داحوس “3”

آفاق | 0 تعليقات

ركز نظرته الحادة على المتمدد بالأرض، قرأ.. (تفل).. أحاط المطروح بدائرة خطها على عجل بسكينته التي استلها من تحت حزامه ركزها على الأرض.. لوى (شماغه) الأزرق ربط إبهام القدمين، واليدين.. حرك عصاه (الخيزران) بالهواء ثلاثاً.. زفر.. ودونما أي اعتبار للوقوف بالسقيفة سارعت عصاه تجلد جسم المسكين.. الأطراف.. البطن.. تحت الإبطين..
أحاط رقبة المطروح بنعلين عتيقين، شكم أنفه.. رجع يوسده نعلاً ثالثاً..
المسكين يصرخ.. يولول!!

  • (إما أنه واطي على نار ولا سمي، وإلا أنه (مزغل) على رماد)!!
    (عاكوف) يبهره الموقف، والانفعال.. يصمت ينتظر مفاجأة!!
  • (لا.. لا.. الأكيد أنه صب ماء حار على قبر جني)!!
    لا يتحرك (عاكوف) يمضي بصمته!
  • (الخرابة اللي نتف فيها القنفذ ساعة الصفرة.. هو بابه يسار، والا يمين)؟!
    (عاكوف) يطرد الرهبة.. تسخن جبهته.. يرد..
  • (وغير هالحكي.. وش عندك)؟!
  • (سقط الطير، جاك الخير،
    (أم عرير.. وغوير صوير
    (يمشي راكض.. راكض.. راكض
    (عطونا بخوركم..
    (طار الطير)!!
    (أي نعم افصدوا إبهام اليسرى.. يموت شايب القحط اللي دخله في عرس (رويكظ)!!

• • •

• • (بنات نعش.. شالن نعش.. عددهم أربعة.. وقالوا علم نعره.. وش هو ؟!!)
يمد داحوس (برطمه) الطويل..

  • (هذا وأنا عمك.. وأنا عمك.. أبوك يا مهو يمشي على أربع)!!
    (لا والله.. خالك أبو عتاري)!!
  • (تخسي.. أبوي ولد على نطع.. وكلا فقع.. وأبوك يركض بين الجماعة.. وو.. ط.. ق.. كرم الله السامعين)!!
    (طواري) يفك المشكل.. يعشيهم.. قرصان، على فقار فاطر)!!

• • •

• • (روجه.. ولا هنا دليل)!!
قالها داحوس، وهو يعزل غنم (جافي) عن معزي (مردود)

  • (صاحب الحق عمي )۰۰!!
  • (لا.. والسارق.. يعرف بجرته)!!
  • (قل.. لا إله إلا الله.. وخل عنك بوق المسلمين..)!!
  • (استغفر الله العظيم)..
    داحوس لا يدري.. لكن (عناق السطوح) مدللة.. والدلال لشتره.. يكسر القدحان)!!
    طالت المشكلة.. من سرق النعجة.. الأعمى يتلمس بظهورها والرقاب.. يصيح بوجه والده..
  • (خف من ربك.. يبه.. اللي خذيت ما هيب لنا)
    الأب يثور.. ينفجر (الأعمى يدل الصاحين)؟!!
  • (لا ونا ولدك.. اترك نعجة الجيران.. وشف نعجتنا تجرها الكلاب ميته..)!!

• • •

  • (كلك بكلك..
  • (هين.. ترى سوالفه ماله عمد.. لا ترتكي إلا على أساس.. وخرطيه لا يهمك)؟!!
    يرد داحوس..
  • (أجل حنا مهابيل يوم يقول إن قرعة الربع ملت الشعيب)؟
  • (اللي ما تدري عنه إن الساحر جاه منهوا سحر منه)!!
  • (وشلون يا طواري)؟
    ۔ (أبو كسافه، سلمك الله، قال قرعتك نقدر نطبخه بقدر (هكاك) اللي يستغل به أربعين صانع، ولا يسمع واحد الثاني)؟؟
  • ما قلت إنه كلك، بكلك؟؟

• • •

صعق للإشاعة.. في بادئ الأمر لم يصدق، ولكنه واجه الحقيقة بنفسه..

  • (سخط الله عليهم.. حتى الحديد يحكي)؟!!
    يرد داحوس بعقلية الفاهم المدرك..
  • (لا.. ويقول أبو كسافه أنه يشم رائحة دهن العود من سماعة الرادو باللي تغني.. ويسمونها سهام رفقي)!
  • (عدل.. إيه عدل.. فلنا البرقية ما يخالف.. يتجمعون شياطين الجن عند حاشرهم ويجيب لهم الخبر.. لكن الرادو؟! الرادو هذا منكر زينه بليس والنصارى.. حسبي الله على الكفار)..
  • (أثرى ما عندك علم باللي صار بالسوق اليوم)؟!
  • (ها.. ها.. أنت راع العلم وتحرى به.. بعد وش صار)؟
    يتكئ داحوس على (مركاة) يطقطق بسبحته (أم) تسع وتسعين خرزة)!
  • (دعوا الشياطين أبو جراد، ونقدو له ريالين حماله على أن يودي البطارية لراعي الماطور من شان يعبيها ويسمعون الرادو)!!
  • (وعسى ما سواها أبو جراد)؟
  • (لا.. تعوذ من الشيطان.. وشهد عليهم.. وشكا للشيخ)؟
  • (بعدي.. والله.. لو ما عملها ماهو برجال)؟
  • (لكن الشيخ ضحك.. وقال: يا ولدي هو السيل إلى مشي يرد بعباة؟!
    هذا علم ساقه الله للمسلمين.. والعلم الأول والتالي لله سبحانه)!!
  • (وابو جراد وش عمل)؟!
  • (راح القرية ام خروق.. وانقطع علمه من ذاك اليوم)؟!

• • •

يتذكر داحوس طفولته.. الركض (بالدنانة)..
(كوى) ساقيه بالنار حتى (مايلحقه الذيب)!! لكن الذي لم ينساه أبداً حادثتين.. أو كارثتين (طلعت له قلب)!!
(تراهنوا.. من يدخل الخرابة ويحط طاقيته بغرفة الحطب)!!
(طواري) يحلف بانه (شاف) بالغرفة منساف، وقدوم يطاردن الرحى من الأرض للسقف)!!
يحتج (أبو كسافه)

  • (يزاولك.. والا إنك مفطر بفليت)!!
    قبل (أبو كسافه) الرهن والتحدي.. لكن داحوس هو الذي دبر (العلم) منتظراً (الذروق.. وش يعمل)!
    جلس بقاع الدار المظلمة بعد العشاء ينتظر (أبو كسافه) نفخ داحوس (القاز) على شعلة النار.. ملأ الضوء الغرفة.. وبلحظة وقع مغشياً عليه.. حملوا الضعيف (أبو كسافه)..
  • (وحولين.. مع شهر قصير، والقرای يقرأ عليه)!!
    الحادثة الثانية حينما وجد (بالمناخ) (قعود هايج).. وقع الرهان على (حجيف) يركب القعود بعد طلعت صلاة العصر)..
    (القعود) هائج يجري بأقصى سرعته.. الناس تبتعد ونضحك.. أحد المارة يقول:
  • (تقضب.. يا جحيف)!!؟
    يرد (جحيف):
    (يقوله اللي بالأرض)!!
    يقع (جحيف) وتنكسر ترقوته.. لكنه (سلم من الجنون)!!

