إذا كان شرفاً عربياً عظيماً أن يخرج الممثل العالمي (عمر الشريف) في أجمل بدل باريس، يحمل سيجارة كدعاية لتلك الشركة، وبجانبه «حسناء» تحمل نفس البطاقة الدعائية والسيجارة.
وإذا كان اللاعب العالمي «بيليه» رفض كل المغريات في أن يخرج بنفس الدعاية انطلاقاً من مبدأ أن الرياضة كخلق ترفض مبدأ هدم الصحة الإنسانية..
فإننا لا نريد النظر إلى هذين المثلين بعباءة «الشيخ» الناصح، أو المفوض عن العالم والناس في نبذ هذا السلوك.. ولكن لنأخذ هذه المماثلة، في مجال موضوع النشاط الفكري العربي.
فلو وجد كاتب «معمم» من اليمن مع كاتب أو كتاب من المغرب والجزائر هل المحور الفكري بينهما سيتغلب على مشكلة وحدة شطري اليمن، أو تذيب الجليد عن مشكلة الصحراء بين القطرين الشقيقين؟!
قطعاً يجب التفريق بين السياسة كقوة عسكر، ونظم ومحاكم وشرطة إلخ.. ولكن ما يخضع هذه النسب، أو القرارات هو أن المفكر العربي يظل حبيس هذا الواقع ولا يتجاوزه إلا في الحدود الدنيا، إذ الارتباط الإقليمي ونوازعه ومجمل حقائقه وأفعاله هي هذه الواقعة المحلية في حيز التفكير المظلم للجمجمة العربية.
شيء آخر ومهم هو أن قراراً من وزيري الثقافة أو الإعلام أو ما يحيط بهذين المرفقين يستطيعان أن يلغي الجمارك أو مراكز الرقابة عن الكتاب أو المجلة، وكأنها الرصاصة التي تخترق أي جمجمة بريئة. أي أن صناعة القرار الثقافي هو من جملة المقررات التي لم تحمها الجامعة العربية، ولا كل مؤسساتها الثقافية.
وإذا كانت المثالية عند «الممثل» هي نسبية كما هو الحال عند عمر الشريف.. فإنها عند المثقف عملية مجابهة تحمل كل الأسلحة والمخاطر لذلك ترفض كل شركات التأمين قبول أي أديب أو كاتب عربي التأمين على حياته حتى في أقصى حدود التسامح والعقلانية.
ولعل الواقع أكبر من ذلك ، حين نرى أن كراسي المندوبين العرب في الأمم المتحدة مجرد حاملين إضبارات القرارات بالإدانة لإسرائيل وغيرها، بأنها كراسي غير مريحة، بدليل أن القوة التي استطعنا أن نزيح بها إسرائيل من منظمة «اليونسكو» عاماً واحداً اختلفت في العام الذي يليه، لأن حساباتنا مع العلم والثقافة ومع كل تلك المؤسسات تعيش بعقل وحجم الواقع «البيروقراطي» العربي.
ولأننا في حالة «شعر» دائم، ونحلم بتلك العذراء التي تبصق على البحر، وتحيله عسلاً، بينما نغتال كل زهرة في الشارع ولا نفهم أننا نعرف أن «التلفون» والراديو، وأبواق السيارات جزء من الاستعمالات الحضارية التي تفرض علينا قانون التعامل بعقل..
فإننا نقول بضرورة واحدة، هو أن الفقهاء والأئمة ألفوا في العصر العربي الإسلامي المشرق بدون عقدة خوف من سلوك تربوي شائن «تلبيس إبليس» وأخبار النساء، والمستطرف في كل فن مستظرف.. الخ..
ويجلسون أمام الملاحدة وشعراء المجون، دونما أي مجافاة للحوار أو الجدل، فإن ذلك العصر لم يحسب على تلك الحالات الشاذة من الحضارة الإسلامية.. بل قيل أن الحضارة هي إنجاب كل تلك المتناقضات.
هنا يتحدد من منظور أكبر أننا بحاجة ماسة للاستنفار مع الحاضر.. فمثلما الطالب، والموظف والعامل بحاجة تامة إلى الثقافة، فإن المؤذن والإمام وقارئ القرآن، والمتحدث هم بنفس الموقف والشروط يحتاجون إلى الخروج إلى الناس بأكثر الأشياء اهتماماً بالعقل وبالتوجه نحو المجتمع بكل صوره المتناقضة، وقبوله بسلبياته وإيجابياته إذا كنا نريد تحضيره إلى استعدادات كبيرة للدفاع عن كل ما يحيط بنا من تلوث، فإن أبسط الأمور، هو مواصلة كسر الحواجز الوهمية بين كل الثقافات العربية أو المحلية..
وشيء آخر
لا أدري لماذا طرف المعادلة بين كتابنا هو البحث عن هوية أو الشعور بأننا نوع لا نتطور أو نقف على مسرح الشهرة، إلا بالبحث عن اسم عربي، أو أجنبي في كل ما نكتب هذا مع أنني من جانب رفض ما يدعي بالحواجز الثقافية، ولكن ليس بالصورة التي تسحق شخصية الكاتب أو الكاتبة، أو ربما المحاكاة بالحركة والصوت عند الممثل..
من بين كتابنا من لا يزال يعيش مرحلة نزار قباني أو السياب في الشعر.. وكذلك كتاباتنا من تريد أن تنسحق وراء (غادة السمان) أو (كوليت خوري).
الرفض هنا ليس المحاورة، أو الاستفادة من أسبقية الوعي بين تيار واع، وتيار نام وفي أول طرقات.. ولكن هذا الغياب لشخصيتنا هو مدار بحث كل مثقف عربي يريد أن يقرأ لنا أي شيء، وهذا ما جعل تمثيلنا ثقافياً لا يزال في مراحله الصغيرة جداً.. وقد قلت في مقال سابق، أن هموم أكثر كتابنا هو الانغلاق على ذواتهم، ومحاولة التعبير من خلالها عن مأساة إنسانية متطورة، وهذا الانحباس وراء ذواتهم هو عدم الجرأة في الدخول إلى ذاكرة المجتمع المحيط بهم، ولا وعيه لاستقطاب تجاربه ودفعها بروح الفنان أو الكاتب.
ولست أريد تعيين أسماء، أو ربط أحداث ما بمجمل إنتاجاتنا الحاضرة، وهذا الأمر يقبل أن لا يدخل في العموميات، أو أن نكون كلنا نقاد لموضوع لا زال في المجال الثقافي المعدوم أصلاً..
ولكن لأننا نريد أن نعمل على خلق هذا التيار، لابد من إعادة النظر في المكونات الأصلية لثقافتنا، ومدى دفعها وربطها في المساهمات الثقافية العربية، ولكن بعقلنا وجدنا، ومجمل معايشاتنا للحياة..
عن العمال العرب والأجانب
عن العمالة العربية والأجنبية كثرت المناقشات والمحاضرات، وعن الدور الذي تلعبه هذه القوى البشرية في دول الخليج العربي، أو الدول البترولية.
وقد كانت البيانات الإحصائية تعطي العمال العرب من اليمن وجمهورية مصر العربية أكبر القوى العاملة في هذه المناطق، وأن الدخل السنوي لهذه الطاقات البشرية يتعدى الأربعة مليارات دولار سنوياً، وأنها في هذه الحالة وهذا النمو المتعاظم جزء من التنمية العربية عموماً.
لكن تياراً آخر يقول، أن هذه القوى المدربة، وحتى شبه المدربة سببت إرباكاً لمشاريع للدول المصدرة لهؤلاء العمال.. وعللوا الأسباب بمختلف الأفكار والأرقام. لكن تظل قوة الجذب بهذه المناطق عامرة وقوية..
بنفس الوقت تثار مشكلة العمالة الأجنبية، وعلى الخصوص الآسيويون من باكستان، وكوريا، وأوروبا وأمريكا.. وأن هؤلاء العمال يدخلون مع شركات مستثمرة لأكثر المشاريع المطروحة في هذه السوق.
وأنه لو أتيح للشركات العربية أو شركات مختلطة محلية وعربية، أن تعطي نفس الفرص، فإنها تستطيع أن تقوم بنفس الدور الذي تقوم به تلك الشركات أو العمالة الأجنبية.
وبنظري أن تحقيق هدف اقتصادي عربي واحد، هي أمر لا يقبل الجدل أو الشك، ولكن أن يكون هناك شركات قادرة تقنياً أن تدير مشاريع كبيرة ومعقدة، وترتبط تقنياً واقتصادياً بتلك الشركات أمر غير حاصل قبوله في الوقت الحاضر.
وبصرف النظر عن ما ستتركه هذه الشركات وعمالها من آثار سلبية أو إيجابية، فإنها ضرورة لابد منها في تنفيذ مشاريع كبيرة، وأعني بها صناعية ضخمة كالصناعات التحويلية أو الثقيلة..
وإذا كان هناك فائض كبير من العمال العرب في أوروبا وخاصة العمال المغاربة والجزائريون، فإن التنسيق عربياً لم يحصل في تأسيس سياسة عمالية عربية، بحيث تكون جزءاً من الخطة الاقتصادية العربية ورفع مستوى هذه العمالة إلى المستوى الأجنبي.
بمعنى آخر أنه مهما كانت الإقليمية واقع حاضر إلا أنها للأسف تحمل كل شروطها في الأقطار العربية كلها، وهذا موضوع دائماً يحمل المحاذير في توظيف هذه الطاقات إلى مواقف أقطارها سياسياً.. ويبقى الخطر من نمو هذه التفاعلات السياسية وحملها بذور الخلافات العربية ذاتها، وهي المآسي التي تصل إلى جميع المستويات العربية مهما اختلفت نظمها أو ثقافاتها..
وشيء من الماضي!!
كلما تذكرت تاريخاً مضى لحياتنا الاجتماعية، كلما كبرت تلك الأيام في نظري على اعتبار أنها مسلسل يقبل المراجعة والاستفادة منه..
كان الوقود «جلة» وتهوية المجالس «بالباقدير».. وكانت المساجد، والكتاتيب هي مراكز التعليم، ومن لا يحسن الخط وقراءة القرآن الكريم يقف ووجهه إلى الحائط رافعاً يديه إلى أن يأذن له «المطوع» بالسماح بالجلوس إلى زملائه على «عدل» أو (ساحة).
وحتى عندما تفوح رائحة (رز العنبر) بإحدى قرى سدير تدعو رائحته «البس من بريده» على حد قول أحد الساخرين..
الشيخ في التسعين يروى أنه في إحدى سنوات الربيع كانوا «يتطاوشون بالزبيدي» وأنه «كبر روس البل».
كانت خامات البيئة هي أدوات البناء والشرب والأكل أي أن الاكتفاء الذاتي تحدى كل الأمراض والأوبئة، والحروب.. ومع هذا فإننا نسلخ تلك الفترة من تاريخنا وكأنها عاشت في عهد «ماجلان» أو مكتشف أستراليا..
إنني أخشى يوماً أن لا نجد من استعمالاتنا، ولا ظروف معاشنا ما يدخل حتى متاحفنا الشعبية كرؤية تاريخية للمرحلة الماضية.. بدليل أنه لم يصدر أي كتاب، أو حتى رسم معبر عن تلك الرحلة الشاقة.
وأن جيلاً قادماً لن يفرق بين (النقع) والبطاس وهي المشكلة التي لا أدري من المسئول عنها؟
للشاعر كامل الشناوي
حبيبها لست وحدك
حبيبها أنا قبلك
وربما جئت بعدك
وربما كنت قبلك
فلم أزل ألقاها
وتستبيح خداعـي
برجفة في اللقاءِ
بلهفة في الـوداعِ
برعشة هي نبض
نبض بغير عـروق
بدمعة ليس فيها
كالدمع إلا البريق
فعانقتني وألقت
برأسها فوق كتفـي
تباعدت وتدانت
كأصبعين بكفي
- * *
حبيبها وروت لي
ما كان منك ومنهـم
فهم كثيرٌ ولكن
لا شيء نعرف عنهـم - * *
فيحضر الحب قلبي
بالنار بالسكيــن
وهاتفُ يهتف بي
حذار يا مسكيـن
فسرت وحدي شريداً
محطم الخطواتِ
كهارب ليس يدري
من أين أو أين يمضي
شك ضباب حطام
بعضي يمزق بعضي
التاريخ / 17 – 8 – 1399 هـ
0 تعليق