مقاطع من السطر الثالث

آفاق | 0 تعليقات

يروى أنه كسيحٌ
يسقط ذراعه على حائط الخوف، ينتشر كخارطة مستقطعة أطرافها من وطن مهزوم.. يلج في خاطره عبوس الانكسار.. الكلمات حيرى ممزقة معانيها..
(البصارة) العجوز في حيهم أهدته مخلب حدأة ظهرت عليه تشوهات خلقية أثر عراك على جيفة قرد مصاب بداء الكلب..
قالت…
أنها تدفع الفقر إذا وضعت على خزانة فقير.. تعالج حموضة القرحة، وتعلق حرزا على مرآة منكسرة لتنزع ملل المسافات المكتومة في النفس.
جارتها الأخرى تحط (قفتها) تعرض بضاعتها.. رؤوس ديكة لا تؤذن.. تفتح حقيبة صغيرة، تخرج منها خاتما صغيرا رسم على فيروزته جناحا خفاش أسود..
البصارة تفرك جديلتها البيضاء، تضع عليها زيتا حارقا ذا رائحة كريهة..
(الرزنامة) تحكي عن برج الحوت، لقد التهمت البحر سوافي الرمال الجافة القادمة من صحراء التيه!
تضحك جارتها.. تظهر أظافر يدها المحناة على أطراف كفها الذي يشبه ظهر سلحفاة عجوز..
البرج كان يقول: أن شقائق النعمان تحولت أقراطا في أذن الأرض، الزيت عنبر للعطر، ولكنه قطران ساخن على جلود التعساء..
يشق السكون صراخ طفل كسيح، يجرجر ساقيه. قال الطبيب:
أن لديه نقصا في (الكالسيوم) وحالته تشبه حالة سكان قرية صينية، علقوا على بوابتها غيمة مشنوقة على فم فتاة عذراء.. قيل أنها سبب بخر الماء واحتجاز (الكالسيوم):
قالت (البصارة)..
إن فطامه صادف برج العقرب، وقد مات النمل في بيتهم لأنه فقد حاسة الشم للدسم، فالعظام في مطبخهم تغلي لثلاث وجبات.. الأولى للضيف العزيز.. الثانية لكبار السن من العائلة.. والثالثة للأطفال.. والعظام فقدت مادتها من الكالسيوم…
يرمي الطبيب سماعته ۰۰
المخطوط الرابع في الطب كتب في حضرة مسلول فقد العافية من أثر نقص في التغذية الجسدية.. لكنه اكتشف أن الكساح عانق الخطوات الراقصين..

الفاتورة الثانية للإفطار، يقدمها النادل.. يتلعثم في تكسير الجيم والصاد..
الطفل الكسيح يعلق ثوبه الممزق على جانب الترعة.. يسبح مع جحش صغير أجرب..
الماء يغسل الدرن والجرب.. قالها الصغير..
لكن الماء يغذي (البلهارسيا) في الأمعاء الصغيرة، ويمتد للكبد.
الدخان ايضا يسمم النبات، والماء.. ويقتل الانسان.

  • تلك في البلدان التي تعاشر مساكنها المصانع، ودخان النفط…

البصارة تقص بمنجلها قلب نخلة لتعالج كساح الطفل..
الطبيب اقترح أن تكون اسرة المستشفيات حمراء..
الطفل على عكازين ينزلق للمسافة الاخيرة ليحكي أن:
الحمار هو الصديق الصامت، لقد تجرثم كل شيء فيه، وأصبح مرادفا للماء الآمن في الترعة..

الدخان القادم من الشمال، لم يعالج جربه، أو يقتل الذباب على ظهره..
الطفل وحده يحمل مهشته ليطرد الحشرات الصغيرة على ظهر الحمار وحين تعييه ساقاه عن الحمل يحني الحمار ظهره ليصل الى مسافة جسد الصغير..

قالت البصارة…
إن البرج الحنون لمعالجة الصمم والكساح، والفقر هو (الحمل) لأنه جنين لم يشرب من ماء الكساح بالترعة النادل..
أدلى رئيس الطباخين بالبيان التالي.. (تم توزيع نشرة علمية قالت أن منظمة الأغذية والزراعة اكتشفت أن في الرمل الأبيض مادة الكالسيوم ، وسيتم تقطيرها وتوزيعها على كافة أنهار العالم وعيونها.. واقترح الرئيس العام للمنظمة إدخالها في حليب الرضع، لتمنح العظام الجديدة استقامة خاصة في القدمين والظهر، والجمجمة)!
الطبيب..
رائع جدا فهذا سيحمى السمك أيضا، والكائنات البحرية من تفسخ مرض العظام.
البصارة…
ولكن سيقتل في حدسنا مهمة قراءة الخط…
إنني سأنزل للترعة، وسيصف الصغار والحمير لنشرب الماء الجديد (المكلسم)…

يفترقون جميعا.. فقط النادل الذي وقف يصفق بكلتا يديه يطلب الحساب الختامي للجلسة ولكن دون جدوى، لقد تمزقوا مع الريح…
حدثنا السوق..!

