لا يخجلنا ابدا أن نكون في عداد الدول النامية، سواء من الناحية التعليمية، وأعني بها نقص الكوادر العلمية، او التقدم التقني..
ولا يضيرنا أبدا أن نتواضع مع واقعنا، ولا تسبقنا الى رؤية المستقبل أحلام اليقظة.. فنحن مررنا بالدور ربما الأقل كثافة في التعقيد والمشاكل في مشاريعنا، ولكننا لا نتواضع ألا يكون لنا دور فعلي في تحقيق أهدافنا، وغاياتنا في تنمية قدراتنا الذاتية والمادية..
لكن أن نحاول أن نذبح أنفسنا بطرق المكابرة بمشاريعنا أو بعض إنجازاتنا على طريقة بعض الإعلام العربي الذي أنتج لنا (القاهر والظافر) ودور أرقام ميزانيتين ليعطى دليلا على تصاعد مستوى الإنتاج، بينما الحقيقة صدمت المواطن ليجد أن الظافر، والقاهر عبارة عن منصة صواريخ اعلامية فقط!
وإذا كنا ننفذ مشاريع كبيرة، فليس أيضا من العدل أن نخرج الجوانب السلبية منها فقط، وإعطاءها – بفعل الاعلام – الصورة الرديئة الباهتة..
بين هذين الواقعين نطالع أحيانا وقائع تبعث على الضحك، والسخرية، وهذا مرده، إما لجهل المسئول الذي يصرح بما يعكس الصورة (الكاريكاتورية) له ، وإعطاء المواطن الشك في حقيقة أي انجاز آخر…
وهذا باعتقادی عدم تقييم المسئول الخطورة التصريح لأی جهان اعلامي يتصل بالجمهور ، وربما لا يعيب المهندس ، أو رجل التخطيط أن يترك صياغة التصريحات للمسئول صاحب العلاقة مع هذه الأجهزة ، ومنحها فلسفة الإعلام الذكي الموظف لصالح هذه الادارة او المؤسسة..
هذه المقدمة أردت بها الدخول لموضوع نشر بالزميلة جريدة (الجزيرة) تحت عنوان (تكنلوجيا الهاتف السعودي تتفوق على أمريكا وكندا ) جاء هذا بالعدد 2863 في 18-7-1400ه وجاء بنفس التصريح..
(تتفوق الأجهزة التي يعمل بها نظام الهاتف السعودي على الأجهزة، والأنظمة التي يعمل بها الهاتف الكندي، و كذلك الهاتف الأمریکی قال هذا أحد المهندسين السعوديين في الهاتف السعودي)!
وكم عزيز علينا ورائع أن نحقق هذا الإنجاز الكبير، ونقفز إلى هذا التطور الهائل .. ولكن بتواضع مع أنفسنا ومع تصريح هذا المهندس الذي لم نتحقق من اسمه، نريد أن نناقش هذا الموضوع کنمط لبعض مبالغات الدوائر ذات الصلة المباشرة بالجمهور ..
- أننا نستورد هذه الأجهزه أو بعضا منها من دول أقل تقنية و تقدما من كندا، وأمریکا، مع أنه في حكر التقنيات عالية التأهيل لا تعطي لأي بلد، مهما كانت المبالغ المدفوعة ، لأنها تحتكر لغاية تفوق ما نتصوره، ووسائل الاتصال جزء من هذه الوسائل الخاصة بالاحتكار.. الشيء الآخر أن التصور – والتصور وحده – بنشر أخبار كهذه يعرضنا للسخرية، وهذه المرة الثانية التي يصرح بها مسئول بالهاتف بأننا أفضل من المغرب وفرنسا، ثم ارتحلت هذه الأفضلية الى امريكا وكندا !
- إذا اعترفنا أن وزارة البرق والهاتف استطاعت أن تغطي مساحة جيدة من مدن المملكة وقراها، وتعرضت لنقد الجمهور على اعتبار أن الهاتف الان جزء من ضروریات الحياة العصرية، وله علاقة مباشرة في مطالب المواطنين لكننا سنناقش هذه القضية من زاوية العلاقة المتشابكه، وافرازاتها من سلب وإیجاب…
أ. إذا اعترفنا بتقدمنا الهائل، فإنه في أمریکا – على سبيل المثال – من التسهيلات ما لا يتوفر لأي بلد في العالم ، وأرجو ألا يحسب هذا على أنني أروج دعاية مجانية لأمریکا ، ولكن من باب الاعتراف بالحقيقة .. مثلا ..
• أنه بالإمكان أن تطلب أي مكالمة خارجية أو داخلية وعلى أي تلفون ولو حتی خارج بيتك .. وبنفس الوقت يمكن استقبال مكالمة غير التي أنت مشغول بها ..
• أيضا حققوا بتقنياتهم أن يجتمع ثلاث مکالمات بين ثلاثة اشخاص سواء عن طريق (السنترال ) أو عن طريق المشتركين ، بدون أی مداخلات او تعطيل .
• ومن التسهيلات المباشرة جدا أن تطلب ( ترکیب ) هاتف لبيتك الجديد ، وبعد أن تعطي المعلومات الخاصة، يبلغك كيف تريد اللون و( الموديل) كل هذا لايتعدى ايام قصيرة فقط..
ناهيك عن الطريقة التي يمكن لأي صديق لك بأي مدينة من العالم أن يطلبك وتكون مبالغ سداد (الفاتورة) على حسابك الخاص، وبثقة تامة، وصدق بين الطرفين…
هذا بتقنية العالم المتقدم، الذي ربما يخفی أشیاء في التقنية العسكرية، ووسائل التحرى، ما لم يستطع إدراکه عالمنا الثالث ..
أما وسائلنا – ولنقلها بوضوح تام ودون خجل – فهي كما يتناقلها المواطن..
أ. بطء بالتنفيذ في الحصول على هاتف إلا بوسائل معقدة للغاية، تدفع بمن يقلقه التكرار في المراجعة ، أن يختصر الطريق (بالترك) واختيار طريق السلامة ..
ب. تحول جهاز (الكمبيوتر) في الهاتف إلی عقل مغفل جدا، لايعرف إلا تجاوز الحسابات في الفواتير بأرقام خيالية، وبمكالمات ( سیئول ، وطوكيو ونيويورك) وربما حتى (لتايلند) !
ج. الانقطاع الثابت، وهذا متروك عتبه علي (الشركات) التي تقاسم الهاتف مسئولية القطع والتأخير هذا إذا لم يمن الله علينا بالسيول شتاءا لتنقطع كل حركة الهواتف !
د. بعض التسهيلات التي تعطى لبعض عباد الله، مثلا هناك من أعطى هاتفا يشتغل بخيمة حارس ( الفلة) قبل أن توضع اساساتها ؟!
هذا جزء بسيط من آراء الناس في الهاتف، لكننا نبرر أن أی مشروع ضخم بكفاءات بسيطة لا بد أن تتعدد أخطاؤه ، وأن تتكاثر عليه عيون الرقباء ، والناقدین…
لكن ما يؤلمنا هو أن الهاتف إدارته لم تعترف بهذه الأخطاء، أو التقصير، في حين يبالغ مسئول بأننا أعلی تقنية من امريكا وكندا!
الذي نريد أن ننتهي اليه، أن هذا إغفال للقارىء أي كان نوعه، والأهم أنه لو نقل على لسان هذا المسئول الخبر إلى أي جهة خارجية وزيد عليه بالتعليق الساخر، لتحولنا إلى موقف المدافع، والمكذب!!
إن مثل هذا التصرف هو الذي جعل من معظم واجهاتنا الإيجابية لغة مقصرة في إعطاء الأشياء حقها الواقعي بدون مبالغات، أو تجاوزات للحقيقة الفعلية..
لقد كان بودنا أن تهضم عقولنا، أو حتى أمعاؤنا صورة أننا أکثر تقنية من أمريكا وكندا في مجال الهاتف ونرجو أن لا يخرج علينا آخر بأننا حققنا اکتفاءا ذاتيا لصناعة السيارات ، وأجهزة التلفزيون والراديو!
قطعا لسنا أسوأ دول العالم، فنحن لنا خصوصیتنا ومميزاتنا المادية والتقليدية، وأی شعب يريد تجاوز ذاته وتخلفه، هو الذي يتعامل مع الحقائق، ومع العقل لأن التقنية ليست إثارة صحفية ، او بطولية عنترية .. التقنية تتعامل مع العقل، والمادة في بيئة تتوفر فيها كل مقومات حرية العمل المنتج..
وإذا كنا قادمين على هذا الخط المباشر مع العلم والانتاج ، فإنه من أوليات اهتماماتنا أن تنصب على عقل الانسان، وهذا العقل، لا تجوز معه الأساليب غير التقنية.. وعفوا فإن هذه زلة صغيرة في مشاريع كبيرة، ولكن علينا أن نرتب أساليبنا وتعاملنا مع عقول الناس، ونتناسى تماما صيغ المبالغه حتى لا تكون الأعظم ، والاهم ، والاكبر .. الخ ..
إننا بلد نام وعلينا أمام أنفسنا مسؤوليات كبيرة والطرق كثيره التعرج، وكثيره الانفراج، وحتى لا نسيء إلى أنفسنا علينا أن نعترف بواقعنا بدون غياب عن عقول الاخرين ..
مصادمات ( ابي التشعب الذاتی)!
تبتلع فلسطين في معدة العافية العربية ، ويغنى الشعر أسطورة البطل، والشعب، بينما العار تعدى الركبتين ، وقفل السرة، وشل الركبة وقضى على بقية ما يقال عن حمية العربي!
وأبى التشعب الذاتي بحث عن عينين يطل بهما بدون عمش أو رمد ربیعی ، ويأكل «ابي التشعب» غلاف كتابه الخامس والستين بعد المائة، عن حلم تلك الفتاه المتفتحة العينين.. بنت الحكاية الخامسة والستين من السهر وموسيقى الرصاص ، وتقرا :
أنه كان في الارض وعد للعيش، والسلام والحب ولكنها تأسف أن الأرض لا تعرف إلا زراعة البندقية بين النهد والرقبة، وأن الفحولة هي رمز للثيران (الأسبانية) التي يذبحها «الميتادور النرجسي» في حلبات أسبانيا !
تستيقظ بنت (ابي التشعب الذاتی) تحصى في دفتر يومياتها المدرسيه، كم يقال عن (القضية) في كل إذاعة وجريدة ومحطة أرصاد، وتلفزيون؟ وتعرف أن الإحصائية غسيل يومي متبع بالبيت العربي من بلاط السطوح، الى أنفاق الحمامات الداخلية!
فهو «بثل» القهوه العربيه، وفضلات فرش الأسنان المستطعمة ( الكافيار) وعصير صدر الحمام، والعصافير وتمشي «بنت ابی التشعب الذاتي» لترى أن القضية حلقة في فراغ، يسمى الطريق العربي ذو النعل الواحدة!
(وابي التشعب الذاتي) يحلم أن له طفلا “شرعيا” مسجلا في دفاتر الأحوال المدنية، وأنه متفق عليه في الحارة ، والشارع ، والمحكمة ، ولكن بدون هوية النجمة السداسية!
وتصر الأم أنه جاء من نفق عربي يسمى (جدیس) – وان اختلفت مع «طسم».. وأن اليمن هي الرحم ذات الخلايا الوراثية لمقام سعادة أسرته الأولى، وإن كانت استطونت الشام، ورفضت بعد آلاف السنين كجسم يستحق هوية الإرث التاريخي في أرض فلسطين!
وأبناء، ما بعد أرومة العرب ، في الشام .. قالت (إنه من نسل أبي «القردة» الداروینی.. وأن الحلقه السادسة في الظهر لم تفقد إلا في هذه السلاله القرديه!
ويحتج ابن (ابی التشعب الذاتي) ولكنه يجد من يقول « وأخيرا سيداتي وسادتي انتهى الحفل الختامي لعرس السلالة الحيوانية الأولى ، وبذلك ينتهي فصل هذه الملحمة الكبرى، شعرا ، ونثرا وزيا تقليدا، وحضارية وتصبحون على خير»!
ينسحب (ابن التشعب الذاتي) ويبحث عن زمن لمعونة اللاجئين.. غير أن الموسم شح بالقمح والطحين ، وتوفر بالرصاص الناعم، وصار الغزل بالنار حرکه حضارية.!
العقوق…. وكبرياء العظماء
رواد التعليم الأوائل جنود منسيون حتى في حضرة حفل صغير تقيمه أی مدرسه أنشأها أحدهم..
وحتى التاريخ لم يرحمهم ، أو ينصفهم ، وحين نسمی هذا العصر بكل وسائله العلمية ، عصر التدوين، والرصد الكل نشاطات الأمم ، فان المعلم لدينا بقى بدون صفة تذكره كأحد المجاهدين على جبهات الجهل….
الأستاذ “عبد الرحمن الرويشد” له اهتمام مباشر في التعليم في المنطقة الوسطى ، وتاريخه، وربما يتكرم بإخراج كتابه إلى حيز النشر عن أولئك الطيبين المنسيين..
الاستاذ عبد الرحمن يتذكر أن هناك عشرات الكتاتيب بالرياض تعلم عليها قضاه وأئمة مساجد، وعلموا عشرات الطلبة أصول الدين، والكتابه ..
فهناك كتاتيب (ال مفیریج، وال مصيبيح، وال یحیان) وتبع ذلك مدارس التعليم المنهجي مثل مدارس (ال خیال ، وبن مديميغ والسناری)..
وكان المعلم بمثابة إمام المسجد، تقصر عليه بعض الأوقاف والمنح السنوية ، أو الموسمية ، حتى أنه يعفی من الخروج إلى الجهاد، أو دفع أي ضريبة خاصة، على اعتبار أنه قیمه نادرة وعزيزة، حتى أن شرف التعليم كان بمثابه حرفة متوارثة، ولذلك سميت بعض العائلات بيوت العلم..
وإذا كان في المملكة أعداد كبيرة من أولئك الرواد سواء من هزمته الحياة ، وظل ساكنا في بيته كأی قطعه بالية ، تذبحه الحسره والألم ، أو ممن مات ونسي في قاع قبره ، فإنهم يظلون سوط عذاب لنا إذا لم ندرك أنهم بداية الفتح الرسمي لعقولنا..
ولعلي لا أستطيع أن أقوم بعمل المؤرخ ، فهو جهد يحتاج إلى جمع وتوثيق من مصادر عديدة ، وقد يكون هذا مسئولية قطاعات التعليم بمختلف تخصصاتها لكنني أتذكر أحياءا يمضون بحياتهم بسكون، وتواضع شأن أی عظیم تصغر في عينيه كل العظائم.. أعرف أن هناك ، على سبيل المثال ، “سليمان السكيت” مؤسس المدرسة العزيزية بحائل والشاعر والأديب الذي ظل يعلم الناس ويجاهد بشخصيته القوية النافذة ويخالف عدة تقاليد بوقتها كانت مجال جدل حاد بنظره تتسم بالواقعية في دقتها.
وأعرف زميلا له بنفس السن ، والتاريخ أسس فيما اعتقد المدرسة السعودية هو الشيخ “صالح الطورب” وكذلك ممن زاملهم كالأستاذين الفاضلين “ابراهیم الحماد الصايغ، عبد الرحمن العبد الله الملق”، وهما اللذان واصلا دراستهما الجامعية حتى بعد تجاوزهما سن التعليم المبكر .
الشيخان الأولان يمضغان الحسرة والالم ، ويجرجران قدميهما بصعوبة من البيت الى المسجد ، ويمر بهما كل أبناء هذا الجيل ولا يدركون ما أعطوه وما منحوه لابائهم ، بل وأخشى أن يكونا موضع تندر او سخرية!!
لقد رثت الصحافه قبل أيام علما سقط هو الأستاذ المرحوم “صالح الصالح” ولكن أبناءه ، وبمبادرة كرامة أدركوا قيمة ذلك الرجل ، وطرحوا فكرة إنشاء مسجد ، ومدرسة باسمه ، وهذا أعتقد أنه جهد المقل…
لكننا على المستوى الرسمى ، والشعبي ماذا قدمنا لاولئك ، أحيائهم وأمواتهم ؟! هل سميت مدرسة، أو شارع باسم أی واحد منهم ؟!
مبلغ العشرين ألف ريال التي تعطى لمن أمضى خمسا وعشرين سنة وليست كافية كأسلوب تكريم، لأنها تمضي مثل منح ذوي الدخل المحدود ..!!
الأوائل أکرموا رجالهم بالقدر التي تسمح به ظروفهم، وكانوا أكثر وفاءا وصدقا مع مشاعر معلميهم، أما نحن فحتى الكلمات الصغيره في دفتر الذكريات لا نمنحها اياهم…
رحم اللة أولئك الرواد في كل بقعة من أرض وطننا فإنهم فاقوا بتواضعهم كل كبريائنا المزيفة ، رغم ممارستنا لكل وسائل العقوق معهم…
لقد نقشت على وجه العملات الرسمية صور الفاتحين والقادة ، ولكن المعلم لن يجد من يقف له تبجيلا لأنه حركة سكون في سطر ميت في التاريخ ، وخاصة عند الأمم التي تذبح أبناءها في زنزانات النسيان .
التاريخ: 21 – 07 –1400 ه
0 تعليق