وجه (الفلس)!

آفاق | 0 تعليقات

الساعة وقطرها حركة الدقائق والثواني لا تعنيه بشيء، ما يدركه أن اليوم يبدأ بحركة دائرية تبدأ من الشرق وتنتهي بالغرب..
لم تمتلئ أيامه بمشروع أو قضية كبرى.. حساباته لم تصل إلا إلى الكيفية التي سيقاوم بها يوم غده..
العالم بالنسبة له لا يصل إلى الوعي المتكامل.. ينتظم أو لا ينتظم، ذلك ليس مشكلته، طالما أنه لم يوقع عقدا دائما وثابتا في حركة الأشياء ودورانها أو تفتتها إلى نواة.
ظل بدون عقدة ذنب من أحد.. شكله الغريب إلى حد ما، أو كما صوره له من تصادف معهم، ليس قضية تسكن وجدانه، أو تضعه في غربة عن كونه الصغير.
الهدنة التي فرضها على نفسه هي استعداد جديد للحرب مع الحظ والمصادفات لأنه بقرارة نفسه لا يؤمن أن السكون محطة ثابتة.. الفراغ القاتل الذي يشعره بلا جدواه، هي ساعات النوم التي يسجل بها وقائع ومشاهد غير قادر على تحقيقها أو تجاوزها..
اسمه أيضا لا يقرر نتيجة، أو يغير من طبيعة الأشياء، وإلا لتقدم بذبح “خروفين” وتوكل على الله، واختار اسم الجواهر والعقود والصبح إذا تنفس!.

ناوله “المعروض” سأله الموظف

  • “العنوان.. لو سمحت”؟
  • “حلة بن سالم”!.
  • “هذا الاسم لم يوضع على خارطة المدينة”؟!
  • “اسأل البلدية”!.
  • “تسخر بكلامي”؟!
  • “ومن قال انني عالم جغرافيا، حتى تطالبني بالمواقع والأمكنة”؟!
  • “لكن هذا مطلوب رسميا”؟
  • “وحلة بن سالم الوقعة شرق سوق الجراد، ومبيعة “الكراتين” من جنوب ما تعجبك”؟!
  • “أعطيك عصا تأدبني”؟!
  • “ومن قال انني عريف فصل ابتدائي”!
  • “ومن اللي أعطاك تعريف بحسن السيرة والسلوط”؟!
  • “شف التوقيع والختم وتفهم”!

لم يفاجأ وهو يتلقى النتيجة راسب بالحصول على المرتبة “الثانية” لأن القرار الحتمي عرفه من المقابلة الأولى..
ابتسم حين عرف أنه لبس “طاقيته” مقلوبة، قال بنفسه:

  • “الخيار أن تضحك من نفسك على نفسك”!

قال سائق “التاكسي” وهو يدلف داخل السيارة

  • “يالله صباح الخير.. تباركو بالنواصي والبقع”!
    رد بسخرية
  • “سقط حويكم من المطر”؟!
  • “على راسك إن شاء الله”!
  • “مصادم، عربجي”؟!
  • “أنت لسانك أعوج تبي لك مطرقة حداد تعدله”؟!
  • “وليش ما يصير “شاكوش” مثل شيباتك”؟!
  • “الحقيقة أنك متقاسم مع ابليس “القرادة”؟!
  • “ما ودك تدخل معنا شراكة”؟!
  • “أعوذ بالله منك وقرينك.. أقولك انزل لا تلقى شي ما يطيب خاطرك”!!

  • “بعنا المتر بثلاثمائة ريال.. والأرض الذي بشارعين بخمسمائة”!!
  • “والدلالة”..
  • “على المشتري”!
    الحوار الذي لم يعجبه بصيغة الإيجاز السريع، الكلمات عند العقارين تباع بالحروف..
    ضحك الجالس قبالته من تعليقه.. همس بأذنه..
  • “المساهمة كسبانة.. جرب حظك”؟!
    طوى الورقة المختومة، وعليها اسم المكان، والسجل التجاري، وموعد يوم الحراج الذي سيعلن عنه قريبا!

الهاتف يرن..

  • “شرينا بمكسب خمسين ريال للمتر”..
  • “معصبي.. دور لك مغفل”!!
  • “.. وبستين ما تبيع”؟!
  • “.. والدلالة ونيت عراوي”!!
  • “.. فاهم من يكلمك”؟!
  • “روكفلر”!!
  • “.. لا يا شاطر أنا الذي أدخلتك مساهم في وسط البحر”.
  • “.. لكن البيع تم بالصحراء”؟!
  • “.. دور خصمك.. وتلقى أحسن منها”!.

بين “الثنى والرباع”
قال البدوي..

  • “خاشرك جنى يوم تقول انه الخروف ما يضحي”؟!
  • “.. نعم جنى بدو”!!
    يستخف البدوي روحه الساخرة..
  • “.. والضحية عن الوالدين.. ولا “الجده”؟!
  • “.. إلى عرفت تبي تعطيني ببلاش”؟!
  • “عوج وشين ووجه الفلس”؟!
  • “ومتمسي ببدوي”!!

أمه تصرخ..

  • “عيد فيه بركة”!
    يرد:
  • “هرب خروف الجيران”؟
  • “نعجتك ماتت”!!

الباب الكهربائي ينفتح.. يدلف إلى السوق الكبير.. الناس في معركة سريعة مع الحاجيات..
العطلة الأسبوعية “ماجت بخير”.. قالها بوداعة.. أسقط بوسط العربة كيس البصل، وطبق البيض..
“شماغه” يلتف على أحد الأواني الزجاجية.. تسقط إلى الأرض..
زلال البيض يختلط بالزجاج وكسر الصيني.. موجة ضحك تتصاعد في المكان الكبير..

  • “.. الأخ ارفل..”!
    يعلق..
  • “.. بوجودك”!
  • “اللي يبدو ان فيه خطأ في قدميك”!!
  • “أي نعم.. حوس.. وافحج لكن لساني غير ملوث”!
  • “لكل من شكله نصيب”!
  • “فعلا.. وهذا ينطبق عليك.. فمكانك محل بيع عطور وساعات، وبعد المغرب وجه تلفزيوني”!!
    الحضور يفكون الموقف بصلح مؤقت.. المدير الإداري يصافحه..
  • “أعفيك من مسؤولية كسر الأواني”!.
  • “ولكنني لم أتقدم إليك بطلب التنازل”!.
  • “القضية غير ما تتصور.. ما يعجبني إنك أعطيت شقيقي درسا بحسن الأخلاق”!

“المدينة ليست موقعي الحقيقي”.. هكذا قرر بطوعه واختياره.. حمل عمال السباكة والبناء.. علق لوحة على دكانه الكبير “مؤسسة الاستثمار والتنمية والقومسيون لجميع المقاولات والاستيراد”!
قال “وطبان”!

  • “وحفار قبور.. ودكتور الصرع والصلع.. ما لقيت إلا التنمية والاستثمار”؟!
  • “.. ونوظفك صبي بالمكتب”..
  • “الحكي بالخواتيم”!
  • “الزين لو عندك مكتب استشارات تنقذ المفلسين، وتجار المراسلة والشنطة”!!
  • “يبدو أنك نسيت رفيقك اللي باع الأرض بالبحر”!
  • “.. وباقي انت تغوص فيها، وتجني اللؤلؤ”!.

قالوا انه “مقرود”.. وتسمى “بوجه الفلس” لكنه عرف أن المقاولات ومبايعة الذهب والمساهمات لم تؤهله أن يصبح تاجرا..
لاحقته الشرطة في كل مكان، الدائنون رضوا بأن يبقى سجينا، ولكن النتيجة في كل الأحوال صفر إلى أن أعفي عنه برمضان..
انزوى في بيت الطين الصغير في قريته الهادئة.. صار لغزا.. لا يتكلم ولا يتداخل مع الآخرين..
نسجت حوله أكثر من اسطورة.. لم يهتم لأنه على الأقل شغل فراغ حياته بالتجربة مهما كانت نتائجها الخاسرة..
ولأنه لا يحمل ما يثير الآخرين، صار جزءا من المنسيات.. لكن المفاجأة التي حركت شفاههم عليه تلك الحالة الشاذة التي أزاحت السكون عن حياته من جديد..
لقد وجد بملابسه الداخلية بسيارة العلف.. هكذا روى السائق القصة بدون مقدمات..
سألوه كيف بدأت الحكاية.. رد

  • “انغلق الباب الخلفي ليلا.. حاولت أن أدخل من أحد سطوح الجيران، لكن الذي انتهيت إليه أن أنام بالسيارة التي أمام بيتي.. وأكمل ليلتي”!
  • “والمفتاح”؟!
  • “في جيب ثوبي.. وبالمنزل المغلق”؟!
    قال جاره..
  • “علق ملحه على راسك”!
    رد..
  • “لك حق.. مقرود.. ووجه الفلس.. منين يجيه حظ”!
  • “غسل ثيابك مع تاجر”!
    تلعثم بالرد.. لكنه التفت إليه يقول بهدوء..
  • “جرب حظك قبلي”!

التاريخ: 21 – 04 –1403 هـ

مقالات مشابههة

التقابل.. والتضاد!!

التقابل.. والتضاد!!

في عدد الأحد الماضي من جريدة الرياض رقم 5412 في 27/6/1403 كتب معالي الدكتور "عبد الله التركي" مدير جامعة الإمام محمد بن سعود مقالا عن فن التعامل مع الظروف...

شارك برأيك

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *