من كل الفجوات ومن الخلل والتصدع النفسي يخرج صوت الشاعر بدون اذن مسبق يتلاعب بأحاسيسنا وينفذ إلينا من خلال وجودنا إلى ذواتنا، ويشيع فينا الغربة، والموت، أو يطوف بنا إلى ما وراء المحسوس.. وأعني بالشاعر ذلك الذي يتراكم في ذهنه العالم ويفرغه لنا من خلال تجربته مكونات نواجهها بكل كينونتنا.
والأستاذ الشاعر (محمد المشعان) في ديوانه (نشوة الحزن) يواجه عالمه (السادوماسوکی) بالرفض وبالتسامح، يسطو في أحايين كثيرة على احساسنا ويفرغ فينا الفزع، أو يفاجئنا بمأساته الذاتية معلقة بيننا..
والمشعان واقع بين تراجيديا نعي النفس الإنسانية، أو رثاء عالمه.. ولكنه يضع اسقاطاته على الغضب، ويعلن بأسى شفاف هويته.. لكن الغضب سلسلة من الجهر بالأشياء، واستدعاء شرطة العواطف امام أحكام العقل.. ولكن الغضب حالة وقتية وغير متجاذبة مع أي قطب.. وهنا السر، أن غضب الشاعر ليس غضبا رائدا، أي ذلك الغضب الذي يرفض رتابة الأشياء وقبول ديمومتها ولكنه بذات الوقت، غضب غير متوحش.. إنه وسيط مأزوم لم يحدد على أي رقم يطرح خطه.. فهو انتقائي، ولكن يبقى في الأخير سلبي مشروخ الرأس وموزع العينين، والأذنين، فالسماع والرؤية عنده مقصورة على صوت الصدى المنغلق، إنه إرادي بفعل ظل الأشياء.. ومسلوب عند قوة التأثير فيما بعد الأشياء.. يتراوح بين المد العاطفي الجارف، ويجعل التبشير في حالات عديدة هي المسافة بينه، وبيننا، ولكن إذا لم يكن التبشير منطويا في واقع المجموع وبذات اللحظة فإنه تبشير مسلوب، وذو اشارة خاطفة لا تعلق بأبعاد التاريخ الحاضرة دائما في وعينا.. ففي قصيدة (الاجهاض) يقول:
الشعر للمبدأ السامي إذا غضبت
أوزانه أو أثيرت نخوة القيم
الشعر للموطن الغالي ومسيرته
من المحيط وحتى شاطئ العجم
وفي مقطع آخر من نفس القصيدة..
يا شعر إن لم تكن للدار ناطقها
مواكبا عزها في محفل الأمم
إن لم تكن شعلة في يوم غضبتها
حمراء تخضب درب المرتقى بدم
يا شعر إن لم تكن حواء ماثلة
في نهجك الحر أو في وزنك النغم
إن لم تكن خفقات القلب صارخة
باليأس بالأمل الفتان بالسأم
فلست يا شعر مني فيض عاطفة
لملم قوافيك واغرب فعل منهزم
إنه يعلن بصوت البطل الأسطوري الصارخ، صوت الوطن، ولكن بخطابية يكون الحقد وحده هو المبدأ، لكنه يفرغ محتوى هذا الحقد بمجرد أن تفقد هذه الكلمات صداها.. وفي قصيدة (أخي العربي) يحمل سورة غضب الرصافي وسليمان العيسى، والجواهري.. يخاطبنا بذات اللغة، وبنفس المفردات والمعاني..
إلى العربي
إلى من (عز بالنسب)..
الى من تاه بالخطب..
مدى الأيام والحقب
إلى من زاده شعر
إلى من علمه الكبر
تعازينا على ما ضاع
(بين الجد واللعب)
لكنه يعود إلى الانكسار والمرارة يحرق تلك الأحاجي تحصده أزمات تاريخ حاضر الوطن العربي.. إن الكلمات ليست ذات معنى إذا لم تتعانق بالقوة التي تصنع تاريخ الأمة.. إنه يلملم جراحه يصفعه الواقع ويثير فيه ذلك الأسى المنغوم..
فما في سيرة (العبسي)
إلا خدعة تردي
ولا في مضغك التاريخ
إلا منتهى البلوى
فدعنا ننهل الآلام،
دعنا ننشد السلوى
(قضايانا) لدى الأعداء
أسفار من الشكوى
إنه هنا أكثر تجسيدا للواقع، إنه لا يرويه بل يعيشه ويطوى فيه ذلك الأمل المعسول.. إنها كذبة الأحلام تنهره وتصفي ذلك الرصيد الضخم من معانقة صفعات تاريخ أمسى مصدر تعاسة، أو أنه الإنسان العربي المتعلق بأصنام الماضي.. وحتى في قصيدة (حديث المآقي) نفس اللوعة تخضعنا الى تراكم المأساة في الدروب الجديدة..
إني سأرجع للرسوم أبثها مكنون صدري
(سقط اللوى) أرداه (عمرو) ومن سخين الدمع يجرى
وتبلغ المأساة أشدها، وفي انجذاب للعدم، الذي صار ينظر للأزمة أنها حلول في الضمير، ولكنها متراكمة من أفعال التاريخ، ومن انسحاق العربي في التظاهر أمام الأشياء دون التأثير فيها.. والشاعر هنا يصاب بالغثيان يرفض ترتيل الأصوات النائية.. ويخضعنا إلى نوع من المباغتة.. فمن حالة التشنج والانبهار الى الاندماج في المأساة.. إنه يشرح ذاتنا بمضمون أكثر عفوية وأكثر ارتقاء من اخضاعنا للصوت المهزوم المنفرد بخصوصية المأساة.. إنه يشيع فينا الغضب من ثنايا الحب الخالق..
ونحن في انتظار
نحلم بالرواية المنمقة
وفجأة
ينعق في (محطة) الضباب
صدى غراب
يقول: فر الصيد من شباكه
وانتهت الرواية الملفقة
وعانق الأحفاد حبل المشنقة
وقام فيلسوفنا (هبنقة)
يلوك شعره قصائدا
يفر منها الدمع ما
(بين الدخول فحومل)
(معلقة) يتبعها (معلقة)
وهز أهل (المربد) الرؤوس
و(كررت) جرارهم
وهدوا بالطعنة النجلاء
ستقطر السماء
سيذبحون الشمس
في السماء
لكنهم لم يبصروها
كانت الجفون مطبقة..
ومن أجل الفناء في الوطن ينتشر دم (فلسطين) على الأرض العربية كشاهد لحركة الحياة، وكحضور في التاريخ الحديث.. إن الشاعر رغم الهزيمة في الحروب الماضية، فإنه يستشعر وجوده بعد حرب ۷۳.. إنه يصحو على أمل جديد وميلاد عربي لا يفنيه اليأس..
إني حلبت الدهر في سيناء في يوم الهجير
وعلمت حين تألم الجولان أني کنت (سوري)
النار يا شقراء تجري في دماي وفي زفيري
لولا جراءة يعرب لولا سويعات العبور
لولا المغير – مكبرا – يتلوه تكبير المغير
لاجتاح جيش اليأس آمالي وجافاني سروري
وفي قصيدة (لا عذر لي) نجد المشعان يواجه المأساة الفلسطينية بأكثر وعي.. إنه لا يريد أن يندبها أو يعانقها كمحبوبة سلبت، ولا يريد أن يراها محمولة بالنعش على أكتاف العجزة في دروب الجنائز.. وأنه يراها من خلال
البارود والمدفع..
ولماذا…؟
ولماذا لا أحارب؟
ذلك العدوان مدعوما
بآلاف التجارب
في حقول الغدر، في الأدغال
(في دنيا المصائب)
فلماذا لا أحارب
ولماذا أذرف الدمع
وأرجو عطف غاضب
ولماذا لا أحارب؟
وأنين المسجد الأقصى
يناديني، يعاتب..
