غروب الصحافة العربية

آفاق | 0 تعليقات

هل العربي لا زال محشوراً في الوهم.. بتطويع كل الأشياء وممارستها بالخيال فقط.. وهل المعرفة التي هي التخطي الأول في تأسيس البدايات لعالم الحرية والنماء الوجداني أصبحت خيطاً أولياً للقيد العربي؟ من الصعب جداً أن نرسم حدوداً فاصلة بين الاعتقاد السائد بأن الصحافة العربية معاصرة تماماً للأحداث العربية. وبين ما تحاول هي أن تأخذه كدور حتمي للتاريخ المعاصر..
بمعنى أدق ليس هناك صوت حق سليم يعطي المعنى القومي، أو الوطني الأخلاقي والإنساني.. وتلك هي المشكلة المحيطة بالمواطن، لأن الانحراف أصبح جزءاً من الاكتشافات اليومية للمراحل التاريخية في الصحافة العربية..
وحين نقول أن المعرفة هي تطوير أو أحد الفروض الصحيحة في خلق التوازن في الشخصية، فإن الدور الذي أعطته الصحافة العربية على مدى تاريخها الحديث ليس كله بؤساً وتآمراً، ولكن لا نستطيع دفع جزء كبير من التزييف الواضح، وإسقاط حساب مراحل مضيئة، أو غير مضيئة وتجاهلها لتعارض الخطوط بين سياسة وسياسة.
وهنا صار الاقتران ليس بالمبدأ الصحفي كفاية، ولكن بالإتباعية التي يتواجد معها تبعاً للموج القادم، أو كأنها الباحثة عن شباك التذاكر كما تفعل الأفلام العربية..
بالقياس لأوروبا وأمريكا، أو حتى الدول المتقدمة عموماً، نجد الصحافة باستطاعتها إسقاط أي زعيم، أو قفل أي مؤسسة، ولكن بالحدود التي تعرف أنها إذا ما وقعت في خطأ التعبير، أو تزييف المعلومات ستجد أنها هي التي ستحاصر بالإدانة والعقوبة..
وإذا كان الاستفادة من حرية القانون، والممارسات لإتباع العبث بمختلف الوسائل وأنه جزء من الحماية الوطنية، مهما اختلفت المبادئ أو الأشخاص.. فان هذا النوع من العمل الصحفي يبقى سلطة تملك الدفاع والهجوم بمختلف الأسلحة، ولكن من واقع التربة الوطنية، أو المصلحة التاريخية.
فنحن نعرف أن في أوربا صحافة يسار ويمين ووسط، ولكنها بمختلف وجهات نظرها لا تنطوي تحت سلطة أجنبية، ولو أن المجلة أو الجريدة تقع تحت زعامة حزب أو مؤسسة يسارية أو يمينية.. إذ لو قدر أن جاء أي هجوم مفاجئ عسكري أو اقتصادي فإن هذا النفوذ القادم سيواجه بأسلحة كل أجهزة هذه الصحافة لأن الوطن هو الغاية، وتبقى النظريات والخلافات في إطار الأرض، وضمن محتواها التاريخي القديم أو المعاصر..
وعلى سبيل المثال تلك الأزمات المتلاحقة في الصحافة البريطانية، وإفلاس بعضها، أو قفلها، فعلى الرغم من مواقفها المشبوهة من العالم الثالث، أو حتى المتقدم، فإنها لم تباع كجسد وطني مزيف إلى أمريكا أو روسيا، وهي التي تستطيع أن تدفع لتصل إلى حدث جيد في عاصمة أوروبية كبيرة..
وهنا يأتي خط الدفاع الأول بين الصحافة كسلطة وبين المواطن كتيار له حسابات غير متسامحة، وتظل هذه المزاوجة حتمية طالما أن الوطن هو الهدف والغاية..
ولعل التحولات الكبيرة في التقنية الحديثة، سواء بوسائل الاتصال المباشر.. كالنقل المرئي، في (التلفزيون) أو ما تطيره وكالات الأنباء للصحافة أو الإذاعة قد جعلت التكلفة غاية في الصعوبة في تلك المؤسسات وهو سر إفلاسها، إلا أنها في نطاق العالم الثالث تختلف غاياتها ووسائلها، فهي جزء من الحصار الذي يدخل في الغزو الأجنبي غير المباشر.. وهذا أمر لا يمكن الاسترسال به لأنه يطول ويتشعب ويترك روائح غير مستساغة..
وإذا كانت الصحافة العربية خاضعة بأغلب تياراتها إلى التعامل مع مصلحتها ولو كان ذلك على حساب المواقف الوطنية.. وهو أمر ترك شكاً صريحاً بسلامة ونظافة اتجاهات الصحافة العربية، فإننا نجد أننا مجبرون على توضيح بعض الأسباب التي تسمح بها ظروف المجاملة، أو بعض المكاشفة التي قد لا تخدش ولكنها لا تضيع جزءاً من الحقيقة..
في أوائل الخمسينات ووسط ذلك الزخم العاطفي العربي، كانت مجلة (الأحد) البيروتية هي أول مجلة منتشرة بين الأوساط العربية كتيار يرسم أفكارها، ومسارها في القاهرة وتنفذ في بيروت مستفيدة من النفس الحرفي لبنان، وقد استطاعت تلك المجلة أن توجد سوقاً لها بين فئات مختلفة من المواطنين العرب وذلك بحكم أنه ليس هناك خلاف في الرأي في تلك المرحلة، بين جميع الواجهات السياسية العربية، وإلا ما ندر، ولم تكن أصواتاً معلنة أو واضحة..
وبالمقابل كانت حرب الإذاعات هي وسيلة الرد، وخاصة من قبل أصوات بريطانيا (العظمى) في إذاعة الشرق الأدنى، وصوت مصر الحرة.. إلخ..
وهنا بدأت المزايدات الصحفية تدخل السوق الأجنبية والعربية، وصارت تستثمر هذا التناقض لصالحها، وتوسع الانشقاقات العربية بنفس أجنبي وبأرباح جديدة، لم تكن معروفة في الصحافة العربية عموماً..
وإذا كانت لبنان هي العاصمة الكبيرة لتلك التيارات، أو هي الأم الحاضنة، فقد أولدت تقنية صحفية وفكرية جديدة لاستيعابها كل التناقضات العربية والأجنبية، وأنجبت أفلاماً أخذت تتحرك مع تلك الموجات سواء بقناعات مذهبية أو مستأجرة، أو بدوافع وطنية سقطت في التيار الأعمى قسراً.. وهو ما جعل لبنان العاصمة المثلى، وسحبت كل القيادات الصحفية العريقة من مصر ذات التاريخ العريق في هذا المجال..
وبقي الإعلام الفلسطيني بدون صوت إلا المناسبات التي نسمعها من المنابر، حتى ظهور منظمة التحرير الفلسطينية التي أخذت الموقف بنفسها وصارت من موقع المسئولية تشكل إعلامها الخاص بالقضية، وإن كان لازال في إطار التناقضات العربية، ولكنه إعلام فرض نفسه على الإذاعة والصحافة بأشياء جديدة..
فقد عرفنا أدباً وشعراً ينبع من تيار المعركة، وأوجدت أصوات شعرية أخلت القيادة الجديدة، وتصادف أن الإعلام العربي عموماً أصبح لا يمثل إلا العجز أو التباكي والشعور بالانطواء، أو القهرية من أن الصوت العربي غير مسموع، وأن الحرب مع الصهيونية بكامل أجهزتها هي وراء هذه العوائق.. وتأتي الأزمات المتلاحقة لترسم وجهاً أكثر قبحاً..
فقد أصبحت المزايدات الصحفية باباً للمواويل، والتمويل حتى أزمة لبنان الحالية، التي سربت معها كشف حسابات عسيرة.. لنشاهد على المسرح سقوط كتاب وشعراء.. وسقوط صحافة بكامل أجهزتها وراء التناقضات اللبنانية.
وإذا كان الانفراج البسيط بين الأقطار العربية أعطى للصحافة المهاجرة إلى باريس ولندن حق التوزيع، لتعود بأكثر من طريقة ووجه، فإنها أذابت ذلك التخلف في صناعة الخبر أو التحليل، وانتهت الطرق والألقاب التي كانت تعطى للزعيم الأوحد، أو المواطن الأول، لتتجه إلى تشغيل ما أستطيع الإطلاق عليه بالصوت شبه المحايد لتبقى مقبولة في كل الأسواق المفتوحة..
