي يمكن أن يعطيه ذكاؤه في حل المصاعب البشرية الموجودة ؟ ثم هل هناك اتجاه سليم في أبعاد شبح الحرب والمجاعة وتسلط شعوب على أخرى ذات التنمية العالية ، والتنازل عن بعض فوائضها لبقية سكان هذا الكوكب ؟!
كل الدلائل تشير إلى أن ادوات التدمير هي التي تحتل الأرقام الأولى في ميزانيات الدول المتقدمة، ولم تعد الشفقة إلا نوع من الخبر العادي الذي لا يثير شفاه المملوءة بطونهم .. حتي الضمير العالمي والصيحات التي يطلقها بعض المصلحون الاجتماعيون تواجه بالسخرية ، لأن الفرد -وخاصة في أوربا وأمريكا بعيش حالة من الفراغ المفزع والقلق الذي ينفي العالم من ذاكرة تفكيره .. فقد بدأت الفلسفات المتشائمة من سقوط الحضارة «لشينجلر ، مرورا ، باللا جدوى والتمرد عند (کامو) واللا منتمي ، والمنتمي في طرح البدائل الجديدة « لكولن ولسن» إلى باقي القوائم الرافضة، والباحثة في الغيبوبة كالهيبز وعالم اللا معقول هي حالات نابعة من الواقع ، وحيث أن الظروف القاتلة ، أو المعمرة لا تستورد ، ولا ينفي وجودها ، إنها تصنع بالظروف الداخلية لكل بلد ، مهما تكون العوامل المؤثرة الخارجية ذات تأثير ، فإن خلق التوازن في تسيير مسيرة أي شعب يخضع لأسباب عديدة وإرادة قوية تمارس أقصی قواها المنتجة، وتستخدم كامل وعيها في اللحظة الزمنية الحاضرة والقادمة..
فالعربي في بداية العصر الإسلامي لم يكن غبيا أو جاهلا بالتعريف القاموسي وإلا ما استطاع الاستدلال على معاني القرآن الكريم والتصرف بعقلية واجهت الزعامات القرشية في البدايات الأولى للإسلام بإیمان يفوق العدد الصغير الذي دخل الإسلام في بداية رسالته ، واستطاعت هذه المجاميع أن تنتشر بقوة فاقت التصورات في ذلك العصر، خاصة أن الديانتين اليهودية والمسيحية والوثنية القرشية شكلت وحدة مناهضة لهذا الدين الجديد ، وما يثير الجدل في دراسة التاريخ الإسلامي أنه من الأسباب التي قاومت كل أسباب تحطيمه هي تلك الإرادة العضوية والإيمان العظيم في خلق توازن بين ذات الإنسان وبين دخوله الدين إراديا ، والمسابقة مع الزمن في الحصول على أكبر امتداد على قارات الدنيا ؟
وفي الواقع الحاضر ، مع فارق الوسائل الثقافية والدعائية ، والتقنية البشرية أو المادية ، نجد المواطن العربي بخلاف مع التطور .. ففي الماضي خرج العربي من العصبية القبلية إلى توحد في النظرة ، وفي السلوك وجاءت رسالته متجردة وواعية لظروف التاريخ ، ولذلك استطاعت أن تقوم رغم حضور الحضارات الفارسية والرومية . ولكي تستيقظ القوة الكامنة وتستوعب ايجابيات العصر الحاضر ينطرح أسئلة عديدة ..
وهل نحن بحاجة إلى مذاكرة تاريخنا ، والعودة إليه بنظام ونظرية جديدة ؟
مثل هذا العمل واجب تریوی وقومي ، لا لأن التاريخ صناعة عظيمة لكل مساراته في الماضي العربي ، ولكن لأننا بحاجة الي الربط بالماضي بوسائط من التوالد في العقل البشر بلبال مقمرة وزمن ربیعي ، ومعمق لوحدة القبائل الجديدة في كل اقليم والجمع بين حارات ومدن الاقليم الواحد في العلاقات الزوجية والمادية ، وتذويب الفراغات بين المدن والقرى ، والنفسيات ، وحفظ كتاب مقررات الوطنية والقومية العربية ..