وفي (بسمة المشرق) يكون المشعان أكثر سادية، رغم أنه يعانق حب الشقراء بكره اسرائيل والاستعمار.. إنه يخرج بثياب الشرقي أكثر وحشية فهو يعاود الكبرياء من خلال فحولته.. فهو كـــ (نزار قباني) في بعض مواقفه، يجعل من المرأة عباءة تسلخ وتلبس بأمر الرجل.. إنني أعيب على المشعان أن يصنع من الحب مواقف عداء.. الحب ليس له جنس أو لون إنه خط تقرأه كل القلوب بلغة واحدة.. وان التمثيل في الحب في ساحة مملوءة بالحراب والسكاكين، ليس موقفا انسانيا.. إن استعارة الشاعر للغضب باسم الحب ومداخلة الكره باسم الحب ايضا وتنمية العداء ليس حقدا يثمر في الاحساس متجاوزا الأزمة بين شرقية الرجل، وغربية المرأة.. إن الشاعر يتركنا أمام معضلة يتبادل فيها الرجل مع المرأة (حمية الجاهلية).. فالإثراء في خيال الشاعر في تصوير النقمة بانها خط لا تلتقي عليه نقطتان لا يحسمه الموقف المستشعر بالعجز.. إن الحب ليس وظيفة حقد أو تبشير في الاحتقار…. وإلا لأصبح الإخاء الإنساني جملة عرضية في الوجود.. هذا هو المشعان يقول:
لست جسرا فاحذري من غضبتي
لم اعد اهواك (يا بنت التي)
تدعين الحب بهتانا – وفي
رأسك المسعور تطوى سیرتي
وفؤادي يصطفى دقاته
نغمات في هوى (محبوبتي)
ودموع من مآقيك طفت
خشبية التوديع يوم الفرقة
فاسمعيها الآن مات الحب في
خافقي واختفى من مهجتي
وغدت ذكراك ذكرى قصة
نثرت فيها بقايا رغبة
اصبحت ذكراك سطرا تافها
ودخيلا في زوايا قصتي
سوف تمحوه – غدا – (شرقية)
عشت يا شرق يا (شرقيتي)
وبنفس الشعور والممايزة في قصيدة (الدبوس) يحاول أن يعرى الأشياء من بقية قيمها ويفرغها في محتوى عرقية الحب فهو يأخذ من حب (الغربية) سقوط الانسان العربي الشرقي، وهو رمز لا يحمل معنى متجددا وتوظيفه بحتمية منظور الشاعر لا يعطي البديل الأكثر أناقة في القصيدة.. إنها موازنة تنطلق من عقدة الحرمان، وهي حالة يتلبس بها الشرقي بحكم التقاليد الاجتماعية، وبذلك ۔ كما قلت – لا تشكل شطرا موحيا، أو هامسا للمعنى الكلى في القصيدة.. لكن الشاعر في المداخلات الشعورية منثور على مساحات كثيرة ومتخالطة في مواقفها.. فمن حالة الحب (السادي)، إلى الانطواء خلف حب مستسلم (ماسوکي) الى الاعتراف والانشداه امام قداسة الحب..
فهو ملون الصورة يعيش بين ترتيل الأصوات المنبعثة من وراء ذاته. إلى المداخلة بين تعقد الصورة أو انفلاشها بإيقاع ممدود يجعل المتلقي تسوده غيبوبة حسية.. فرغم أن الشاعر لم يستخدم الأسطورة بشكل مكثف، فإنه ما زال مأخوذا بالمناجاة القديمة للشاعر العربي (لليلى) وجيل (التوباد).. لكن الشاعر لا يفقد استخدام بعض الرموز مثل (قفا نبك) أو (الدهناء) والمسافع والبشوت، والسمر.. الخ.. لكنها تأتي في أكثر استعمالاتها عرضية، ولا تأخذ شكل استنطاق الموروث من التراث، على أن الشاعر في أكثر مواقفه ينتمي الى الحب المجرد، ولا يجعل منه موقف حماية لجنسه فهو في قصيدة (مرارة) يتنازل عن كبريائه وينسحق أمام حقيقة حبه ويعتبر الحب عند (المشعان) ليس دروشة، انه انفجار مغموس بألوان الحياة..
لقنيني مبادئ الزئبق اللامع
إني ضللت منذ البداية
وانسجي من نزيف قلبي شعارا
تتنزى في حافتيه النهاية
أنا (في حبك المدمر) صوفي
يعيش سخف الرواية
وفي مقطع يلتقي الشاعر بالمرارة والشعور باليأس القاطع..
سئم الليل صحبتي وجفاني
حين أشجيت صمته بالشكاية
يا سقيم الضمير لا يحقد الشاعر
أو يدعي عليك الولاية
قلبه الطاهر يحنو على جرحك
مستهدفا كريم العناية
وفي (آخر المطاف) يتنازع الشاعر الإبحار في الليل عبر الأنسام وعلى ظهر زورق مهاجر يدفعه سهاد (يمضغ الزمان)
الحب دفء نسمة تنساب بين الاضلع
فتثمر الحنين وتنشر الأنين
حين أراك ساهما مفكرا
وحينما يفر من جفونك الكرى
أعلم أن حبنا تجاوز الذرى
وكان مورقا فصار مثمرا
وعلى نفس المراوحة يعود الشك يقسم ذاته، وتنقض الكبرياء في نفس الشاعر، انه يعاود الحماية بسيف القبيلة يشهره في وجه الحب.. أو هكذا المشعان لا يفرغ من تسامح، أو هدوء، إلا ويشعل الفتيل بكل الطرقات.. إنه يملأ فراغه بلون الدم القاني، إنه يغسل الندامة ويعيش المواجهة بسلاح أكثر ضراوة.. إنها نفس الشاعر الموزعة.. مخنوقة حينا بالقبول والمسالمة، لكن سرعان ما ينتفض ذلك الوحش الرابض خلف تلك المواقع والمغروس في ذاته العليا..
(تربت يداك)
الحب أكبر خدعة
شابت على أعتابها آمالنا
وترهلت عصم القصائد
بین كفي شاعر عشق السماك
والحب لم يسمع نداه
ولا نداك
وتروح انت
ومنجل الحرمان
يحصد في خطاك
ما أنت إلا النسر
لا يرضى الوهاد ملاعبا
فاشهق الى العلياء
واجرح دجنة الجوزاء خفقا
ثم عش.. أو مت هناك..
ويرقد مرة أخرى، ينسحب باستغفار من تلك الخطيئة، إنه يلعن توبته بصوت جهوري، ويرمي شهبه، يخر صريعا أو مجروحا، يريد أن يداوي ذلك الجذام، وحتى لا تعود له العدوى.. يقول..
(سامحيني)
كلما ذابت سماء
واحتوتها مقلتاك
كلما فر حرير الشمس
- في شوق – وغطى منكبيك
كلما نز من الورد نجيع
وانضوى في المبسم
يا حياتي
بنيت كل حروف الحب
في دنيا خيالي
وبكت كل جراحاتي
وآهاتي معي
وتسامى صرح حرماني
خفرت انجمي
ويسير، لا يعاوده ذلك العصاب، ويجلده الأسى، يرحل من منطقة، لأخرى، تأكل قدميه الدروب، ويشرب من جرار العشق، يحمله (کيوبيد) إلى (فينوس) أخرى..
فخديني الى المودة يوما
واذبحيني على رمال الصدود
ودعيني بين الرضا منك والهجر
طريدا أضل (بيت القصيد)
أنشد الحيرة الكئيبة في درب
(م) متاهي واكتوى (بالنشيد)
لكنه يبلغ قمة المأساة حين يتزاوج الموت بالحياة وتنفر حرارة العذاب لتغلق نهرا من الدموع.. هنا لا تكون الكلمة إلا دلالة ساقطة أمام أزمة الموقف.. وهنا يفرغ الشاعر صدق احساسه بعذوبة رائعة.. إنه يعانق المشنقة على درب شريكة حياته بأبلغ وصف..
همست والهزال يقتات خديها
وهمس الشفاه منها نحيب
يا حبيبي اتذكر الأمس واللقيا
وثوب الحياة زاه قشيب
أینه اليوم والحنايا حطام
وفؤادي يموت فيه الوجيب
والنوى ماثل مشرع الناب
ويدعو وكلنا يستجيب
ويح نفسي أين (الصغار)
هنا ضعضعت نفس وذابت جنوب
خنقت غصتي مسارب قولي
فإذا الصمت في مقامي مريب
وإذا الدفء في عروقي شتاء
وإذا البرد في جبيني لهيب
وإذا بي أهيم في عبرة تطفر
أمواجها وأخري سكوب
وفي (حرب الشفاه) تورق الطرقات وينبت على الحدقات ربيع جديد فتمتلئ (المزهريات)، يدفعها هدايا ناعمة، وتسكن روحه عوالم من الفرح والحب.. يترك ذلك الانشطار في ذاته بعد فقد حبيب قاسمه العذاب والحب..
وأنا أرنو اليه
وأناجي راحتيه
بحديث الأنمل
عن حفيف المخمل
ومعاني الشدو عند البلبل
وحبيبي كلما داعبت فاه
قال: آه
وبدا لون الغروب
ثورة في وجنتيه
ثم -عادت- ليتها لا تنتهي
(حرب الشفاه)..
إن الديوان يزخر بعشرات الصور.. وإن الشاعر رغم أنه يقع في أسر العمود الشعري التقليدي مقيدا بعوامل فرضية الشكل وتفريغ المضمون من حرية الانطلاق يبقى الشاعر أكثر رتابة بفعل قيد الحركة داخل سلطة القافية، فلا يتسع امتداد الاحساس، وتكون القيود حدا فرضيا يجعل الكلمة والصورة مسكونة بوحشية تفرغها من استطالتها.. ويصير الشاعر متكئا على التقاليد في القصيدة العربية الكلاسيكية.. فالشاعر العربي -قديما- يعيش غربته مع البطل يسلخ عليه ذاته ينطحن في العشق، ولكنه يتفوق بفعله.. وهو موقف تجريد الوجود وجعل الوسائط بينه وبين طبيعة الحياة غارقة في النجوى، وقائمة على سلوك البطل.. فمثل ما هو مشدود إلى وتد الخيمة كأساس لبقائه على الارض وكعلم مشاهد ومحسوس، فهو معلق بنظرته العليا إلى مسارات النجوم يرقب المواجهة اليومية بين حبه، وبين بطولته كتجسيد لذلك الحب.. إن الصديق (المشعان) لازال يستقي من صور ثقافته الشعرية التقليدية نفس المسار، ولو أنه خرج عن سلوك النواح والبكاء على الأطلال بوضوح أكثر فهو من خلال مداخلاته في الثقافة التقليدية حاول أن يمزج الحاضر بتقليد أكثر حضارية، ولكن فاته انه لا يتكون عالم الشاعر على أرضية جيدة الأساس، غلا بالمزاوجة بين التراث العربي والتراث الإنساني ومن مزاوجة العلوم الانسانية في الفلسفة وعلم النفس، وتكون عالم لا يعيش كرامات الأولياء، أو وسائط الخوارق.. فالشاعر هو مستودع الثقافات الإنسانية، وحامل مناراتها.. وإذا لم يستنطق التاريخ، ويقارب بين أزمنته في اللحظة الحضارية الإنسانية، فإنه يبقى أرشيفا ” لقواميس الألفاظ النائمة في وهدة الكتب الصفراء ويبقى مجمل انتاجه وصفا لفظيا عائما لا ينطوي على رؤية الأشياء باستقلالية خاصة أو معبرة عن وجه يشع في ثنايانا صورة العالم من خلال ذات الشاعر..
إن المشعان باستطاعته أن يكون عالما جديدا إذا ما سار على خط أكثر يقينية، وأكثر استدلالا بتصوير عالمه بذات مستقلة عن التقليدية الشعرية، ويكون في موقف مجالد، لا يخضع لترتيب المواقع بهيبة تخشى المجاهرة.. فهو يحمل – حتى الآن – عالما مستقلا عن شعرائنا التقليديين.. ونجد عنده كل أدوات الشاعر الناجح، ليس في الصورة فقط أو المنظر الشعري، لكنه في الحس القائم على مأساته كإنسان، وموقفه من وطنه كدلالة على وجوده، وحضوره في ثناياه.. أو على امتداد رؤيته للعالم، من منظار يكسب مدلولا جديدا يلحم ذلك الانشقاق في بنيته القائمة.. والطريق طويل، وشاق.. ولكن يبقى شيء مهم.. وكما قلت سلفا أن المشعان أكثر شعرائنا، ذوي النزعة التقليدية حركة، ومفاجئة في المواقف، إنه يملأ عدة فراغات في احساسنا، ويواجهنا في شعوره بدون كلفة أو اصطناع.. أو أنه سابقة حية يكون غضب حبه، أكثر من نشوة أحزانه!!
التاريخ: 24 – 06 –1398 ه
0 تعليق