دفاتر.. ومزامير!!

آفاق | 0 تعليقات

التاريخ/ 11 – 8 – 1401هـ

لم يكن يريد المبالغة أو السخرية، حينما قال إن المجلات الشهرية، والدورية من دول الخليج تدخل مصر بشكل منتظم ومطلوب على مستوى مؤسسات عديدة!!
قلت..

  • «ولكن على المستوى الرسمي ممنوعة.. بمعنى أنك لا تشاهدها بالشارع بجانب الأهرام، أو أكتوبر»؟!
    ضحك ببراءة التاجر الثعلب..
  • «إنكم ترسلونها لنا، لا للقراءة، ولكن لشركات الورق التي تحولها في وقت سريع إلى لفات كبيرة تباع للصحف، والمطابع!!
    فسعرها رمزي ومتواضع حين تباع عندنا المجلة بعشرة قروش فقط!!
    تصور- مثلاً – أن مجلة خليجية بوزن ثقيل، وورق نادر، تكلفتها الرسمية، لو طبعت في مصر، تصل إلى جنيه وربع، هذا إذا عرفنا أمر رخص اليد العاملة والمطابع.. وهذا بحد ذاته مكسب تجاري، وليس ثقافياً»!!
    • • •
    الحادثة بسيطة جداً.. وبنفس الوقت مضحكة، ولكنها وسيلة من قضايا كثيرة تخص النشر، والدعاية حولنا..
    مجلات عربية كثيرة، أو ما وضع تحت اسم «الصحافة المهاجرة» تهدينا كل يوم أعجب الموضوعات والغرائب..
    إحداها تقول أننا نملك طاقات هائلة من الفنانين التشكيليين، وبنفس الوقت تكشف سرقة أعمال لفنانين عالميين (وبأصابع) فنانينا الصاعدين الذين لم يجدوا مجالاً للانتحال إلا الأسماء الكبرى والشهيرة!!
    • • •
    وأخرى – أفادها الله بعلمها الغزير – قدمت المسرح والفن الغنائي، والموسيقى، وأهدتنا مع التحية والتقدير أننا فنانون بمعنى الكلمة والمعنى لهذا التعريف.. ولم تنس أن تضع الصورة بالعباءة والعقال، وإذا لزم الأمر بالنظارة الشمسية!!
    • • •
    البيعة الثالثة هم من درجوا سواء من داخل وطننا أو من خارجه بطريقة ساذجة، وهو طرح صور المسئولين على عدة أوراق تباشرك في الصفحات الأولى، لتسبق المضمون الثقافي أو الفكري بأنه كتاب.. أو مشروع كتب عديدة مسلسلة.
    البعض يكتب دراسة عن جيولوجية الأرض، ومصادر المياه، وتفاجأ بأنها قصاصات من مقالات سريعة، وتعاميم، وأوراق إرشادية تتداول في مكاتب رسمية أو عادية!!
    وآخر يكتب عن (الأوبك، والأوابك) بما يسميه دراسة اقتصادية في البترول، وتصعق حينما تفجعك قصائد أبي تمام، والشنفري، بدلاً من الجداول، والأرقام المقارنة وهو ما قد نلحقه اصطلاحاً بالأدب الزراعي – البترولي!!
    • • •
    أما الرابعة فهي ما تكتب على عناوين ملاحقنا الفنية – والفنية تجاوزاً – بأن الفنانة العربية الكبيرة، قالت عن الفنان العبقري أنه أعظم صوت عربي، وأن هذه الأصوات التي أعطيتموها للعرب مجتمعين تقص الشريط الأوب لنبوءة فن عالمي يلبس الغترة والعقال و«الردن الطويل»!!
    • • •
    وإذا ما عدنا إلى الداخل، فإن الأمر يختلف، ويحمى أحياناً بقانون سذاجتنا!!
    العلاقة «الارتباطية» مع التلفزيون تجبرك على مشاهدة المسلسل الطويل الفضفاض، لأن البطولة للممثل الناشئ عندنا الذي استطاع أن يزحم اسمه بين كبار الممثلين العرب ممن تستهويهم النقود لا الشهرة!! ونضحك على أنفسنا من أنفسنا، لأن المسلسل أجيز، ووزع مسجلاً على «فيديو» المحلات التجارية..
    وكنوع من الخروج على التقاليد التمثيلية العربية فإن اللغة الفصحى عند الأذكياء من الممثلين، هي الطريق الذي لا تتشاحن عليه اللهجات العربية..
    أما الطيبون الذين خلطوا اللهجات، فقد ضحكنا منهم قبل أن نضحك أو نحزن من الموقف التمثيلي الدرامي – أو الكوميدي!!
