من: سعد الحصين..
إلى: أخي يوسف الكويليت وفقه الله لطاعته وجعل بضاعته الآخرة خير بضاعة.. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأرجو الله لكم كل خير.
وشكراً على اهتمامك وتمنياتك لمستقبل الثانوية «الشاملة» بالمملكة من خلال إشارتك في عدد «الرياض» 4633 وأسأل الله أن يختار لنا أفضل من اختيارنا.
واستجابة لطلبك من ناحية وأني من ناحية أخرى لم أتعود الكتابة في الصحف وأكره الدعاية لما يقدمه المسلم من عمل المفروض أن يبتغي به وجه الله فضلاً عن أن يؤدي واجباً يأخذ عليه أجراً دنيوياً.. فقد رأيت توجيه إجابتي إليك تاركاً لك الحق في عرضها على قرائك أو الاحتفاظ بها لنفسك.
أولاً: (۱) هذا المشروع – كما أشرت – محاولة متواضعة لحل مشاكل معينة كانت وما زال أكثرها يواجه التعليم في المجتمع المسلم نتيجة لتعقيدات الأنظمة الإنكليزية التي حكمت التعليم العصري منذ وجد في المملكة وفي معظم أنحاء العالم.
(۲) صفتها الأساسية التي تميزها عن تجارب سبقتها أو لحقتها في بلادنا: رياض الأطفال.. المدارس النموذجية.. المتوسطات الحديثة.. نظام الساعات والفصول في الجامعات اليوم الكامل.. إن هذا المشروع بدأ بفكرة محلية لمواجهة عقبات فعلية تهدد حاضر التعليم ومستقبله.. وبعد إقرار الفكرة بدأ البحث عن أشكال التنفيذ المتوفرة: جديدة أو قديمة.. داخلية أو خارجية.. بينما استوردت أشكال التنفيذ في الحالات الأخرى قبل استيعاب خلفياتها ودون وجود دافع حقيقي لاستيرادها غير تقليد الأجنبي.
(3) المفروض أن هذا المشروع غير معرض الشلل الذي تعرضت له أكثر التجارب الأخرى، فلا يحق له أن يفشل ويلغي نهائياً.. ولكنه معرض للتعديل حتى يصل إلى مستوى يجعله بديلاً صالحاً للمدرسة التقليدية ثم يستمر التطوير والتعديل لمواجهة الظروف المتغيرة.. وإلا فقد أصبح واقعاً لا محيد عنه بتضمينه الخطة الخمسية الثانية.
(4) لاحظت أثناء عملي في التعليم الثانوي عدة ملاحظات غريبة ومخيفة: –
- 15% فقط ممن يدخلون الصف الأول الابتدائي يصلون إلى الصف الأول الثانوي بعد 9 سنوات.
- إذا رسب الطالب في إحدى المواد في الدور الثاني فعليه إعادة بقية المواد سنة دراسية كاملة.
- كثير من نظم التعليم مركز على إزاحة الطالب عن مقعد الدراسة.. وقليل منها يهتم بعلاج مشكلته وفتح باب جديد إلى المعرفة..
- وكثير من هذه النظم يحجب الطالب عن تحمل مسئولياته في نفس السن التي حددها شرع الله – وهو أعرف بخلقه – بداية لتحمل مسئولية نفسه ومن يعول.
- أغلب الكليات يخصص مقاعد الدراسة فيها لخريجي الثانوية العامة وترفض خريجي الثانويات المتخصصة ولو كانت نفس اختصاصاتها.
- عدد من الدروس أفترض فيها أنها ضرورية للطالب الإنكليزي – ومنها اللغة الانكليزية – ففرضت على الطالب المسلم ولو لم يرغبها أو يحتاج إليها أو يقدر عليها وإلا فليترك المدرسة.
- مدة الدراسة محددة يتساوى فيها الطالب القوي والضعيف والمتوسط.
هذه هي أهم العقبات التي رأيناها تصد طالب العلم عن مطلبه وكانت نتيجة دراستها رسم خطة عامة بسيطة لإزالتها.. وسمي المشروع مؤقتاً باسم المدرسة الشاملة، حتى تدخل خطة التنمية الثانية وتقبلها جهات الإشراف على التعليم.. وأثناء وضع خطة التنفيذ أدخلت عليها أشكال تطبيقية مختلفة المصادر والاتجاهات ومن بينها نظام الفصول والساعات.. ولم أعترض عليه لأنه فيما يبدو سهل على الطالب اختيار دروسه.. ولم تدخل تعديلات جوهرية على المنهج لأن الوزارة تطبق منهجاً جديداً وتستورد كتباً جديدة لا يتوفر لنا بديل أفضل منها في الوقت الحاضر.
ثانياً: الإيجابيات..
(1) التخلص من كثير من التقاليد والتكاليف التي لا تحتاج إليها الدراسة: الباب.. والبواب.. والمراقب.. والجرس والصفارة.. والطابور.. ونفقات وإجراءات الاختبارات الموحدة والعقوبات البدنية خارج حدود الشرع.. دون تأثير سيء فيما يتعلق بالحضور والسلوك والتعلم.
(۲) الوفر في عدد الفرق والمدرسين بوجود فترة مسائية وفصل صيفي.. وعدم إعادة الطالب دراسة مواد نجح فيها أو عجز عنها.. وخفض فترة الدراسة للطلاب سريعي التعلم.
(۳) سرعة تقبل وفهم الطالب وولي أمره والمدرس والإداري في المدرسة تنظيمها الجديد وتفاعلهم معه مع أنهم في أغلب الأحوال لم يسبق لهم التعرف أو التدرب عليه.
(4) تعويد الطالب (وهو في أول مرحلة الرجولة) تحمل مسئولياته وتعامله مع المدرسة كرجل بالغ لا كطفل شرير.
(5) توسيع فرص الطلاب من مختلف الاتجاهات في الالتحاق بالدراسة الجامعية.
(6) في جامعة البترول والمعادن بالظهران على الأقل تبين هذا العام أن مستوى خريجي الشاملة عموماً أفضل من زملائهم ولكن إشارتك إلى أنهم «احتلوا الأولوية في الجامعة في الدرجات العلمية» مبالغة لا تستند إلى دليل.
(۷) إقبال الطالب القوي والضعيف على المدرسة مؤشر مهم إلى ملاءمتها له وإن لم يكن دليلاً على نجاحها عموماً.
ثالثاً: – السلبيات:
1) ضعف اهتمام جهات الإشراف على التعليم بهذا المشروع وقليل من العاملين في التعليم من يمد بصره إلى هذه المدرسة قبل أن يلتحق طالب من العائلة بها.
۲) لم يحدث تغيير في علاقة الطالب بالمدرس بحيث ينتقل الطالب من دور التلقي إلى دور البحث وينتقل المدرس من دور الملقن إلى دور المشرف والموجه.
۳) لم يستغل الطالب الوقت والجهد الذي وفره له التنظيم الجديد في تطوير معرفته بمواد قسمه أو شعبته إلى حد يتجاوز ما تقدمه المدارس الأخرى.
4) بعض شعب الدراسة لم تكتمل وبالذات شعبة الصناعة وبعضها لم يبدأ تنفيذه وبالذات شعبة الزراعة والسبب الرئيسي فقد التعاون بين المختصين وبين المشروع.. كما أن التربية في الخطة الأولي قد ألغي وحول إلى المواد الاختيارية بعد أن شرعت الوزارة في تحويل برامج إعداد المعلمين إلى كليات متوسطة.
5) في كلية التجارة بالرياض على الأقل تبين هذا العام أن معدل طلاب الشاملة أقل على العموم من معدل الطلاب خريجي المدارس الأخرى..
أرجو أن يكون فيما قدمت إجابة على أكثر تساؤلاتكم وأنا على استعداد للإجابة على ما تبقى عند تحديده.. وفقكم الله.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته والحمد لله أولاً وآخراً.. والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه وتابعيه إلى يوم الدين..
• • •
هذه هي رسالة الأستاذ الفاضل سعد الحصين المشرف على الثانويات الشاملة.. وما يهمني من تعليق على ما وضحه الأستاذ سعد، هو أن فكرة هذه المدارس محلية، واستفادت من معظم التجارب، وإن كانت قابلة للتطوير من خلال المنهج العام للثانويات التقليدية..
لكن المثير في الموضوع أنها كسرت التقليدية المعروفة في الأساليب التعليمية الكلاسيكية، وهذا بحد ذاته مؤشر إلى أن التجربة ناجحة في مسارها الآن، لأن السر في تقدمها إن لم نقل نجاحها يكمن في أنها تقتحم بهذه الظروف مجمل التقاليد التعليمية سواء المستورد منها، أو المحسن، ولأنها أثبتت أن أي واقع قائم في الطرق التعليمية قابل للتطوير والتجديد إذا وجد القبول والتخطيط..
وإذا كانت هذه الثانويات طريق جديد في التعليم، فإن الذي يحز بالنفس أن المدرسة الابتدائية التي هي البناء الأول لا زالت أقل اهتماماً بالتطوير المتدرج وأن الأسلوب السائد التراكم في عدد السنين، ونوعية التعليم الذي لا زال يعيش حالات التلقين، والزواجر، وتضخيم المادة، على حساب أن يكون الطالب مشوقاً إلى معرفة طرق جديدة تستهويه، وتبعث على تساؤلاته اليومية.
وما أستطيع أن أصل إليه، أن خبراتنا قد تضع الدرب الجديد للتعليم، لأن الخطط العامة قد تستورد، ولكن الطريقة هي التي تنبع من مجمل الظروف المحيطة بالمجتمع.
وإذا كان للأستاذ سعد ملاحظة جديرة بالمناقشة، وهو قوله «أن مستوى خريجي الشاملة عموماً أفضل من غيرهم، وأن ما أشرت إليه من أنهم احتلوا الأولوية في الجامعة في الدرجات العلمية «مبالغة لا تستند الى دليل» وأنا أعرف أن الأستاذ لا يتواضع في قوله، وإنما يقول الواقع مجرداً من كل شيء. لكن ما أريد أن أصل إليه هو أن هذا النقل، أو التصريح جاء على لسان مسئولين، وقريبو الصلة بهذه الثانويات، ولست إلا ناقلاً بأمانة ما تفضلوا به، ويكفيني دليلاً على تقديم الطالب في هذه المدارس ما قاله الأستاذ آنفاً من «أن الخريجين عموماً أفضل من غيرهم» و (عموماً) هذه تجمل على تصاعد مستوى الطالب عن زملائه في الثانويات التقليدية..
ولعلي لا أستطيع إلا أن أشكر أستاذنا الفاضل، لا على رده فحسب ولكن لسعة صدره للاستجابة في قول الحقيقة، واستعداده الإجابة على أي استفسار، وهو ما تعودته وخبرته طيلة عمله بوزارة المعارف ومعرفتي الشخصية بزمالته وإنكاره لذاته، الذي أرجو أن يوفقه الله في كل دروبه..
الثقة الحذرة!!
رغم برودة الصباح الباكر فمؤشر الحرارة يشير إلى أن درجتها بالشمس (42) درجة..
سوق الخضار يعج بالغبار، والباعة، وأصوات السيارات تلهب جبهة «أبو محمد».. يصيح بوجه جاره..
- «اصرف لنا الخمسين»!!
المشتري يمسح جبهته من العرق.. يتساءل.. كيف يقاوم هذا الشيخ الكبير الحرارة، وبدون مظلة..
يسحب «أبو محمد» صندوق الخيار.. يفرغه.. يقف شاب آخر.. - «تأخذ المقاضي يبو محمد؟!
- «مقاضي من»؟
- «اللي شريت.. وحطيته عند جارك»؟!
- «ومن يثبت أنه لك»؟!
- «وأنا أبي أنصب عليك»؟!
- «ترك صادق.. بس خله تنطق حتى يجي جاري»؟!
- «أنا عجل.. وراي شغل.. ولا أظن أن الصدق نفد من عباد الله»؟!
- «وأنا أقول جاري أمني على بضاعته.. ومالي تصرف حتى يجي»؟!
- «افرض أنه مات»؟!
- «يصلون عليه ويقبرونه.. ورحمة الله وسيعة»!!
- «والمقاضي تقعد»؟!
- «.. لا وتطبخ بالشمس.. وفكني وأنا بوك ترى عندي شغل.. ولا أنا فاضي لسوالفك»!!
«أبو محمد» يصيح على بضاعته.. - «كل رطب واشرب ماء بارد.. يا زين الزين.. المحروم ما عندنا له بيع!! وطماط الديرة بخمس تعش.. والله يجيب السيل»!!
الشاب تهزمه سخرية «أبو محمد».. يضحك.. ينسى حرارة الشمس.. يداعب «أبو محمد».. - «والأسود والكوسة.. بكم الصندوق»؟!
- «هذي قفر القرصان والمرقوق.. ودوي الشعر»!!
- «أجل أفتح صيدلية خضار»!!
- «لا وأنا بوك.. وما حرك داواك.. الحبحر يسكن اللي مثلك»!!
يقف جار «أبو محمد».. الشاب يحتد.. - «أبو محمد» الله يسامحه رفض يعطيني المقاضي»!!
- «اللي ما يعرفك ما يثمنك.. وأبو محمد ما هوب عارفك»!!
يبتسم «أبو محمد».. يخاطب جاره.. - «ورفيقك ذا الولد كاتب عليها اسمه»؟!
- «بس ودي لو سهلت أمره.. وهو وجه طيب، ولا يكذب إن شاء الله»!!
«أبو محمد» تهزه العاطفة، يتراجع.. كيف لا يثق بالناس؟! - «استغفر الله العظيم.. سامحني يا ولدي.. تري كثر علينا الطايش.. وضاعت الطاسة، ما ندري من نصدق، ولا من نكذب.. أنا يا ولدي، وجارى وقعنا مرات كثيرة مع اللي كذبوا علينا وخذو حلالنا»!!
- «وقلت الخاتمة «يبو محمد»..»!!
- «الناس بهم الطيب، والردي، وأنا حفظت مالك، وأمانة جاري وأعتقد أني على حق.. لكن الله يكثر أمثالك»!!
- «الحمد لله ما حصل إلا الخير.. ودقق الحساب تطول العشرة»!!
ضحكت للحوار الساخن.. الساخر.. الثقة أصبحت علاقة حذرة.. السوق مسرح كبير لتكييف الظروف، وصناعة التجارب.. الثقة عامل مهم في صنع العلاقة الناجحة، ولكنها تفشل أحياناً حين يكون المقابل محتالاً أو نصاباً..
في الحرب العالمية الثانية سرق في إحدى المدن الإيطالية «تراماً» كاملاً.. وذاب في ذمة اللا ثقة حتى الآن، ولا يعرف كيف تبخر، أو صنعت منه الدبابيس، وشفرات الحلاقة!! وعندنا كان «إيقاف» نخلة على عائلة ما، تعني الثقة الكاملة في سلامة هذه العائلة من الجوع، وحتى لو لم تثمر.. يكون صاحب النخيل ملزماً بتعويض هذه العائلة كرماً منه لا إكراهاً أو قسراً..
وفي الماضي، كانت أوقاف الأرامل، والعجزة تعطي لإمام المسجد أو المؤذن، أو من يلتمس فيه الصلاح.. لكنها الآن تدخل معركة جديدة لا ينفع فيها براءة القرية.. «وأبو محمد» رغم سنينه الطويلة فإنه يعيش حاضره وأخلاق المدينة.. وأظن أن تصرفه بمنتهى اللباقة واللياقة.. وهو أمين مقبول من كلا الطرفين، ومتهم من أحد الطرفين لو تصرف خطأ، ولذلك كان خط الرجعة عنده هو هذا الاتزان، في عالم غير متوازن!
الطريق الآسيوي..
في أحد موضوعات الصحافة العالمية، والمنشور بهذه الجريدة، تحدث ذلك الموضوع عن افتقار أمريكا إلى إنعاش اقتصادها، وتجديد أساليبه..
أمريكا مبهورة بتجربة اليابان، استدعت خبراءهم. لتستنجد بهذا العملاق الجبار.. الخبير الياباني المتواضع، كان يقول: «إننا لا نعطي دروساً لدولة عظمى كأمريكا، ولكننا سنحكي لهم عن تجربتنا مع نهضتنا الحديثة»!!
لم يفاجئ الخبير الياباني أن تكون أمريكا تقدم بطلب كهذا لكن الذي صعق له هذا الخبير حين شم رائحة المخدرات تنبعث من عمال المصانع.. الخبير الآسيوي صعق وقال.. «لا يمكن أن يحصل مثل هذا التجاوز للأخلاق في اليابان»!
القضية تثير معنى آخر، هل ستكون آسيا بكل تراثها ومعتقداتها وريثة أمريكا وأوروبا في التقنية في المستقبل البعيد؟
لقد قيل الشيء الكثير عن المؤثرات الجديدة على الإنسان الأوربي والأمريكي نتيجة هذا التقدم التقني.. ولكن الفارق أن اليابان، وغيرها من البلدان الآسيوية النشطة في اكتساب التقدم الجديد، خلقت توازناً جيداً بين تقاليدها التاريخية وانجازاتها العلمية..
وبدافع خاص من المرأة اليابانية عادت إلى البيت بقناعة أنها تصنع جيلاً هو رأسمال هذا التقدم، وأن هذا الدور خطير على مستقبل اليابان كلها.. في حين أن الغرب يقلص مواليده وهو الشيء الذي يطارد ألمانيا وفرنسا وغيرهما حيث الخوف من أن يصبح متوسط سن العامل المنتج أربعين عاماً، في حين في الجزائر متوسط أعمار القادرين على العمل ما بين الثامنة عشرة، والعشرين..
وآسيا بديل مناهض، وكبير، ولذلك لا تستغرب أن تكون خبرة اليابان مطلوبة لأمريكا؟!
لمحمود طه
تسائلني: – وهل أحببت مثلي
وكم معشوقة له أو خليله؟!
فقلت لها وقد همت بكأسي
إلي شفتي راحتها النحيلة
نسيت، وما أري أحببت يوماً
كحبك لا ولم أعرف مثيله
فقالت لي جوابك لم يدع لي
إلى إظهار ما تخفيه حيله
وفي عينيك أسرار حيارى
تكذب ما تحاول أن تقوله
فقلت: – أجل عرفت هوى الغواني
لكل غابة ولها وسيلة
التاريخ/ 22 – 12 – 1400هـ
0 تعليق