الحياد.. والحياد العربي!

آفاق | 0 تعليقات

الحدث الكبير، هو ليس عقد مؤتمر القمة العربي (بعمان)، ولكن الحدث هو أن تصل المفاهيم إلى عكس التصورات التي لم تحقق عند المواطن العربي.
والمؤتمر بحد ذاته تظاهرة عربية متجددة، تحمل الهموم والمشاكل، والخلافات، وما يسود خارجه أن العرب لا يحتاجون إلى منجم أو مفسر ينتهج جميع المعلومات ورصدها، ثم الخروج باستنتاج تام تبنى عليه بقية الاستراتيجيات الأخرى
العربي – وكما هو ظاهر – مفسر من خلال اذاعته، وصحافته، وأحاديث زعمائه، وهذه ليست الظاهرة الوحيدة لهذا الوطن، بل أن هناك من يرصد أمور صغيرة جدا ليكثف منها حدثا، ساخرا، أو مدسوسا، ونحن نعيش حالة الغبن والظلم من الإعلام المعادي، بينما نحن الذين نقدم له المادة الميسورة بدون ظلال أو حجب.
واقعنا يجب أن لا نخجل منه، وإلا لأصبحنا نعيش حالة الكذب على الذات وسلخها عن واقع خارجي نجعله “المرجم” الذي نقذفه بحجارتنا، ومع كل فروض صلاتنا نلعنه كشريك للشيطان، وأنه الأساس في معظم أفراحنا وبؤسنا!!
نحن لا ننكر أن مجمل ظروفنا ليست متعلقة بحد فاصل بين ذاتنا ومختلف المؤثرات الداخلية والخارجية، ولا نستطيع أن نبتعد بتصوراتنا لقراءة الحواجز التي تفصلنا ذاتيا عن التعمق بهذه المشاكل وتحليلها بنظام ومنهج عقلاني.. الأمر لا يتعدى أن نعرف النقطة التي نستطيع أن ننطلق منها، ولكن بدون حساسيات، ولا مركبات نقص، أو اعتبارنا توابع في أفلاك خارجية لا تضمر لنا إلا الزيادة في الانكسار والتقوقع، ومن ثم النفاذ إلى داخل عقولنا وأحاسيسنا..
ليس الأمر أن نلتقي على «الأدنى” من الحلول، ولكن هذا الأدنى، إذا كان ضمن خطة طويلة توصل إلى الأعلى، فإن هذا طريق قد يوصل إلى نتيجة طالما أنه توجد أوليات، لكن أن ترتكز كل مؤتمراتنا وخططنا إلى جداول جديدة كل عام، رغم عدم زوال أي أزمة، فإن هذا يعني عدم وجود منهج وبالتالي طريق موصل إلى حل..
قيل انه اجتمع “تشرشل – هتلر – روزفلت” في مؤتمر.. وفي الاستراحة جلسوا على طرف بحيرة، أثناء ذلك استهواهم صيد سمكة كانت تسبح حولهم..
“هتلر” أخرج مسدسه.. أطلق ثلاث رصاصات على السمكة، ولكنه لم يصبها.. “روزفلت” قذف بنفسه داخل البحيرة.. طارد السمكة، ولكنه لم يفلح باصطيادها!!
ضحك “تشرشل” من حماقة الاثنين.. تناول ملعقة الشاي التي على طاولته، وبدأ ينزف الماء من البحيرة بالملعقة.. سأله «هتلر»