• • •

أطفالها الثلاثة الصغار.. وضعهم والدهم أمامها، وتركهم في غربة طويلة.. لا تدري كيف تحتال على واقعها، أو تسيطر على ظروفها..
جلبت الماء من (القرو) لسكان السقيفة.. بلطت بالطين البيوت.. طحنت (شوالات) الشعير.. دبغت جلود الأغنام.. لتلحف، وتغطي ثلاثتها الصغار «بالجواعد»، وتبيع بعضها «للخرازين» …!!
لا تنساهم أبداً حين تخرج لأي طارئ.. يتعلقون بأطراف ثوبها تهزم أقدامهم الصغيرة الحجارة والشوك، لتأكل الأرض من أحشائها وهي تشاهدهم على هذا الحال!!
انتقل مرض الجدري لأوسطهم.. شلت حركتها.. عالجت بكل شيء حتى «الكركم» داوت به عينيه المغمضتين.. نقوش الجدري حفرت وجهه وبطنه، وأطراف يديه ورجليه..
لن تشحذ لأنها تدرك أن الجيران مثلها يقتلهم العوز والفقر ولأنها مثلهم فصلت من أكياس الطحين التي جاءت معونة، ثياباً لأولادها!!
طحنت لهم نبات «السمح، والدعاع» وطبخت خف البعير وقسمته على خمس وجبات.. أكلت النخال.. حتى خلخال أمها النحاس باعته لتداوي صغيرها!!
العيون الشرهة طاردتها.. أغرتها بكل شيء لتصل إليها العجوز «بنت بليس» زينت لها الدنانير، والذهب والفضة.. حملت بزنييلها لحم الضأن، «ورز العنبر» وأقمشة حرير الهند لكنها قاومت.. وقاومت.. سهرت الليل على صراخ الصغار.

  • «ومتى نتعشى يمه»؟! يرددها الصغير!!
    ترد الأم.
  • نم.. والصبح تشوف القرصان.. والدبس.. وللحم الحاشي»!!
  • «ونشبع يمه»!!
  • «وتغسل يديك بالشنان عن الزفر»!!
    والصغار ينامون على أمل أن يسقيهم «الغزيل» ويشبعون في صبح اليوم التالي!!
    اهتزت الأم وهي تشاهد كوم القمح و«قلال» التمر.. صورة الصغار بوجوههم الصفراء، وأقدامهم المفلحة الدامية.. وهذه الأكوام المشرعة..
    كانت المناسبة زكاة الفطر حين تعرض مكنوزات الدكاكين.. بخاطرها صورة «بنت بليس» بكل مغرياتها.. لكن العار لا يقطعه حد السيف.. والموت «أريح»!!
    طرحت طرف عباءتها.. ملأتها بالقمح.. تلفتت، لم يشاهدها أحد.. مشت..
    أكل الصغار «المرقوق» شبعوا ليلتها.. نامت لكن الكوابيس الملعونة تسبح في عقلها وخاطرها..
  • «أسرق».. قالتها بحرارة من يريد أن يقاوم الموت..
  • «أسرق».. نعم.. «وكل شيء أهون من شيء.. والسرقة أخف من علوم بنت إبليس»!!
    عودتها السرقة على أن تشتهر.. تستر عليها بعض الجيران لكن العجوز الملعونة ملأت البيوت، والحارات، وزعت بياناتها المنقولة إلى كل بيت..
    انكمشت الأم.. التدرن أكل رئتيها.. والأطفال تعلموا مهنة السرقة ليعيشوا!!
    داحوس يذكرها.. تمزق قلبه حين عرف أنها ماتت، ولكنه لم ينس ذلك الإنسان المؤمن، الذي دس من تحت الباب في آخر الليل صرة من النقود علها تستطيع أن تقاوم الموت.. لكن المسكينة لم تشاهدها لأنها كانت بالنزع الأخير!!

• • •

  • «السجادة بمائتين وخمسين.. والسياح على ميه.. وأنت لك نطيح عشرة»!
    الأعرابي العريس يريدها، لكن (الفلوس ما هي حاضرة)!!
    يرد المرابي..
  • (نستوفيها غنم، واقط)!!
  • (توكلنا على الله)!
    وتدور السنة، وأخرى على الأعرابي، لكنه لا يستطيع تسديد الدين.. وهذا العام (تبي تفرج)!!
  • (أهلاً.. أهلاً.. حيا الله الخو.. وشلون الربع.. أبطيت علينا الله يسلمك بالقريشات)!!
  • (ما يخفي عليك، الدنيا دهر.. لكن ربك كريم)!
  • (وها الحين عساك جبت لنا الدراهم)
  • (أي بالله.. والله يكثر خيرك)!!
  • (لكن أنت داري أنها طبقت عليك القيمة)؟!
  • (وش ها الكلام.. انت بعقلك، والا مختل)؟!
  • (الحق ما يضيع.. وانت خابر التجارة شطارة)!!
  • (أقول ترى ما عندي شيء.. وطق برسك الجدار، ورح اشتك)!!
  • (وفشلت الطبخة يا داحوس)!!
  • (البدوي راح.. والحضري ترضع سبيطان)!!

• • •

  • (الاسم)؟!
  • (داحوس)!!
  • (اسم الأب)؟!
  • (نحيط)!!
  • (والأم)؟!
  • (شملة)!!
    اكتب.. اللون «حنطي».. والعلاقة الفارقة الثابتة «فلقة» تحت الحاجب الأيسر!!
    داحوس يمش بالمعاملة.. والرقم على الورقة الصغيرة تمزق، والتابعية «برجا الباري»..
  • داحوس..
  • (وش أسوي بالرقم)؟!
  • (تراجع الصادر العام الشهر الجاي)؟!
  • (والي جيت أقول لهم عطوني معاملة التابعية اللي أشباهه زينة وعليه دق جدري يخفف دمه)؟!
  • (لا.. وإن بغيت قلبه سقوه، وطار بها العجاج)؟!

• • •

لم يتحمل داحوس الخبر الذي حمله زميل ابنه «دويحس».. سأله داحوس.. (وشلون الولد والدراسة)؟!
رد زميل ابنه..

  • (خوش ولد لولاه يأكل الفول؟
  • (وتقوله صادق)؟!
  • (أي نعم.. ويشريه من الحلة بقدير صغير)؟!
    داحوس (ما شالته الأرض).. ركب الدمنتي إلى الرياض.. قطع النفود ووصل..
    سأل عن «الولد» وجده ساكن «بالحلة»..
  • (يا هلا والله بالوالد.. الساعة المباركة اللي جابتك للرياض)!
    يصلي داحوس مع «ولده» دويحس يحمل القدر الصغير…
    يجلب الفول، وخبز (التيميز)!!
  • (داحوس يا ولدي وش فطورك هذا اللي طعمه زين)؟!
  • (فول.. يبه)..
  • (هذا هو الفول اللي يعايرونك فيه) ؟!
  • (منهم سلمك الله)؟!
  • (ربعك)؟!
  • (شوفتك يبه)؟!
  • (وما دام هذا طعمه.. عطني وأنا بوك سكارة)؟!

• • •

بعد العفاريت، والجن والسعالو، كان داحوس يخشى المجانين.. وخاصة «اللي ضاع بهم الطب والمداوي»!!
يذكر أبو صايتين، ينقش على (غترته) كلمات (الفلس يدينا يوم القيامة.. ومن صك، بابه حشرته يوم القيامة العقارب والثعابين، ودود القبر)!!
يركض بالسقيفة وقد «فحش» على عسيب..

  • (خيل الخيل.. ابعدوا ترى المهرة عسيف)!!
    يجري أبو صايتين، كل خميس وجمعة يربط «غترته» (اللوحة) بحبل من الصوف وثوبه «المرودن» يطير بالهواء.. ويركض على «العسيف» إلى أن يختفي بآخر السقيفة!

• • •

لبست ثوب عرسها من قماش «نايم المدلول» عقصت جديلتها (المشاطة)..

  • (الله يرحم جدتك.. سوق عرسه نعجة، وكيس شعير، وثلاث فرانسيات)!!
    ترد العروس..
  • (كلش تغير يا خالتي.. والزمان خوان)!!
  • (أي بالله.. وصاع الكرمع صار بريالين)!!
  • (زماننا ما نشوف إلا الطبخ، والطحن، والعشب، وأما بنات ها الزمان، ما تدخل على العريس إلا والغرفة مجصصة ومعلق بالسقف سراجين أبو دنان)!!
  • (وانتي واش اللي يحرق مرقوقك)؟!
  • وليش ما تقولين العجايز العشر بريال)
  • (هذا الي لقن من يشتري)؟؟

التاريخ / 18- 9 – 1400 هـ

مقالات مشابههة

التقابل.. والتضاد!!

التقابل.. والتضاد!!

في عدد الأحد الماضي من جريدة الرياض رقم 5412 في 27/6/1403 كتب معالي الدكتور "عبد الله التركي" مدير جامعة الإمام محمد بن سعود مقالا عن فن التعامل مع الظروف...

شارك برأيك

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *