الوقت المستقطع في الألعاب الرياضية توقف للتغيير، أو قلب الخطة إلى أخری.. والوقت الضائع بذات القوانين محسوب في نهاية المباراة.. أي أن الزمن کیان تغییر بصنع المفاجآت العجيبة..
لكنه في مدار الوظيفة العامة، أو حتى الوقت الخاص، مرض مستمر وطويل، يذهب عبر أي مبرر تضعه الصدفة، أو الأمور التي ترسمها ونضعها كمواجهة صارمة نريد بها هزيمة هذا الالتزام العنيد..
الوقت لم يعد السيف القاطع.. إنه عجوز مترهلة مصابة بالربو وداء (النقرس).. أو هو مرض اجتماعی في العالم الثالث، يطوف بعالمه الشحاذون، وعشاق لیالی (علی بابا).. وأبي زيد الهلالي.. ويا ليل ياعين!
الوقت العار.. أو الهزيمة جزء من الأزمة المتراكمة في كل العصور.. الأنسان الأول رسمه رعبا مع طلوع الشمس، أو لمعان البرق، وحوله إلى أساطير ورسومات الوحوش، وبنى له معابد..
(العصور الأخرى الوسيطة جعلته رمزا للإنجاب والزراعة والرعي وحولت قطعانا من الشعوب إلى عبيد وخصيان في مزارع الكبار..
وفي الحاضر صار أهم وسائل التخطيط والإعداد والإنجاز.. أي أن الحساب الزمني جزء من اقتصاد أو علم، ومفاهيم للكون والأنسان، واحتفال بالعطاء.. وعد تنازلي أو تصاعدي في تسيير الأقمار الصناعية، والصواريخ عابرة القارات..
لكنه عندنا – وأعنى أفرادا وشعوبا – وقت سائب يتراكم في الإحساس كأزمة، وفي العقل قلق غير حضاري.. أي ليست له سمات فلسفية أو قانونية تعایش حلقاته تطور الحياة وفق مراسم حديثه ومعاشه..
الموظف، عندنا، متواضع مع الوقت لدرجة الانسياب.. فهو مشغول بأموره الخاصة فقط، يعقب بالبلدية على (فسح عماره) وعند بنك التنمية العقاري وراء القسط الثاني والرابع.. وكذا في المستشفى وعند كاتب العدل والجوازات وغيرها..
هذه الإدارات جزء مرتبط بحياة الآخرين، وتعاملها معهم نوع من أداء الخدمة المطلوبة.. لكن هذا الوقت الضائع لا يمكن ترتيبه وفق وضع مقبول لكلا الطرفين؟
ديوان الخدمة المدنية، ومعهد الإدارة قدم دراسات كثيرة حول هذا الوقت الضائع.. ولكن دون حلول ايجابية..
وإذا ما أدركنا أن الوقت الفعلي للعمل هو أقل من نصف الساعات المقررة، ونصفها الآخر يتيح الفرصة للضياع والتسيب، فإن هذه الظاهرة جاءت لنا، ولغيرنا بحكم التراكم الوظيفي، وإتاحة الفرص لكل الخريجين من الدارسين.. لكنه في الوقت الحاضر تشكو الإدارة الحكومية من قلة الموظفين في عدة أجهزة ومؤسسات، بينما هذا التراكم الوظيفي لا زال في أكثر الدوائر الأخرى تشكوا منه كحالة صعبة ومستمرة..
وعلى افتراض أن كل وظيفة شاغرة، أو معتمدة هي بحق حاجة فعلية، تتطلبها مسألة التطوير، والنمو في هذا المرفق.. هذه الحاجة تبني على افتراض شخصی بحت، أی توسع في مجال الإدارة لغاية تكبيرها، وإعطائها اسم إدارة، أو إدارة عامة، بدلا من شعبة، أو قسم..
ولقد تعرضت لهذا الموضوع في مقال سابق تحت عنوان (الوظائف الإرضائية) ووصفت هذا الموضوع بأن الإدارة تعطى للشخص المؤهل حديثا، وهو ما جعل مسألة تراكم الوظائف عقدة هذا الصنف من المديرين، وتبعها إنشاء وظائف خدمات لهؤلاء الموظفين في قطاعات الشئون المالية، والموظفين..
أقول أن الوقت الضائع جزء من إهدار لأرقام التنمية وتعقيد في تطور الإدارة، أو تطويعها وفق مسلمات الواقع الحاضر..
قديما عرفنا أن التفتيش الإداري هو نفی مؤدب الكل موظف غیر کفؤ.. وعرفنا أيضا الوظائف الزائدة بما سمى (الممثل المالي) وهو الذي يوقع على أي مستخلص مالی، ولا يلتزم بأی مخالفة مالية أو إدارية.. أی عبارة عن توقيع زائد في سند الصرف، أو حساب ختامي لسنة ماضية..
من هنا نقول أن الحاجة تستدعي إعادة ترتیب الإدارات الحكومية على ضوء حاجتها من الموظفين والوظائف، وتسيير هذه القطاعات الكثيرة من الموظفين غير العاملين إلى الإدارات المستحدثة، أو التي تتطلب ظروفها النمو السنوى الصحيح، لا أن نبتكر ما يسمى ب (فريق العمل) الذي أصبح تقليدا في بعض الوزارات کوظائف بدون عمل، ولا هوية ثابتة، وأعطوا هذا المسمى كتحقيق لغاية دراسة المواضيع المستعجلة والطارئة، ولا أدري لماذا يفرغ عدد من الموظفين الممتازین لعمل قد يطرأ بعد فترة، أو موسم ما، وشل وجودهم وحركتهم، بينما تعارف نظام الإدارة أن هذه المستعجلات تكون عادة من لجان طارئة من الموظفين القائمين على الإدارة.. تنتهى مهمامها بنهاية هذا العمل الناشی؟!
وشيء أخر استحدثه البعض باسم الحاجة الملحة بذات الأجهزة، وهو استخدام قطاعات كبيرة من المتعاقدين في وظائف إدارية في الشئون المالية والمستودعات، وشئون الموظفين، وغيرها..
وإذا كانت هذه الإدارات يقل الإقبال عليها بحكم روتينية عملها وكثرته، ومباشرتها لخدمات المواطنين، ووجود وظائف مالية أو مستودعية تتطلب كفالات مالية والتزام بعض موظفيها لعملهم وعدم تمتعهم بأی إجازة سنوية لعدم وجود البديل، فإن هذه الوظائف يمكن کسب كفاءات جيدة بصنع حوافز خاصة..
فالمتعاقد يحصل على راتب جيد، وبدل سكن وتذاكر ونسب معينة عن الخدمة والشهادة.. وهذا في الوظائف النادرة أو المتخصصة لا غبار عليه.. لا الوظائف الإدارية لا نجد لهذا النظام أی مبرر بل عبء مصطنع لتكملة البطالة المقنعة..
فالكفاءة بين الموظف الوطني والمتعاقد متساوية، ونحن نقول أن الموظف الوطني يحصل على مميزات المواطن من سكن، وإجازة وراتب تقاعدي.. ولكن هذا المميز يحصل عليه موظف الشركة الأهلية، والتاجر الصغير.. وراتب التقاعد وجد بديل له بمميزات مماثلة أو أحسن في نظام التأمينات الاجتماعية..
إذن العلة أساسا في فوارق الراتب، والمحفزات الأخرى، وبصرف النظر عما سبق أن طرح من أن المتعاقد يشغل زوجته ويشغل كفاءته في أعمال أخرى، أنا لا أريد من هذا الطرح التفسير الخاطىء بأن المواطن يحصل على أقل المكافآت في الوظيفة الحكومية، وعمل مرهق صعب.
وإنما أعلل السبب أن هذا المواطن يبقى أحيانا كثيرة كفاءة معطلة بسبب شخصی نابع منه، مما أثر على إعطائه في الإدارة الحكومية وخارجها وأصبح طموحه البحث عن كل الأشياء بأقل الواجبات المطلوبة منه..
هذا السبب أوجد موظف قاريء الجريدة، و التوقيع على دفتر الدوام بالحضور والانصراف، وكأنها الوظيفة الثابتة.. ولقد ساعد على هذه الحالة بعض الرؤساء الذين يعنيهم أساسا أمر هذا الحضور المبكر والانصراف المتأخر، ولا تعنيهم الأسباب الهامة في تدني إنتاجية إداراتهم ورکودها، وتطويرها بكل جديد..
ومهما يكن بعض القليل له وجاهته، من أن الوظيفة مرتبطة بنظام وهیکل عام، فإن التحديث لم يقف أمامه أحد إذا كانت غايته في التطوير من واقع الظاهرة الموجودة.. لكن المؤسف أن ما سمي تحديثا، هو ما عرفناه في هذا التشابك العجيب بين مستويات العاملين كقوة حقيقية في تنمية الإدارة وتحسين أدائها، وبين الوظائف لغاية الوظائف وتكثيف الكراسي والمكاتب، وتفريغ الموظف حديث التخرج من كل طموحاته وإرادته في العمل والتطوير..
أن الحاجة تدعونا جديا للبحث عن الوظيفة بمعرفة ما إذا كانت مجالا للتمرد على الإنتاج باسم راحة البال والهروب إليها، خاصة من قبل الجامعيين، لأداء سنوات الخدمة المطلوبة بعدد سنوات الدراسة.. وهذا بحد ذاته عقوق وطنی، و استرسال في سبيل تعطيل خطوات التطور أم أن هناك – حاجزا نفسيا – (وانا أسف لاستخدام هذا التعبير السياسی) فرضه رؤساء الإدارات وجعلوه سلوكا قائما وإرثا تاريخيا في الإدارة؟!
إنني أدرك المصاعب والمشاكل التي يواجهها دیوان الخدمة أمام مئات الآلاف من الوظائف بجهازه الصغير، ولكنني لا أنسى أن الديوان يساهم في تعقيد بعض الأمور السهلة التي يمكن حلها بأبسط الأساليب..
مثلا متخرج حديث في (الكمبيوتر) على سبيل الفرض من جامعة معروفة في الخارج.. الديوان یرید تقييم الشهادة، ثم ربطها في الوظيفة التي تنطبق عليها شروط هذه الشهادة.. الخ..
بين هذا الأخذ والرد والمكاتبات الطويلة يفتر حماس هذا الموظف الجديد، إذ تصدمه هذه الإجراءات وهو الذي تود أن تترك له الجامعة حرية البحث والتجريب والصرف على هذه التجارب بأقل مشاكل الروتين…
أقول أن هذه الشكوي عشتها فترة ليست قصیرة بحكم عمل سابق مارسته في شعبة التوظيف في إدارة الموظفين..
ونحن نعرف أننا بدون حواجز مكثفة، كما تفرضه (بيروقراطية) بعض الأعمال الحكومية في أقطار عربية أو غير عربية، ولكننا لسنا الأفضل بالتعامل مع الزمن، ومع حاجيات التنمية، واستحداث أساليب للإدارة بأقل المبالغات..
أذكر أن مدير معهد الإدارة في الأردن كان يحاضر علينا منذ سنوات في دورة بالقاهرة، بأن معهد الإدارة في المملكة مصدر اعتزاز له کمتخصص في هذا المجال، وأنه يتفوق في خصائص كثيرة على معاهد في أوروبا وأمریکا..
إذا كان هذا الرأي محمولا إلينا بدون مجاملة مفروضة، فإن المعهد يؤدي دوره في التدريب في مجالات الوظيفة الحكومية، ولكن ما دور أولئك المتدربين؟
قطعا مناقشة الأسباب، والمتغيرات، والغاية التي يسعى إليها المتدرب، لا بسبيل تطوير إدارته، ولكن بغاية حصوله على فرصة أحسن في الوظيفة..
وهذا ما جعل الشكل النظری، لا يتزامل من الواقع الفعلي، لتبقى الإدارة بقوانينها العاجزة عن حل لغز التطوير في هذا المجال الحيوي والهام..
التفاحة قنديلا!
بألوان شفق عينيها غسلت ارتعاشة خوفها، لتستقبل مساءا رطبا مسکونا بحلم الفرح الطويل..
حملت ألوانها وفرشتها لترسمه أفقا طویلا داخل قلبها.. تفتح له في ليلها نافذة مطلة على زمنها الربیعی.. قالت هاتفة..
-إنك تقتل الأسماك الملونة، وتغتال الشفاء المبتسمة، ومناقير العصافير الصغيرة لتحيلها فرائس إلى نزواتك !
ضحك بهدوء لقد “مد أضلاعه جسرا” لتعبره في نومه وصحوه وزينها في دربه كزهرة الأقحوان تمتص مسامه كل روائحها.. يتذکر جديلتها كشلال الليل يبحر به إلى مرافيء نجاته.. تلك العينين التي األقت كل مساحات ضياعه إشراقتها كل ساعة، وكأنها أماسی آذار..
رد وهو يصطنع الابتسامة المترجفه..
- لم أكن سكينا، أو سيفا، ولا حتى بندقية صيد عصافير يعبث بها طفل بريء.. لقد اخترت مساحة قتال ليس لي قوة دفاع أو هجوم داخلها.. وجعلت من الطرقات قنوات للريح العاتية.. أنا الريشة الضائعة في اتجاهاتها..
سكاكيني ریش تلون الحرف، أتمناه أن يورق فی الأرض خضرة.. قتلت تلك الأفعي، ومطارقي عجنت كل وسائل الزينة التي تحمل تلك الصورة الرمز للحية.
التفاح أنشره على الحيطان قنادیلا، وطعاما للأفواه الجائعة.. وبقية ذاتی أحرفه عريضة وشبكات طويلة أطرحها للمستقبل..
تضيع اللحظة في الشوط الطويل من سباقات الاتهام والدفاع.. وطويلة في الليالي.. ونقاطه في السباق أصفار على هامش حدیث حالم!
يهزمه الليل، يتمنى أن يكون طائر (الرخ) المتجدد، يضيء كل القناديل، ويمشي بطرقات زهر الأقحوان، والحناء، وملكة الليل..
لكنه يعود طفلا يبحث عن ذلك الحنان الأزلی، لكن مراوحه تدور على رياح غير مستقرة.. وشبح الهزيمة يطل على فرحه دائما بنور لا ثبات له..
لعمر بن ابی ربیعه..
أحب لحبك من لم یکن
صفيا لنفسي ولا صاحبا
وأبذل مالي لمرضاتكم
وأعتب من جاءکم عاتبا
وأرغب فى رد من لم أكن
إلى وده قبلکم راغبا
ولو سلك الناس في جانب
من الأرض واعتزلت جانبا
ليممت طينتها إنني
أرى قربها العجب العجابا
التاريخ: 09 – 05 –1400 ه
0 تعليق