أخبار هذا الاسبوع قالت: (أن جامعة الملك عبد العزيز ستطبع شهادات التخرج في أمریکا )..
وقالوا: (أن وزارة المعارف هي الأخرى تصمم وتطبع شهادات طلبتها في القاهرة ، وقيل أنها كانت في بیروت ، وبعد غد ربما تكون في لندن أو باريس ) !
والحمد لله رب العالمين، أن (البشوت) بدأت تصنع وتنسج في دمشق، و(المباخر) والنعال (النجدية) صار لها منفذون بالهند والزبير ، وحتى (الدلة) التي هي رمز لضيافتنا، وهدايانا للضيوف، انتقل امتیاز صناعتها للباکستان!.
ووكالة أنباء غربية أفادت إن إحدى الشركات الأجنبية لدينا، قررت استيراد الرمل الأحمر من إحدى الأقطار الأوروبية، بينما أكبر ما يغطي أرضنا، وسماءنا حين تهب رياح الغرب أو الشمال هي هذه الرمال !
وعند سؤال أحد المهندسين السعوديين فيما إذا كان هناك رمل غربی ، وآخر آسيوى يتأثر بالطقس، والريح والتقادم الزمنی…
ضحك ، وبانت نواجذه وقال:
ليس هناك أي خلاف على النوعية، ولا المواصفات اللهم إلا إذا كان هذا جزءا من الاستيراد الحضاري الجديد !
ونحن لاندري لماذا لا يكون هناك حظر لهذه الممنوعات المستوردة، ولماذا لا تكون لدى القطاع الخاص اهتمامات الصناعاتنا التقليدية، طالما أنها رائجة في السوق المحلية ولها صفات اجتماعية وتقليدية، رائجة ومربحة في الوقت الحاضر!
إن الأمر لا يعود فقط للتاجر ، ولكن لأننا نفتح كل الموانيء والمطارات والطرق البرية ، لكل مستورد ، ووزارة التجارة لا تهتم إلا باصدار البيانات التي هي كحولیات الشعر الجاهلي ، عن جداول التجارة الخارجية ، والداخليا وانخفاض اسعار الطحين ، والشعير!
ولهذا صار (البشت) السوري بثلاثة آلاف ريال و ( شماغ) البسام ب (140) ريالا وآخر تسعيرة لنعال (عنيزة) الشهيرة ، والمنتوج الوطني الجيد بلغ بها المغالاة أن يصل سعر (الزهاب) الواحد أربعمائة ريال !
أجمل تعبير قاله في نفس المناسبة مواطن بسيط بضاعته عبارة عن برميل بسيط ركب على عربة يجرها حمار ، من بائعي ( القاز)..
ساله جاری :

  • ولماذا ( تنكة ) (القاز) بدلا من ( 21/2) ريال الى خمسة ريالات ؟
    قال هذا المواطن البسيط واللطيف ..
    (لا تستعجل ، یا اللخو.. البرسيم هو اللي غلى.. الصرة الصغيرة بثلاثة .. وما حرك ، کوی غیرك.. وإلا وش تقول.. إن جاز لك وإلا غيرك يشتري ) ؟!

وحضارة الاسماء

وبالمناسبة ذاتها تعاني الأسماء التجارية علة التناسب بين المعنى والحقيقة.. فهناك من يسمي (بنشر الزهور) وحداد السعادة ، وسباك الأمل.. والمكتب العقاري للاستيراد والتصدير ، وربما يأتي من يطرح اسم صيدلية العبوات المتفجرة ، ودكان العصير الهوائي.. الخ
أنا لا أدري كيف يسمح بهذه المسميات.. هل هو سلوك للتعريب بالانتقال إلى اللفظ النبطي – إن جاز التعبير – أم انه تعجيم للتعريب ، بدلا من ( اندرا ،وبنده وافكو) ومشتقاتها؟!
كل هذه الأسماء أخذت صفاتها القانونية ، من سجل تجاری إلی احتجاز المكان المناسب في وسط المدينة ، أو على أحد شوارعها الهامة..
ولا أحد يدري كيف يصير المكتب العقاري للاستيراد، ولا المعنى الجمالى الشاعری ، (لبنشر الزهور)..
قال احد الأسيويين الصفر…
إذا أردت أن تفهم الطاقة العاملة في أي بلد ، فانظر الاعداد التي تتقاطر على المطاعم؟!
قلت: وما سر ذلك طالما أن هذا التقليدي عالمي ، ويكون الرواد لهذه المطاعم في العطل أكثر منه في الأيام العادية؟!
ابتسم بخبث ، ومثل ما نعرف عن صعوبة فهم انفعالات الآسيويين الصفر، وانعكاسها على ملامح وجوههم.. رد…

  • ليس الأمر كما تتصور ، وإنما حين تجد هذه العائلات كلها تأكل بالمطاعم في ساعات الغداء، فان هذا يهديك لأن هذه الشعوب ليست لديها بطالة تقليدية أو مقنعة !
    هؤلاء الآسيويون العاملون ، يسمون النادلة (البنت الصغيرة ) وشراب العصير المشكل ( القبلة الاخيرة)، وحتى سيارات القمامة – كرمكم الله – لها وسيلة خاصة في التنبيه بأن وضعت فيها موسیقی خاصة تعرف نفسها بأنها قادمة.
    ما أريد أن أنتهى إليه هو أن مسألة الذوق حتى في الأسماء تتصل بحضارة الإنسان ووعيه ، ومدركاته الحسية هي التي تعطي هذه الدلالات معناها الجمالي .. وإلا فلنغني مع هذا الشاعر النبطي العملاق الذي قال:
    لی صاحب لا ضحك مثل ها الحين
    یا الله تجمع خشته عقب باكر!

سوق الاشباح

قيل أنها قصة عشق من طرفین متنافرين ، ولكنها بالتأكيد أسطورة شعبية رائجة في تلك القرية الساكنة ، إلا من صوت الريح يفح بأشجار نخيلها واثلها…
الأسطورة تحكي، أن هناك بيتا للأشباح في تلك القرية سكنه قروي ضعيف ، اختفى داخل حيطان ذلك البيت المسكون ، وقيل أنه تزوج (جنية) من الأشباح ، ولدت له ابنا ذكرا ، أطرافه لها شكل رؤوس الحيات السوداء ، ونصف وجهه الأعلى زرع على شكل فم سمكة ، والنصف الاخر انقسم إلى نصفين علق على الأول منقار غراب ، والاخر عينا بقرة!
مطوع القرية لم يصدق هذه القرية المجنونة… تعوذ بالله من الشيطان الرجيم وهو يسمع حديث (أبو مطارق) عن الجنية وزوجها ، وابنها الغريب العجيب .. لكن ما جعله يشك في سلامة تفكيره أن أكدت الحادثة (أم أبو محاجين) حين روت نفس الحادثة ليلة السبت الثالث من صفر..
قريتنا نسيت الحادث والأشباح ، ولكن البيت ظل مهجورا وساكنا في ذلك الحي الساکن..
وحين وضع على خارطة شارع جديد للقرية ، وجاءت (البلدوزرات) الضخمة لهدمه، احتج شیخ مسن علی الهدم ، حرصا منه على حماية الأرواح المسكونة .. وخوفا على العامل من أن تختطفه تلك الأشباح…
البلدية قررت الهدم ، ومشت عجلات (الدرکتر) على حيطان الطين ، وخشب الاثل التي كانت سقفا للغرف والأفنية…
فجأة ظهرت حفرة صغيرة في أحد الحيطان خبيء بها کتاب مغلف بجلد غزال كان عنوانه ( رحم الله المجلد لمأكله ومشربه ومسكنه )..
سقطت أوراق الكتاب على الأرض ، وحتى هذه الساعة لم يفهم السر ، وإن كان الشارع يسمى بـ (سوق الاشباح) !

(۱)
للمواجهة ..
احتمالات كثيرة هذا المساء..
خنجر ضد زنبقه..
قصيدة للمشنقه..
مسدس في وجه أغنية..
دبابة لأمنية ..

هذا يعني أن الكون يحاصر
بالكآبة والانتهاء
ما هم… فالزنبقة التي تهددها الخناجر
ستظل تعلم،
وتواصل الغناء

(۲)
لصغار حملوا جوعهم ،
وارتحلوا الى السماء ،
لعاشقين باعدت بينهم وبين أحلامهم
مسافات من الخناجر السوداء ،
لبلبل يشنق ،
لوردة تحرق..
نبدع الشعرا
نصنع الفجرا
نعلن:
أن الخلود للقصيدة ، والزنبقة والبلابل والفقراء .
( أحمد حافظ )


التاريخ: 22 – 06 –1400 ه

مقالات مشابههة

التقابل.. والتضاد!!

التقابل.. والتضاد!!

في عدد الأحد الماضي من جريدة الرياض رقم 5412 في 27/6/1403 كتب معالي الدكتور "عبد الله التركي" مدير جامعة الإمام محمد بن سعود مقالا عن فن التعامل مع الظروف...

شارك برأيك

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *