• قالت: الأخبار هذا اليوم أن العالم سيدمر «إلا» إذا تدخل العقلاء بتصريف السياسية بحكمة وفرغت النفوس من الأنانية البشرية الخطيرة، لأن القدرة على التحكم بالعقل مصدر قلق علماء النفس والاجتماع، والضجة التي يتنادم عليها الفلاسفة بإعادة تكوين العالم ضجة «ليست في صف الفلسفة»!
• بهدوء زائد تدخل «عدا» تجرجر معها المفعول والمجرور لتطلب الكلمه حاملة توکیلا رسميا من أختيها «خلا.. وحاشا» بالنطق باسمهما وعدم تجريد الأدوات الثلاث من منصبهما كقواعد ثابتة في منهج اللغه العربيه.
• قالت…
- إن مسألة الوعي الثقافي، وتطوير اللغة قللت من استعمالات بعض أدواتنا مما يجعل كلا من «حاشا وخلا» خشنتين وغير لبقتين على الأذن الطربه التي تعشق « ایدیت پیاف.. ومیراي مایثو».. أنهما تدعوان للهجرة الى أي لغة خشية السقوط في قواميس الألفاظ المهجورة..
افتحوا دواوين شعرائكم، وكتب الروائيين والقصاصين ستجدون أدواتنا معطلة حتى في ترجمة رواية «الساعة الخامسة والعشرون»!
أما في الصحافه وطلبات تعديل قرارات التعيين في الوظائف الاستثنائية أو قرارات الأمم المتحدة، ومنظمة الأغذية والزراعة، لا نشاهد لنا أي فراغ نسده في بيت الكلمات والألفاظ إلا بعض العجائز الطيبات ممن حرفن معنی «حاشا» بـ «حشا» ودخلت في الكرنب و الكوسة کمعنی مخالف..
ونفس المصير يعانق «خلا» فقد أحيلت إلى التقاعد شاخت في عشرينات عمرها.. تقلبت في صفوف المتوسطه والثانوية وتكلمت باسم «قس بن ساعدة» ولبست عمامة الجاحظ في سوق الوارقين ولكنها طردت بأمر فعل الأمر..
إن هذه الحال لا يستطيع الصبر عليها، ومطلوب من سیدتنا الفاضله «إلا» المرافقة عنا في مجلس حقوق اللغة العربية، وعند فقهائها بمراعاة قدرتنا على التواعد والتطوير..
• ترفع كل من « غير.. وسوى » يديهما في القاعة الكبرى وتلتفت كل الأعناق إليهما، وحتى الفعل غير المنصرف «لیس» شك في جدوى هذا النقاش ولكنه فضل عدم العجلة وانتظار النتيجة..
• تكلمت «غیر» بفصاحه سحبان بن وائل».. - إن الأخت «عدا» أكثر شبابا وإشراقا منا، ولا تمر بظروف حادة من التجميد أو النفي، ودفاعها عن أختيها «خلا» وحاشا » عادل ومحق ولكنه في الصيغ القانونية فقط..
إن القضية هي رغبة هذا الكائن الحي العاقل في التعامل..
فقد رأى أن الأداتين جلستا في خيام البادية في العهد الأموي وتوقفنا مع « الظئر..والسجنجل» تبکیان مع امرىء القيس وطرفة…
والقدرة إذن هو على التنغيم الموسيقي، وهي أمور عجز عن تطويرها الكسائي وسيبويه، فهن غير موسیقتيين بحيث يغنيهما الموصلی.. أو محمد عبده ۰۰ وتكرارهما كحالتين تصلحان لطبقات الصوت أمر غير متكافيء مع العصر، وهو الواقع المؤسف الذي يجب أن تقرأه كحالة واقعة..
• تسحب (سوی) (المايكرفون) من يد زميلتها بعصبية ظاهرة..
-إن هذا المنطق سيؤدي بنا جميعا إلى التجميد بمعنى أننا سنصبح (الماضي الناقص)..
فمنطق أنهما خشنتان غير صحيح بل وظالم فلو قلنا: قطفنا الزهور خلا الوردة البيضاء.. أو تملكنا كل السيارات حاشا (الداتون) أليس في هذا نغمة هادئة..؟!
• يضج الحضور بالضحك وتطلب (إلا) رفع الجلسة لمدة عشر دقائق للاستمتاع برقصات حروف الجر، وتهويمات المفعول المطلق الذي تخطى بصوته الجهوری کل الاصوات، وحتى تتلافي الإحراج (لسوی) المسكينة..
• مرة أخري ينفتح الستار على الجلوس..
«إلا».. ترتدي فستانا أبيض مزروعابوردة حمراء، وعدا وضعت أحمر شفايف بني على شفتيها و(باروكة) شعر شقراء.. بينما بقيت كل من «غير وسوی» کتوأمين في الصفات والشكل واللبس..
