لست أدرى لماذا تكون أمريكا أكثر دول العالم في نضح مشاكل رؤسائها! ولعل أجمل التعابير والتحليلات هو ذلك الوصف الذي قاله «ميشال جوبير» حين زار أمريكا كوزير خارجية لفرنسا في عهد «بومبيدو» فقد قال حين سئل عن رأيه في السياسة الأمريكية.. «أنني لم أعرف من يحكم أمريكا.. هل هو البيت الأبيض أم الاستخبارات.. أم «الكارتلات» المالية الضخمة التي تدير كل هذه التركيبة العجيبة والمتناقضة»؟ ولعل الملاحظ في السياسة الأمريكية في العصر الحديث هو اعتمادها على التقييم الفوري للأحداث.. فالوسيلة التي تركن إليها ليست قراءة التاريخ من خلال الحدث الاجتماعي والسياسي ومن مسلسل الأزمات التي تستبطن وضع أي إقليم بعينه، وهي تستغل حركتها من المحيط الصغير الذي يديره تركيبة المصالح الداخلية للأشخاص والشركات وتتنفس من رئة التاجر السياسي في الداخل والخارج.
وميشال جوبير حين يصف هذا الوضع لا ينطق من منطق المتحامل على الزعامة الأوربية بين فرنسا وأمريكا وإنما من زاوية أن لا تقع أوربا في فخ النزعات غير العاملة مع أمريكا خاصة في مناطق التسخين الدائم في أوروبا الشرقية أو ألمانيا.
والمواطن الأمريكي العادي قد لا تهمه الأمور الخارجية بتاتا طالما أنه يحيا في قارة توفر له كل أسباب العمل والراحة. فهو مهموم بتصاعد الضرائب أو نقص الوقود.. وقد لا يرى شيئاً يستحق الاهتمام إلا تخصصه الوظيفي وعطلة نهاية الأسبوع، وهذا ما جعل المجال مفتوحاً لأي تقليعة جديدة. فشعب يتظاهر ضد الحرب الفيتنامية ومآسيها وهي التي لامست الحس النائم لدى المواطن العادي لكن بنفس الوقت تطلع مذابح الهيبز التي ذهبت ضحيتها الممثلة «شارون تيت» وجرت معها آلاف الشباب الباحث عن الهروب من عالم الواقع في «المارجوانا وحبوب الهلوسة»
وإذا ما رجعنا إلى مشكلة الرئيس في امريكا فإننا نجد ان الدوائر المغلقة الأسرار الخفية هي التي استطاعت طمس مقتل كندي بعد أزمة خليج الخنازير.
ثم يأتي خلفه «جونسون» ليقع في مستنقع حرب فيتنام والذي لم يصغ إلى رأي الرئيس ديجول حين قال: أنها مقبرة الفرنسيين في «ديان بيان فو» وكان من صلف الرئيس جونسون أن الفارق في الوقت والقوة يجعل ديجول مريضاً باستعراض التاريخ وهو ما كان حصاده خروج أمريكا من الحرب بتجربة العالم الثالث بأن القوة أمام التصميم والحروب الطويلة غير التقليدية أخضعت أكبر قوة في العالم إلى التراجع لدرجة أن الكونجرس هو الذي سحب صلاحية نقل قوات أمريكية إلى أي بقعة في العالم إلا بالموافقة الجماعية منه.
وعلى أصداء تلك الفواجع يأتي نيكسون ليعيد ترميم الجسور بينه وبين العالم وينزع ذلك القناع عن الوجه القبيح ويعيد صورة أمريكا صاحبة المواثيق الإنسانية والعظيمة ولكنه يقع في فضيحة «ووترجيت» ليعيد إخراج الوجه الأكثر قبحاً في البيت الأبيض:
وأخيراً يأتي كارتر كداعية لحقوق الإنسان من منطلق ديني متسامح ومن بنيه جديدة في الرؤية للتآخي وحماية حقوق الشعوب المضطهدة، وبمظهر الضمير الحي الذي استيقظ على المجاعات التي تهدد أقطاراً من آسيا وأفريقيا وذهبت التفسيرات والتطلعات إلى أنه ربما يكون رجل القرن ونصير الحقوق الانسانية.. غير أنه بعد أن تسلم وتمرس في السياسة صار أكثر الرؤساء تلاعباً وتناقضاً في الكلمات في الحقوق الفلسطينية بل أعاد ذكرى المرحوم «دلس» في سياسة حافة الهاوية ولكن هذه المرة ليس مع الاتحاد السوفيتي ولكن مع الدول الأصغر حجماً والذي يمكن تعميم الحرب النفسية عليها بقصد التجويع أو الاستنزاف لمواردها.
فقد افتعل أزمة الدولار، وصعد الهجوم على الدول المنتجة للبترول، وطالت عصاه حتى اليابان وألمانيا الغربية، بغية الحصول على سوق مشتركة في الصادرات الخارجية، ثم افتعال أزمة الوقود وربطها بالقوى المتوحشة، والمنتجة التي تريد تدمير الحضارة الإنسانية.
وحتى الأسهم الجديدة التي رفعت سمعته من خلال معاهدة «السادات بيجن» لم تغط مشكلة الروائح التي بدأت تفوح بعد مشكلة الأموال التي قيل إنه استثمرها وأخوه في تجارة «الفستق» وحصوله على أموال غير مشروعة في حملته الانتخابية..
إن ما يجبرنا على التطلع إلى هذه الأحداث يجرنا إلى القول إن القوة الحاكمة في أوربا وأمريكا هي ليست الظواهر المشاهدة، بدليل أن المسرح مليء بالممثلين، ولكن المخرج هو الشخصية الذي يلعب دور الباحث عن بطل يلائم النص المكتوب..
ولعل «ميشال جوبير» هو واحد من المدركين لهذه الأدوار وقد اختار أن يكون مشاهداً، وناقداً، وهذا ما جعل الفرنسيين أكثر الناس اعتدالاً في مصالح فرنسا..
لكن الدور الذي تلعبه أمريكا في الوطن العربي قد يكون دوراً لا نستطيع تجاهله، ولا وزنه، وهذا الإدراك يجب ألا يوقعنا في متابعة ما ستفاجئنا به أمريكا من تحريك ألسنة النار حولنا أو افتعال مواقف وحركات قابلة لتطويقنا وفرض قيود، ومواقف لا تنطبق مع مبادئنا، وأخلاقنا، ولكن لا يجب أن نجعل مصادر هذه الحرب تشل إرادتنا ولا ترينا استقراء كل الأشياء من حولنا.
فهي وروسيا لا ينطلقان من مبدأ العقيدة المتناقضة، ولكن من دور القوة الرادعة والفارضة إرادتها بأي أسلوب.
فالعقائد شعار من التضليل الحديث، بدليل أن الصين صاحبة الأيدلوجية المستقلة – كما تزعم – قبل مصالحتها مع أمريكا كانت نصيراً دائماً للعالم الثالث ولكنها بعد أن تنفست من خلال الأبواب، المفتوحة بينها وبين أمريكا، تصرفت بأسلوب الدولة العظمي وتناست مبدأ الأيدولوجيات.
فقد غزت «فيتنام» وغازلت إسرائيل، وهي تحاول أن تدعم مبادرة السادات.. ونست الحلفاء، والأصدقاء ومعهما المبادئ.. وهذه هي النظرة التي يجب أن لا تعمينا عن الأفق السياسي العالمي وبالأخص، أمريكا، ولعلها قادرة على صنع أزمة بين العرب وإيران، أو إشعال الفراغات الكثيرة في الجدار العربي..
والمطلوب هو كشف حساب مع أنفسنا ومع من حولنا والتعامل بوضوح مع كل الفئات وعلى ضوء عقائدنا ومصالحنا.. فالعصر عصر الأقوياء ولا محل للمصابين بداء النسيان، واللامبالاة!
دور المواطن سلبياً!
واحد يطوف وطفلاه الصغيران بشوارع الرياض ليلاً ليستفيد من مكيف السيارة بعد انقطاع التيار في شقته. وليكون نومهما هنيئاً بدون صراخ، أو إزعاج..
وآخر ينام في مكتبه بأحد الوزارات هرباً من بيته المقطوع الكهرباء أيضاً.. وهذا لا يجعلنا نبحث عن مواصلة الهجوم على أي مسئول، ولكن لا نعفيه أيضاً من المسئولية، ولكن كيف نحدد مسئولية من يسكن بيتاً بعشر غرف نوم ولعائلة صغيرة ليستهلك هذا البيت ما يصرفه ثلاثة بيوت عادية.. ونجد عمارة جديدة مقفلة بانتظار المستأجر الكبير الذي يدفع المطلوب من قبل المالك، وعلى سبيل الدعاية تظل هذه العمارة مضاءة طوال الليالي!!
بالمقابل كيف نجد أن طالباً يملك سيارة «بتلفون» وثلاثة أخوة بمدرسة واحدة يذهبون بثلاث سيارات.. وأطفال من المدارس الممتازة لا يعرفون طريقة استعمال اليد في الأكل!!
وعلى النقيض، موظف أمضي أكثر من نصف عمره، في الوظيفة، أو موظف كبير يكون العاملون المتعاقدون عنده أكثر من راتبه وخبرته وشهادته.
الأول يعيش عائلة مركبة، وضائع بين أصحاب الدخول المحدودة، فهو لا يملك أرضاً يقيم عليها بيتاً لأنه تعدى المرتبة الثامنة أو التاسعة ويريد أن يقاوم ضغوط أولاده ومتطلباتهم.. والثاني لا يدري ما قيمة شهادته وهو يرأس موظفين يفوقونه راتباً ومرتبة.
ولكن ما علاقة الكهرباء بالاثنين!؟ إنهما شريحة اجتماعية متواجدة بيننا وإذا كان الأول قد أمضى حياته في الوظيفة، وعلى أبواب التقاعد فإن الثاني لا ألتمس له أي عذر بأن يتخاذل عن أداء عمله بحجة فوارق الرواتب. فجملة السنوات التي أمضاها في الخارج طالباً كان يتمتع بأكثر من ميزة موظف في الراتب وقلة المسئوليات.. وهذا لا يجعلنا لا نطالب بتوفير الأسباب التي يتمتع بها غيره. ولكن إلى متى نرى المواطن وكأنه شركة استثمار، وما هو الوقت الذي يجب أن يؤدي دوره كمواطن بدون منة على وطنه!
وإذا كان صاحب الخدمة، هو صاحب الاختناق بالحر، والطواف بشوارع الرياض، بانتظار عودة الكهرباء، فإن الثاني ينظر إلى هذه المواقف، بأنها ترتبط بتصرفات مواطن لم يعايش الحضارات الأوروبية والأمريكية، ولم يتمتع بالحس الخاص بهذا المرفق الهام.
ما أقدر أن أقوله أن التمتع بقدر واع لتحمل مسئولياتنا، كمواطنين في الرحلة الطويلة بين البقاء كرجال، أو لنذهب إلى قول ذلك المثقف العربي أن أي مواطن في المملكة باستطاعته الحصول على مليون ريال بأي وقت يشاء، وبدون معرفة أن المليون لأكثر الواعين هو حلم وخيال.
إلى (شاه وي):
صديقتي مات المساء في ردائي، وقتلت في عيني تلة الرؤية، لقد حذفت من عمري ثلثه.
قال عني أنني دموع «كيوبيد» وعصفور الدوري، أو كرشفة هنيئة من كأس «القبلة الأخيرة» كان يعلق المصابيح في دروب ظلمتي..
لقد حول الحيطان والأسقف والطرق مرايا تعكس عناقنا الدافئ مع الحياة.. قال مرة أنك تسكنين أودية مغلقة في إحساسي..
ورديت أنك كطائر «الرخ» تجدد زماني ووجودي. وعشنا كغصن مريع يعلق زهرتين من «اللوتس» ركضنا وحلمنا، ولكننا نتعامل خارج محيطنا الحقيقي.. جعلني أبكي وأنام وأركض على شفرات مسنونة، جرحت قدماي، وتقرحت عيني، لقد انفتق جرحه الحقيقي الذي يخفيه.. صام عشرة أيام.. ثم ودعني باكياً.
«جوانا»
عزيزتي:
قيل أن التكيف مع الطبيعة أمر محتوم.. فنبات الظل تصرعه حرارة الشمس.. ونبات الشمس يذوي إذا لم يكتسب تلك الحرارة والأشعة الضرورية لبقائه:
وأنا وأنت كقبلتين باردة، وحارة، فأنت من ذلك المرتفع البارد تحاولين سقف قارتك، وغسل حيطانها بدموعك وزرعها بأهداب كل العذارى، وأنا أطل من الطرف الجنوبي لآسيا.. تعلمنا الحكمة من «كونفوشيوس»
فالحب ليس البئر المعلق بقاعها أرواح الملائكة والشياطين وليست مياه النهر المقدس هي التي تطهر الجسد والروح..
عرفته بعين مجردة.. كان فناناً يراقص الألوان والأضواء ويظلل أفقنا ببعد أبيض متفائل.
صورني جالسة تحت خيمة من الضياء، جمع من شعره ودفاتر ذكرياته وزهرة من حديقتنا، ومن حناء جدتي، ومزجها في مختبره النفسي ليلقي إلىّ خطوطاً متداخلة كعرش ملكة النحل، ويضعني محارة داخل ذلك الكرسي الكبير، وليلصق على جبهتي قرص «أسبرين» تصوري أدخل كيمياء جديدة في علاقات المتشابكات الطبيعية!! ولما سألته عن معنى ذلك القرص.
رد بلغة حكيمنا..
- إنه مقدمة لدرء الصداع النصفي في منتصف خطواتنا؟
وبدون يأس لازلت أعلق تلك الصورة في إطار من الزهور رغم أنه ذوي في طريق لم تصل إليه خطاي!!؟
«شاه وي»
إمبراطورية على جماجم الأطفال!!
«يوساكا» أو الإمبراطور الدموي قتل مائة وعشرين طفلاً وعامل خصمه كما يعامل الحيوانات حينما كان متوحشاً يطاردها في غابات إفريقيا الوسطى.. فقد سلخ جلده عن لحمه..
هذا المجنون توج على عرش من الأحجار الكريمة، مقلداً الإمبراطور الفرنسي الشهير «نابليون»..
وحين يضج العالم من تصرفات هذا المتوحش لا يرفع رأسه ويطل بعينيه كيف يتصرف سفاح مثل بيجن في أطفال جنوب لبنان.. ولا كيف يقتل السود – في جنوب أفريقيا.
بوکاسا دخل مرة لإحدى الصحف الباريسية وأعجبه جهاز استقبال الأخبار المسمى «تكرز» وطلب واحداً منه يوضع في غرفة نومه.. ولما قيل أنه أن يبعث صوتاً مزعجاً. قال إن هذا لا يهم طالما أنه يطلع على الأخبار العالمية أولاً بأول..
مشاهدة طفل مفزوع محكوم بالإعدام قد يصيب الإنسان بتصلب الشرايين، أو الشلل النصفي..
وإذا كان الطب الحديث ألزم المتزوجين من تحليل نوع الفصيلة حتى لا تحدث كارثة للمواليد فإن زعيماً أو حاكماً كهذا لابد من عرضه على أطباء المصحات العقلية وبتدخل من لجان الدفاع عن حقوق الإنسان حتى لا يقع ضحايا آخرون.
وفي كل زمن يوجد «هولاكو» «ونيرون» الإنسانية فإنها كالذئبة التي تأكل مواليدها!
التاريخ / 18 – 7 – 1399هـ
0 تعليق