موضوع التوازن في القوى، استراتيجية سياسية قبل أن تكون عسكرية، وخاصة في الدول التي لا تمتلك صناعة متقدمة في الأسلحة، ولكنها تملك استراتيجية جغرافية، أو اقتصادية..
والتعامل مع هذه النظرية يجعل خضوع معظم الدول في العالم إلى التوجه نحو الشرق أو الغرب، قضية حتمية في الوقت الحاضر، رغم أن معظم مشاكل التوتر تخلقها سياسة وأيديولوجية هذه القوى..
والوطن العربي – لسوء الحظ – يقع وسط أخطر مناطق الاشتعال، وقد تكون كل المفارقات الموجودة في محاولة موضوعية لمنعه من تنمية قواه الكبيرة، والوقوف على عتبة التحديث في هذا القرن.. ومن بداية الحركات الإصلاحية التي قادها جمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، ومحمد بن عبد الوهاب، كان الهدف الأساسي هو العودة إلى الأسس التي قامت عليها الدولة العربية الإسلامية في امبراطوريتها الكبرى.. وحتى وقتنا الحاضر، أو عصر التمزق، لم تتضح الأنماط، أو التجارب التي تستطيع أن تأخذ بمنهج تجربة واعية وحديثة لخلق كيان عربي جديد مستقل بنظرته عن أي اتجاه أو تبعية فوقية..
وإذا كانت الأزمة تتصل تاريخياً بتخلف الوعي العربي، وقصوره عن حل مشاكله، فإن المرادف الصحيح للأزمة، هو وجود الكيان الصهيوني بكل ممتلكاته الأيديولوجية والعسكرية التوسعية، وما يحاط من عطف أبوي من مختلف الأنظمة الشرقية، أو الغربية..
من هذا المركب المتناقض تبرز قضية توازن القوى بين العرب وإسرائيل في الميدان العسكري وفق أرقام محسوبة، وجعل هذا الميزان لصالح إسرائيل دائماً لتبريرات عديدة مقامة على فرضيات وضغوط تعرف الصهيونية العالمية كيف تستفيد منها..
لكن لمصلحة من هذا الانحياز الدولي لإسرائيل؟!
الوطن العربي يملك مقومات القوة الثالثة في العالم، أقول يملك، وإن كان لم يفعل، لذلك ليس من مصلحة أي قوة أن تتكون أمة لها هذه الحساسية والنفوذ على استراتيجية تاريخية ولذلك سنبقى أسرى التناقض، وميداناً لمؤامرات طويلة الأجل إلا إذا قدر أن ينتصر صوت العقل العربي، ويفهم ممتلكاته الكبيرة وقوته التي لم يستثمرها..
لقد ضج العالم لمجرد أن حاولت العراق بناء مفاعلات نووية يعتقد أنها قادرة على صنع قنبلة نووية عربية، ورغم تصريحات كل المسئولين العراقيين، بأن كل التجارب التي يقوم بها هذا البلد الشقيق في الأغراض السلمية، إلا أن الحملة قائمة ولن تهدأ طالما أن كل المؤسسات التي تحركها إسرائيل لا تريد الإخلال بهذا التوازن الذي يستطيع أن يحجم إسرائيل ويضعها في حيز ضيق.
من هذه الرؤية سنناقش امتلاك العرب لهذا السلاح الرهيب ومن نظرية الاحتمالات فقط، ومدى انعكاس هذه القوة العربية على مجمل القضايا الدولية، والعربية..
إسرائيل ربما أنها تمتلك سلاحاً نووياً رادعاً، وهذا ليس بمعجزة كبرى إذا كانت هناك أطراف عديدة تتعاون معها، كان على رأسها في بداية الأمر فرنسا، حين بنت أول مفاعل نووي لها، إلا أن الأمر يتعدى تملك إسرائيل لهذا السلاح، وتفردها به، إلى خطورة دخوله لمنطقة الشرق الأوسط كأخطر مناطق العالم على أوربا بالدرجة الأولى وعلى دول العالم الثالث الأخرى، التي تربطها بهذا الوطن قضايا عديدة..
وإذا كانت فرنسا هي التي وهبت إسرائيل بناء قوتها الجديدة، فإنها الآن العدو اللدود لفرنسا التي تتعاون مع العراق في ذات المجال، وإن كان ببخل أكثر، ورقابة صارمة لكن الذي يعنينا من الأمر، هو هل لفرنسا مصلحة في أن يمتلك العراق قوة نووية معادلة لقوة إسرائيل؟
من مبدأ الاحتمالات نعتقد أن فرنسا لها مصلحة جوهرية لا ينعكس مداها البعيد عليها وحدها، وإنما على أوربا بالدرجة الأولى، وعلى الوطن العربي كامتداد طبيعي لأوروبا.. فرنسا تدرك أن إسرائيل قوة توسعية، ولا تملك لها أي ضوابط في كل تصرفاتها، وحتى ولو استعملت سلاحها النووي بطرق محدودة.. وفرنسا المستقلة نسبياً عن الفلك الأمريكي تعلم أن أمريكا عادت من جديد إلى عصر التحالفات الاستراتيجية، وإعادة بناء قواعد لها على البحر الأحمر، والخليج، والمحيط الهندي، وترتبط بقوة عسكرية مع أطراف (كامب ديفيد) لتكون رداً على ذات الاستراتيجية الروسية التي تبني في مواقع أخرى قوة مماثلة..
من هذا الاستقراء للتاريخ السياسي والعسكري، ترى فرنسا في وجود سلاح نووي عربي، قوة معادلة لأوروبا لا للعرب وحدهم، وحائط صد للتوسع في القوتين الكبيرتين..
لذلك صار التنبؤ بالأحداث مشروطاً بظروف متعددة اقتصادية وسياسية، وأطماع استراتيجية.
فإذا كانت العقائد العسكرية في الوقت الراهن والمستقبل تبني على توزيع نفوذ غير مباشر على العالم، فإن أوربا غير قادرة على خلق أي توازن دولي ولذلك تجد أن:
أ) التسليح العربي يقع داخل عقيدة روسيا وأمريكا خاصة في الأسلحة التقليدية..
ب) أن هذه الأسلحة يتقادم عليها الزمن، وتصبح بفعل ظروف كثيرة قليلة الجدوى لإنتاج أسلحة أكثر حداثة..
ج) أن أوريا لاعتبارات كثيرة ليست البديل في التسليح وليس من مصلحتها خلق أي حالات حرب..
ولو عدنا إلى تاريخ الحرب العالمية الثانية واتفاقية «يالطا» التي اتفق كل من ستالين، وروزفلت على إنهاء الاستعمار التقليدي لبريطانيا وفرنسا، وإحلال القوى الجديدة مكانها، لتتقاسم العالم بنظريات أخرى، لقلنا إن أوربا هي ميدان أي حرب قادمة، ولو كانت اقتصادية.. وهنا تنبع مصلحة فرنسا، التي تتزعم أوربا في الوقت الحاضر، وتتكلم بصوت أكثر تحرراً، ولهذا تجد أنه لو تسلح العرب بسلاح نووي، فإن المكاسب الأوربية عديدة..
• فلو فجرت العراق، أو أي دولة مشرقية قنبلة نووية ولو كانت محدودة الفعل فإنها ستعطي مكاسب ضخمة منها:
ا- كسر احتكار قوة أمريكا أو روسيا في تهديد المناطق العربية بالغزو، وإبطال مفعول قواعدها العسكرية..
۲- جعل هذه القوة درعاً واقياً لأوروبا في حالة أي حرب بين روسيا وأمريكا.
3- إيقاف إسرائيل وتحجيمها داخل حدودها الحالية، ومنعها من أي مغامرة قادمة، لأن استعمال هذا السلاح سيكون رد الفعل على إسرائيل أخطر من العرب، وكذلك كسر احتكار السلاح الأمريكي أو الروسي للعرب.
4- صرف بعض الموارد في التسليح العربي إلى استثمارات كبيرة بين العرب، وأفريقيا من جهة، وبين أوربا من جهة أخرى.
5- إنهاء أزمة الشرق الأوسط بقوة هذه المعادلة في التسلح، ومن منطق أن المنحنى التاريخي يعمل لصالح العرب مهما كانت العقبات الموجودة..
من هذه الرؤية نجد أن فرنسا قد تكون متفقة مع الأوروبيين على الخطوط العريضة في الاستراتيجية الأوروبية في الوطن العربي، ولذلك يكون من مصلحتها خلق هذا التوازن.. السؤال الجديد هل يمتلك العرب قنبلة نووية؟!
على المدى القريب أو البعيد، نعم لأنها هي الحل الأمثل في توطين الثقة بالنفس وسط المتغيرات الدولية.. لكن الذي لا نفهم هو حجم الجهود المبذولة، ومدى التعاون العربي، بكل فصائله، ومذاهبه على امتلاك هذا السلاح..
إن القدرات العربية قادرة على صنع أشياء كثيرة إذا ما تواجد الإخلاص والتخطيط، وأنه طالما أننا نملك استراتيجية المكان والبترول، وسوق لتصريف البضائع الأوروبية، فإنه في هذه الحالة يجب أن نضع خططنا في الوصول إلى هذه التقنية، ولو في سبيل الدفاع عن النفس، وخلق حوار الندية في كسب هذا السلاح..
إن أوروبا لن تعاملنا بالتسامح السهل، وفتح مصانعها للاستفادة من تقنيتها، وهي التي ترى أن الدول العربية، دول مزاجية وغير منضبطة، وكذلك فإن الوسائل التقنية تسيطر عليها الاحتكارية، ولا يصلح لها النية الحسنة.. لكن من موقع التعامل في المصلحة القائمة، والمستقبل البعيد، فإن هذه البوادر قادرة على صنع شيء ما لمصلحة الطرفين..
وإذا فهمنا أن روسيا لن تصدر التقنية النووية إطلاقاً حتى للدول الحليفة لها في أوروبا الشرقية، فإن أمريكا بنفس الدرجة الاحتكارية وإن كانت تمنح الهند وإسرائيل، وجنوب أفريقيا، وغيرها من الدول الأخرى لمصلحة استراتيجية أمريكا..
ومهما كانت الصعاب في الحوار مع أوربا، والضغوط غير المباشرة عليها من الطرفين القويين، وحتى نظرتها العنصرية أحياناً، فإنها الأقرب امتداداً لخلق توافق في المصالح والمواقف ولو كانت بأقل المعدلات في الوقت الحاضر مع العرب..
إن هناك قناعة عند الأوربي، حتى لو تستر عليها، أن العرب هم الأقرب إلى صنع حلول لأزمات أوربا، إنما كيف يجب أن يتغلب على الصعاب؟! هذا هو الأمر الذي يخص الطرفين..
في الوقت الحاضر هناك تشابه في المشكلة، وإن اختلفت حدتها..
الأوربيون لم يستطيعوا خلق وحدة معقولة، أو حتى تفاهم في الأدنى لمشاكلهم الاقتصادية في السوق المشتركة.. وفي الإطار العسكري هناك تناقض وسوء فهم لحلف الأطلسي..
وفي الوطن العربي عشرات التشكيلات من الأنظمة، وعشرات الخلافات على كافة الأطر.. والمستفيد الوحيد من هذا الانقسام هي القوى العظمى..
إننا يجب أن لا نحلم، ولا نغطس في الآمال الكاذبة ونعطي لأنفسنا أشياء لا نملكها.. لكن علينا أن نفهم أننا قادرون على دراسة واقعنا، ولكن بأكثر إيجابية، وتحرراً من عقدة الخوف.
ومثلما أن الضرورة تخلق المستحيل، فإن من مكتسبات دول أوربا أن تكون هناك نهضة عربية تكسر ثنائية أمريكا، وروسيا ولكن هل نحن قادرون على امتلاك هذا الدور؟!
الجواب عند من يدركون معنى الوجود العربي، ومصير المستقبل العربي.
الثانوية الشاملة.. وتجربة النجاح أو الفشل!!
أعرف سلفاً أن مناقشة قضايا التعليم، صارت تجربة فاشلة لأي كاتب يريد التعرف على مناحيه، الكاسبة أو الخاسرة..
ولذلك موقع الكاتب هو الصراخ من فم واحد، مقطوع الحبال الصوتية، ولذلك يجب أن لا تنتظر من يريد أن يفهم ما تقول، أو يبسط الأمور ويعطيها حجمها الطبيعي.
لكن العذر الذي يسيطر على أي كاتب هو أن الإصلاح في أي مرفق كان شراكة بين المواطنين والمسئولين، وأنه لا يعدم أن يوجد من يريد أن يفهم المشكلة، ويبحث عن سواعد تستطيع حلها..
والتعليم هو الذي يجمع كل الناس على وحدة الهدف، ولذلك فإن أي قرار كان يعني أنه يمس كافة الأطراف الاجتماعية ويؤثر بالسلب أو الإيجاب عليها..
وتجربة المدارس الثانوية الشاملة، كانت تجربة صاحبت كثيراً من التحفظات حولها، لأنها جديدة، ولكثرة التجارب التي قامت بها وزارة المعارف، فإن الصورة التي صورت لها كان الفشل المحتم، لكن الذي ثبت حتى الآن هو عكس ذلك الشعور المتشائم..
الثانوية الشاملة نجحت، واستطاع طلبتها أن يحتلوا الأولوية في الجامعة في الدرجات العلمية، ولذلك صارت تكتسب ثقة جديدة وإقبالاً كبيراً جداً.. ولعل التفسير السليم لهذا الإقبال يرتكز إلى أن التجربة ليست معقدة، سواء في الإدارة، أو المنهج، أو التخصص الذي يقبل عليه الطالب من بداية الدراسة، إلى جانب النظام المرن الذي يعطي الطالب حرية التحرك من مسلسل النظام السائد في الثانويات الأخرى.
وإذا كانت التجربة ناجحة فعلاً، وهذا ما أعتقده فإنه يجب التوسع في نوعية هذا التعليم، لأنه يتلاءم وحاجتنا الحاضرة ويقلل من نسب الهروب إلى التعليم السهل.. لكن الذي يخشاه أصحاب هذه التجربة، أن تخلق عوائق جديدة، تؤخذ – كالعادة – بقرارات فردية، وغير متأنية..
إن الطوابير الكبيرة التي تتقدم في الوقت الحاضر لهذه الثانويات، لا يجبرنا على القول أنها تعتمد التسهيل في مناهجها، أو أسلوب تعليمها، وإنما نقول أنها وجدت لتحل كثيراً من الإشكالات المتبعة في الثانويات الأخرى..
فالطالب يتجه مباشرة إلى تخصصه دونما حشو في المنهج وهذا الاتجاه تعمل بها معظم الدول التي تنتهج التحديث في تعليمها..
فسلطة المدرسة، والقطع بكل شيء وكأنه قانون أزلي، لم يعد تجربة ناجحة في التربية، وما يسود عندنا هو هذا الأسلوب القمعي، أي أن تختفي أي طموحات للطالب، فكل ما يتلقاه هو بطريقة التلقين والحفظ، لا الإبداع والتحرر من عقدة الخوف من المدرس، والمنهج والامتحان..
إننا مدعوون إلى مناقشة هذه التجربة، وتصحيح كل العقبات التي تعترضها، ومعرفة النتائج التي أعطتها، وسر الإقبال الكبير عليها، لنوفر زمناً من الدراسة، ونلتقي مع الرغبات التي تفرضها ظروفنا الاقتصادية الجديدة..
إنني آمل أن أجد معالجة بهذه الجريدة من سعادة الأستاذ سعد الحصين المشرف على هذه المدارس ليعرض هذه التجربة أمام القارئ بكل سلبياتها وإيجابياتها، والعوائق التي تعترض هذا المسلك التعليمي الجديد، وأنني لأفهم أن تفرغ الأستاذ سعد قد أكسبه معرفة وافية وتصوراً جديداً لهذا النوع من التعليم، ولذلك هو الأقدر على معالجته بذات الأسلوب الذي بدأه.
التاريخ / 8 – 11 – 1400 هـ
0 تعليق