التاريخ/ 8 – 8 – 1401هـ
وسائل الإعلام والدعاية لم تعد مدخلاً إلى الحرب النفسية من قوى قوية إلى قوى متصارعة، ولكن هذه الوسائل التصقت بحياة الإنسان اليومية، بل لقد أصبح التوجه الإعلامي يهدد حرية الإنسان ومستقبله، حين جعلت الآلة الطبقات الاجتماعية الصناعية تذهب بتفكيرها وسلوكها إلى التأثير الإعلامي اليومي، ورسم لتلك المجتمعات ما يسمى بعلم الاجتماع الصناعي، الذي دور الفرد كرقم صغير في دولاب الآلة الكبير، وتركه يصارع آمال وحركة يومه المستلب …
ومهما تعددت الأقوال في الفلسفة الغربية الحديثة عن «القلق، والعبث، واللا انتماء» فإنه لا يوجد من يرغب بتحطيم العالم أو تدميره.. ولكن حب امتلاك هذا العالم، ظل طموحاً قائماً، ابتداءً من تكون تقاليد أول قبيلة على الأرض إلى آخر من يقف الآن على قوة التسلط التقني الحديث..
وإذا كانت وسائل الحروب متعددة، فإن الحرب الإعلامية تأخذ مداها الآن إلى التطلع إلى امتلاك العالم بهذه الوسيلة الخطيرة..
فالسعي إلى تطوير هذه الأساليب لا يخضع لرغبة السوق فقط الذي يستهلك جهاز (الراديو) أو (التلفزيون) وإنما تسييس هذه الوسائط إلى مضامين تتفق وأهدافاً سياسية قائمة أو يخطط لها مستقبلاً.
فلو قدر أن تصبح الدول الكبرى تملك بثاً تلفزيونياً إلى جميع قارات العالم، وبمختلف لغاتها، ماذا سيكون عليه خط التماس بين روسيا وأمريكا مثلاً؟!
قد لا يكون هناك تلاق بينهما على مضمون معين.. فالقضية لم تعد التوجه لقطعة أرض، أو رصيد مالي، إنما التوجه للإنسان الذي هو قاعدة الانطلاق للأهداف الكبرى..
ولو علمنا أن مئات من الملايين لا يملكون جهاز (راديو) لسماع الإذاعة المحلية، فكيف تستطيع هذه الملايين الحصول على جهاز (تلفزيون)؟!
الحقيقة أن تلك القطاعات من الفلاحين وصغار العمال وغيرهم قوة مؤثرة في أي مجتمع، وهم حظائر تفريخ للأيدولوجيات اليسارية، أو الفئات التبشيرية، ولكن الغاية الأولى ستنحصر في التوجه لمن يملكون تلك الأجهزة المؤثرة من الطبقات الوسطى أو غيرها ممن تملك النفوذ المباشر في التأثير على مجتمعاتها، سواء السلطات السياسية، أو التربوية، أوما ينطوي غالباً تحت السلطة السياسية عموماً.
فالإعلام في الشرق، أو الغرب يقع تحت سلطات مختلفة، ولكنه لا يخرج عن الهدف الوطني، أو القومي لذلك البلد.
ولو تمكنت روسيا من السيطرة على البث التلفزيوني لأي جهة في العالم، فإن المنطلق الأيديولوجي الماركسي سيكون هو الغاية والوسيلة، أي لن يكون الامتداد إلى العالم بتلك الوسائل التقليدية فقط، وإنما سيكون التبشير مواجهة مع العقل العالمي.
فالأديان السماوية، وخاصة في العالم الثالث هي أهم خطوط الدفاع، والمنافسة على المدى البعيد، كذلك محاولة الاستقلال بالنظرة الوطنية، أو القومية باعتبارهما منهجاً ممدوداً إلى مكونات أهم، كوحدة الأرض واللغة، واعتبار الأممية التي تدعو لها الشيوعية الدولية «يوثوبيا» أو حد لا يتحقق بسهولة خاصة وأن العالم يسعى إلى بعث مكوناته التاريخية، والحضارية، وارتباطها القومي بالذات البشرية، كما هو حاصل الآن في بولندا في شرق أوروبا، وأيرلندا في غربها، إذن ما هو الطرح البديل عند مختلف القوى المناوئة للشيوعية، لو استطاعت أن تدخل التحدي بوسائل تلائم العصر؟!
لقد أثيرت مواضيع كثيرة حول ما إذا كان العقل يتناقض مع الإيمان، ولم تنته هذه الجدلية لصالح العقل وحده، لأن الإيمان يمر بمجرى العقل، ولهذا صارت ديمومة العقائد السماوية مفروغاً منها حتى هذا العصر..
لكن الذي يوجب المقابلة مع عقول الآخرين بالدفاع عن قيم وتقاليد تتطور وفق منظور معتقداتها، هو أن المواجهة هذه المرة ليست مع أعداء مبثوثين في آفاق الأرض، بقدر ما هي مع وسائل تبرمجها عقول جبارة، وتغزو عقولاً تبشرها بجنة الأرض القادمة..
قطعاً لا يمكن أن تطلب من جائع أن ينظف معطفه بالبخار!! بنفس الوقت فإن تفكيره وعواطفه تنحصر بالجوع وحده، لأنه مثار حواسه ووظائفه النفسية والعقلية، وعامل ارتكاز وجوده على الأرض..
أيضاً نصف المتعلم الذي لا تصل حالته إلى الجوع المدقع ولكنه يشعر، أو يعتقد أن القيم السائدة في مجتمعه صنعت مأساته، ومأساة غيره، وطالما أنه لا يوجد من يمنح صدقه، أو مبرة، فإن الاقتصاد تقيد بعقائد تفرض جبريتها بحكم عامل الحاجة من المجتمع الضعيف إلى الأقوى.
إذن سيكون أمر الحسم بمن يصل إلى الإنسان بتلبية رغباته العقلية والمعاشية.. وبذلك لا يصبح لأمر الخيال، أو المجهول قوة الحركة، أو التنظير، لكسب محيط عالمي أكبر.
فالماركسية تأخذ شمولية أفكارها ومعتقداتها من القوة التي تنتمي إلى هذا المعتقد، وهم لا يواجهون العالم بعقم الوجد، وخاصة على مستوى التفكير الفلسفي، فهذه قضية يرفعونها موقفاً مضاداً للنهج السياسي الرأسمالي، ونظامه الاجتماعي، ويعللون الأزمة الإنسانية بتآمر هذا النظام.
فالثورة الثقافية التي انتهجها «ماوتسي تونج» قصد بها تجديد دم الثورة، ورفع العصا بوجه أي نظام اجتهادي يأخذ ببعض معقول النظام الغربي.. بنفس الوقت هناك آلاف المداخل على الماركسية كفلسفة أيدلوجية، أو نظام يقبل التطبيق على الانسان والحياة.
على الطرف الأخر تأتي أمريكا وحلفاؤها بجعل الكفاءة العلمية للإعلام نمطاً يخترق حاجز التكافؤ بين العوالم المختلفة على الأرض..
وأمريكا أقرب إلى استحداث وسائلها بالسيطرة على العالم الإعلامية، ولكنها تغذي عند الأفراد حالة الانبهار، والدهشة، وتنامي القوة العسكرية والتقنية، وكل هذه تسقط أمام الرأي العالمي الذي يخشى أمريكا وحليفاتها، ولكنه لا ينتظر منها أن تكون بديلاً في إسعادها..
و لئلا نقع في دائرة الغيبيات، فإن أي تطور مستحكم للإعلام الأميركي، أو الأوروبي، سيكون حتماً أول الخصوم للقضايا العربية، أو الإسلامية.
ونحن لا نرغب توطين المبالغة عند الكثيرين منا حين يقولون أن أمريكا قوة تملكها تل أبيب، وتضع اتجاهاتها.. ولكن لا أحد يستطيع أن ينفي قوة الفعل الهام للإعلام الصهيوني
إذن ما هي مصادر الخوف على مستوانا، ومستوى العالم بأسره؟؟
الإعلام الأمريكي يلعب دوراً كبيراً داخل أمريكا فقط، ومبرمج للداخل أكثر من تصديره إلى العالم، إلا ما يختص بالإنجازات العلمية الكبيرة التي تهز العالم..
لكن، لو قدر أن يصبح العالم مشدوداً لمحطات البث التلفزيوني الأمريكي، وبلغاتها المنطوقة والمكتوبة، فإن المواجهة ستتصاعد بين العرب والمسلمين من جهة، وبين أمريكا كممثل رسمي للصهيونية بإعلامها المباشر..
أيضاً كيف ستكون انعكاسات هذا الإعلام دولياً، إذا ما اقتسمت هاتان الدولتان العظميان الموجات العالمية؟؟
لا شك أنه ستبرز السلبيات، والإيجابيات لأن الصراع لن يكون محدوداً بصرعات الحركات الراقصة «للفس برسلي» أو لاعب الشطرنج الروسي.
لكنه سيكون تمثيلاً إعلامياً يشبه التسابق الانتخابي على البرلمان، أو رئاسة الجمهورية.
قطعاً هناك شعوب ستسحقها عدمية وجودها، وستصبح أدوات هامشية على المظاهر الساذجة للحضارة الغربية، يقابلها أيضاً رد الفعل الحاقد على هذه الأنظمة، واللجوء إلى قنوات الفلسفة الماركسية كمناظر قوي في الصراع، وعلى هذا ستكون الهوية القومية، أو الوطنية تحفظ للاستعمال في مناهج المدرسة الابتدائية والمتوسطة.
ولو ذهبنا إلى احتمال آخر، وهو أن المجابهة ستفرز وعياً وثقافة عالمية تستقل بذاتها عن المحاور الأخرى، أي أن تبرز اليابان، والهند، والصين كقوى تأخذ دورها، وتشكل أوروبا استقلالاً فكرياً على اعتبار أن الحضارة الحديثة بنت أساسياتها على تلك القارة. وأنها تملك تقاليد، وموروثاً ثقافياً، لازال يسيطر بكلية على العالم.. إذن كيف ستكون عليه بقية القطاعات الدولية؟!
سنعرف أن الحرب الإعلامية لن تفرغ شحناتها فقط في العالم البعيد عن أمريكا، وروسيا، ولكن الغزو سيدخل بيوتهما، مهما كانت وسائل التشويش أو محاولة حجب ذلك التسلط الإعلامي.. وهذا بطبيعة الحال سيوجد خللاً غير بسيط في نفوذ كل قوة على الأخرى.
من طرف آخر هل ستتشكل وحدة إعلامية عربية، وعربية إسلامية؟! ولو حصل هذا التطور، ما هي الوسائل التي ستجابه به بقية دول العالم أمريكا، وروسيا؟! هل ستمنع أجهزة التلفزيون التي ستستقبل هذا البث المباشر، ولو افترض أن البث سيكون على الأجهزة القائمة، كيف ستحمي التقاليد، والعادات وقضية تخريب العالم بكل أفات الشذوذ القائم الآن في العالم المتقدم بأسره؟!
الجواب لن يكون سهلاً، ولكن محطات التلفزيون الضعيفة ستغلق بثها، أو يُفرض عليها العزلة الكاملة، لأن الإنسان بطبيعته يبحث عن أي شيء جديد وهي طبيعة فضولية، وليس لها من تفسير، إلا أن الإنسان مجبول على البحث والمشاهدة، وتلك هي من المهمات الأساسية لذلك الإعلام!!
الولد اللماع!!
العقال «مرعز»، والغترة، «وارد العطار» والحذاء صناعة إيطاليا..
درج السيارة وضع به دفتر «الشبكات» أي أن الحساب الجاري مفتوح.
وقف بجانبه صاحب السيارة الصفراء.. ينزف عرقاً..
- «يا راع الدكان (قوطي) ببسي»!!
يكرع العلبة بكاملها.. يوزع نظرائه بين الرجل «اللماع» وثيابه الغارقة بالطين وزيت السيارة.. يسأل نفسه.. «كم مرة فكر عن خارج مسقته.. أنا طالب جامعي، وسائق تكسي ومطلوب تحضير مواد ليلية، وهناك أفواه تطلب المزيد من العرق والجهد»؟
يدفع بريال ونصف آخر.. - «.. عطنا قوطي ثان – ميرندا»!!
يسأله الشاب اللماع.. - «إلي هذا الحد عطشان، حتى تشرب٫ علبتين»؟!
حاول أن يتجاهله.. ولكنه أراد أن يجاوبه بسخرية… - «لا.. مكيف «التكسي» عطلان.. والشمس حارة»!
- «تستطيع أن تشتغل بوظيفة، بأقل تعب من سائق تكسي.. ولكن على فكرة ما هو مؤهلك؟!
يركز كوعه على طرف صندوق محاذ ليده.. هواء المكيف الصحراوي بالدكان لبعيد له شيئاً من الراحة.. - «أنا طالب.. أدرس بالجامعة.. تخصصي علوم» تذبحه المفاجأة..
- «وتسوق تاكسي»؟!
يأخذ رشفة كبيرة من علبة «الميراندا».. يلفلف كم ثوبه على ذراعه المشعر.. يزيد بالسخرية على رده.. - «العمل على سيارة الأجرة نوع من الهواية.. تتعرف على جغرافية المدن، وعالم الركاب وتناقضاتهم!!
يقاطعه الشاب اللماع.. - «يعني هذا أنك طالب جامعي، ولكن غير موفق بدراستك»!!
يفرك «طاقيته» على رأسه ليجفف باقي العرق.. - «لا.. طالب ناجح.. والعلاقة مع سيارة الأجرة ليست متناقضة تماماً مع دراستي لأنني استطعت أن أتغلب على كثير من ظروفي»!!
«وتلقي الفراغ للدراسة»؟ - «الفراغ ليس موجوداً بحياتي، وإلا لجلست على طرف عتبة هذا الدكان أبحث عن فاتح شهية حتى للحديث»؟!
- «أفهم من هذا أنك تسخر مني»؟!
- «… أستغفر الله.. ولكن يقال أن بنتين في بيت واحد لكل واحدة منهما سائق، وأن شابين في بيت آخر لكل منهما خادمة، ولذلك لا يجدون الفراغ للدراسة، ولا المذاكرة.. أي أن وقتهم مشغول»؟!
- «مشغولون في أي شيء»؟!
- «في «التمشية» والفيديو، ورحلة الشتاء والصيف، وصرعة الموضة عند الخياط الهندي»؟!
يرد الشاب.. - «والله «ما يعين» آخر زمان كلش تغير»!!
يسأله السائق الطالب.. - «.. ولكن لم أتشرف بمعرفة عملك»؟
- «ما وجدت عملاً يناسبني.. كلهم يريدون أن يكون حضوري للعمل الساعة الثامنة، وأنا متعود أن أقوم الساعة الحادية عشرة.. لا.. ولا يقبلون إلا أن أعمل ست ساعات متواصلة.. وهذا عمل مرهق»!!
يصرخ الطالب السائق ضاحكاً.. - «المفروض أن يكون لك خادمتان، وسائقان.. وبواب عند السيارة، وآخر عند مدخل الفلة»..
يحاول الشباب اللماع أن يسترد كرامته من الصعلوك النشاز.. حمل عليه قارورة مليئة بالشراب الغازي ليقذف بها صاحب السيارة «التكسي» لكن الطالب السائق غاب في الشارع المقابل.
0 تعليق