إذا كان المستشرقون الأجانب لا ينظرون للفكر العربي إلا من زواياه المعتمة، أو محاولة تزوير التاريخ كما كشف عن ذلك بعضهم ممن أدرك الحقيقة، وفسرها بضمير المؤرخ المحايد، كما دونت ذلك في كتابها الهام «زغريد هونكه» أو «بروكلمان» في سفره الكبير.. وغيرهم.. فإن الفكر العربي يظل واحداً من المعطيات الإنسانية الرائدة.
الخلافة العباسية بكل مراحلها أدركت قيمة الحرية السياسية، والتي أعطت أعظم نتاجات الفكر العربي.. حتى في مجال الدين، لم توقف حركات المعتزلة، والمتصوفة، والفرق الأخرى، بأن تطارد أو تقتل.. بل في ظل العقيدة الواحدة رغم شذوذ بعض تلك الحركات عن موقف الموحدين، وأصحاب السلفية الصحيحة بقيت في أعلى حركاتها، وهي الروح التي لم تستطع تحملها الكنيسة في مراحل سطوتها ونفوذها الكبير في أوربا..
وكل متتبع للتاريخ العربي، سواء في المشرق أو المغرب يشعر بعظمة ذلك المناخ الذي اتسع لصراع العقول والأفكار دونما خشية من طغاء الفلسفات التاريخية الغازية سواء من الفرس أو من اليونان.. بل استطاع الفقه الإسلامي أن يستوعب كل تشريعات الدولة الإسلامية الكبرى، ويجعل من محاكمها نماذجاً شبه أسطورية.. وكيف كان القاضي بالمنزلة المتساوية مع الحاكم.. وكان القضاء هو الذي حمى تلك الإمبراطورية من الضياع وراء مذاهب مغايرة.
فالمسجد مدرسة وجامعة، وملتقى الفكر الحضاري «ولا حياء في الدين» كانت المسائل العامة والخاصة، وأشياء كثيرة لا تترك معلقة. ولهذا كان التاريخ العربي الإسلامي وعياً مثرياً في المجتمع الإنساني..
ومهما اختلفت القراءات والأحكام فإن عقدة الماضي – إن كانت عقدة – لا نراها من الزاوية الراكدة أو المعطلة التي تستشرف الحاضر.. حتى المواقف السلبية التي يحاول أن يجسدها البعض كأساسيات لذلك التاريخ، نراها في أي مسار حضاري إنساني، لأن النفس البشرية لا تكون دائماً ذات نمط أو صبغة واحدة فالمجتمعات كيانات ذات طموحات وسلوك متفاوت، ولذلك لابد من وجود سلبيات، ولكنها لا تكون في الطريق الطويل المثري هي الشريط التاريخي الحقيقي.
وإذا كان ذلك الجو قد أفرز أنواعاً عديدة من الشعراء والمفكرين، الذين استجابوا لحركة التاريخ ليعطوا وجهاً صادقاً لذلك المجتمع بكل حقائقه.. فإن الشعر يظل واحداً من أهم الوسائل التي تؤرخ لحياة أولئك الشعراء من خلال واقع مجتمعهم..
ولقد كان لأهمية الشاعر أن تحولت سيرة كثير منهم إلى حكاية شعبية تروى بالأحياء، أو بالأسفار الطويلة كما هو وارد (لعنترة) العبسي، أو لأبي (نواس)، وذلك لإطلاق ما وراء خيال الشاعر وإعطائه نكهة الساخر، أو صاحب الحيلة الذكية، أو البطل العظيم الذي يصارع الجن والعفاريت، ويقهر القبائل والأشخاص..
وهذه الصفات مهما كانت خالية من الوقائع التاريخية الثبوتية، إلا أنها نسيج وحدة في الأدب العربي بإضفاء هذه الصفات على الشاعر نفسه..
وحتى في حكايات ألف ليلة، وغيرها نرى الشعر مرتبطاً بالحدث، وبتزيينه. لهذا أطلق (العقاد) على اللغة العربية، باللغة الشاعرة..
على أن الشعر العربي لا زال يكتسب قيمة بقائه مهما كانت الفواصل الزمنية، وهذا ما جعله محل اهتمام حتى الغربيين، كما تشير آخر الدراسات، عن أبي نواس في كل من فرنسا والاتحاد السوفيتي كدراسات حديثة على ضوء القيمة الفكرية والتاريخية التي أعطاها ذلك الشاعر.
ولعل دراسة الدكتور «غوستاف فون غرنباوم» لثلاثة شعراء عباسيين هم: «مطيع بن إياس، وسلم الخاسر، وأبو الشمقمق» وجمعه شعرهم المبدد في الكتب العربية التاريخية، والجهد الذي قام به كل من الدكتورين «محمد يوسف نجم، واحسان عباس» في تحقيق هذا الكتاب وإضافة بعض أشعارهم التي فاتت على المؤلف يعتبر جهداً جيداً، رغم أنه يصح عليه تحقيق النصوص أكثر منه تعقباً وغوصاً في حياة أولئك الشعراء.
وقد لفت نظري بشكل خاص الصورة البائسة التي أرسم بها شعر «أبي الشمقمق» رغم أنه في رؤية «ابن المعتز» كما تقول الدراسة، يعتبر من النوادر، بينما يخالفه الرأي الأصمعي في نقده بيتاً للنابغة حين قال عنه «حتى لو أن هذا البيت قاله أبو الشمقمق لكان ضعيفاً»..
وإذا كانت الدراسات النقدية القديمة قد تراوحت في غورها لنفس الشاعر، أو اقتصارها على بيت أو بيتين كشهادة على تمكن الشاعر من الإجادة.. إلخ.
لكن ما يعنيني، هو أن هذا الشاعر، وإن اختلفت الآراء حوله، كماجن وسليط، وفي بعض الحالات يدخل ضمن الشعوبيين في آرائهم.. إلا أن تلك النفس البائسة والفقيرة تظل أكثر الحالات صدقاً في انعكاس حياة الشاعر فقوله:
بَرَزْتُ منَ المنازِلِ والقِبَابِ
فلم يَعْسُرْ على أَحَدٍ حِجَابِي
فمنزليَ الفضاءُ وسقفُ بيتي
سماءُ اللهِ أوْ قطعُ السحابِ
فأنتَ إذا أردتَ دخلتَ بيتي
عليَّ مُسَلِّماً من غَيْرِ بابِ
لأني لم أجدْ مصراعَ بابٍ
يكونُ مِنَ السَّحَابِ إلى التُّرَابِ
ولا انشقَّ الثرى عن عودِ تختٍ
أؤمل أنْ أشار بهِ بِبَابي
ولا خِفْتُ الإبَاقَ على عَبِيدي
ولا خِفْتُ الهلاكَ على دَوَابي
ولا حاسبتُ يوماً قهرماني
مُحاسبة ً فأغْلَظُ في حِسَابِي
وفي ذا راحة ٌ وَفَراغُ
فدابُ الدهرِ ذا أبداً ودابي
فهو لا يخشى شيئاً يفقده، سواء هروب، أو هلاك الدواب أو نكوص العبيد.. ولا يشغله مراجعة دفاتر الحسابات، وهو الذي ليس له باب ينغلق من السحاب إلى الأرض.
ومهما كان عزاؤه بأن في هذه الحال راحة بال.. إلا أن مرارة الفقر، والعجز عن تجاوزه. دفع به إلى القبول بهذا العزاء كرغبة مسيطرة للهروب من الواقع، وهي حالة تتلبس الشاعر في أكثر قصائده التي يصف بها فقره وإملاقه..
وإذا كان هجاؤه لاذعاً ومراً، حتى أنه فرض جزية على معاصريه مثل (سلم الخاسر وبشار بن برد) لدليل على سلطته التي تصل إلى حد الوقاحة.
فبشار معروف عنه أنه أقذع الهجائيين وأبخلهم
ولكن أبا الشمقمق لم يعفه من قوله: ۔
سبعَ جوزاتٍ وتينهْ
فَتَحُوا بَابَ المدينَة
إنَّ بشارَ بنَ بردٍ
تيسُ أعمى في سفينهْ
ولعل الشاعر في هذا السياق يبحث عن الارتزاق بروح الحسد.. فبشار عرف أنه واحد من الشعراء الذين وصلت الخشية منهم شراء لسانه بأي ثمن. ولذلك لم تمر به محنة الفقر التي لازمت شاعرنا ولكن استسلامه لأبي الشمقمق ربما كان عطفاً عليه لا سيما وأنه من أصل فارسي وهو الأمر الذي تشيع له بشار، وجعل من ذلك الأصل أرقي من الجنس العربي.
أو أن أبا الشمقمق أكثر تسلطاً وأقل مداراة للأعراف الاجتماعية، ولذلك وجد صدى بين الناس يحاربون به بشار بنفس السيف والكلمة..
لكن تشرده وفقره وعدم قدرته على الوصول إلى منزلة شاعر كبير كبشار، لا ينفي أن له تصوراً للحياة عن مأساة استبطنت حياة الشاعر، وظل بين الهجاء، والمدح هو صاحب الشخصية المضطربة الملولة.. أو التي تشعر بالانسحاق والعدمية..
ولعل لجوئه للفأر والسنور يحاكيها ألمه، وعوز أطفاله للقمة العيش، وأنه يرى في حظه وبخته أمراً رسي على حالة لا مفر من تجاوزها فهو القائل:
لَو رَكبتُ البِحارَ صارَت فِجاجا
لا تَرى في مُتونِها أَمواجا
فَلَو أَنّي وَضَعتُ ياقوتَةً حَمراء
في راحَتي لَصارَت زُجاجا
وَلو أَنّي وَرَدتُ عَذباً فُراتاً
عادَ لا شَكَّ فيهِ مِلحاً أَجاجا
هذه هي قسمة الله، وهذا النحس الذي لازمه هو الذي جعله لا يرى في ملازمة الفقر للعالم أو الشاعر، إلا تتويجاً للعذاب.. فهو يشقى بعلمه..
خُـبـزُ المُـعَـلِّمِ وَالبَـقّـالُ مُتَّفِقٌ
وَاللَونُ مُختَلِفٌ وَالطعَمُ وَالصورُ
ولكنه في خلوته مع مصائبه يستنطق عالم بيته من الفئران والسنانير..
وَلَقَـد قُـلتُ حـيـنَ أَقـفَـرَ بَـيـتي
مِـن جِـرابِ الدَقـيـقِ وَالفُـخّـارَةِ
وَلَقَــد كــانَ آهِــلاً غَـيـرَ قَـفـرِ
مُـخـصِـبـاً خَـيـرُهُ كَثيرُ العِمارَةِ
فَـأَرى الفَـأرَ قَـد تَـجَنَّبن بَيتي
عــائِذاتٌ مِـنـهُ بِـدارِ الإِمـارَةِ
وَدَعـا بِـالرَحـيـلِ ذِبـابُ بَـيـتـي
بَــيــنَ مَــقــصـوصَـةٍ إِلى طَـيـارَةِ
وَأَقامَ السِنَورُ في البَيتِ حَولاً
ما يَرى في جَوانِبِ البَيتِ فارَةِ
يَنفَضُ الرَأسَ مِنهُ مِن شِدَّةِ الجوع
وَعَــيــشٌ فــيــهِ أَذى وَمَــرارَةِ
قُـلتُ لَمّـا رَأَيـتُهُ نـاكِسَ الرَأس
كَـئيـبـاً فـي الجَوفِ مِنهُ حَرارَةِ
وَيَكُ صَبراً فَأَنتَ مِن خيرَةِ سَنَورٍ
رَأَتــهُ عَــيــنــاي قــطّ بَــحّــارَةِ
قـالَ: لا صَـبـرَ لي وَكَـيفَ مَقامي
وسط بيت قَـفـرٍ كَـجَـوفِ الحِـمارَةِ
قُـلتُ سِـر راشِـداً إِلى بَـيتِ خانٍ
مُـخـصِـبٍ رَحـلُهُ عَـظـيـمُ التِـجارَةِ
وإذا كان الفقر واحداً من البؤس البشري، وهو الذي قاد حروب الإبادة، فإنه على مستوى الفرد الذي لا يقوى على خلق أسلحة جديدة يحارب بها هذا الوباء تكون النفس في حالة عداء كامل مع كل المحيط بهذا الانسان.
وهو ما ينطبق على الشاعر.. فهو منزوع الصفة المتساوية مع الناس الأسوياء.
لبسه أطمار مرقعة، وعيشه الكفاف، وأطفاله يصرخون بوجهه عند كل لقاء.. وبنفس الوقت لا يرى مميزاً لمن هم دونه في العلم أو الذكاء، أن ينعموا في عيش رغد..
والحظ ضربة أعمى، ولكنه ليس ناموساً أو دستوراً قائماً.. ولعل تهتك المشاعر وعدم مداراته لأبسط القواعد الأخلاقية فيمن يهجوهم، أو يبالغ في كسب عطفهم حين يمدحهم، هي حيلة الخوف من جبروت الأقوياء. والحقد الأسود على من تتجسد صورهم في بؤسه وآلامه..
وإن هذه المراوحة نجدها عند كثير من القراء.. وقد يكون الوازع الأخلاقي واحداً من تبكيت الضمير عند شاعر مثل أبي العتاهية لجأ إلى التصوف وصيانة أعراض الناس من لسانه والتوبة من المجون والتظاهر بها..
فالشاعر أكثر الناس إيلاماً وألماً لأنه لا يرى بقسوة الظروف ومطاولتها لحياته إلا قدراً قابلاً للزوال ولذلك تبقى تلك المعايشة مطابقة لحقيقة أفرزت هذه الثورة على القيم والناس.. أو الاستسلام النهائي لهذه الأقدار واللجوء إلى الانطواء والتصوف للتعويض بالخيال عن الواقع..
وكم هي مؤلمة الحياة حين يكون الصبية الصغار كالطفح على جلد المريض..
إن الشاعر يعكس هذا الألم بقصيدته التي يقول فيها:
وَقَد دَنا الفِطرُ وَصِبيانُنا
لَيسوا بِذي تَمرٍ وَلا أَرزِ
وَذاكَ أَنَّ الدَهرَ عاداهُم
عَداوَةَ الشاهينِ لِلوزِ
كانَت لَهُم عَنزٌ فَأَودى بِها
وَأَجَدَبوا مِن لَبَنِ العَنزِ
فَلَو رَأَوا خُبزاً عَلى شاهِقٍ
لَأَسرَعوا لِلخُبزِ بِالجَمزِ
وَلَو أَطلقوا القَفز ما فاتَهُم
وَكَيفَ لِلجائِعِ بَالقَفز
وفي قصيدة أخرى يظهر نفس المعاناة والألم..
أَنا في حالٍ تَعالى
الله رَبّي أَيَّ حالِ
لَيسَ لي شَيءٌ إِذا قيل
لِمَن ذا قُلتُ ذا لي
وَلَقَد أَهزَلتُ حَتّى
مَحَتِ الشَمسُ خَيالي
وَلَقَد أَفلَستُ حَتّى
حَلَّ أَكلي لِعِيالي
مَن رَأى شَيئاً محالاً
فَأَنا عَينُ المحالِ
إن محنة الشاعر تظل ملازمة له وهي الإدانة الحقيقية لعصره..
فاللؤم، والخبث، والزندقة، أو التصوف، أو الخروج عن كل ما هو مألوف ليدل على عمق المأساة عند الشاعر.
فهو يهادن، أو يقاوم بفعل الضغوط النفسية ويتحرك بحجم المأساة المأسور إليها.
حتى في العصر الحديث تجد هذا السلوك انطبعت به حياة المشاعر «فهد العسكر، والتل» وبعض شطحات الرصافي، أو عشق المأساة ومزاوجتها مع الثورة عند (حافظ إبراهيم).
لكن شيئاً واحداً لا نستطيع تجاهله أن بيئة الشاعر العباسي كانت أغنى الفترات التي أعطت المفكر والشاعر الحدود العليا للحرية..
فهو مع مأساته: أو ترفه يبقي نفساً متصلاً مع عصره.. وهذا السر في جعل تلك الفترة هي أعظم المعطيات في الفكر العربي..
إن شاعراً كأبي الشمقمق يعانق الكآبة والاستلاب والخروج عن قانون المجتمع بفعل مأساته، الحرية بإعادة التنقيب والدراسة لهذا الشاعر وغيره ممن سيطرت عليهم الظروف الصعبة..
وكما قلت إنه لا يعنينا إذا كان ذا خيار شاذ في وقته، ولكن يعنينا منه هذه النفس الإنسانية المأزومة التي تحاد الفقر والناس، وتضع كل الخيارات الأخرى في محور هذا الألم …
قالت الذكريات
ثلاثتهن.. كانوا قادمين للرياض من تلك القرية الصغيرة التي يحتضنها الجبل وتلال من الرمل.
المدينة تصفعهم بحركتها وأسلوب تعاملها ونفورها من جلافة القرويين..
ثلاثتهم يحملون الشهادة الابتدائية.. وكان وقتها الطموح هو الأساس.. ولكن الطموح مقرون بالعوز والحاجة.. وكغيرهم ممن تبتلعهم المدينة.. هجروا الدراسة إلى الوظيفة.. وما بين «المعاش» الأول وصعوبة التكيف مع الحياة كان مشواراً طويلاً..
فهو رائع لأن فيه قسوة الحياة ومعاناتها.. ولأنه مر، فقد قفل تلك المسافة الممدودة إلى الدراسة الثانوية والجامعية..
ولكنهم لم ييأسوا.. كانت القراءة، والدراسة ليلاً عشقاً مرتبطاً بالوظيفة، وبالمستقبل..
لم يؤلمهم أن يستأجروا منزلاً آيلاً للسقوط في بعض حجراته.. ولم تتداع قواهم، وهم الذين أمضوا ثلاثة أشهر بدون راتب بانتظار ما سينطق به القرار القادم من قلة آنذاك..
وحتى تلك (الخردة) التي جهزوا بها ذلك المنزل من سوق (الحراج).
(دافور) بأربعة ريالات، وبساط مستعمل وقدر، وسكين وملعقة.. لم تكن هذه لتقف أمام قدرتهم على الاندماج مع وقتهم، وتجاوزه..
قال أحدهم لصاحبه..
وهل تذكر كيف نمر من أمام مطعم (الرشد) لنشم رائحة (المشوي) ليساعدنا على تجرع (تبسي) الرز المطبوخ على نصف علبة صلصة؟!
ضحك.. وكمن يعيد سيرة حبيبة إلى نفسه..
وإن ما يذكرني هو جلب الماء من القرو، والخناقات المستمرة على التنظيف، والطبخ.. وهل تذكر (المكوي) أبو فحم، وثوب (فخر الماجود) الذي اشتريناهم بعد وصول رواتب الثلاثة أشهر..
إن من يظن أن القيمة العظمى للحياة، هو في عطائها المتسامح والسهل يخطئ، لا لأن بعض الشقاء حلو.. ولكن لأن الإرادة التي تصنع مستقبلها، وتبقي منظوراً متطوراً للحياة هي التي ترتبط بصناعة تاريخ هذه الذات..
وفرق كبير جداً بين ذلك الوقت، وإن كان لازال ممن عرفوه يعيشون بيننا، وبين من ينطبق عليهم القول أو المثل.. ولد فخري باشا.. فراشه مفروش وماه مبرد).
وكم كانت ذكرياتهم رائعة، ولكنها تبقى ناموساً لمن لا يعرفون (الحوا من البسباس)..
لأبي نواس
رسم الكرى بين الجفون مخيل
عفا عليه بكا عليك طويل
يا ناظراً ما أقلعت لحظاته
حتّى تشخص بيتهنّ قتيل
أحللت من قلبي هواه محلّةً
ما حلّها المشروب والمأكول
بكمال صورتك التي في مثلها
يتحيّر التّشبيه والتّمثيل
فوق القصيرة والطّويلة فوقها
دون السّمين ودونها المهزول
التاريخ / 8 – 9 – 1399هـ
0 تعليق