    • • •
    وساحة الأغنية أكثر ثراء وإشاعة بين الجميع، وإذا ما أدركنا أنها سهلة التناول والاستماع ابتداء من الإذاعة إلى مسجل غرفة النوم، والسيارة!!
    لكن الأغنية لا تخلو من الغرابة العجيبة..
    لقد عرفنا أن هناك تقاليد مزدرعة بفن الأغنية، ابتداء من أول حداء، إلى آخر آلة (هرمونية إلكترونية) عرفت وظيفتها، ومن يعرف استعمالها..
    وإذا تركنا الأعداد (الألفية) للمتسابقين عن البحث عن صدفة، ولو بالخروج بحفل زفاف صغير، فإن الأمر يتدحرج بانحدار لمن هم على قائمة المشهورين!!
    فالقصائد – إذا استثنينا من يملكون حاسة الكلمة المغناة – فإننا نباشر بحولياتهم، ومواسمهم الصيفية والشتوية بـ (هجين) من المركبات اللغوية باللهجة المصرية النجدية الشامية الحجازية.. أي المجمع اللغوي للهجات العامية المعاصرة!!
    ونحن المستمعون لا ندري على أي موجة أو شريط يجب أن نفتح أذاننا، ولكن ندرك أن المغني الفنان هو أكثر الناس فهماً للمحافظة على مستواه إذا ما فهم أو أراد أن تفهم أن عبارة هذا الفن، أو أصحاب الشهرة العالمية جاهدوا ليصلوا إلى هذه المراتب العليا بالعرق السخي، والمشوار الطويل!!
    • • •
    قبل سنوات قَدَّم أحد الفنانين العرب عدة أغاني لدول الخليج، أكثرها من ألحانة، وكلماته وأدائه.. وعندما سئل كيف تذبح نفسك بهذا الأسلوب الرديء قال: «لقد جئت لهم لأرمم ميزانيتي المنهارة»!!
    • • •
    الحقيقة أنه لا يستطيع، أو لا يفكر أحد بخلق مقاطعة، أو حتى مشروع إحجام عن الكتاب العربي، والفنون العربية الأخرى..
    لكننا – وهذا اعتقادي الشخصي – لا نرغب بأن نكون مستودعاً «لرجيع» للعشرات من الكتب التي لا تفيدنا بشيء، ويكون سخاءنا، ومجاملاتنا أن نشجع المؤلف العربي، أو المحلي بما لا يمثلنا عن حقيقة ووعي..
    أنا لا أظن أنه يكون هناك من يملك أقل ذكاء، لو أراد أي مواطن، أو غير مواطن أن يجمع ميزانية هذا العام وبنودها، ومشاريع المدن، والقرى التي فصلتها القطاعات المختلفة، ونشرت بصحافتنا.. أقول أن هذه المادة لو جمعها أي شخص، وأجازها شخص آخر دون معرفة المضمون، فإنها ستكون مؤلفاً موثقاً على رفوف مكتباتنا الرسمية، أو الفردية!!
    إن الذي يبيعنا معلقة البترول، يأتي من يخلفه بمنحنا، بطريقة غير مجانية، «سيمفونية» الصناعة والزراعة، وربما الحج!!
    وإذا كنا لا نرغب أيضاً أن نسخر من الآخرين، أو نقلل من جهودهم الممتازة، فإننا لا نرى أن نجد اعتماداً مفتوحاً على أحد البنوك لشركة التأليف الفني الثقافي بذلك المستوى من التجارة الرديئة جداً..
    ومثلما تخضع العملية الفكرية، أو الفنية لذوق، وحساب حاد من قبل الجمهور الذي يتعامل مع هذا الإنتاج، فإنه يجب أن نضع حدوداً لهذا الثراء المتعجل من القناعة الفنية أو الفكرية – إن جاز التعبير – لتغلف لنا مع مستوردات (البسكويت) أو طعام طيور «الكنار» والقطط السيامية!!
    من طرف آخر لا أعتقد أننا لا نملك ما يجب أن يأخذ حقه في السوق الفنية أو الثقافية، إذ أن الثقافة أو الفن، لم تكن في يوم من الأيام حكراً على جنس أو نوع من البشر، بنفس الوقت يجب أن لا تظل هذه التجاوزات ملك من يريد أن يشوه علينا أنفسنا وجهودنا، وكذلك إدراكنا..
    ولا أريد أن أكرر أن من بيننا من يستحق أن يصل إلى الأذن، والعين العربية بنتاجه الجيد، ولكننا نطمع. وبتواضع أن نصل إلى محيط أشمل.. ولتلك مقولة أخرى..