  • “ماذا تفعل يا مستر تشرشل بهذه الملعقة”؟!..
    رد تشرشل
  • “إنني أريد تفريغ البحيرة من مائها حتى أستطيع اصطياد السمكة”!!
    الدلالة هنا سياسية أكثر منها مزحة.. تشرشل استعمل سياسة النفس الطويل مع خصومه، رغم عدم التكافؤ بالقوة، ولكنه استطاع، بعد الحرب العالمية الثانية أن يتوج منتصرا، لأنه عرف كيف يحمي بلاده بتصرف عاقل من ويلات الحرب المدمرة..
    إذن هل نحن بحاجة إلى النفس الطويل في حل قضايانا العربية، مهما كانت الصلات المقطوعة، أو المتصلة؟
    الخلافات الناشئة، أو الثابتة هي دائما ليست جوهرية بدليل أنها مرة تلبس ثوب “الأيديولوجية” وإن كانت الحقيقية التي تتصف بها هي إما شخصية ألبست موقفا ما.. أو إقليمية أوجدت بصورة مغايرة لأي هدف عربي..
    وهذه الحالات لم تنعزل أبدا عن السلوك العربي، والغرابة، أو المأساة أنها تتخذ أحيانا صفة المحور لليمين، أو اليسار، وصف المعتدلين – بالتقييم السياسي العربي – غير موجود – لأن الوسط في عرفنا موقف سلبي ومتناقض مع أننا أحوج الأمم لهذه الوسطية
    الوفاق العربي – العربي ممنوح اجازة طويلة..
    فالإعلام أصبح يرتبط بمزاج حاجة الدولة، ومرتبة الشرف التي يحظى بها الصحفي، قد نذبحه عند الجانب الآخر، لأن التغذية الإعلامية ليست لحل المشاكل العربية بقدر ما هي تكريسا لهذا التباعد، وصار صاحب الصوت الأعلى هو الذي يكسب المعركة والرهان وربما القضية..
    وفي السياسة تبقى القضية الفلسطينية على لائحة الشرف، كل المواثيق والبيانات المشتركة تشير إلى “أنه ليس هناك من حل لقضية الشرق الأوسط ما لم تحل المشكلة الفلسطينية، والاعتراف بمنظمة التحرير أنها الممثل الرسمي لكل الفصائل الفلسطينية”..
    ولبنان هو مطبخ الآلام العربية، ومذبحها.. فلو اختلف مدراء البلديات في قطرين عربيين، تفجرت (عين الرمانة، والبسطة) وقتل عشرات اللبنانيين..
    ومواسم الانتخابات الأمريكية سلسلة متتابعة نفتح لها دفاتر شعرنا بالهجاء، والغزل، ولكننا نفتقد إلى التحليل الطبيعي والثابت لسياسة أمريكا.. ونغرق في فلسفة التحولات الجديدة لأوربا، والفيتو “السوفيتي” البعض مواقفنا، وتطربنا خطب دول عدم الانحياز التي امتلأت ملفات الأمم المتحدة بإداناتهم لتجاوزات اسرائيل وعنصريتها!!
    ومن خلال افتقادنا الى الأدنى من وحدة الصف على الاقل، فإننا نفتقر إلى الحياد الايجابي، بمعناه الصحيح، وإلى القضايا التي ترتبط بالسياسة..
    والحياد المطلوب هو ليس لمرحلة معينة، أي بالمعني المحدد خلق استراتيجية عربية موحدة للتنمية الشاملة.
    فالتعليم تحكي بيانات احصاءات وزارات التربية والتعليم العربية بأن الأمية تتراوح بين 80% إلى 55%، وعلاقة التعليم بمختلف مناهجه بالتنمية العربية أساسية إلى أبعد الخطوط في أي تنظيم اقتصادي..
    ومعنى هذا أن الخطة العربية المطلوبة للقضاء على الأمية بشقيها التعليمي، والسياسي، لا توجد إلا بمؤلفات الأساتذة المتخصصين في التربية..
    مثل ذلك الأمن العسكري، والغذائي، وهما مركب واحد لحماية أي طموح حضاري..
    فالرقعة العربية، كما تقول منظمة الأغذية والزراعة، تستطيع غذاء ضعفي سكان العرب، إذا ما استغلت بالطرق الحديثة، وأدخل عليها الوسائل التقنية..
    والقوة العسكرية أخذت ما بين الربع، إلى الثلث من صافي دخول أكثر الدول العربية، مع أننا نملك الطاقة البشرية والمادية في تأسيس برنامج للتصنيع الحربي، والبحث العلمي، وخلق كوادر تبعد عن السياسة، ولو مؤقتا، في بناء قوة عربية موحدة، تنتشلها من الخضوع لمعسكرات اوربا وأمريكا.. شرقها وغربها..
    ومسألة التكامل في الاقتصاد العربي، يجب أن لا نخضعها لأسلوب “التراجيديا” الحديثة، بحيث نطلب أن يكون رأس المال العربي يأتي طوعا لمشاريع التنمية، دونما وجود أسس تحمي هذا الرأسمال، من تقلبات النظم الاقتصادية العربية..
    ولأن هذا المال – نظريا – شراكة بين الأقطار العربية كلها، فإنه في الواقع المعاش ليس كذلك، ولن يكون، طالما أن عوامل الثقة معدومة، وقيود تنقله تنقصها أبسط الأمور، وهو تحييد العمل الاقتصادي، وانتزاعه من الانقسامات السياسية..
    قد يكون الرابط بين السياسة، والاقتصاد لا ينفك بسهولة، ولكن تطويع السياسة أسهل من تطويع الاقتصاد، وهذه لغة عرفتها جميع الدول المتقدمة وبنت عليها مصالحها الاقتصادية قبل السياسية..
    في الصحة كما في باقي الأزمات العربية عموما.. لا يوجد “ثابت ومتحول” نحو تحسين وتطوير الغذاء والدواء..
    هناك مئات الآلاف من الأطفال منهم دون سن الرابعة عشرة يعملون في الورش والمصانع، ونسب كبيرة من الرضع يموتون في سن مبكرة..
    بل وإن المأساة تتعلق بالمرأة حين تشاهدها في بعض المطارات، والشوارع العربية تقوم بأعمال النظافة والبناء، وتؤدي واجبات يعجز عنها تكوينها “البيولوجي”
    وهجرة الأدمغة العربية، جزء من انحسار طاقة اقتصادية وبشرية هامة، والأمر – باعتقادي- لا يتعلق بقضية تحسين الظروف المادية لهذا الشخص، أو ذاك، بقدر أنه لا يوجد المناخ “المحايد” الذي يستطيع أن يبني فيه ابداعاته وعطاؤه، بدليل أن أكثر الدول العربية ممن حاولت جذب هذه الطاقات كان هدفها “الاحتواء” السياسي، قبل الانتفاء بتخصصات وقدرات تلك القوى المهاجرة..
    الحياد العربي المطلوب، ينصب، أو يجب أن يرتكز على التنمية العربية الشاملة، بشرط واحد هو أن ننفق على سياسة داخلية بحتة ولو اختلفنا على السياسة الخارجية..
    الشخصية العربية منقسمة على ذاتها، لأنها تخضع بكليتها ومزاجها، وتربيتها إلى “اللا حياد”، ومسألة “الأدنى” من الحرية الذاتية للمواطن العربي لا تزال في غياب النظم والدساتير..
    فمن أول كتاب القراءة في الصف الأول الابتدائي، إلى شهادة الدكتوراه، في القانون، لا يوجد حد وسط يمنح هذه الشخصية جزءا من أمنها أو ثباتها النفسي.
    ولذلك تعطلت مجالات العطاء، والاستكشافات، وصار الهم القائم، هو ملاحقة الثبات في ترضية أي شخصية تملك الأمر والنهي، واحتجاز أي ارادة يقوم ضميرها ووجدانها على المواطنة العربية..
    الشعب العربي، ندرك أنه ينمو ببطء، ولن يموت، ولكنه أحوج شعوب الأرض إلى الثبات، واختصار عمر الزعازع والخلافات.. وهو أحب شعوب الكون على القبول “بالحياد” لأنه الأرضية التي يمكن أن تعشب عليها مواسم جديدة، لتمنحه، الغذاء، والأمان، والحياة..