لكن شيئاً آخر بدأ يأخذ بعده الأكثر تحركاً، وهي صحافة الخليج التي قد تكون أكثر تحرراً من غيرها من سلطة التوجيه المادي وراء التبعيات الأجنبية أو العربية إلا ما ندر منها.. وصارت بحكم الميزان الجديد لهذه الدول وجهاً منافساً وعنيداً في أكثر الأحوال، لتغلق أكثر من واجهة مضادة وتبني جسوراً مع مختلف الأحداث العربية أو العالمية..
وتبقى الصحافة المصرية تراوح في مكانها ضمن التصورات القديمة باعتقاد أن تأثيرها لازال يحتل الإذاعات العربية، أو هي المصدر الأول للوكالات العربية والأجنبية.. صحيح أن التحليل السياسي والاقتصادي الذي كان يحتل الصدارة في عهد عبد الناصر، وخاصة مقالات هيكل الأسبوعية في الأهرام انتهت في عهد الرئيس السادات لتكون الصحافة صوتاً أحادياً ولتستقطب القفزات الحديثة من الانفتاح إلى وثيقة المبايعة غير الشرعية مع إسرائيل.
وإذا كانت الصحافة المصرية فقدت أبجدياتها الأخلاقية أو توازنها بحكم الإجماع العربي على الإدانة التامة للمبادرة ثم الوقوع في حزام إسرائيل، والوصول بقرار مقاطعتها كصوت سيء السمعة..
فإنني قد لا أجد أن المقاطعة ومنع الصحافة المصرية من دخول أي قطر عربي ذات أهمية تستدعي المقاطعة لذاتها. إذ أن المواطن العربي صارت لديه مناعة كاملة من أي تعليل وتعليق مباشر أو غير مباشر بها، ولأنها منذ زمن بعيد تحتفل بموتها أو انحسارها..
ثم إن القناعات بقوة تأثيرها تخطاه الوعي العربي منذ زمن المرحوم (فكري أباظة) في مقاله (الحالة ج) إلى مسلسل الهزائم النفسية والخلفية..
لكن المقاطعة أصبحت تتصل بواقع أخطر، وهو دخولها في حلقة التوجيه الصهيوني، وهو الذي يتقن أخطر الوسائل، ويستطيع بالتجربة التاريخية ونفوذه العالمي أن يحول الإعلام المصري إلي ذبذبة سريعة الانتشار في كل الأسماع العربية وخاصة من لديها القابليات في القبول بالمسيرة التي يقودها السادات..
وإذا كان أحكام المقاطعة يأتي كدفع خطر قادم يمرر من خلال قطر عربي، فإننا يجب أن نفحص كل الوسائل المقابلة سواء التأليف الجديد، أو المسلسلات التلفزيونية أو السينمائية، لأنها أقرب الوسائل إلى الإنتاج المشترك التي يمكن أن تأخذ عواصم أجنبية أخرى، وتأتي إلينا بثياب أو عمائم عربية متدروشة..
وخطر أخطر ربما يسهم بنفس الأزمة.. إذ أن هناك صحافة عربية أو تتظاهر بأنها حيادية في هذه الظروف اشتهرت بملفاتها عن الأزمات العربية وقد انكشفت أكثر من مرة بأن لها وجوهاً وطبعات متعددة..
هذه الصحافة يجب إعلان أسمائها وإدخالها دائرة المقاطعة العربية عموماً، سيما وأنها درجت على ترجمة التهويل بغزو الخليج، أو افتعال حركات مضادة لأي حكم عربي يقاطع السادات.. حتى أنها رسمت خطاً غريباً وعجيباً..
فبينما تحاول أخذ الصفات الروحية النقية أو التيار الإسلامي، نجدها من جانب آخر تتحرك على الجبهات الأخرى بوجه مغاير أكثر مباركة لمبادرات السادات وهذه الصحافة هي القابلة للبيع والشراء وتمرير الغزو الصحفي الأجنبي..
لقد ظل (كوهين) فترة طويلة صديقاً عربياً، وأخيراً ينكشف في وقت العداء المطلق لإسرائيل بأنه أخطر عميل إسرائيلي.. وإذا كانت المؤسسات الصهيونية قادرة هذه المرة على استخدام العقل العربي بالعمالة فإننا يجب أن لا تأخذنا العفوية والثقة المطلقة بأحد، ولكن أيضاً لا تجعلنا نشك بكل الفئات العربية، وإنما يجب أن تكون عقولنا وأسماعنا أجهزة سمع والتقاط وتدقيق بكل الهويات حتى لا نصفع على الخد مرتين..

وقت مستقطع

الخدمات العامة عندما صارت واحدة من المشاكل اليومية للمواطن.. بل أصبحت حالة مواجهة صعبة مع وقته وظروفه.
البلدية على الرغم من جهودها الطيبة ومحاولة كسر الروتين وتسهيل الأمور بأقصى حدود إمكانياتها في مدينة كالرياض. إلا أنها تبقى في مواجهة متباينة مع نمو الخدمات وصعوبة إيجاد الموظفين الذين يستطيعون الوفاء بهذه الالتزامات، إلا أن الواقع لا ينفي أن هناك نواقص كثيرة قد نجدها مستقبلاً استطاعت أن تتجاوزها..
وبالرغم من أن البلدية تخدم قطاعات متعددة، فإنني لا أدري كيف الحال بالنسبة للهاتف، أو مصلحة المياه والكهرباء..
المشكلة أن هذه المرافق تختلف كلياً عن البلدية بأنها محصورة النشاط بنموذج واحد فقط، ولكن الأصعب هو أنك لابد أن تباشر التعقيب بنفسك وتستعين بكل الوسطاء.
من الأشياء المضحكة والتي لا تنسى أن الهاتف كان تابعاً لوزارة المواصلات.. وقتها كان الأستاذ فيصل الشهيل وكيلاً بنفس الوزارة ورئيساً لنادي الهلال، ونظراً لانتقال النادي لمقر جديد، فإن الأستاذ فيصل هو المعني بالتوسط بنقل (التلفون) للنادي.. وقد عجز الأستاذ فيصل فعلاً بكل الوسائل نقل الهاتف..
لكن المفاجأة أن يتبرع مشجع ومن درجة الناس العاديين جداً وأعني أنه لم يكن بحجم مسئولية الأستاذ الشهيل، أن يعمل ما لا يعمله، ويستطيع أن يبعث الحرارة لهاتف النادي وبدون أي إرهاق..
هذه الحادثة تجرني إلى أن المشكلة تظل قائمة طالما أن أي مواطن لا تنحل مشكلته إلا بمباشرة التعقيب على هذه الدوائر..
فالموظف لابد أن يقطع جزءاً من وقت عمله، وبمختلف الحيل ليصل إلى إنهاء مشاكله الشخصية.. إذ أن الوقت بين عمله وعمل هذه المرافق واحد والإجازة الأسبوعية واحدة..
ما أستطيع أن أقوله هو لماذا لا يحتسب يوم من العطلة لهذه الدوائر وليكن الخميس لطلبات الناس، ويوضع ترتيب لمكافأة الموظفين العاملين بهذه المرافق عن هذه الأيام.
ولو تم هذا يمكن أن نوقف مشكلة التسيب بالعمل الوظيفي ونعطي وقتاً أوسع للمواطنين بحل مشاكلهم.. فأربعة أيام في الشهر ربما تساعد على تطوير خدمات هذه المرافق، وربما بالتجربة نكتسب شيئاً جديداً فهل لنا أن نفعل مثل هذه التجربة..

لمعين بسيسو:
يا أبا الطيب قم صح النواطير
قم صح القياثر..
صار درع الفارس المقتول
بيتاً للعناكب..
آه يا سيف المحارب.


التاريخ/ 20-6- 1399هـ

مقالات مشابههة

التقابل.. والتضاد!!

التقابل.. والتضاد!!

في عدد الأحد الماضي من جريدة الرياض رقم 5412 في 27/6/1403 كتب معالي الدكتور "عبد الله التركي" مدير جامعة الإمام محمد بن سعود مقالا عن فن التعامل مع الظروف...

شارك برأيك

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *