في المجال الثقافي العربي، تعودنا استهج أن القارىء باستمرار، وقد يرجع هذا الى أمور مختلفة ومتعددة..
فالضعف في البنية الأخلاقية للناشر، أو الكاتب مشكلة مرتبطة بغياب القانون، أو النظام الذي يرعی الثقافة كواحدة من أخطر نواحي التوجيه الاجتماعي..
والاستهتار بالقارىء عملية أصبحت في سوق تجارة الصحافة، والأنتاج المسرحي والتلفزيوني وغيرها من وسائل التأثير الجماهيرية التي تخصصت لها مؤسسات تعرف كيف تتقن لعبة التجارة، والمزايدة، وهي المحاولات التي تريد إبطاء حركة التاريخ العربي، والعودة به إلى مضارب البادية،، وأحلام قيس وليلی..
الذي يقول اننا بدون (هوية) يرسم أبعادنا الحاضرة بمعطياتها السلبية والإيجابية وتأثيرها علی مسار شخصیتنا.. يعاملنا من مواقع تصرفاتنا، أكلنا سكننا، حرکات أیدینا ووجوهنا عند أی نقاش.. التمثيل السطحي لكل مستورد.. حتى داخل ذواتنا يموت العمق والعقل لتتشكل الروح الظاهرية للأشياء، وكأنها قوانین أزلية مع شعورنا العميق، بأنها ظواهر فقط قابله للتغير أو النسيان..
هذه التصورات تزيد المشكلة عند المثقف أكثر من غيره، إذ أنه الأكثر توترا وحساسية، ولكنه حين يجد الأشياء تموت في عروقها وتصبح جزءا من عادة، فإنه مجبر أن يتأقلم مع هذا المحيط بحکم قانون البقاء بأبسط حالات الهدوء والأمان..
قطعا هناك من يعترف أن هذا هو الموقف السلبي للثقافة عموما في جميع دول العالم التي لا تحصن هذا المثقف أو تمنحه الأمان، وما قيل ويردد بأن البيئه تصنع الفنان والكاتب.. أو المثقف بكل الصفات ومن يخالف بأن المثقفين هم الذين يشيدون البيئة الصالحة.. الخ…
هذه المعارضات تصنعها مواقف متداخلة وتكون اللصدفة دورها في جلب بطل بشخصية مثقف أو كاتب، أو ناطق سياسي في الجريدة الرسمية، ووسائل الاعلام الأخرى..
ولو أخذنا هذا على المستوى الثقافي البحت أی من مجمل عطاء الكاتب وتأثيره في بيئه قارئة، لوجدنا هذا الموقف ينطبق بشكل مباشر على العديد من الكتاب العرب حتى في الفترة التي كان للرواد عملية التأسيس للثقافة العربية الحديثة..
(العقاد) مثلا عملاق في ثقافته الذاتية.. أي أنه يناقش في الصيدلة والحشرات، وعلم النبات والحيوان، كأي متخصص.. لكن هذه الثقافة تبقى داخل شخصية العقاد نفسه.. وهذه الشخصية ومواقفها من الأوضاع المحلية والعالمية بوقته حولته الى شخصية أسطورية رهيبة…
لكن لو أخذنا العقاد من مجمل نتاجه الفكري العام لا نرى فيه هذا الإبداع والخلق عند (طه حسين) أو (أحمد أمين) وحتى معارضاته لشعر شوقی خارجة من تكوينه كفلاح يرفض (أرستقراطية) ذلك الشاعر..
أی أنها دوافع شخصية في تهديم تلك البنية العلوية عند شوقي، وبذلك خسر العقاد تعامله مع عاطفة وإحساس ذلك الشاعر، حتى ولو كان محسوبا على طبقة مميزة..
وشيء آخر هو أن الصحافة تبني شخصياتها وسلطتها من مواقع مكاسبها، وكان العقاد واحدا من الذين صنعتهم الصحافة، قبل أن يكون ناقدا ومؤرخا، وفي أحيان أخرى فیلسوفا..
بنفس الدرجة بقى (أحمد أمين) ذلك الأكادیمی الهادیء أقل أضواء، وإن كان تأثيره في صراع الأجيال أکثر إيجابية من العقاد، لأنه لم يدخل في أي لعبة سیاسية مؤثرة يتعامل بها كسلطة أخرى.. وقد يرجع ذلك إلى نوعية أحمد أمین بذاته..
هذه المقارنة لا أريد بها غمط موقف هذين العملاقين، ولكن من تصور أن الصحافة تبني شهرة الكاتب إذا وجدت فيه الصفات التي تتفق مع السوق الحاضرة ومبادئها..
على نفس الطرف نشاهد دکتورا في الآداب العربية هو (محمد عبد المنعم خفاجي) سكن كل الجامعات العربية، وألف ما يربو على الأربعين كتابا في مختلف النشاطات الادبية..
هذا الدكتور له دور المجمع من قصاصات الجرائد والكتب، وتنفيذ مبدأ الناقل والمنقول من كتبه، أو من استعاراته لكتب غيره.. وبذلك صار مجرد حالة من الشذوذ الفكري الذي لا يمنح عصره أی خط بسيط لمباديء المعلم في المرحلة الثانوية.. فما بالك بأستاذية الجامعة؟
وحين أركز على هذا الجانب، وتأتي الصدفة أن يكون معظم هؤلاء الكتاب من مصر، فإنني لا زلت أؤمن بمؤثرات الثقافة العربية في مصر وأسبقيتها على الثقافة في الأقطار العربية الاخری..
نأتي لموضوع ثان، ولكنه هذه المرة يدخل الحلبة بدون أسلحة أو قيادة وأعني بذلك مسألة الكتابة السياسية والاقتصادية من منطلق تفاعلات الأحداث وظروفها، وخاصة في صحافتنا..
ثلاثة كتاب بمؤهلات عليا احتلوا واجهات او صفحات صحفنا المحلية، وأحيانا (التلفزيون)، ولا أريد أن أسمی، ولكن باعتبارهم نماذج موجودة فإنني أحاول أن أحاور من منطق أبجديات الثقافة السياسية باعتبارها موقفا، وحدثا، واستقراء..
• أحد هؤلاء الثلاثة كتب في أكثر من موقع بلغة عادية جدا، ولو أن هذا ليس اعتراضا منطقيا باعتبار أن الأسلوب وسيلة تواصل بين القاريء والكاتب، إلا أن صاحبنا كان في طرحه للموضوع – رغم المصطلحات المكتوبه باللغه الانجليزية – لا يفرق بين مبدأ «مونرو» واتفاقية «سایس بیکو»..
وإذا ما أخذنا بالاعتبار أن كلا الموقفين يعتبر جزءا من أی دراسة سياسية في الجامعة للتاريخ السياسی، فإن هذا الكاتب يحاول مراجعة التاريخ کشیء قائم لا من تصور التشابه بالمواقف والأحداث، بل من رؤية شخصية خاصة مبنية على اعتبارات ذاتية بحتة..
وإذا كانت السياسه الآن تعتبر مسلسلا من المفاجات المتفق على رد فعلها الآنی، أو المستقبلي، فإن الاعتبارات الشخصية في هذا تعتبر نوعا من الكتابة الإنشائية العادية..
• والثاني يعوم داخل مصطلحات إذاعية عامة، ويقوم بدور الملفق بين التحليل الإخباري لإذاعة «مونت کارلو» وبعض التحليلات الأخرى للصحافة الأوروبية أو الأمريكية أو يأخذ بمبدأ الاقتباس لینزل اسمه تحت (المانشت) الكبير، وأحيانا (يجمل) الاسم بالصورة..
هذا الفقيه بالسياسة الخارجية، والعربية طرح موضوع «القومية العربية» من خلفية ما نذكره من صوت العرب، وصوت أحمد سعيد.. يخاطبنا هذا الأستاذ، وكأننا في حفله سمر «غوغائيه» تعلق الشعارات كطرح بديل لأی موقف عربی، أو إنسانی، مع أن هذا الموضوع، قد تكون بشكل فکری عربی، في الخمسينات والستينات بشمولية اكثر حين كان كل من الأستاذ (ساطع الحصري) وتلامذته من سوريا والعراق ومصر يجادلون في القومية العربية من مواقعها الإنسانية، والعرقيه والدينية بأكثر شمولية من هذا المؤهل الحديث…
وإذا كان هذا الموضوع مدار نقاش حتى الآن بین المعارض، والموافق، فإن ما كنت انتظره من كاتبنا هو (تنظيرات) سياسية تضيف إلى عمق تلك البحوث والدراسات شیئا جديدا.. لكن الحاصل أننى واحد من الذين صدموا لا بمجمل السذاجة الظاهرة عند الكاتب وإنما بأنه محسوب على ثقافة سياسية حديثة!
• أما الثالث فإنه يناقش الأحداث العالمية، او يكتب عنها من خلال مكتبة (التلفزيون)..
وحين أقول يناقش، فإنني أتجاوز الحقيقة بكل صفاتها، فهو يقوم بدور المذيع، والمعلق من خلال الإرساليات التي تبعثها وكالات الأنباء والأقمار الصناعية في العالم..
وفرق كبير بين التحليل (الحدثی) وربطه بمجمل أسبابه التاريخية والسياسية والتصورات المطروحة حوله من كافة الاتجاهات السياسية العالمية، أو ظروف هذا البلد الداخلية التي أفرزت هذا الحدث..
نحن نعرف، مثلا، في إذاعة لندن برنامج (بین السائل والمجيب)، وبصرف النظر عن صدق أو کذب أی تحلیل سیاسی يخص المنطقة العربية، فإن الإذاعة تأتي بمتخصص، وقد يكون من خارج الإذاعة، وهو الأغلب، حتى يعطى للسامع شمولية كبيرة ومركزة، و کسب سوق هامة للإذاعة ومؤسساتها..
وحين أقرن هذا الموضوع بإذاعة لندن، يجبرنا الحديث بأن أهمية الإعلام المسموع، والمرئي يحتاج إلى هذه النوعيات المركزة بثقافتها وبعدها النظري في السياسة، أو الأحداث العالمية الأخرى..
فالمعلق الذي يجهل أین تقع «جزر سيشل» بنفس الوقت لا يعرف أهمية شخصية (سنفور) أو الخلفية التاريخية لنضال (غاندي)، هذا الشخص لا أعتقد أنه يستحق لقب محلل الأحداث طالما أنه «يتلكع» بالمجرور ليظهره منصوبا، والمجزوم مفتوحا، لأن هذا عار للغة العربية واستهجان الثقافه السامع أيا كانت جنسيته..
هذه النماذج تدخل في أزمة ثقافتنا عموما.. فمثلا أنا لا أدری کیف نقارن بين ما يكتبه كل من الأساتذة : عزیز ضيا، ومشعل السديري، وإياد مدنی.. وما يكتبه الثلاثة؟!
هل أصبح المؤهل فرضية ثقافية مستقلة عن وعي الآخرين بحيث نستطيع تدريب (عالم الجيولوجيا) على طب الأطفال، وأستاذ النبات مدرسا للعمود الشعري العربي؟!
القضية من حيث هي أن الصحافة أيضا، بدافع وطنی، ساهمت بشكل مباشر بتعميم هذه الأمية الثقافية.. قليس كل دكتور مثلا بالاقتصاد قادرا على الكتابه الاقتصادية، بينما يمكن أن تكون مواهبه بالتدريس أفضل..
هذا الأمر يذكرني بأحد المشرفين على ملحق أدبی بإحدى مجلاتنا المحلية.. إذ جاء له دكتور في الآداب يحمل موضوعا أدبيا مهد له بأنه بغاية الأهمية من حيث البعد الموضوعي له..
المفاجأة أن المشرف قرأه، وناوله لهذا الدكتور، وقال :
- (إنني أملك مواضيع لطلبة بالمدرسة الثانوية والجامعة أفضل من هذا الموضوع)
قطعا المشكلة كادت أن تكبر لا سيما وأن هذا المشرف كان طالبا عنده بالجامعة وكاد أن يروح ضحية موقفه.
أخيرا إننا لا نحاول أن نعمم الموقف على كل المؤهلين من شبابنا لكن الحيرة هي أن المؤهلين يرفضون الكتابة بدعوى أن من يطرحون أسماءهم بالصحافه يمثلون قصورا ثقافيا حادا.. والخطورة تأتي من أن يكون القارىء يري بمن (يحسب الشحم فيمن شحمه ورم)!..
(ه – 3-).. والشيخ المتصابي !
بسنينه الستين، كل شيء فيه مركب ومستعار.. أضراسه، صبغة شعره، تقوس ظهره.. و(تكرمش) جلده الناشف..
جاء إلى صديق يبشره بالشراء، والمنح، وحياة القرن الثالث والعشرين، والمسألة كالعادة، خطبة البنت التي لم تتعد ربيعها الواحد والعشرين…
الشیخ..
- وهل تمانع من تزویجی إیاها، وأنت تعرف دوافعى الإنسانية؟
الأب.. - القضية ليست إرادتی.. ولكن من منطق العقل أعرف أنها في موقع الحفيدة الصغيرة لك..
الشيخ: - ولكن والدتها توافقني على الزواج من ابنتها، وهي طرف غير محايد في هذا الموضوع كما تفهم…
الاب.. - الأم مثلي تماما طرف محاید، وغير ملزم، لأن ابنتنا تملك استقلال رأيها وشخصيتها، وبالتالي فهی صاحبة القرار الأخير في مصير حياتها الزوجية!
الشيخ.. - هذا صحيح إذا اعترفنا بالعلاقة المثالية بین الآباء والأبناء.. وما أدراك أن تكون موافقة من حيث المبدأ، وقد تقفز على كل تصوراتكم وأحلامكم، إذا عرفت ما ستكون عليه في المستقبل من نعيم وجاه..
الأب.. - ولكن هل تقبل أن تكون طرفا بالموقف. وبحضورها لتسمع منها رأيها؟
الشيخ: - إننى واثق تماما من قلب موازين الأمور لصالحی وهي المفاجأة التي ستجعلني المنتصر
الشيخ يعدل (بشته) الأبيض، ويفرك تجعدات وجهه.. بانتظار حدوث المفاجأة..
البنت…
-ولكن يا أبي هذا يفكر من خلال تصوره.. إنه يريد استرجاع الزمن وتطويع كل أمور الحياة من خلال شیكاته!
الأب.. - ولكنه أمامك يقنعك بهذا الرأي، ويغريك بالمستقبل.. فهل لك رأی مخالف؟؟..
البنت.. - أبي أرجو أن يسمع نصیحتى وهي أن يبحث عن عجوز تناسبة، ولا ينسى أن يجلب معه (روشتة) العقار السحري لإعادة الشباب (ه3)… أو فليراسل مكتشفة هذا الهرمون لتنصحه بالسن المناسبة لزواج الشيوخ المتصابين!
التاريخ: 16 – 05 –1400 ه
0 تعليق