العقاريون الطلبة!!

طلبتنا بالخارج ليسوا خارج تكويننا الاجتماعي، ولا نعرف أنهم محاطون بعظمة خاصة، عن طلبة جامعاتنا الداخلية..
لقد افترق المحللون لوضع شبابنا بالخارج، ولكن قد تكون النية الحسنة هي المسيطرة، في طرح أبعاد ظروفهم، وتكيفهم، وامتزاجهم مع البيئات الخارجية.
قطعا، الهدف المعلن، هو اكتساب تعليم ومعرفة جديدة، وإن تراوحت سبل التحصيل من طالب لآخر، بحكم ظروف كثيرة ومتعددة.. لكن السمة الظاهرة أو الطاغية، هو أن طلبتنا يعيشون مرحلة “الدلال” – وهي وإن كانت تسمية قاسية، فإن السلوك المسيطر على معظم المبتعثين للخارج، وبالأخص أمريكا، يعيشون مستوى ما فوق الطالب، أو حتى الموظف المتوسط الدخل..
نحن نعرف أنه يصرف للطالب “۷۸۰” دولارا أمريكيا وكثافة الطلبة في أمريكا يزيدون عن أي دولة أخرى، وهي سياسة قد تكون مفيدة، وإن كانت الأغراض التي تعطيها محدودة، بمعني أن الطالب ليس في كل الحالات يتفوق عن نظيره في أوربا، وإن اختلفت الإمكانات والمجالات الدراسية.. أي أن الجدية في الجامعات الأوربية، أو ما يسميه البعض “في العقد النظامية” لتلك الجامعات لا تمنح الطالب التسهيلات التي تمنحها أنظمة جامعات أمريكا..
فأوربا تقيم تحصيل الطالب من بداياته، ولا تعترف بنظام الحافز بعد التخرج، كما تفعله الجامعات الأمريكية، بدليل أن نسبة الفشل لطلبتنا في كلا النظامين مختلفة تماما..
ففي حين لا يحصل الطالب على تأهيل عال في الطب أو الهندسة، أو حتى في العلوم النظرية، إلا بعد عشرة، إلى خمسة عشر عاما في اوربا، نجد أن نصف الوقت يقضيه أي طالب في أمريكا..
الشيء الثاني، أن النسب في التحصيل مختلفة، ومفترقة خاصة إذا ما أخذنا النسبة بين المجاميع هنا، وهناك..
فأمريكا لها وسائلها في التسهيلات، التي لا تحدث في أوربا، ولذلك تنعدم الجدية، أو ملاحقة الطالب، وهذا ينبع من أن شخصية الجامعة هي التي تفرض هذا النظام خشية على سمعتها..
الحالة الأخرى، أن المبلغ الذي يعطى للطالب قد يزيد عن حاجته، ويوسع الرغبة في التمتع بوسائل تخرج عن الهدف الأساسي لابتعاثه..
من بين الحوادث التي تروى – مثلا – أن طلبتنا هناك تحولوا إلى سياح من الدرجة الأولى..
(شقة) ممتازة، سيارة فخمة، قارب للتمشية، صرف هائل.. ويقال – والعهدة على الرواة – أن التحويلات من العائلات العقارية حولت الطالب هناك إلى شخصية اتكالية مريضة، وقد لا تتشاءم ونقول إنها ستعود علينا مزيفة..
نعرف أن الدراسة نوع من الجهاد، وتحتاج إلى تضحية، وبنفس الوقت، لا نعتقد أنها يجب أن تكون اجازة مفتوحة، مدفوعة المصاريف وبنفس الوقت لا أحد يرغب أن يحد من حرية أي طالب ينتهج سلوكا مرضيا..
إن الباعث عن الكتابة في هذا الموضوع، ليس الوصول إلى جدلية عقيمة، ولكن الهدف الخروج بحل لا يربك الطرفين..
فالطالب يفهم أن الأسس الأولى للتربية في الخارج الاعتماد على النفس، وعلى هذا القياس لا نجد مبررا سليما أن تزيد مصروفاته، كطالب، عن حاجته، وإلا لدخل السلك الوظيفي، بكل سلبيات الموظف، وإيجابياته
الحل إذن، يحتاج إلى إعادة نظر في مختلف الأساليب في البعثات، والتركيز على جامعاتنا الداخلية السبع التي تستطيع أن تستوعب حاجتنا من الكفاءات غير النادرة..
كذلك نحن بحاجة إلى التفاعل مع الشعوب الأخرى، ولكن نحتاج إلى تربية وطنية سليمة لا بداخلها الشعور بالفوقية، أو الاتكالية.. وهو الأمر الذي نلتقي جميعا عنده..


لايليا أبو ماضي..
لو أنني يا هند بدر السما
نزلت من أفقي إلى مخدعك

وصرت عقدا لك أو خاتما
في جيدك الناصع أو اصبعك

أو بلبل الروض ما لذ لي
الإنشاد إن لم يكن في مسمعك

ولو أكون الارج الذاكي
لما هجرت الروض لولاك

وما حواني غير مغناك
ولم أفح حتى تكوني معي


التاريخ: 18 – 01 – 1401 هـ

مقالات مشابههة

التقابل.. والتضاد!!

التقابل.. والتضاد!!

في عدد الأحد الماضي من جريدة الرياض رقم 5412 في 27/6/1403 كتب معالي الدكتور "عبد الله التركي" مدير جامعة الإمام محمد بن سعود مقالا عن فن التعامل مع الظروف...

شارك برأيك

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *