التاريخ/ 26 – 7 – 1401هـ
لم يقاوم الغضب الحاد الذي واجهه مع ذلك الطرف العنيد قال:
- «يبدو أن مسألة الأخلاقية في العمل، والإخلاص لواجب أي فرد ليست عربية، أو أجنبية.. ولكنها إنسانية بالدرجة الأولى، ولهذا لم أكن أشك بتاتاً، وأنت العربي، أن تعاملني بهذه التصرفات العجيبة، وأنت مجرد أجير عند وكيل «سعودي» لهذه الشركة التي لا تحسن صيانة سمعتها !!»..
رد بتصرف من يريد أن يكون بريئاً!! - «ليس التصور بما تحكي عنه، وإذا كنتم تفرضون على العامل، وصاحب الشركة هذا الرضى الكامل، فلا تعتقد أنني الوحيد الذي له الرغبة في تأكيد الضحك عليكم، إن كنت تسمي ذلك ضحكاً، ولكن دعني أبتعد عن الموضوع قليلاً.
لقد شاهدت أعرابيا وزوجته أمام إحدى محطات (البنزين) يعبئ وقوداً لسيارته، وحين تحرك عدة أمتار، صاحت عليه زوجته – «وقف نسينا الخادمة»!! ولم تكن الخادمة إلا عجوزاً عربية في حين أن «الونيت» مربوط به عدة، ماعز وضأن..
هذه الصورة قلبت تركيبتكم الاجتماعية رأساً على عقب.. فهذا الأعرابي، لا يستطيع أحد أن يحتقر فيه كرامته، وأصوله، أو أي مثل عليا يرتكز عليها.. ولكن صدقني إننا ننفذ أدواراً تضحكنا بأشكالها، وتعدد ألوانها الصارخة.. والمجلوب لها – بحكم التقليد – كل شيء غال ثمنه..
ولقد سمعت، وإن لم أر، أن بعض مهنكم التقليدية كالرعي، أصبح لها عامل متعاقد معه..
عاملي إذا أخطا فهو يشعر أنه يواجه أناساً لا يقيمون أخطاءه.. قاطعه بحده..
هذه الصورة، لا أستطيع أن أقول أنك جلبتها من الخارج، أو شاهدتها «فلماً» في «لندن» أو «نيويورك».. نحن لا نخجل أن تكون هذه بعض حقائقنا..
ففي أحد الأقطار العربية، أوقف سائق القطار عرباته المحملة بالفلاحين، والدواجن، وخيرات الريف كلها، ليشرب سعادته الشاي في أحد المقاهي القريبة من العاصمة.. وحين استفسر أحد القادمين إلى المقهى.. رد عليه أحد الفلاحين، أن هذه عادة السائق كل مرة نأتي معه إلى هنا!!
قد تقول أن الأمر مبالغ فيه ولكن مواطناً عربياً شاهد الموقف واعتبرها نكتة يرويها الفلاح.. ولكنه تحقق من صحة الموضوع، وحسن نية السائق..
هذا الموضوع يماثل تماماً الأعرابي، الذي جلب الخادمة التي قد لا تكون أكثر تلاؤماً مع معرفة شروط البيت الحديث، الذي لا يجوز أن يوضع به حظيرة أغنام!!
القضية تتصل بالوعي، والتعليم، وهذه قسمة موزعة بين كل الأقطار العربية، إذا ما عرفنا أنه في جداول الاحصائيات التعليمية تصل الأمية إلى أكثر من 80 % بين النساء، والأرياف والهجر، فإننا متساوون بمن يخطئ منا.. ولكن دعني أواجهك بصراحة أرجو أن لا تنكرها.
إن بعض مواطنينا العرب يأتي، وهو يحمل تصورًا معيناً بأنه سيجد في هذه الصحراء الكبيرة أعداداً هائلة من الناس يسكنون الخيام، ويشربون من المستنقعات، وأشدد أن هذه رؤية «البعض».. ومع أنني لا أخذهم بالضمير العربي كله، وإلا فإن هذه الفئات، وقد تشاهدها تعمل في مجالات حساسة، طبعت بنفس الوقت صورة معاكسة عن المواطن الواعي..
