قبل عدة سنوات قامت مؤسسة (فورد) بدراسات للإدارة والاقتصاد في المملكة، ومن ضمن ما ارتكزت عليه معلوماتها، أن الإدارة هنا بنيت على جهود خريجي الجامعات النظرية، وخصت بذلك من تخرج من كليتي الشريعة واللغة إلى جانب مساهمة الكليتين في الميدان التعليمي..
وقدمت دراسة أخرى من البنك الدولي لم تخرج عن نفس الإطار عن فاعلية القوى العاملة بالمملكة ومردودها الاقتصادي.
لكن إنشاء معهد الإدارة، وديوان الخدمة المدنية، والتطورات التي حصلت بعد ذلك من إنشاء عدة جامعات وتراكم أعداد جيدة من الدارسين في الخارج في مختلف التخصصات جعل الصيغ الأولى سواء في التخطيط العام للإدارة، أو ما يختص بوجه آخر عن محصلة التنمية وظروف تطورها أو عثراتها..
وإذا كانت القاعدة الأولى في التخطيط للقوى العاملة تنبثق من أجهزة التعليم بمختلف درجاتها وتخصصاتها، فإن هذه الأجهزة لم تتماثل، أو تحاول السير مكيفة مع خطة الدولة العامة..
لنأخذ مثلا بعض الاهتزازات في مجال التعليم، وحتى على مستوى المراحل الثلاث التي تسبق الجامعة..
فمن معاهد المعلمين الابتدائية والمتوسطة والثانوية إلى المدارس التي حاولت أن تجمع التعليم المهني بالنظري خاصه بالمتوسطات الحديثة ((قديما) إلى الثانويات والمعاهد المهنية..
وفي المرحلة الحاضرة، الكليات المتوسطة، والثانوية الشاملة ومراكز العلوم والرياضيات.. ثم أخيرا نظام اليوم الكامل، أو تأخير ساعات الحضور للمرحلة الابتدائية إلى الساعة الثامنة صباحا بدلا من السابعة، دون مراعاة لزحمة مرور الموظفين والعاملين. الخ..
بهذه الكيفية نقول إننا لا زلنا في مرحلة التجارب حتى في المناهج للصفوف الأولى الابتدائية.. الصورة التي تستعمل وسيلة غريبة عن الطالب أو الطالبة.. فهذا بيت على شكل (كوخ) يناسب مناخات سويسرا، وهذا شكل مدرسة تشبه مركز جمرك في بيروت..
ومشكلة التعليم في هذه المقدمة أطرحها كأساسيات أولية في مجمل خطط الدولة، لأن هذا الطالب هو المرتكز الأول لأي قوة انتاجية للمستقبل، وفارق التعليم بين الماضي والحاضر يقع ضمن أخطاء نتجت من مصادر عديدة أهمها فتور القابليات على وظيفة التدريس وتضخيم المناهج، والفرص المتاحة في لائحة الامتحانات التي هي جزء من (المجلوبات) من الأفكار الخارجية التي لا يمكن هضمها بسهولة..
وقبل الخوض في المشكلة الأساسية، وهي الاستراتيجيات للتنمية من رؤية خاصه فإنني أعاود النظرة إلى محاوله التحديث في التدريب أو ما يسمى بـــ «المستوى المتوسط للتدريب) الذي تنهجه معظم الدول النامية والذي غالبا ما يتخرج منها أنصاف أطباء ومهندسين وعلماء.. وهذا المستوى من التعليم كان يبنى على أفضليات خاصة قد تصل إلى أن تكون طبقية أو عرقية خاصة في المراحل التي كانت معظم دول العالم الثالث تقع تحت استعمار مباشر..
وإذا كانت مسائل التدريب المهني الآن ترتبط مباشرة بالخصائص التنموية لأي قطر، وحتى المتقدمة تقنيا، فإنها في بلدنا تكون أوثق علاقة وضرورة، حتى أن قفل تلك المتوسطات الحديثة التي كانت تجمع بين المنهج النظري والتدريب المهني كان خطأ لأنها كانت روافد ممتازة للمعاهد الثانوية المهنية والأقرب إلى التخصص..