تنطق إلا.. - إن الموقف يحتاج إلى إعادة نظر في تركيب الحروف جميعا في أسرتنا حتى يستمزجنا السامع، أو حتى القاريء..
فأداة (خلا) في الشكل المكتوب حلوة وتعط تشکیلا فنيا هادئا وجميلا.. لكنها عند النطق تربك السامع..
فهذا الجمع بين الخاء واللام تخرج من الفم معاكسة للرنة الموسيقية.. وهذا ينطبق تماما على حاشا.. وإن كانت أقل جمالا في التشكيل الكتابی..
• تمزق حاشا الصمت بصرخة مدوية.. - وهل الجمال في همزتك أو لائك؟! لقد نصبناك رئيسة علينا لا بمميز جمالك أو غنائك بالموسيقى، وإنما بحكم التقادم، فأنت الأكبر سنا والأكثر شيوعا، ولا يجب أن تطغي أنانيتك علينا، فكما کنا روائد في انتخابك لتكوني المتصرفة في أسرتنا، فإننا نرفض أي تصرف عفوي أو غیر عادل لا يعطينا صفاتنا الحقيقية.. ومكابرتك ستكون أضرارها ليس على واحدة منا بل بنا جميعا، وأي تعرض لهذه الوحدة يهدد کیاناتنا بالذوبان بالأفعال الأربعة وسقوطنا في الحال والنعت..
• تمزق (عدا) جدول الأعمال المطروح وتكتب على ورقة صفراء اقتراح إنشاء مجمع لغوي أعلي يتولى طرح القضية من أولها والخروج بحل سياسي لأسلوب اللغة جميعا بحيث لا تنطوي هذه الأدوات ضمن أي فعل إلا بحدود مقتضيات اللفظ..
• تحتج (سوی) بأن هذا تدخل في مصيرنا القادم، ولو أشركنا أي قاعدة أخرى فمعنى هذا قصور وعجز عن معالجات مشاكلنا بأنفسنا..
• و(غير) تتفق مع الرأي الأخير، ولكن لها وجهة نظر أخرى بأن الظلم لم يلحق إلا الأداتين (خلا.. وحاشا) وبالتالي الأدوات الأخرى عليهما رص صفوفهما والدفاع عن أخواتهما بأكثر جدية، والبحث عن صيغ جديدة يدخلان بها لا كضيوف شرف، بل كأعضاء عاملين .
• تقف «إلا» بجلال آلاف السنين لتقول..
لقد جلبنا العرب المستعربة من آبائنا الأوائل بحكم تطوير الجنس واللغة وأعطونا الصفات والأسماء والحروف وجعلوا منا قوة رائدة في اللغة المحلية:
وجاء القرآن الكريم ليدفعنا إلى العالم تقرأ آياته في كل المساجد وحتي ممن لا ينطقون العربية.. وأصبحنا اللغة الشاعرة، بدلا من لغة الإعراب غريبة التركيب واللفظ..
والآن أرجو أن تسمحوا لي بأن الأمر ليس قرارنا وإنما هو بيد من يملكون التصرف بنا..
افالمجامع للغة العربية تنعي وجودها، وهي محلات تكريم للمقاعدين من شيوخ الأدب والتاريخ حنطت جثثهم بداخلها وأصبحوا «كموميات» الفراعنه صورة عن الماضي فقط..
أما لغة الشارع والبيت فهي النصف فصحي.. فإذا كان المغربي أو التونسي يقول للكبريت «وقيدة» فإنه في نجد « شخط وشخاط».. ولا زال العرب يبحثون في مشكلة «حتی»..
فالانقسام ليس حالة عارضة وإنما هو موقف تاريخي تأصل من عهد «حتي»..
• تقف بقية الأدوات.. وبصوت واحد.. - وما الحل؟
ترد «إلا» بانكسار وبصوت مملوء بالحزن والدموع: - إننا بحاجة إلى صوت «التوكيد» المعنوي واللفظي.. وبحاجة أكثر إلي إعادة العربي إلى صحته النفسية السليمة.. وإلا سنبقى دائما في حاله استثناء..
تتعانق الأدوات في عناق صامت وتنسحب من الجلسة بدون ضجيج ويقف نائب الفاعل بانتظار سيحل هذه الرموز!!
الشخصية.. والحركة.. والصوت.. والشكل!
بعض الشخصيات تمر أمامك في المكتب أو الشارع أو أی تجمع ولكنها لا تثير عندك أي فضول رغم تکرار المنظر أكثر من مرة..
هذه المواقف كثيرا ما سألت نفسي لماذا لا تكون مدار حديث على الأقل بين المربين أو المثقفين..
فإذا كان هذا الإنسان يؤدي وظيفته الاجتماعية والإنسانية ببعض الاجتهاد، فلماذا لا يكون لفعله رد فعل..؟!
بمعني أننا نشاهد أشخاصا لا تنطبق عليهم هذه الحالة إلا في بعض الصفات النادرة..
فالعمل عنده حالة معايشة، وقطع الفراغ يجبره على التواجد في أماكن عامة كان يجلس على عتبة دکان (في الديرة) يكون مقرا ثابتا ولو كان بدون وظيفة، وتجده منصت لما يقال، وينطق بأی موضوع بتحفظ شدید وكأنه مهجر للصمت..
هذه الحالة لا أريد معالجتها من قبل الحالة النفسية انطواؤها عقدها.. الخ.. لكن هذا يجبرنا على القول أن الشذوذ في أي شيء هو الملفت للنظر والتقارب بين الناس..
مثلا صاحب «النكتة» السريعة بجبرك على طبع شخصية «كاركاتيرية» له أو للشخص الموصوف..
وصاحب الحركات العشوائية.. أو العملاق والقزم يضع أمامك لوحة بشرية تجذب اهتمامك باستمرار، وتجعلك بشوق دائم لاختراع نماذج أخرى لها صفات الممثل الكوميدی..
فهل الحركة، والصمت والشكل أقانیم ثلاثة تحدد ملامح الشخصية البشرية وتعطيها هذه الشهادة في الاستمرار والاهتمام؟!
إن الانسان بطبيعته يضحك على الأشياء الشاذة.. سقوط إنسان أمامه بحركة غير متوقعة.. تقلید صوت حيوان أو إنسان.. مبادرة برد سريع على عبارة متهكمة او متعالية..
إن الشخصية الإنسانية تحفظ نوعها بهذه التعددية في السلوك والأساليب، بينما تبقي تلك الشخصيات السلبية المطوية خارج إدراك أو اهتمام الإنسان العادي..
ولا زالت في حظيرة المهملين!
في شهر 11- 1399 تلقيت صورة برقية مطولة موجهة لمعالي وزير المعارف عن حالة المدرسة السعودية بحائل ومصير طلبتها متضمنة شكوى الأهالي المحيطين بها..
ولقد سبق أن كتبت عن تلك المدرسة العجوز الذي تجاوز عمرها الآن الرابعة والأربعين حيث أسست عام 1356ه..
وبحكم أنني واحد ممن عاش وقرأ، وتسمر بفنائها الكبير مع صبيتها فإنني أنعي لها ذلك العمر الطويل، والإهمال الكبير..
وبتصوری – وأرجو أن أكون مخطئا جدا – أن مدیر التعليم هناك يتحمل كل المسئولية، أو أكبر نسبة منها.. فهو يمارس «الروتين» فقط لينزع عن نفسه تهمة الإهمال في المرافعة والمطالبة عن أقدم مدرسة هناك..
وبدلا من أن يحتفل سنويا «بروبيل» فضي لها يجتمع فيها الأحياء من شيوخها المدرسين أو الطلبة، نجد أنها سقطت وماتت معها الكلمة وصفارة الفسحة، وضجيج الأطفال!!
وأغلقت كأي رمز تاریخي لا يحتمل البعث والتجديد.. ودفاعي عنها لا بدافع إقليمي، وإنما أجد أن بيتا للعلم قبر أمام كل الناس هو مأساة كبيرة!!
فمدير التعليم – رغم كل تبريراته – لا نجد له العذر أن يساهم في توديعها للمقبرة الشمالية، أو الجنوبية بحائل..
فالمطلوب أن يطالب، وأن يطالب بلجان، ويحكی صراحة للمسئولين، ويكتب للصحافة، ويستغل كل مناسبة لإحياء ذلك البيت العريق..
إنني أطرح هذه الكلمات لوزارة المعارف وأعرف أنني بعدها سأصمت، وسأمر على هيكلها المهدم لأبكي بصمت على تلك السنوات العظيمة الحافلة بكل جديد..
وتحية لأولئك الرواد الذين تقاسموا أفراحها وأتراحها وأمضوا بعزيمة كبيرة تعليم تلك الأجيال.. ولها مني التحية.. وهي ما أملك أن أهديه لها…
(لغارسيا لورکا)
بملعقة
كان يغترف عيون التماسيح
ويخبط القرود على اعجازها
بملعقة
النار الأبدية تموت غافية في أحجار الصوان
والصراصير السكري بالفتات نسيت طحلب القرى
الرجل العجوز المغطى بفطر الأرض
يقصد إلى حيث يبكي الزنوج
بينما كانت الملعقة تطقطق
وخزانات الماء المتعفن تتوافد
…
في ذلك الليل كان ملك (هارلم)
يغترف بملعقة بالغة الصلابة
عيون التماسيح
ويخبط القرود على اعجازها
بكى الزنوج متحیرین بین المظلات والشموس الذهبية
ومط الخلاسيون اللادن
متشوقين أن يصلوا إلى الجذع الأبيض
والمرايا المغطاة بسحاب الريح
ويسحقوا شرايين (الراقصين)!
التاريخ: 02 – 05 –1400 ه
0 تعليق