فالقدرة على صنع الخصوصية العربية أمر لم يأخذ مداه في مدارج الجامعات ، ولا في الطبقات الكبيرة والصغيرة ، وفي مؤتمرات الجامعة العربية للثقافة والعلوم .. فالمقاييس التي تتوسط دماغ العربي ورؤيته لم تتحدد بإطار يفرغ زمن الهزيمة واللا مبالاة ليضع نفسه في مواجهات التحدي .. فحالات الصحو المؤقت لا يثيرها الا تلك الصدمات التي تصنعها المفاجأت الدولية كغزو إقلیم ، أو افتعال تهديد بالغزو .. أي أن الانفعال السريع والغاضب ، هو ( الانزيمات ) الأولي في تقييم الصحة العقلية ، وهنا تحدث التصدعات في هذه الشخصية بمجرد زوال هذه الأسباب ، وتشغل هذه الفورات العاطفية باتجاه عدائي ومعاكس من أطراف تربح في اللعبة العربية ، وكان العقل العربي مجرد ( سبورة ) في صف مدرسة تفتش عليها الحروف (بالطباشير) وتزال في لحظة صفارة مراقب المدرسة .. ولهذا صار الشك في جدوى إثمار الشخصية العربية ، وتفريغ الوحشية المطلة دائما على سمائه ، والتنويم المغناطيسي ، وحالات اللا جدوى ، وصنع وهم التمزق الداخلي ، واحتلال هذه التعابير للإنتاج الفكري ، هي تباشير انهزامية ، ومصروفة من الجيوب الكبيرة التي تضعنا في صف الرق الدولي الذي لم يتحرك إلا من داخل تعطيل عقلنا وإرادتنا ..
فقد طرحنا كل عيوبنا واسقطناها على عداء العالم لنا وهي حالات تجرد قوتنا الذاتية من الحسابات التي تراها العقليات المنصفة..
فالشعور بالعزلة والانطواء عن العالم وتشييد بناء مستقل بنا ، وبسياسة غير تبعية ، ومعرفة وظيفة المهندس والتفريق بينها وبين وظيفة عامل التليفونات أو بين القوى المتصارعة التي فرغت عبوات ناسفة في طرقنا ، وتسمية ذلك أنه صنع قوى الاستعمار الدولية والشيوعية العالمية ، هو انحراف عن الالتزام الأخلاقي بقيمة الشعب العربي كله ، ونسف إمكاناته ، وجعله لا يرى من الألوان إلا الأسود .. فمثل ما هو موجود فاصل ثقافي وحضاري بين مرحلة وأخرى في التاريخ البشري ، فإن هناك فارقا بين الغباء والجهل .. فالأول وراثي ، بينما الثاني حالة طارئة وقابلة للزوال ولكنهما في الشعوب قيمة سهلة الاستثمار للقوى المستغلة..
والشعب العربي ، رغم عشرات القنوات التلفزيونية ومئات الصحف ووسائل الإعلام الأخرى ، قد يهتم في نقل زفاف ( كارولين ) أكثر من اهتمامه بفيضانات النيل في السودان وتشريد وقتل المئات وآلاف ، وقد تسهر كل محطات التلفزيون لنقل مباراة العصر بين (محمد علي) وأحد خصومه ، ورؤية أنها أهم من نشرة تصدرها اليونسكو عن نسبة الأمية العربية ، أو أثر الكتاب في الثقافة العامة ..
هذا الاهتمام الزائد، بالأخبار الصغيرة أو التقليدية العالمية وإهمال جانب مهم في حياتنا، ما اسبابه؟! وهل هو تقليد إعلامي وشعور بالتطور أو أنه جزء من أزمات صنعناها لأنفسنا، وأعطيناها كل الأسباب الحيوية.. فمثل ما قيل أن (الغباء خبر عالمي) فإن التغابي عندنا يصل إلى أكثر من خبز وماء.. فمثل ما يضع (الكاريكاتير الغربي اللباس العربي رمزا للجهالة والوحشية في القرن العشرين ، فان الصحافة العربية أو بعضها ترسمه كأسلوب تندر يرمز إلي ضخامة الكرش وصغر الرأس ، أو تمثال ممسوخ (لدلال) يمارس تجارة الغباء..
الأزمة إذن هي صناعة جماعية ، ومثل ما توزع التركة للورثة ، فإن مشتركون في قبول هذه الأزمات..
• فلا تخطيطا اقتصاديا..
• ولا وحدة عسكرية..
• ولا اتفاق على موقف سياسي…
• ولا تحطيم لعوائق تمازج الفكر العربي..
وبين احتواء كل نظام لنظرية دولة قوية سنبقي بدون شخصية مميزة، وستزداد حالة الانطواء، والكتابة على موانئ ومطارات العالم (ممنوع دخول العربي )!
صفقات البيوت الجاهلة
مثل ما كان موسم “جيم” جدة الشهيرة ، طرح مشاكل زواج السعوديات الجامعيات من غير جامعيين ، وساح على صفحات الجرائد زواج السعوديات من غير السعوديين – كما أشارت مجلة النهضة الكويتية في أحد أعدادها – واعتبرتها ظاهرة تقدمية بخروج بنت الخليج والجزيرة العربية من عقدة المحلية ، وحيث أن هذه امور و – بحساب التقاليد – مفسرون ومنظرون ، فجانب يأخذ الرفض والتطرف في هذا الموقف ، بينما فريق آخر يتخذ الحيطة وإن كان مع موقف بحيز الوسط بين الحلين ..
لكن ما يعلو السطح هو أن البنت أصبحت ترى أن لها صوتا مؤثرا في الاشتراك بحالة هي طرف مهم فيها .. ولكن يبقي أهم من هذا هي مشكلة الزواج عموما..
تصوروا مثلا الزواج يكلف بأحد مدن المملكة أكثر من سبعين ألف ريال في الحالات العادية وأصبحت المنافسة على الزيادة تغطى بدعاية كبيرة من والدي الطرفين ، وصار عودة بيوت النخاسة مفتوحة للمزادات العلنية فيمن يدفع الأكثر يتزوج ، بغض النظر عن كل الوجاهات المتوفرة بالعريس..
وإذا كانت مثل هذه الأمور يحلها الزمن وبحالات الوعي بها ، فإن مثل هذه الظاهرة سيكون مردودها أخطر ، لأن ليس كل شاب متخرج حديثا من جامعة أو معهد ، وأمامه ظروف قاسية سيستطيع توفير مثل هذا المبلغ ، وسيكون الزواج من الخارج أمرا حتميا..
وبالمقابل ستصبح الفتاة عرضة لمصير يهدد شبابها بفعل سلطة الوالدين ، وأمور كهذه تحدث يوميا ، ولم تصبح مشكلة يتعرض لها كل مسئول من رجل الدين إلى مدير أو مديرة المدرسة ، وحتي إسهامات الإذاعة والتلفزيون بعقد ندوات تحلل هذه الحالات الاجتماعية ، لم تصل إلى قيمة تذكر.. وهي حالات أهم من بعض المسلسلات السخيفة ..
إن ما نشعر به أو نراه أمر بدعو إلى تجنيد کل الوسائل في طرع حلول تصف خطورة ما سيصبح عليه أمر الشاب والفتاة في المستقبل ومخاطر هذا السلوك على تشجيع أمور نتمني أن لا تصير في مجتمعنا..
فحالة الشاب المتعلم ، والفتاة المتعلمة بمكن أن يسعدا إذا ما كان الزواج قران لا يعني على تسديد الديون في وقت يمكن للزوجين – بدخولهما المادية – بناء أسرة مثالية ومتعاونة ، وهي فرص لم تكن متوفرة للجبل الماضي.. غير أنه إذا بقيت الحال على مجراها الحاضر ، فإن الوظيفة والتعليم لن يكونا البديل عن الزواج ، بل سيكون هذا التعليم حالة تتعدى نظرية القسمة والنصيب وانتظار (الخطابة) أو دفع الفتاة إلى شريك في عمر والدها.. إلى باقي التعاسات التي تحصل في بعض البيوت والتي تنتهي – غالبا إلى مشاكل الطلاق أو المطالبة بإسقاط حقوق الزوجة ، أو إعادة كامل المهر للزوج!
مثل ما قلت أن هذه أمور يحلها الزمن ، ولكن لماذا نجهل أن الفتاة أصبحت تعرف أنه بالإمكان عرض أسلوب يتم به الكيفية التي يكون عليها المهر ، ويتم الاتفاق على مبلغ معقول بين الزوجين لكي لا يميل جنة الزواج إلى تعاسة وتحطيم بقية مشاريع أسرة تريد أن تؤمن سكن معقول بإمكانات معقولة .. ورأي الفتاة أمر أقره الإسلام ولذلك فمن حقها أن تعرف طريق مستقبلها ، وتساهم في حل عقبات تقاليد ليست من الإسلام ، ولا من منطق العصر الذي تغيرت به كل طرق الحياة..
المسألة شائكة ويمكن أن نسمع رأي الفتاة والشاب حول المشكلة وبالحدود التي لا تتعدى تقاليدنا وروحانیاتنا .. ويبقي فتح الباب لكل وسائل الإعلام لمعرفة رأي شبابنا في عقدة تخفي وراءها احتمالات يصعب التكهن بمستقبلها ..
أقوال .. وشعر ..
• ما اليوم إلا ذكرى الأمس ، ولا الغد إلا حلم اليوم –
جبران
وأبكي على المجد الذي كان دونه
على ركبتيه – الدهر – من خشية يجثي
الرصافي
خطرات النسيم تجرح خديه
ولمس الحرير بدمي بنانه
(****)
لو كانت الأماني خيولا، لركبها الشحاذون!!
(****)
التاريخ: 28 – 08 – 1398هـ
0 تعليق