إننا كبلد يندرج مع البلدان النامية من حيث الإنتاجية وتعدد الكوادر حديثه النشأة، وكذلك مستويات التدريب والتعليم لم نعان مشكلة التمويل المالي بسبب الدخول الكبيرة من البترول.. هذه الدخول إلى جانب مميزاتها الكبيرة أحدثت بلبلة في العلاقات الاجتماعية وكذا الاقتصادية مما جعل الإنفاق بشكل كبير على كل شيء بغية مسابقة الزمن في الحصول على أسرع المميزات في التحديث في الإدارة والمصنع والصحة، ووسائل الاتصال والطرق.. الخ..
هذه المشاريع صاحبها بعض الاجتهادات في التصور مما نتج عنه أخطاء هي حالا تكثر في أي دولة لها هذه الظروف، وقد حدث أن كان هناك شعور بالخوف، أو التردد من المشاريع الكبيرة، أدى إلى الطريقة المتبعة وهو الاستعانة بالشركات الأجنبية من كل الاتجاهات، وأخص أكثر الشركات الاستشارية التي دخلت الباب الكبير من كل نواحيه..
ففي المجال الإداري لا أعتقد أن الضرورة ملحة لهذه الشركات إذا ما عرفنا أن معهد الإدارة مثلا والجامعات وإعداد المتخصصين في الإدارة العامة وإدارة الاعمال، والجيش الضخم من أصحاب الخبرة في هذه الأجهزة الحكومية يمكن بتضافر هذه الجهود والتخصصات تحقيق تطوير جيد من خلال كفاءاتنا المحلية..
وإذا ما افترضنا أن هذا الأسلوب ناجح في المجال الإداري، فإن هناك عشرات المؤهلين من أصحاب شهادات الدكتوراة، وشهادات الماجستير تستطيع سد فراغ كبير في حقل الاستشارات الهندسية، والزراعية والاقتصادية.. وغيرها..
فالمصادر التي تتغذى منها هذه الشركات هي مراكز المعلومات والاحصاء في كل وزارة، بل إن أفكارا جيدة ورائعة من عقول وطنية استطاعت أن تستفيد منها هذه الشركات، وتعممها باسم الخبرة الأجنبية، ووصلت إلى الاستعانة بالمكاتب الوطنية الاستشارية في مساهماتها مقابل عمولة معينة، وهذا بحد ذاته اعتراف بالكفاءة الوطنية..
لكن ما هي الصفات السلبية في بعض هذه الكفاءات؟؟..
البعض يأتي وبذهنه أن تكيف الوظيفة حسب مؤهله، وهذا ما جعلنا نختلق مسميات بالوظائف (ارضائية)، وخلق معها جيش من الكتبة، والأثاث الفخم والتطورات الحالمة الكبيرة، مما زاد الإرباك الإداري وخلق جبهة “عاطلة” غير مستمرة رافقتها أفكار شبه خياليه، وكان هذا على حساب خطة الوزارة وتراكم أعداد من الموظفين بدون عمل، بدليل أن أكثر الوزارات شعرت أن هناك تماثلا في أكثر أقسامها وأجبرتها الظروف على عمليات الدمج، والتوجه إلى إلغاء أكثرها..
على الجانب الاخر نجد حلم البرمجة، وإدخال الآلية، واختصار القوى البشرية أمام المغريات التي طرحتها شركات ومؤسسات القطاع الخاص جعل بعض المبشرين باسم التحديث يطرح البدائل بشكل تعسفي، وغاية في التعقيد والتكلفة..
مثلا غزو (الكمبيوتر) هو في المحصلة الحقيقية مطلوب، لكن ما هو الإعداد لهذه الأجهزة وكيف تتم البرمجة، وعلى أي أساس يمكن ملاحقة تطور عائلاتها.. ثم من هم المؤهلون لإدارتها وصيانتها وتخزين المعلومات فيها؟
هنا نقول إننا بحاجة إلى ما يسمى بــ (المستوى المتوسط للتدريب) أي استحداث معاهد متخصصة لهذه الغاية..
. وشيء ثالث من سلبيات كفاءاتنا العليا هو الابتعاد عن مجال التثقيف العام أي بطرح أفكار تقريبية للمواطن عن المشاكل التي تواجهه، والأساليب التي يجب أن يتعامل معها، أي الانطواء داخل هذه التخصصات واعلان الاحتجاج المبطن..
