عالم مسحوق في عرق وطين!

آفاق | 0 تعليقات

ميلاد مجموعة عبد الرحمن الشاعر (عرق وطين) في الستينات كان أول عمل يتزاوج وواقع تلك المرحلة وعندما أكتب عنها في هذا العدد ستكون المعالجة من واقع ديمومتها، او انتهائها كأي عمل لا يكتب له البقاء..
وعلى الرغم من أن المجموعة توزعت أحداثها على مناطق المملكة الثلاث الوسطى والشرقية والغربية، تبعا لرحلة الكاتب مع حياته الوظيفية فإنها أعطت بعض الملامح عن واقع تلك الحياة وما تجده من مرارة وفرح وانسحاق.. ولعل العامل الأهم في هذا التنقل أن أبطاله ينمون من الواقع ويتطورون تبعا للتحولات الاجتماعية.. فمن حالة الانسحاق، والبؤس، والبداوة، إلى حالة الوظيفة والعمالة إلى هجرة القرية إلى المدينة، والتشوق إلى عيش أفضل..
إن الطابع المأساوي الذي يغلف أبطال الشاعر لم يكن افتراضا عمل فيه الخيال دور الحاكم المطلق، إنهم صورة لتسلسل تاريخي عبره إنسان هذه الأرض إلى مواجهة الحياة بقوة طموحه وثباته على مصارعة القوى الطبيعية وغير الطبيعية، تلك القسمات على وجه المجتمع الذي يتحرك البطل من داخل رحمه.. إنه لم يكن مخلوقا عرضيا أوجدته المصادفة.. إنه أحد أجنحة مروحة التاريخ التي تتصارع فيها قناعات الإنسان مع هزائمه التي يصارعها كمخلوق نام وسط حركة الحياة من دافع إرادي، وبفعل نمائه في إطار الحياة على هذه الأرض الصلبة.
لقد كان الانسحاق والتمرد على الجوع والموت والتلاقي مع تلك المثل الضاربة جذورها في ذاته هي المحاورة الجادة لخلق وجوده
“إن السماء لا تمطر ذهبا” ولذلك فإن مجادلة الواقع ورده إلى قناعة أن الإرادة هي القوة المنتصرة وهي الحركة الساخنة، التي تغير طقوس المأساة وانه وسط ذلك لم يكن شاهدا متفرجا يدلي باعترافاته المحكمة الوهم لتطارده تلك العلل المهزومة بقدرية غير فاعلة..
لقد نما مع أبعاد الصحراء وانكسار أمواج البحر ومع أغاني الليل في تناسق سهل يغذيه ذلك العذاب الذي يطارده حينا بأحلامه وأحيانا أكثر بقوة إيمانه لذلك صور الواقع وحجمه وجعله منطلق أبعاده للحياة.

إن “بهلول” معاندا وساخرا من كل واقعه “ودحيم” ذلك الحالم البائس المكسور في سقوطه في أحلام يقظته.. إن هناك أكثر من وجه تزدحم به القصص الأربع عشرة وتتفاوت جودتها وضعفها تبعا لمعالجة الكاتب لها..
إن الشاعر يستخدم السرد المطلق والوصف البارع في مجالسة شخوصه بينما لم يستخدم الإيحاء الصامت والتعبير الموجز ليحل محل تلك الخطابية الإذاعية في بعضها ثم إنه وصى عليها في أكثر من موقف أنه لم يحاول أن يزاوج بين الحدث والواقع ويضع من التماوج الذي يوجد الموقف ويغذيه، لكن ذلك لا يجعلها لا تحيا بيننا رغم بعد الوقت بين صدورها وبين معاينتها بمقاييس هذا الوقت، إنها أحد الأعمال التي لا بد أن تأخذ نصيبها من الدراسة كمصدر لمتابعة تطور الكاتب الذي ربما تأتي مجموعته الثانية أكثر تحكما وأبعد تجربة من هذه المجموعة، لا سيما وأن نظرة الكاتب لها لا بد أنها تطورت تبعا لفارق الزمن بينها وبين ما ينشره في بعض الأحيان في مجلاتنا وجرائدنا المحلية.
“دحيم يا دحيم.. قم تعوذ من الشيطان وصل.. الصلاة خير من النوم.. ودحيم -ولدها- يأبى في عناد إلا أن يستسلم لهذا الثقل الذي يجثم على رأسه، ويخيم على صدره، ويتمطى للتخدر اللذيذ الذي يدب في أوصاله ثم يحرك يديه في الهواء كأنما يتحسس هذا الشيء الذي يقلق نومه، وتعود احدى يديه لتندس بين ركبتيه ويضمهما في بطنه ويتكور بهما تحت غطائه الثقيل الدافئ بينما تروح يده الثانية تعرك أنفه بظهرها وهو يهمهم ويمضغ الكلمات الغامضة فيلوكها ويطحنها بين أضراسه ثم يبتلعها وهي ما زالت غامضة مع لعابه.
دحيم شاب تطارده تلك الأحلام اللذيذة بأنه سيكون عسكريا بالدفاع وسيتمخطر في الحي ببدلته الجديدة وما يلمع على أطرافها ووسطها من أزارير نحاسية كذلك البريه سينجذب طرفه على جبينه حتى يغطي حاجبيه ويمشي فخورا رافعا صدره يطوح بيديه ويهز الأرض تحت وقع حذائه السميك “البصطار” ولمعت بسمة مغردة على شفتيه وهو يتخيل منظره على هذه الصورة وما سيكون لها من همس وهرج عند أهل الحي والفتيات، وخاصة “نورة” تلك الشقية الصغيرة بنت الأربعة عشر عاما، التي لعبت بشغاف قلبه، والتي يعلم الله أنه ما تقدم لسلك الجيش إلا من أجلها
ثم تتابع أحداث القصة.. فاليوم هو يوم الفحص الطبي الذي يتقرر بموجبه قبوله أو رفضه إنه سينتصر على تلك الحجج التي تطرده من المجتمع خاصة وأنه ابن اسكافي ترفض التقاليد الاجتماعية مزاوجته أو قبوله كواحد يعيش بينهم بكل قواه العقلية والجسدية.
وفي الظهيرة يعود إلى أمه “بدون بدلة ولا هي تحت إبطه.. وسحابة حزن تخيم على وجهه وتزم شفتيه ودموع تترقرق في عينيه”.. لقد سقط في الكشف الطبي ولم يعد يصلح للجندية لأنه “قليل نظر” وتنتهي تلك الآمال العريضة التي توسعت في نفسه وبرت حتى جعلته ضحية علة فسيولوجية لم تكن لها حسابات منظورة.
إن الشاعر يجعل التوافق بين خيبة الأمل والحلم هو الموقف الأكثر توازنا إن سقوطه هو الحداد الأول لذلك الطموح وأن الخيبات المتتالية هي التي أسقطت عليه واقعها بدون تدخل من أحد..
وفي (صاح) يغازل ذلك الحارس الليلي الظلمة انه (عسه) في شارع (خالد) في الخبر يرصد كل حركة إنه موزع النفس بين الواجب وبين جاثوم النوم، “إن المسألة مسألة واجب مع احتساب لو قدر وقبض على لص فإنه سيقبض (الشرهة) وهو في الحقيقة (مقرود) على حد تعبيره) لأنه له قرابة عام لم يقبض على حرامي” وتتصارع في نفسه آماله مع سكون الليل.. لكن تلك الحركة المفاجئة قطعت عليه أحلامه.. “وتابع خطاه على عجل نحو مصدر الصوت في ذلك الزقاق الضيق جانب الشارع.. وفجأة وكما تنقض الصاعقة انقض عليه الشبح.. و. و.. قبل أن يفلت يديه وكانت عصاه “العجراء” أسبق إلى أخذ غورها وهي تهوي بقوة وعنف على رأس الشبح..
رأس عجل مسكين أسكرته الضربة ودوخته فترنح وسقط يخور بلا حراك.
إنها نفس الخيبة في “دحيم” إن “الشرهة” تبددت على رأس عجل ولكنه على الأقل ذلك “العسه” الصاحي!
وفي “أحدب الحي” و”بهلول الراقص” ملتقي بعالم الشحاذين كلاهما يلتقي مع ذلك المصير العنيف إنهما سخرية الحي بسبب عاهاتهما إنهما عالم منبوذ كالجرذان الذي لا ينقل إلا “ميكروب” الطاعون.
أحدب الحي اسمه “جميل رغم أنه “مفقوء العين أحدب واسع الفاه يتصور عرش وجهه الأجدر أنف من الوزن الثقيل متور فوق شفته كجرذان أجرب.. أضف إلى ذلك أنه أفحج الرجلين” ووسط صياح الأطفال عليه من شارع إلى شارع تبدأ تلك القسوة تنثر مساحات كبيرة على احساسه وانه واحد من قافلة المنبوذين، ويعمر قلبه ذلك الهاجس الجديد لماذا لا يحترف اللصوصية ويخرق هذه العادة التي يحتمي وراءها باسم المثل العليا.. إنه نوع لا يصلح إلا لهذه المهنة.. “وإزاء هذه الدوافع الغرور بذكائي أخذت طريقي إلى سوق الخضار في “المقيبرة” وأنا أجر في أثري “قفتي” متذرعا بالحمالة وبدأت “الشغل” بادئ ذي بدء بوجل وتردد لكن مع الأيام أصبحت حذقا وجدتها مهنة هينة غبت عنها وأتيت إليها مسوقا دون أن أدري أنها بهذه السهولة”.
وبمرور الأيام ينكشف أمره بسرقة محفظة أحد الباعة، ويعود إلى أزقته يجر خيبته وعاره.
بهلول الراقص أو “موسى” حاج وفد إلى القرية “مربوع القامة مترهلها يتمازر بمئزر مرتق يحزم كرشه الكبير المرتج دائما أمامه تحت صدره المنحسر عنه القميص بشعره الأسود الكث وفوق هذا تربط عمامته فوق رأسه الصغير بعينيه الضيقتين دائمتا الجحوظ ووجهه الأسمر القاني دائما يضحك بشفتيه وحاجبيه وكل تقاسيمه..
دائما يضحك على كل شيء وغير شيء كأنما تم تكوينه في الرحم المظلم بهذه الصورة الضاحكة.
وتتالى الصور والأحداث على بهلول، يشحذ ويملأ مخلاته مشيعا بزفة من أطفال القرية، وسخرية كبارها لكنه رغم ذلك قانع بنصيبه من الحياة وأن عصاه هي الرادع لقسوة الأطفال لكنه رجل عجيب استطاع التغلب على “شيطنة” الأطفال وصار يقاسمهم رزقه ونقوده ويحكي لهم بتلك الفلسفة الرفيعة الساخرة عن عالم المكر والخديعة وانتصار القوة حتى في عالم الحيوان.. وفجأة يختفي بهلول ويترك للقرية ذلك السؤال الحائر هل هو ساحر، أو جاسوس أم أن سباع القرية أكلته ويبقى السؤال حائرا إلى النهاية..
إن أحدب الحي وبهلول ولدا من قاع المجتمع كلاهما يعانق القبح والفقر وكل منهما ينزع إلى ذلك التحدي الصامت، ولا يجد من مفر إلا أن ينحرف، أو يغازل المستقبل والنقاء بمصادقة الأطفال ويلوذ بتفويتهم كتعويض عن عالم بريء غير مغموس بالحقارة، إن العلاقة بين موسى وجميل هي علاقة الضمير الخائب في المجتمع، أن يعيب الشاعر في قصة أحدب الحي أنه لم يجعل البطل موصوف بضمير الغائب، وانها رغم قيمة الموقف والحدث جاءت أشبه بمذكرات بائس تترادف كلماته في أوصاف ساذجة ومواقف متداعية لا رابط بينها إلا ذلك السرد الذي كثيرا ما يدخل الشاعر كطرف ثالث بشكل لا إرادي أما بهلول فهو أكثر ترابطا لا في السرد، أو الحوار، أو المنظور البعيد إنها جاءت أفضل سكبا على الأقل من أحدب الحي.
“وأخيرا سقط المعلم” هي القصة التي تصل برموزها وزخمها إلى دائرة الضوء الجيد.. إن الشاعر في هذه القصة أعطى للشخوص وللمكان والزمان ذلك التناسق الجيد من خلال رصد الحدث وقيام ذلك التأزم بين الحاضر والمستقبل..
القصة تتلخص، أن مجموعة من الشيوخ في احدى القرى يوحدهم ذاك الملل يتجمعون في كوخ صغير يقرأ عليهم شيخ أعمش العينين على ضوء باهت قصص ألف ليلة وليلة وعن عجائب جزر الواق واق.. وفي هذه القرية الراكدة المستسلمة يقتحم عليها ذات يوم شاب، ليقتل تلك الرتابة والعزلة، يدخل إلى عمق ذلك الكوخ ليتحدث عن الحرب العالمية الثانية وعن هتلر.. إنه شاب درس في مصر وعرف أسرار العالم.. ويستأنس أصحاب الكوخ إلى حديثه ويحرم ذلك الشيخ من متعة تصدر الجلسة.. ومع الليالي “راح ذلك الشيخ ينكمش نفسيا ويضمحل معنويا كما راح كتاب ألف ليلة وليلة يتوارى من بين أحضانه إلى الرف ثم إلى خارج الكوخ.. ورأيت الشيخ يتململ في مجلسه على مضض وضيق ووجهه العجوز لم يستطع إخفاء مسحة الغبن والذل الذي دك كيان نفسه وهلهل صرح معنوياته”.
لكن الشيخ لم يستسلم لقد استطاع أن يقسم القرية إلى مؤيد ومعارض ومحايد، ويؤلف التهم للشاب ويقع فريسة الخطأ لكن “خبر براءته من تهمة اغتصاب امرأة، قالته بحذافيره المرأة التي تخدم الشيخ والتي ضبطت معه في داره قالت -وبكل صراحة- بعد أن تحرك قلبها ووعى ضميرها على صوت الشاب وهو يتعذب تحت السياط ليعترف.. قالت:
“والله إنه بريء وأنا الكاذبة وأصل السبب الشيخ.. نعم الشيخ فقد كلفني أن ألجأ إلى الشاب في داره وأشكو إليه عذابي وشقائي في خدمة الشيخ وأتوسل إليه أن يعتقني من ذلك.. وعندما أسمع وقع أقدام تقترب من بابه أنقلب صارخة ومولولة من براثن الشاب الذي يراودني عن نفسي”.
ويسقط الشيخ في حبل السلطة و.. “وهناك فوق الكشك لحظت العلم الخفاق قد انتكس وتداعى أمام موجة من إعصار الريح.. وسقط تحت الأقدام السائرة بالشيخ إلى ظلمة السجن.
إن عالم القرية، كما تمثله الشاعر، وتلك الرموز الحية بين الكوخ والشيخ، والعلم “بفتح اللام وسكون الميم” إنهم عالم متناسق تشكل حضورا حضاريا.. إن الحركة والتساوق ورصد المواقف وتأزمها، ثم تداخل الحاضر والماضي، والخروج من عالم مسكون بالصمت واللامبالاة، وهي الأبعاد الناطقة بتكامل القصة وحضورها في العقل، إنها هي النمط المتكامل في المجموعة بخط مرسوم ناجح.
وفي “متروك” ذلك الشاب المصدور الذي ينفث الدم من صدره ويعانق الموت في كل لحظة يتلاقى المصير الأسود وذلك التطلع إلى عالم لا يسكنه أشباح ترقد في صدورها الغل والحقد والحقارة.
شاب مقذوف في الشارع يجرجر خطواته إلى المستشفى ويقف في طابور كبير ينتظر دوره في الكشف على علته عند الطبيب.. “وكلما اشتد الزحام وهاج التناكب عصرته تلك الكتل البشرية ولفظته خارج الزحام. ثم يعود يحشر جسده يلهث بين الأنفاس المحمومة محاولا قدر جهده بلوغ باب الطبيب وليكن أول ذلك الحشد، بيد أنه لا يكاد يبلغ الباب ويحاول التعلق بمقبضه حتى تعود شدة الزحام فتلفظه بعيدا عن الباب وكاد آخر الأمر أن ينسل عبر ذلك السيب الطويل يائسا تاركا الطبيب وطبه إذ لم يعد له من طاقة تدفعه مرة ثانية للمزاحمة غير أنه لحظ باب الطبيب يتثاءب عن “الممرض” وينادي باسمه.

  • متروك بن سعد.
    ويرحل مع ذلك العذاب الساكن في وجدانه إلى محاورة الطبيب عن مكان الألم وأعراضه، إلى أن ينتهي إلى الشارع يجرجر خطأ العالم في صدره المسلول لينغمس بتلك الحركة الصاخبة التي لا تعيره أدنى التفاتة.. “وتحت ظل عمارة شاهقة طرح بجسده مستلقيا على ظهره بعد أن أحس بالتعب نال منه. وكذا هو لم يكن سائرا إلى جهة معينة، ليس لديه ألذ من رطوبة الرصيف البارد الذي أوجسها تتسرب إلى جسده”.
    إن متروك يحيا غربته بوجدان مذبوح، إنه يبصق جسده ودواخله على الرصيف، إنه “كسيزيف” يجاهد المجهول بوهنه بتلك الأنفاس الحارة والمطحونة بفعل القسوة وانه يمضغ سواد العالم ليكتنز ذلك السخط، والاحساس المكسور بخيبة الوجود.
    إن متروك هو الذي يحرك الأرصفة ويستعر لتلك الكبرياء بموته عقم العالم وسخطه.. إنه ديمومة المأساة مخلوقة معنا، إنه عارنا في كل خلية، وكل طارق وجداني لقد “مات دون أن يحس به أحد من البشر”.. هكذا يشرق بموت هذا الأنسان ذنبنا وقسوتنا.
    ثم تأتي بقية القصص على نفس المنوال، عالم متواجد وحاضر في الكون يغالب بصمت مرارته كما في “سعادة المدير” “وأبو عرب” وعالم ينتحر بالوهم ويهرب يخاطب الأسياد والأشباح كما في “الوهم القاتل” أو مشنوق برتابة الزمن -مع الوظيفة في سعادة المدير.. وغيرها.
    تبقى القصة التي عنون الشاعر اسم المجموعة بها “عرق وطين”.
    “عواد” اعرابي يطارده القحط وشح الطبيعة يغالب حياته بتلك الرقدة عند جذع الشجرة، يعرض شريط حياته وذكرياته بحرقة ساخنة وتتخاصم نفسه مع واقعه، لا بد من حل.
    لعل أخته “غزوى” أبصر منه وأبعد نظرا حينما أشارت عليه بالرحيل و”دورة الشغل” فأخذ بنفسه المترددة وقلب لها الأمر على أوجهه، وكان الواقع.. واقع حياته اللاشيء أبلغ مقنع له بالرحيل”.. وفي الرياض تنتهي كل تصوراته، إنه مغموس بالمدينة بأضوائها وسياراتها وحركتها الدائبة.. إن دهشته من هذا العالم تجعله لا يعرف الطريق ولا ماذا يؤمم أو أي جهة يمكن..
    وينقذه من هذه الحيرة رجل يوصله “كمب بن لادن”.. وتمر الأيام يتعرف عواد على حياة المدينة، ويعمل بقوة “بقوة المحتاج وبصبر الاعرابي الذي ينشد الكرامة وحياة الأنفة والإباء ولو من شرف الغبار و “العرق والطين”.
    إن القصة ليست إلا تلك الهجرة من البادية إلى عالم المدينة الصاخب تبعا لقسوة الحياة.. إنها قصة جيدة، ولكنها لا ترقى إلى مستوى “وأخيرا سقط العلم” أو “متروك”
    وأخيرا إن مجموعة “عرق وطين” هي مجموعة جيدة بوجه عام لكن ينقصها أو بعضها ذلك الترابط أو التداعي ثم إنها تجردت في أكثر مواقفها من الحوار والظل الهامس والتراكيب اللغوية الزائدة وتلك المداخلات التي يفرضها الكاتب كطرف، بينما الصحيح أن يبقى عنصرا محايدا مع شخوص القصة.
    أنا بانتظار عمل آخر ينزع إلى مستوى يحقق فيه الشاعر خطوة على الأمام في نتاجنا الحديث.

التاريخ: 19 – 05 –1398 ه

مقالات مشابههة

التقابل.. والتضاد!!

التقابل.. والتضاد!!

في عدد الأحد الماضي من جريدة الرياض رقم 5412 في 27/6/1403 كتب معالي الدكتور "عبد الله التركي" مدير جامعة الإمام محمد بن سعود مقالا عن فن التعامل مع الظروف...

شارك برأيك

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *