التاريخ / 15 – 5 – 1401هـ
حين يطلق الإصلاحيون، ورجال الدين، أن الأرض لم تغلق خزائنها، أو يجف ثديها عن العطاء، وأن ميدان العيش يتكافل اجتماعياً، إذا ما انتزع من الإنسان قانون الشر، فإنهم يعنون بذلك، أن الوجود الكوني، يمكن أن يتوجه للمصالحة، والانتماء لهذا الكوكب الوحيد، حتى الآن، الذي يسكنه أحياء..
فحين نجد أن الإنسان الأول، قاوم بطبيعته البدائية عوامل الخطر، بأسلحة ابتكرها من محيطه وبيئته، فإنه باكتشاف أول سلاح حارب به أعداءه من الحيوانات الكاسرة، بدأت أول حرب إنسانية بين هذه الكائنات العاقلة..
فالذي تبدل هو الوسيلة لا غير، لكن عنصر العداء ظل كامناً في هذه النفس، بل حول كل قدراته العقلية لعامل الحرب بألاف الوسائل..
وإذا كان الجفاف في أفريقيا عاملاً طبيعياً، وقد أفرز حالة الجوع. فإن ذلك لم يمنع استثمار رؤوس الأموال الأوروبية أن تزرع الأراضي الصالحة بالورود، كمواد خام لمصانع العطور والزينة وسط بؤس أولئك السكان من القارة!!
كذلك، فإن التقدم العلمي لم يغير من شيء في ملاحقة السود في أمريكا وقتل أطفالهم في «أتلانتا» وسط متعة البيض في مشاهدة الواقع الحقيقي الذي هو الجانب الذي تضمره هذه العناصر من النخبة الإنسانية!!
التقدم العلمي الذي قفز إلى ما فوق التصور في الخمسين عاماً الماضية لم يقرر بعد الكيفية التي يستطيع بها الانتصار على إفرازات هذه الحضارة، من تلوث، وقلة موارد طبيعية، وجفاف..
والإنسان، الذي تدعي النظريات المسيسة، أنه قيمة اقتصادية محدود العمر والعطاء، وأنه لا يتقرر وصوله إلى حدود الإنسان إلا إذا تحقق كرقم ضخم في الخزينة الاقتصادية، وحقق مفتاح السعادة تلك الشخصية تشكلت بذاتها بالحزب الشيوعي الفرنسي، بقتل العمال الملونين في باريس لتحقق رغبة مطلوبة عند البيض، وبالتالي كسب أصوات الفرنسيين وأصحاب العرق الأعلى!!
رجل القبيلة، كان رمزاً كأي «طوطم» تلتقي عنده طقوس أفراد قبيلته أي أنه الضمير الذي تتحقق من ورائه البطولة، وتتركز حول محوره قانون السلطة الانفرادية كحق طبيعي.. بمعنى أن الانتماء يخضع تلقائياً لهذه السلطة، لذلك قرأنا أن المغول الذين يحطمون المدن والقرى، ويخلقون الرعب وراء شخصية «جنكيز خان» والذي يعتبره الصينيون الآن بطلاً قومياً فاتحاً.. وهو الشخصية البربرية المجنونة في محكمة التاريخ الإنساني بكليته..
جنكيز خان انتقل من عصر القبيلة المتوحشة إلى حوافز المصنع وشخصية رئيس مجلس إدارته، بكل ما يملك من وسائل لتحقيق أعلى أرقام في خزائن البنوك (والبورصات) المتحركة كأخطبوط خرافي يلتف حول عنق الكرة الأرضية في وقتنا الحاضر..
في أوروبا، أو أمريكا تُخضع وسائل الدعاية الإنسان إلى ما يشبه التنويم «المغناطيسي» لأن كل وسيلة من تلك الدعاية مبرمجه، على أعلى مستوى من الجاذبية والتأثير..
فمثلاً زرعت شركات منتجات الألبان السعادة للبشرية في حين أن الحقيقة أدانت شركة «نستله» وفرضت عليها منظمة الأغذية والزراعة، وغيرها من شركات الألبان عدم استخدام أي دعاية لهذه المنتجات لأنه اكتشف أنها أقل من المستوى المطلوب لوسائل التغذية، إلى جانب أن شركات أخرى، صدرت هذه المنتجات للعالم الثالث وقد مزجت بمركبات (هرمونية) قد تؤثر في التركيب الطبيعي للإنسان.. ومع هذا سقط حساب العذاب، أو الإدانة طالما أن هذه المنتجات توزع خارج قارة النخبة!!
لا يوجد في الكون الآن مثاليات، لأن البناء الحقيقي الذي لازم البشرية هو شريعة الحرب، ولم يتغير القانون من بربرية القبيلة الأولى، إلى القتل المنظم، بأعلى تخطيط وممارسة في العصر الحديث.
الذين تنبأوا بسقوط الحضارة لم يضعوا في حساباتهم «عالم المثل» وإنما كانت قراءتهم للحاضر أنه لا تقوم أساسيات الحضارة إلا على قانون الحرب، وبتطور هذه الوسائل المدمرة، لم تتحول إلى رادع، كما تصورها البعض، وإنما إلى فرضية أن أي خطأ، أو بحث عن مغامرة كفيل بإحراق هذا الكوكب.
لقد تحول الإنسان، من عصبية القبيلة، إلى عنصرية اللون، ومن الفلسفة المثالية إلى نظرية فائض القيمة.. وفي كل مراحل التاريخ كان التشريع في صف الأقوياء، وصدق المثل الذي يقول إنه «لا مكان لفرخين في بيضة واحدة»!!
وقفة حب صريحة..
.. «ثري خليجي يشتري أغلى ماسة في العالم!! وأخر يخسر على شركة سينمائية الملايين في سبيل خروج «المحروس» ابنه إلى عالم المشاهير في هذا الفن!!
لم تعد هذه الصفات الجديدة تثير فينا الرغبة للتساؤل أو طرح علامات التعجب، لأنها تشبه جدول أسماء حوادث ليلة الجمعة في أي مدينة عربية تحصد شبابها علب الموت المستوردة من اليابان، أو أمريكا!!
بنفس الوقت حين يصل مخبر في صحيفة من الدرجة الثالثة في أوروبا نغسل له بلاط الشوارع، ونرسل له المرافق، والسكن في فندق ممتاز، ويفطر في يوم لاحق على شتيمتنا وأننا أمة من النعاج تسكن في عقولها الأساطير والخرافات، ونزعات الحيوان البدائي!!
وعلى طرف ثالث، نلتقي مع أي مسئول أجنبي على ابتسامة مقررة بحساب «بروتكولي»، ويمنحنا بعد ذلك، ألقاب العظماء في التنسيق العمراني، والمستقبل الزاهر في الصناعة، والعلم، في حين أنه لمجرد أن تزول أسباب هذه الزيارة يقول، أننا نفتقر إلى أوليات الإنسان الذي يستطيع أن يفرز الألوان، أو يستطيع أن يفكر، ولو مرة واحدة، بعقله!!
في مجمل هذه الأشياء قد نعرف أننا نعاني من حرب معلنة من طرف واحد، مستغلاً فارق العلم والحضارة، والتنظيم الإنساني.. بنفس الوقت نتظاهر بالانسحاق، وتذبحنا حالات اليأس، من هذه التصرفات المضادة لوجودنا.
نحن ندرك أن كل من يحصل على تأشيرة دخول إلى أي بلد خليجي، لا يطمع بتاتاً، أن يكون سائحاً، أو شخصاً تدفعه الرغبة الذاتية والنقاء النفسي، أن يتعامل مع عواطفنا، وأخلاقياتنا، أو يكن لنا أي احترام مقصود.
فإذا كانت الكلمات لها أسعار، وايحاء ذاتي، فإنهم قديرون على سكب هذا الحنان المفتعل لنا، وربما التحدث عن قضايانا، والتظاهر بما نفهم منه أن النوايا الحسنة مقرونة بهذا الشخص، أو ذلك الزعيم الغربي، أو الشرقي.. ولكن التفاصيل الحقيقية لتلك النوايا لا نطالعها إلا بحدسنا، وخيالاتنا..
الرغبات، والأماني أصبح لها شروط، وقانون رياضي يتعامل مع العقل والمادة ومكونات الطبيعة ليأتي قرار الإرادة الواعية هو الحقيقة الفاعلة.
القصور الذي نعانيه، لم يشملنا وحدنا، ولكن الخلاف أننا لم نقرر بعد كيف نحصل على ثقة أنفسنا، لنحدد مكونات هذا القصور وأسبابه..
الذي يكيف الإعلام الخارجي لسلوكياته الشاذة من المحسوبين علينا لا يفتعل هذه الأسباب من تلقاء نفسه، وإنما يخطط لها، لأن تلك المجتمعات لا يهمها أن تناقش برلماناتها إباحة الشذوذ الجنسي، طالما أنه – بزعمهم – طريق لتحقيق رغبة الإنسان بالحرية، في حين تصور أي مثل عليا في مجتمع عربي إسلامي ولو بقطع يد سارق، أو قتل قاتل، بأنها بربرية عشائرية، وجنون الإنسان المتخلف ولذلك لم يكن هناك أي عقوبة خاصة تردع هذا المشاهر في كل القيم الاجتماعية العربية والإسلامية والمحسوب إعلامياً علينا ومثلنا..
حرية التصرف، وفق الحدود الشخصية لأي إنسان شيء غير محرم، إلا حين تتعدى قوانين وشرائع المجتمعات التي تتضرر بهذا السلوك..
إذن القضية تلتقي عند فواصل الإنسان الخليجي، في البحث عن حقيقة من خلال موروثه العقائدي – وشخصيته، لا أن نكون قطع أملاك موزعة على السيدة «تاتشر» والعزيز «هنري» ليغسل قدماه في مياه الخليج من أثر الوحل العربي!!
فإذا كنا ندرك حجمنا الطبيعي – وإمكاناتنا، فإن التعامل مع الواقع هو أحد شروط النجاح لأي طريق يأتي استجابة لمصالحنا وظروفنا، وهنا يكون الملتقى الحقيقي لإدراك حساباتنا مع الأصدقاء، والأعداء والتعامل بذات النمط والكيفية التي تفرضها شروط مصالحنا ورغبة إنساننا.
.. تعقيب ثالث
من: سعد الحصين.. لأخي في الإسلام يوسف الكويليت وفقه الله لطاعته..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وأثناء الفصل الدراسي الأول من هذا العام تبادلنا وجهات النظر في تجربة المدرسة الثانوية الشاملة على صفحة من جريدة الرياض حول رأيك تعميم هذا التنظيم بعد أن أثبت وجوده.. وكان رأيي أنه لا يزال في حاجة إلى تقييمه من زوايا مختلفة قبل اتخاذ قرار نهائي بشأنه..
وأكتب لك اليوم تعقيباً على الموضوع بعد أن فوجئت خلال الفترة القريبة الماضية بمشروع جديد يعدل هذا التنظيم قبل أن يجرى تقييمه ولا مجرد التعرف عليه من غالبية المسئولين عن التعليم وهكذا تقع وزارة المعارف في خطيئتها القديمة.. عدم الاستفادة من تجاربها مثل: رياض الأطفال.. المتوسطات الحديثة والمدارس النموذجية.. اليوم الكامل.. وأخيراً: التعليم الشامل.. ويزيد الأمر سوءاً أن النية مبيته لتعميم التعديل تدريجياً قبل تجريبه.. وأهم اختلاف بين البرنامج المعدل وبين تنظيم المدرسة الشاملة في رأيي: اجبار جميع الطلاب على دراسة اللغة الإنكليزية والرياضيات والعلوم الطبيعية والعلوم الاجتماعية.. ومع اقتناعي بأهمية هذه المواد للطالب القادر عليها والمحتاج إليها فإنني مهتم بمصير ۲۰٪ أو أقل أو أكثر من الطلاب لن يستطيعوا النجاح في واحدة من هذه المواد أو أكثر.. فالاختيار الوحيد الذي يتركه لهم التعديل ترك الدراسة إلى الأبد.. حيث أن هذه المواد أصبحت إجبارية في كل مسارات التعليم العام والديني والمهني.
إننا نتحدث كثيراً عن نظريات الفروق الفردية وضرورة إخضاع التعليم لحاجة الطالب وبالتالي حاجة المجتمع. ولكننا في التطبيق لا نقر إلا ما يقره واقع التنظيم التعليمي في أمريكا وأوروبا وأخيراً فإن هذا التعديل مثله مثل التنظيم التقليدي يحقق هدراً كبيراً في عدد المدرسين الذين تستوردهم المملكة وتتحمل بالإضافة إلى النفقات المادية ما يحملونه معهم إلى هذا المجتمع الفطري من أفكار وأخلاق واتجاهات لا تساعد على إقامة حياة المسلم على شرع الله.
وقد رغبت بكتابتي هذه الأسطر أن أنبه الرأي العام ومن يملكون قرار التعديل من المسئولين إلى خطل وخطر هذا النهج في التنظيم الإداري وخاصة عندما يتعلق بأهم المؤسسات الاجتماعية: التربية والتعليم،
وفقنا الله وإياكم لما فيه الخير والصلاح وهدانا وإياكم لأقرب من هذا رشدا.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
تعليق:
لا أزعم أنني أملك مفاتيح شخصية المربي المتخصص، ولكن الأستاذ الفاضل «سعد الحصين» واحد من الذين تعنيهم تماماً مسألة القضايا التربوية، لأنها مجال عمله وتخصصه، ولأنها المجال الخطير في أي تحول اجتماعي في المستقبل..
وإذا كان لي من تعقيب على موضوع الأستاذ سعد فهو على نقطتين هامتين تستحق المعالجة، والإثارة لأكبر قطاع من المتخصصين..
الأول: أن الوزارة تجرب، ولكنها لا تقيم لتستفيد من تجاربها!!
الثاني: «إخضاع التعليم لحاجة الطالب، وبالتالي المجتمع، ولكننا – كما يقول الأستاذ سعد –لا نقر إلا ما يقره واقع التنظيم التعليمي في أمريكا أو أوروبا»!!
النقطة الأولى فتحت مجال الاجتهاد بحدوده القصوى، وجاء ذلك على حساب الطالب، وإن كان هذا النهج مفترضاً فيه التضحية من الجانبين، في سبيل خلق تجربة تحقق مكسباً مادياً ومعنوياً للمجتمع بأسره..
مشكلة التجارب قائمة على الارتجال، لأن المتوسطة الحديثة لا زالت قائمة، وإن مضى عليها ما يزيد عن العشر سنوات، ولكن لم يخرج قرار برفضها، أو إثباتها كتجربة ناجحة، أو فاشلة لتسقط من حسابات التجارب!!
كذلك مسألة تخفيض الجدول لهذا العام في منهجي اللغة الإنجليزية والرياضيات، في حين تطبق الرياضيات المعاصرة كتجربة جديدة، وتكون الحجة التي يستند على المقررون هي توفير المدرسين في كلا المادتين!!
الآثار التي تنطوي عليها هذه التجارب لم توضح بعد فلسفة منهج تطرح أسلوباً واقعياً ينبع من مجمل تقاليدنا وظروفنا، ولهذه الأسباب صار التقليد، واستيراد التجارب، وإن لم تنضج، سياسة قائمة وبنفس الوقت ستكون على حساب إقرار منهجية متطورة تأخذ بالأسباب المتقدمة، ولكنها لا تخرج عن الواقع بمجمل تقاليده وظروفه، لنحقق استقلالاً فرضته حالتنا القائمة..
الناحية الثانية أنه كما يقال في فلسفة التربية، أن خطأ واحداً يصد بقرار، لا يمكن تلافي نتائجه المعاكسة، إلا بعد عشر سنوات.. بمعنى أن أخطر ما يواجه التربية، هر الانفراد بهذه القرارات، لأنها تمس قضايا ومصائر الناس جميعاً، بل إن انعكاساتها على الاقتصاد، وخطط التطوير في كل المرافق قد تعاكسها هذه القرارات وتؤدي إلى تعطيلها.
مشكلتنا مع استيراد النظريات الخارجية، تأتي – باعتقادي – من سبب أن التربويين عندنا، نظريون أي لم يأخذوا بالتجربة الميدانية ويعايشوها على سطح الواقع بدون حواجز رسمية أو فوقية..
فالتعليم – في الخارج – قد يخضع لأساليب لا تقررها الدولة أو الجهاز المركزي، ولذلك يباح التعليم الأهلي، ويعطي كل الحرية في اختيار المنهج، ونوعية الطلبة، ويخضع هذا الأسلوب لعديد من الحالات المتشابكة، وقد تقرر سلفاً نوعية التخصصات المطلوبة من ذلك المعهد، أو تلك المدرسة..
ولأن سحر النظرية، والشعور بالدونية والخوف من التجارب المحلية ونجاحها أنشأ عندنا عقدة النقص وصرنا مجتمعاً مستورداً ومستهلكاً حتى في قضايا خطيرة كالتعليم..
إن الأستاذ سعد يحذر من هذا السلوك بدعوى الحرص على خلق توازن بين المدرسة كوحدة هامة في التخطيط التربوي، وبين مستقبلنا الذي تنازعته تجارب لم تحقق شيئاً ما..
لقد سبق أن قلت أن الثانوية الشاملة حققت نجاحاً جيداً، ولكن الأستاذ سعد، أراد أن يحتفظ بخط الرجعة خوفاً من سقوط هذه التجربة، وقال أنها في طورها الأول، ويجب أن لا نجزم بنجاحها الكلي، وباعتقادي أنه لم يكن دافعه الخوف، بقدر ما كان هدفه الحرص على النجاح، ولكن هذه التجربة تمر الآن بمنعطف آخر قد يجبرها على التراجع، إن لم تجهض.. ولذلك كان هذا الموضوع حواراً من طرفين، وإن كان يستحق أن نسمع الأطراف الأخرى، وما تريد أن تقوله صراحة حول الخطة التربوية كلها..
0 تعليق