هذه حقيقتنا!!

لما يقرب من أربعين عاماً ونحن نملأ حناجرنا وحلوقنا بالفعل المضاد السلبي.. أي أننا نمارس الاحتجاج الذي صار مع الأيام مطلباً قومياً، وجماهيرياً ضد الأعداء الظاهرين بأثوابهم، أو المختفين وراء عشرات الوسائل، والأسماء!!
مئات المرات نلملم أوراقنا في الأمم المتحدة، بالشكر الجزيل حنياً «للفيتو» السوفيتي، أو للدول الصديقة، ودول العالم الثالث التي أيدت قضايانا وتم بموجب ذلك شجب العدوان الأثيم، ابتداءً من حرب 48 في فلسطين، إلى آخر الاعتداءات المتكررة على لبنان، والمقاومة الفلسطينية.. وأخيراً، تدمير المفاعل النووي العراقي!!
صار لنا أصدقاء في أوروبا الغربية، وصارحنا الزعيم النمساوي «كرايسكي»: أننا نؤيد قضاياكم، ولكننا لا نملك الحل!!
والجنرال «جياب» الذي عشقنا أسلوبه في الحرب الطويلة المدى، كر راجعاً من أحد المطارات العربية حينما شاهد المصانع مشيدة فوق الأرض في بلد في مواجهة إسرائيل.. وقال إن هذه المنشآت لا تصير إلا في بلد آمن غير معرض للحرب، وعليكم أن تبتدعوا وسائلكم بأنفسكم!!
إذا كان هذان الزعيمان يقعان في طرفين على الكرة الأرضية، ويختلفان على المنطلقات الأيدولوجيات، وحتى في الطباع البشرية، فإنهما لم يختلفا حولنا إطلاقاً..
إسرائيل فجرت المفاعل النووي العراقي وحتى لا يصبح هذا الحدث تاريخاً نلبس له في هذه الذكرى المشؤومة كل عام ثياب الحداد ونقرأ الأشعار، ونتحدث عنه على طريقة «ابك مثل النساء ملكاً مضاعاً، لم تحافظ عليه مثل الرجال» علينا أن نفهم واقعنا وواقع العالم من حولنا، ولو بهذه السطور القليلة.
المواطن العربي، المنشأ، والولادة، واللغة، والطباع. لم يكن أحسن الكائنات البشرية، حتى في تاريخه الأكبر، ولكنه ليس أقلها تكويناً عقلياً.. والأسباب التي جعلته في هذا المأزق العصري يتوجه إلى أسباب ليست من صنعه، وهي معروفة جداً، ولا داعي لتكرارها حتى لا نصبح «عرب الظاهرة الصوتية»!
وكطفل الأنابيب صار نمو العربي خارج رحم أمه لأنه الأكثر أماناً، ولذلك عقدنا المؤتمرات، وتحدثنا حتى باللغات الأجنبية عن الأدمغة العربية المهاجرة.. وهذه أيضاً قضية مفهومة جداً، ولا تحتاج إلى مضامين، وأدلة تربط أطراف الثوب الواحد الممزق..
إذن الأزمة نبتت وكبرت في محيطها، ولن نذبح وهمنا واحتجاجاتنا إلا بإعادة الثقة المطلقة بالمواطن العربي ذاته، وجعله شريكاً في صنع مسئولياته، وحماية وطنه..
على المستوى الخارجي – لسنا وحدنا الذين نحارب بمختلف الأسلحة – ولكن بنفس الوقت ليس هذا عذراً لنا نهنئ أنفسنا على هذا الاكتشاف، بأن الاستعمار والإمبريالية.. إلى آخر ما نملك هي قضيتنا.
خذوا البلد الصديق، الذي خرج منا مستعمراً، وعاد إلينا صديقاً مجاملاً، وهو فرنسا.
باريس أسست المفاعلات النووية الإسرائيلية وطائراتها الميراج هي التي قصفت (حوض البقر) ومزقت مخيمات الفلسطينيين.. وهي أيضاً تغافلت، أو نسيت الحراسة على ميناء «شوربوغ» لتسرق إسرائيل في وضح النهار الزوارق العسكرية.. ثم تعود لتفجر المفاعل النووي العراقي في وسط المصنع الفرنسي، وتقتل عالماً عربياً في باريس!
هذه الأحداث تقع، وكالعادة نصيبنا منها الاحتجاج، ولقاءات مع الوزراء، وتنتهي القضية بالمصافحة العربية!! في حين أن إسرائيل افتعلت تفجير كنيس إسرائيلي كاد أن يمزق الوجه الظاهر لنا من فرنسا!!
ونسأل أيضا ًكيف تتم هذه التجاوزات في دولة تعد الأولى عسكرياً في أوروبا، ووسائل رصدها لتغطي معظم أوروبا وتتم مثل هذه السرقات؟!! الجواب.. لا ندري!! ولن ندري!!
ولنطرق باباً آخر أكثر خطراً، وأكثر وضوحاً، لا بتمزيق الخارطة العربية فقط، وإنما لتمزيق الذات العربية أولاً، وهي التي بممتلكاتها القوية صنعت من إسرائيل مارداً مزروعاً في الوطن العربي.
أمريكا التي نحسن الظن بها هي الحمامة التي ترقد على بيض الحية، والتي كل يوم تعلن أنها جهزت قوات التدخل السريع، وستضع شرطي العالم من جديد تحت قبعة الحكومة الجديدة.
أما نحن فنعتقد أن أسباب انغلاق أمريكا هي وسائل الإعلام، والضغط الصهيوني.. وأن الوصول إلى أمريكا لا يتم إلا بصنع «غيتو» عربي داخل الولايات المتحدة لنصنع قوتنا من داخلها!! في حين أن أعضاء المنظمات العربية في امريكا وحتى على مستوى الطالب العربي لاتزال مواقعه الوطنية والدولية، والعقائدية خارج الوطن العربي، من المحيط الى الخليج!!
والشرق هو الآخر له نفس الأحكام والتصرفات.. باع الصومال بفلس لأنه ينهج اشتراكية معتدلة ليشتري إثيوبيا بثقل جغرافيتها ذهباً لأنها أكثر وضوحاً.. وستصبح السراج الوهاج في أفريقيا..
وهناك ألاف التجارب والموقف مع الروس بدءاً من عبد الناصر وإلى آخر توقيع بالأحرف النهائية مع أي دولة عربية في توثيق التعاون والصداقة مع السوفييت..
إذن الطريق واحد، وإن تعددت الفروع والممرات.. والأهداف كذلك واضحة جداً. وإذا كان تفجير المفاعل النووي، واحداً من المفاجآت الحديثة، فإنه ليس الأخير.
قبل عام فقط، هددت أمريكا باكستان بغزو مفاعلها النووي.. ولكنها لم تقل أف للهند، أو الصين وهي التي كانت ترى الصين مجرد حشد حشري قد تمزقه علبة مبيد واحدة.. ولكنها عادت هي الدولة الكبرى لترسل مندوبيها لفتح مائة باب للحوار والتلاقي، عملاً بقول (ماوتسي تونغ) دعوا مائة زهرة تتفتح!!
ولا نريد أن نسبق الأحداث قبل أن تتحدد الأسباب التي أدت الى تفجير المفاعل العراقي، ولكن نقول إنه سيمنح فرنسا فرصة أكبر لوضع سياسة تقيد المشروع من جديد هذا إذا لم تكن على وفاق وعلم مسبق بينها وبين أمريكا وإسرائيل، بإيقاف المشروع العراقي.. ولكننا سنظل مستهدفين، إلى أن نصل بقناعاتنا أننا قادرون على صنع معادلة دولية، وبقوتنا الحالية.. ولكن بشرط واحد هو أن نستطيع أن نصل إلى فهم معنى وحدة الهدف، ونعمل من أجله.. وإلا سنصبح مثل النساء نبكي ملكاً مضاعاً..

مقالات مشابههة

التقابل.. والتضاد!!

التقابل.. والتضاد!!

في عدد الأحد الماضي من جريدة الرياض رقم 5412 في 27/6/1403 كتب معالي الدكتور "عبد الله التركي" مدير جامعة الإمام محمد بن سعود مقالا عن فن التعامل مع الظروف...

شارك برأيك

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *