أعتقد أنه من باب المبالغة، لو قلنا إن لنا بداية جديدة مع المسرح، وأظن أنها تكون كذبة كبرى لو استرسلنا بهذا الحلم، وقلنا إننا نملك بدايات التقاليد المسرحية المتعارف عليها..
الذي نعيشه الآن مجرد حركات عشوائية، لم تصل إلى حالة التجارب الأولية لتأسيس البدايات الأولى لشخصية مسرح خاص بنا.. كل ما نشاهده مجموعة من الممثلين الذين لا يملكون إلا الجانب الضيق من الموهبة والحماس الكبير لخلق عمل يصل إلى المقبول، ولو بعرفنا نحن..
ما نطلق عليه مسرح للعرض أو خشبة المسرح، هي مجرد قاعات صغيرة وضعت أساسا للمحاضرات أو الندوات، أي بين مشاهد وشخصية، أو شخصيات ثابتة تتحدث عن موضوع إصلاحي، أو توجيهي وهي تشبه تماما أي صف مدرسي أو جامعي، بين معلم وتلاميذه ولذلك فنحن نفتقر إلى أبسط أوليات المسرح، وهو مكان العرض، ولو بالمفاهيم التقليدية لمسارح النهضة، أو المسرح التقليدي بكل معايير الأشكال المفهومة..
ثم نأتي إلى الأهمية الأخرى وهو النص المسرحي، أو العقدة التي تواجه المسرح العربي عموما، وربما تكون الأسباب كثيرة وعويصة سواء ما كانت محاذير سياسية، أو ما يقال إنه ينافي الأعراف والتقاليد، وبذلك أصبح النص يضع تحت طائلة التعسف الكبير من قبل هيئات الإجازة وغيرها..
وقطعا نحن لم نصل بعد إلى وجود الكاتب لأن ذلك مرتبط بجملة مشاكل أهمها بالدرجة الأولى ندرة من بملك هذه الموهبة أساسا..
لنعود لطرح المشكلة بأبعادها القائمة دون حرج، وبلا مبالغة أو مكابرة ، فالذي نواجهه الآن مجموعة من الممثلين المجتهدين عثروا على نص عربي أو عالمي وأرادوا أن (يسعودوه) ثم حملت هذه الأثقال إلى من يقال له المخرج، وهذا بدوره يعمل بجهده وفق منظور ما يستطيع تحقيقه، وتكون النهايات بداية العرض، وحديث طويل عن المشكلة، وظروف العمل المسرحي، والضغوط التي يواجهها هؤلاء المجتهدون في بناء شيء ما يطلق عليه مسرحية سعودية..
بطبيعة الحال لابد لكل جديد على مجتمع محافظ أن يواجه مشاكل عويصة لأن التقاليد هنا لها صفة الموقف المضاد وقوة التعبير ولو بالقوة، لذلك كان إثارة اسم مسرح أو مسرحية، يعني ارتباطها بتقاليد غربية متفسخة، ولو أن هذا التحامل بدأ يخف حين أصبحت شاشة التلفزيون تقوم بالتعويض النقل المسرح كاملا للعرض العام على كل المواطنين بمختلف اتجاهاتهم وآرائهم.
هذا الأمر أجبر كثيرا من شبابنا المتحمس أن يقبل على المغامرة بإيجاد نوع من المحاكاة للأعمال المسرحية العربية وتقليدها وكان المسرح الخليجي، وبالذات المسرح الكويتي، هو النموذج القريب الصلة لأبناء الجزيرة العربية عموما رغم أن هذا المسرح بعيش البدايات المتواضعة سواء في حقلي (الدراما) أو (الكوميديا). هؤلاء الشباب أصبحت نزعتهم إلى خلق مسرح ما هاجسا كبيرا خاصة لأن الحوافز التشجيعية تأتي من الشارع، وأعني جمهور المتفرجين الذين تدفعهم مشاكل الحياة المتطورة في مجتمعنا إلى مشاهدة أي عمل يعكس هذه الظروف بكل أبعادها الاجتماعية لكن المأزق الأساسي أن جملة العقبات نشأت بأن طموح هؤلاء الشباب المجتهدين اصطدم بواقع مر وعنيد كان أحد أسبابه من يملكون الإشراف المباشر على هذا النشاط..
هيئة المسرح، ونقول هذا تجاوزا، ربطت بجمعية الثقافة والفنون، وبدون تحامل أو إنقاص من جهود الآخرين، نقول إن الجمعية على الرغم أنها تستقل بميزانية خاصة وتشكيل إداري خاص أيضا، إلا أنها لم تستطع أن تقدم أي شيء يذكر، يؤخذ بحساب مسرح حقيقي..
أولا: لأن الجمعية حاولت أن تتوسع بقطاعات الفنون المختلفة، والنشاطات الأدبية المتعددة، وهي حالة مقبولة لو أن العاملين في هذا الحقل على كفاءة ادارية وأدبية كاملة، وبالتالي جعل شعب هذا العمل ترتبط مباشرة بالمختصين كل في مجاله المطلوب …
ثانيا: أن الجمعية تمارس نوعا من الإشراف والتنفيذ الذي لا يؤهلها بطاقتها البشرية، القائمة ولا أقول المادية، بأن تلم بالأعمال الأدبية والفكرية والتراث الشعبي مرورا بكافة الأنشطة لتصل إلى أن تكون القضية والقرار في العمل المسرحي هما من ممتلكاتها الخاصة رغم العجز الظاهر بإدارة التنفيذ على وجه قريب من التكامل..
ثالثا: أن الجمعية تبنت المسرح كنوع من الوظيفة لا أكثر لتظهر بأنها تؤدي دورا معقولا، وبذلك اعتمدت على جهد العاملين من الخارج وبإمكاناتهم الخاصة، لا إمكانات الجمعية، وهنا كانت الصلة شبه مقطوعة بين هؤلاء الجماعات والشخصية المركزية للجمعية..
في هذه الظروف جاء ما يقال له مسرح، لتعلق لوحة.. كبيرة عند العرض المباشر، أو التلفزيوني بأن هذا عمل الجمعية السعودية للثقافة والفنون!!
ومع تقديرنا للجميع نحاول أن نبسط القضية إلى حدودها الدنيا حتى نعمل باتفاق تام على نقل هذا النشاط المسرحي إلى ميدانه الفعلي..
فالجمعية نسيت أن المسرح مدرسة كبيرة جدا تأسست من آلاف السنين، وأنه بدون إيجاد الأسس ووضع الكيان الأول، لا يمكن أن توجد أعمال مسرحية مهما حاولنا أن نلبس أنفسنا قناعات خارجة عن القانون..
فالممثل لا يحتكم فقط لكفاءة الحركة والموهبة، أو تقليد الآخرين ضمن مساحة خشبة المسرح، إذ لا بد من تكامل الموهبة مع الوعي الكامل بشروط المسرح، ونحن نعرف أن هذا غير ممكن طالما لم يتأسس معهد خاص بخلق هذه الكوادر وانتقاء النوعية التي يمكن أن تقوم بدور الممثل الحقيقي..
وطالما أننا في حقل ضيق يعتمد على الخيار العضوي، فإن المسرحية لم تستغل بذاتها لأن الجمعية نفسها لا تملك مفاهيم وشروط قيام مسرح حقيقي..
ولو حاولنا أن ننصف المجتهدين من الذين يسعون لخلق البدايات المتواضعة لعرفنا أن الدور الذي قام به الممثلون والمؤلف في مسرحية (تحت الكراسي) هي غير الصورة التي لم تتضح لنا..
فالعقبات التي جرت قبل العرض تجعلنا نتنازل عن كل العيوب التي صاحبت عرضها وبشكلها القائم..
فالممثلون هم الذين يخططون للديكور، وينصبون المسرح، ويطلبون إجازة النص من مختلف الجهات الحكومية، إلى درجة أن مصاريف ما قبل العرض، تحملها هؤلاء دون أن يكون للجمعية أي مساهمة تذكر، وهذا القول تستطيع الجمعية أن تكشفه مع كل الذين شاركوا في إخراج المسرحية..
إذن في هذا الجو كيف سيتم خلق مسرح تشرف عليه الجمعية، وهي التي لم تشاهد ممثلة بأي مسؤول عن عرض تلك المسرحية وهو أمر محزن تماما، بل إن البطل الرئيسي بالمسرحية كانت مكافأته التي حصل عليها لا تزيد عن (2500) ريال اشترى بها دعوات لأصدقائه لحضور العروض التي استمرت لمدة عشرة أيام!!
وبصرف النظر عن كل ما أحاط بتلك المسرحية سواء الجهود المضنية التي تكلف بها المؤلف، أو تجميع الممثلين وإخلاصهم ومثابرتهم على إنجاز ذلك العمل، فإن ما يحيط بالقضية يجعلنا نتفق أن الجمعية غير قادرة أن تعطي نفسها حق التصور أنها وراء ذلك العمل، حتى لو دفع العنوان الأصلي فوق المسرحية إنها من نشاط الجمعية!!
لقد تأخرنا كثيرا في ايجاد المسرح الحقيقي، ولا نعتقد أن هناك تعارضا بين ما هو قائم، وما يجب أن يكون.. أي أن المسرح أصبح موجودا على شاشة التلفزيون حتى لو كان المنفذون بلدا عربيا.. كذلك فإن الدور الذي صار يقوم به (الفديو) بنقل أي مسرحية إلى العرض الخاص بالمنزل، ألغى مفعول الخوف والحذر من أن المسرح عمل مضاد قد يفرز تناقضات تخرج بالتقاليد الاجتماعية عن محافظتها أو سلوكها السوي..
فالمسرح لم يكن على هذه الصورة التي حفظناها عن خطأ، وتجاوزنا الإيجابيات الصحيحية له كأحد العوامل في تثقيف المواطنين ونقل تجارب الشعوب، أو تصور التاريخ واستنباطه على اسس حضارية أو جمالية معاصرة.. إن المسرح أصبح ضرورة اجتماعية، مع الأخذ بالاعتبار أن قدرتنا على توجيهه ورصد أي تجاوز مضر هو أسهل من السيل الجارف للأفلام التي هي بمتناول أي شخص كان.. ومن هذه البدهيات لا نتصور أن اتجاهنا المعاصر بامتلاك مصادر كبيرة للثقافة والتنمية الاجتماعية تضيق بالعمل المسرحي، وبنفس الوقت لا بد من جعل البداية ترتكز إلى موجبات طبيعية، أي أن من يتولون عمل كهذا لا بد من توفر عناصر التأسيس المتعارف عليها، لا جعلها نشاطا هامشيا ترتجل تجاربها فئات غير مؤهلة..
وإذا أردنا أن نتبنى تقاليد مسرحية، والعمل على تأكيد هويته وفق حياتنا المعاصرة، فإن الشروط الأولية لإخراج نشاط كهذا تتلخص في..
• ايجاد معهد يرتبط بإحدى الوزارات ذات العلاقة بالشؤون الثقافية ويكون هذا المعهد بداية لتدريس الفنون المسرحية..
• تجميع العناصر القائمة من ممثلين، ومؤلفين ومخرجين ومن تبعهم بحقل الأعمال الفنية الأخرى، وإنشاء جهاز من هؤلاء يعمل على خلق مسرح تجريبي، ثم مسرح عام، والتقاط الكفاءات اللازمة من المدرسة والشارع حتى تتسع دائرة هذا النشاط ليعم كافة القطاعات الأخرى.
• إعادة تنشيط المسرح المدرسي، والجامعي، وانتقاء النصوص وتوزيع الأدوار ولو بشكل عفوي لخلق وعي مسرحي صحيح بين مختلف الطبقات الشابة..
• إيجاد مسرح حكومي.. وآخر أهلي لخلق منافسة مقبولة بين هذين القطاعين، واخضاعهما للأنظمة التي تقترحها الهيئة أو الإدارة الحكومية التي يتبعها هذا العمل..
• القبول بعروض مسرحيات عربية على خشبة مسرح محلي تتفق وتقاليدنا وظروفنا الاجتماعية، بغية إثراء تجاربنا ممن سبقونا في هذا المجال، وإعطاء أكبر الفرص للاحتكاك والتفاعل مع مختلف المدارس المسرحية العربية والعالمية..
• تشجيع المؤلف المحلي واعطاؤه الثقة، وإفساح المجال لكشف كنوزنا التاريخية، وكذلك تراثنا الشعبي، وجعلها المصادر الأساسية في تنشئة جيل من الكتاب لهم الحاسة الخاصة بمشاكلنا وقيمنا الأصيلة..
أعتقد أن هذه اشارة خاطفة، وأدرك أن الدور المطلوب يفوق سطور هذه الصفحة، وبكل تأكيد فإن الخيار بين أن يكون لنا مسرح أو لا يكون أمر تقرره عدة ظروف لا أملك إلا أن أدعوها للمشاركة في طرح هذه القضية، والاحتكام إلى المنطق في المعالجة حتى لا نتيه في الحيثيات، وننسى القواعد الاساسية التي يمكن أن يبنى عليها المعمار الفني للمسرح.
إن الجمعية، وغيرها ممن لهم صلة بالثقافة الوطنية لا يستقلون بذاتهم عن المشاركة، ولذلك فإنني أقول إنها مجرد محاولة في بسط موضوع أصبح هاما في حياتنا المعاصرة، ولعل الهدف الأساسي أن نتجاوز عقدة الخوف، أو التردد، وإن كان الموضوع لا يتصل بمجال المصاعب الكبيرة التي تخيفنا، طالما أن الواقع أكسبنا شرعية إنشاء عمل مسرحي خاص بنا..
وإذا كنا ندخل في المشاركة بمجالات عربية وعالمية في مختلف الأنشطة الرياضية والفنية، فإن المسرح واحد من المجالات الحيوية في انعكاس ثقافة الوطن، ومستلزمات إبرازها لا تقل أهمية عن تلك النشاطات.. ولذلك يبقى الموضوع يستحق الدفع ممن لهم قوة القرار وتلك أمنية لانزال ننتظرها..
التاريخ: 25 – 11 – 1403 هـ
0 تعليق