مثلا هذه الجريدة حاولت سحب كثير من المؤهلين إلى التعامل مع المواطن من خلال توقعه للنتائج الايجابية أو السلبية من واقع تخصصه ودراسته، ولم تفلح الجريدة لنظرات ربما أنها تتجاوزها الحقيقة.. فالذي يسود هو أن طرح اسم أي (دكتور) البحث عن شهرة ومنصب، وممالقة القارئ، ذلك أنه من بين صفوف الجامعيين من يراوح في دراساته وكتاباته لدرجة الازدراء، بل وصل إلى أن أكثرها ينقل أو يترجم حرفيا من كتب أجنبية..
أمام هذا التصور تحول موضوع المساهمات في طرح الأفكار والدراسات للمواطن إلى هيبة، وتخوف، وهو الموقف السلبي في مرحله يحتاج كل مواطن إلى تطويع كل الأشياء وتحليلها واعطاءها المفهوم الملائم لحركة تصاعد تطوره..
أما الفئة الثالثة فهم الذين تستوعبهم الجامعات والمراكز الحكومية ومعهم خبراتهم ومؤهلاتهم، لكنهم داخل هذه المروحة الكبيرة تكون إسهاماتهم مشتتة وموزعة، وبهذا ترتفع درجات انتاجيتهم بالقدر المطلوب..
وجانب آخر هو الهجرة الكبيرة إلى قطاعات أخرى لا تتناسب أبدا وتخصصاتهم، وهذا بحد ذاته إهدار خطير لخبرات نحتاجها في مجال التخطيط والتنفيذ، وهذا يدخل في أزمة الطفرة المادية الحديثة التي حولت هذه الأنماط عالية التأهيل إلى صفوف التجار الصغار في الأراضي و(السوبرماركت) أو وسائط للتجار من الخارج..
مما تقدم يبدو أن الأزمة هي في أساسيات التخطيط وعدم القدرة على استيعاب هذه الكفاءات بحدودها الدنيا أو القصوى..
فالإدارة والمدرسة كما قلت تشهدان الفرق في التصور والسعي وراء نظريات فرضت تجاربها علينا من خارج امكاناتنا وواقعنا..
إذن هل نقول إن ذلك ينطبق إلى حد ما في بعض المجالات؟.. نحن نعرف أن هناك عشرات الدراسات ترقد (بالدواليب) في أكثر من جهاز.. بل وقد تجد دراسة مماثلة عن نفس المشروع قامت ادارة أو وزارة أخرى وبواسطة شركة استشارية تنهج نفس الغاية والأسلوب للدراسة الأولى، وقد لا تختلف إلا باختباراتها وقد لا تختلف بلغتها ولا مصادر معلوماتها..
من هنا نقول إن البحث عن بديل عن هذه الشركات في خططنا العامة يمكن توفيرها من موجودنا من الكفاءات التي لا تقل بأي حال عن الخبرات الأجنبية لا سيما وأن أصحاب الدراسات العليا هم من متخرجي جامعات أمريكية وأوروبية نستعين بخبراتها ومؤسساتها بنفس الكفاءات المحلية..
وإننا بحاجة إلى تقييم هذه المواقف برؤية وطنية لا تعوزها الشجاعة في توضيح هذه الجوانب، واسترداد هذه الكفاءات للإسهام بطرح حلول وبدائل بصيغ تتناسب والأعراف والتقاليد التي نسلكها، وتأخذ بالجانب الإيجابي، سواء في التخطيط أو الإشراف..
وإذا كان هناك خطوة في سحب هذه الكفاءات إلى الإسهام بالخطط القادمة فإن هذا أبسط الايجابيات التي يجب أن ندرك مؤداها، والأقل في الاتجاه إلى التصحيح والابتعاد عن عقدة (الكهنة) الخارجية وأننا في مرحلة الأصفار لا الأرقام..
إنني أتقدم بهذه الافكار وأعلم أنه ينقصها التخصص، والمفردات في الطرح العلمي، ولكنني أدرك أنه ربما يصلح بعضها للمعالجة المفردة..
وتحية لكل العاملين بصمت..
الأصلاء.. والثقافة!
جميل أن يحدث تفاعل بين الفئات المثقفة العربية بعيدا عن المزايدات السياسية أو الحزبية، أو التصور بعلوية ثقافة عربية على أخرى..
لقد كانت الأيام الماضية مجال لقاءات مع بعض مثقفي الخليج، وتلمس هذا التقارب في الأفكار والمبادئ، وحتى الهموم في المشكلات الثقافية..
وإذا كانت متماثلة المنابع والأصول بين سكان هذه المنطقة مما يلغي هذه التراكمات من الحواجز، فإن الرؤية والتعليل والتوافق يكاد يؤسس هذا الإطار من الترابط الحسي والفكري، وهذا ما يجعل العلاقة عفوية أي بدون تلك المجاملات التي تلمس منها المبالغة في الحديث والطرح، وحتى النفس المفتعل عندما تلتقي ببعض – لا كل – المثقفين العرب، هؤلاء تشعر وأنت تعالج هموم الثقافة العربية أنهم يطرحون مناقصة فكرية قابلة للدخول إلى المكتبات، والأندية الثقافية من باب (التجارة الثقافية)..
هذه النوعيات تكون صلاتها بالانتساب للفك العربي من زاوية الترويج لمفاهيم خاصة بها فقط، وهذا التصدير شربناه وأكلناه مع المسميات القديمة مع أنها مجال احترامنا..
فإمارة (شوقي)، وعمادة (طه حسين) والأخطل الصغير وغيرهم.. مرت لأن تلك البيئة بحاجة إلى هذا التصنع وكسب الألقاب، لكن هذا العصر يرفض أن تكون الثقافة مجرد مبادلات تجارية تكتب للاستهلاك ووراء أي موجة تخوض معادلة غير صادقة مع المجتمع والانسان..
أقول بصرف النظر عن محاولة ايجاد وسائط افتعالية من بعض بائعي الكلمات، فإن شبابا من الخليج يشعرك بهذا التقارب أن هناك من تدفعه الحاجة الثقافية للاستقصاء والكتابة والبحث لغاية الثقافة ذاتها لا لإعلان (الماركة المسجلة)..
حول الأرقام العربية!
الأخ (ص . م) من الرياض كتب يعالج مشكلة الرقم العربي الذي يستعمل حاليا على نطاق عالمي، وعربيا في دول المغرب العربي، والعراق التي نهجت هذا الأسلوب حديثا..
الاخ يقول إن هناك بحث في مجلة العربي عدد “186” الكويتية بقلم “عبد الستار أحمد فراج” وأنه فند هذه الدعوى لعدم استنادها إلى حقائق تاريخية سليمة..
وأنا أحب أن أطمئن الأخ أن هذه الصفة لا يمكن أن يعطيها الغرب لوجه الله لو لم تستند إلى أكثر من مصدر وأحب أن أشير إلى دراسة المستشرقة الألمانية (ريفر يد هونكه) التي عالجت هذا الموضوع بمصادر لربما أكثر من مستندات “خراج” ثم إنه على الصعيد العام يعتبر التعامل مع هذه الرموز الرقمية واعطاءها المسمى العربي يرجع إلى أن (الصفر) وهو المعجزة التي حيرت الاكتشافات الرياضية الأولى استطاع العرب أن يكتشفوه ويحلوا هذه العقدة الأزلية..
شيء اخر لقد قرأت دراسة قديمة لا يحضرني اسم الكاتب والكتاب أن الرمزين سواء (الهندي) أو العربي كلاهما في الأصل عربي أصيل، ويرجع ذلك الباحث أن هذا الرقم (العربي) كان في الأصل مبنيا على شكل هندسي مثلا (2) هي عبارة عن زاويتين هندسيتين.. الخ
يبقى شيء أخير هو أن هذا الرقم الذي نستعمله لا زال ساري المفعول في الهند وإيران وباكستان، ولكن في تحريفات تختلف عن الرسمة العربية الحالية..
وإنني أطرح هذا الموضوع ليساهم فيه المختصون لأنه قبل أن يكون عربيا أو لا عربيا يجب أن تكون الحقائق بتاريخية واضحة ومفهومة حتى لا يقع في اللبس أجيال قادمة، أو تتطاول على منجزات تاريخية أخرى.. وتحية لهذا الصديق..
التاريخ: 19 – 03 – 1400 هـ
0 تعليق