فهلا ذلك المواطن العربي، الذي يلبس عقدة التفوق – ولو بقلادة الذهب المعلقة على رقبته – يتكون ذاتياً من غذاء النحل، ونحن من غذاء الصراصير في حين أنه يؤمن بالقومية العربية والوحدة من المحيط إلى الخليج، ويقسم أمام زملائه أن جذوره العربية معلقة بوصية جده الأول، وأن تلك الجذور نبتت بوسط هذه الصحراء ومن أرومة قحطان، أو عدنان، أو من العرب المستعربة!!
استل من جيبه سيجاراً كبيراً، قطع رأسه بآلة صغيرة، وقد تجهم وجهه أكثر. - «قد تكون كلماتك محاضرة مقبولة في علم الأجناس، إن ما تسميه عقدة التفوق ليست موجودة بنظري، وإلا ما تفسر هذه الأعداد الهائلة التي تعمل بينكم لو كانت تملك هذا العنصر العرقي، لما جاءت إليكم كعمالة عادية!! ولكن إذا كان تفسيرك أن هناك تجاوزات من بعض الأفراد، فما حكمك على المندوب الذي يمثل إحدى الشركات اليابانية الذي فاوض أحد مدراء الشركات الكبرى لديكم.. هل تفهم ماذا قال؟!
قال: «لقد تعاملنا معكم بالسابق بأسعار معينة، وحين ضاعفنا أسعارنا من جديد، فإن هذه رغبة من الشركة بمعاملتكم معاملة خاصة، لأننا نفعل ذلك كجزء من الشركات التي تستغلكم!!
هذا الموقف لماذا لا تشتريه، وتوزعه نصائح لليابانيين وغيرهم ممن يدخلون معكم في مشاريع تفوق الخيال!
سعل بعد أن سحب نفساً عميقاً من الهواء.. ولمحاولة السيطرة على أعصابه رد بهدوء.. - «لا تتصور أنني أقاوم حضور أي عربي لهذا الوطن المشترك.. ولكن ما يهمني بالقضية كلها، هو لماذا نبني علاقاتنا على هذا التنافر الحاد، في حين أننا عند لقائنا لأي أجنبي أوروبي، أو أمريكي نفتح له نفوسنا وخواطرنا؟!
الياباني، حر أن يختار هذه الصراحة التي تصل إلى الوقاحة.. فهو ينطلق من قوة اليابان العالمية، وهو الآن يسيطر على السوق العالمية كلها، بما فيها من كانوا سادته سياسياً واقتصادياً.
وبرأيي أن الياباني، أو غيره يمثل عنصراً أجنبياً مهما كانت الحالات التي يعبر عنها، لكننا أصحاب الأرض، واللغة والوجدان الواحد، نكرس هذه المفاهيم بعلاقاتنا حتى الفردية منها!!
أدار رأسه للشارع.. فحص ساعته عن الوقت الذي صرفه في هذه الثرثرة.. ولأنه لا يريد أن يستسلم ببساطة قال: - «أنت تتعلق بمثاليات غارقة في الوهم وتنسى حقائق صارخة تعيش بيننا حتى الآن..
إذا كانت معظم البلدان العربية تحررت مما يسمى الاستعمار العسكري، فإنها لم تتحرر من الاستعمار الثقافي، وهذه قضية قرأناها حتى الحفظ وتحدثت عنها الإذاعات العربية من الجزائر حتى (أم القوين).
وإذا كان هذا الاستعمار حول الهند من دولة عظمى لها لغاتها الأصلية، والقومية، وكذلك قطاعات أخرى من آسيا، وأفريقيا، وسميت هذه البلدان الناطقة بالإنجليزية، والفرنسية والاسبانية، فإنه بطبيعة الحال حاول في قطاعات عربية مشرقية، ومغربية أن يمسخ هذه اللغة.
ولا تسأل كيف أن أحياءً أرستقراطية كانت لا تتكلم إلا الانجليزية والفرنسية في عاصمة عربية كبرى.. ولا تستغرب كيف أصبحت توجهات قطاعات اجتماعية عربية تحاول أن تلحق أرومتها بالفينيقيين، أو يتجهون باسم الدين إلى أي بلد أوروبي.. هذه العقدة تسلمناها من مدخراتنا النفسية والعقلية الكامنة تحت جلودنا، وقشرة رؤوسنا..
بنفس الوقت أنت لا تستطيع أن تنكر أن شباباً منكم الآن، على قيد الحياة (يتفرنج) لغة وسلوكاً.. ويفهم جغرافية جنوب أمريكا أكثر من جنوب الجزيرة العربية..
لقد أكرهتني على الحديث حتى في السياسة، وأنا الذي عفتها وكفرت بها.. وسلفاً أعرف أننا لن نلتقي في مجرى النهر الواحد، لأن كشف سر تركيبتنا الاجتماعية ستبقى ملكاً للأجانب الذين يعطوننا انعكاساً خاصاً يفسرون به علاقاتنا، وتاريخنا، وإن شئت حتى ميولنا، ونوع تذوقنا!!
قاطعه زميله قائلاً: - «أفهم من هذا أننا ممثلون على مسرح لا نشاهده نحن، وإنما يشاهده غيرنا، وهو الذي يمنحنا الاسم والمعنى معاً..
قال.. - «تصور ما شئت، ولكن هذه وجهة نظري، وأنا واحد من الذين يقضون الأيام بالأحاديث التي لا تجدي.. وأخيراً أقولها لك بصدق.. أعطني عاملاً يؤدي ساعات نشاطه بإخلاص، واحرمني من سماع آلاف الإذاعات العربية، ومرافعات المحامين، وتمثيليات السينما، والتلفزيون!!
تصافحا، ولكن عدوى الحديث ستنتقل إلى شفاه أخرى تجتر هذه المواضيع في المقاهي التي لا تعرف الصمت، ولا تعرف كيف تهتدي إلى العمل النافع!
الضائعون!!
«أبحر.. مجداف – أشرعه.. شواطئ.. دموع» وهلم جرا محفوظات صارت لكل مبتدئ، يكتب باعتراف بعضنا شعراً، وقصصاً، ونثراً مشعوراً!!
فالقصيدة الحديثة مأسورة حتى كتابة هذه السطور بشخصية السياب، وانتقلت باسم الحداثة والتجديد، إلى زعامة «أدونيس»..
ونجيب محفوظ ألقى ظلاله على كتاب القصة العربية، وربما أن الراية والسيطرة انتقلت الى عدة وجوه أخرى.. عبد الرحمن المنيف، عبد الرحمن الربيعي، الطيب صالح، جمال الغيطاني، وغيرهم.
قضية التناسخ في الفكر العربي، تنبع من البحث عن أسطورة البطل..
فإذا أردت أن تقرأ، أو تسمع فعلق بين سطور كل مقال لك «سارتر – ديكارت.. إليوت.. كافكا.. إلخ» لذلك ليس ذنب أي مبتدئ تهدي له هذه الكلمات على عامود كل جريدة ومجلة، وفي صفحات القراء والمبتدئين.
كثيرون هم الذين يقولون أننا لا نفهم ما يكتب!! وتعود الإجابة التقليدية، وما ذنبي إذا كنت أقرأ ما لا نفهمه، واكتب ما يفهمه غيرك؟!
أعتقد أن المباشرة في طرح الاتهام ترد، لأننا لا نريد أن نتعب أنفسنا.. ونبحث عن ثقافة مسجلة على أشرطة (الكاسيت) نسمعها بتراخ، وحسب المزاج، وقد نرغب أن يصبح لنا مستوردون بسجلات تجارية يحفظون الشعر والنثر، ويلقونه على مسامعنا كجزء من ديكور التحديث..
فالذين يشترون أغلفة كتب لتزيين صالوناتهم يحملون بوادر هذه الصرعات الجديدة للثقافة القادمة.. والمسئول الذي يعتبرها حالة شخصية لا تستحق التخطيط أو الصرف عليها، هو يحمل هوية المتعلم، وليس المثقف..
الثقافة تحدد وجودي لأننا لم نفهم سفر التاريخ ونتعامل معه إلا بتلك المصنفات التي قادت الحضارة الانسانية إلى إنجازاتها الحديثة..
والثقافة هي الشيء الوحيد الذي لا يأتي بالوجاهة، أو العرق، أو أكداس المال.. أو حتى الصحة الجسدية الممتازة..
لقد اجتهد كثيرون في محاولة تجريد الأشياء من تلك العموميات والسفسطات بإلقاء معنى الثقافة على كل من يحفظ مقررات الثانوية العامة أو الجامعة يقف منا المرشد، والعالم، وصاحب الاسم المجيد.. لكنها الثقافة تبقي قنوات صلتها مع الحياة غير مقطوعة، ولذلك ظل العظام، وهم من بسطاء الناس لا يحتفلون، أو يسمعون عن إنجازاتهم العظيمة، وهذه هي أبسط عمولة يحصلون عليها من التاريخ.
.. وعودة لسقوط الأقنعة!!
الذين علقوا على قضية السرقة التي نشرت الأسبوع الماضي، كانت استجابتهم تلتقي عند نقطة واحدة. هي أنه لا يكفي أن تستغلنا بعض الشركات حتى يدخل بنفس المزايدة المفكرون، وأساتذة الجامعات!!
وأنا لا أريد أن أروج لموضوع طرحته من باب اعادة وتكرار ما سبق أن قلته.
إن المسئولية التي أعرف أنها مهمة مشتركة بين الجميع تجعلني أتوجه تلقائياً، إلى وزارة التعليم العالي بشخصيتها المعنوية والمؤثرة.. وهو أن القضية يجب أن لا تأخذ طريقتها الروتينية.
بحيث تسأل الوزارة الجامعة والجامعة بدورها تسأل الأستاذ، وتموت القضية بين دفاتر الشكاوى والمعاملات طويلة النفس..
فإذا كان عقاب الطالب الذي «يغش» بالامتحان الطرد، والسقوط، أو الحرمان نهائياً من الدراسة في الجامعة، فإن العقوبة على أستاذ الطالب مسألة ترقى على الحالات الشاذة الصغيرة، والتي محيط ضررها لا يتعدى الطالب نفسه.
ولكن الأستاذ الذي يسرق الآخرين. ويزيف على الطلبة جهود غيره، وينهج سلوكاً خطيراً في السطو، أمره أصعب..
يقال أن أنظمة عالمية تجرد الأستاذ من وظيفته العلمية والأدبية إذا تأكد هذا التطاول على الغير.. ونحن بدورنا نقول أن الوزارة معنية بالأمر وعليها أن تضع نظاماً يحمى سمعة جامعاتها، وطلبتها، وحتى لو لم يخرج نظام عام يحمي حقوق المؤلف..
فإذا كانت جامعات عربية درجت على هذا السلوك، وشكلت ما يسمى «بالمافيا» التربوية.. أي أن السلطة التعليمية والإدارية تفعل ذلك لتفرض على الطالب كتب الأستاذ، أو الأستاذة متضامنون، وإن كانوا يعرفون سلفاً أنه معظم المقررات لا تحمى بأي سلطة قانونية، هذا إذا عرفنا أنه كشف الكثير من كتب لم يكن لأستاذ الجامعة إلا جهد الترجمة فقط، وأن أي طالب لو اكتشف هذه السرقة لا يستطيع أن يفشي السر، وإلا لما بقي من يضمن له أي كرسي في أي جامعة.
فاللغة الأجنبية التي كانت شعاراً للأستاذ يفعل من ورائها كل ما يريد، أصبحت في متناول أي طالب، ومسلسل السرقات الكبرى – كما يقول أستاذ أعتز بجهوده، أنها تطال كثير ممن يعيشون بيننا، وهي ستكشف حين تجد الأذن المسبق..
حتى الناشر سيكون على حذر تام، ولن تسقط التهمة لديه عن أي أستاذ يلمع اسمه بالشهادات العليا، والجهود العلمية أو الأدبية التي ساهم بها.. ولكن هذا لا يجعلنا نضع التهمة مسبقاً ونلقيها بعموميتها على الكل..
إننا فقط نطرح القضية.. وعلى من يملك الحل ان يقول كلمته..
0 تعليق