مجموعة من الفراشين يستأجرون عاملاً ليقوم بدور التنظيف صباحاً في إحدى المؤسسات التي يعملون بها..
صديق قال بهذه المناسبة لا تستغرب أن يأتي الشحاذون في رمضان على سيارات (كابرس).
الخلاف ليس أن يكون أولئك الفراشون دخلوا مرحلة الترف الذاتي، بحيث تكون مهنة (فراش) ترقي على السلم والوظيفة والمهنة – وإن كان رأيي أصلاً أن هذه الوظيفة زائدة وتركيبها الاجتماعي خاطئ أساساً، بصرف النظر عن الاعتبارات الأولى التي روعي فيها توظيف هذه الأعداد.
أقول إن الطريقة التي بدأت بها هذه الجموع تنفرد بخصوصية جديدة هو ما يستدعي دراسة اجتماعية صادقة فالإسراف في رفض الواجب الوطني والبحث عن بديل يقدم لنا الماء، وينظف لنا الهواء.. وحتى يفكر عنا، هو في غاية الخطورة لا من حيث هذا الجيل، ولكن من توارث أجيال قادمة قد لا تصادف هذا الرخاء الكبير..
فإذا قيل أننا جيوب كبيرة وضخمة تستورد من يعمل وينفذ ويستعمل كل أدواتنا الداخلية، يقابلها مضمون صغير جداً في تعريف الواقع، والانتماء للحياة.. فيه شيء من الصحة والخطورة معا..
شبابنا بفعل إرادي أو تقليدي يستغل كل مكتنزاته ومدخراته ليذهب الى أي بلد خارجي – وهذا الموضوع استهلك في الأحاديث، والمقالات ولكنه يظل واحداً من الأشياء الملازمة لنا للانتقال إلى طبيعة خارجية بكل مركباتها الصالحة أو الخارجة عن حدود ما نجده راسخاً في تقاليدنا وعاداتنا..
الشباب يندفعون وراء اكتشاف شيء جديد، وإن كان بأسلوب خاطئ، لأن التصحيح لا يأتي بتلازم (لا تفعل وعيب) إلخ.. وهم يجدون من يرسخ مفهوم مغاير.. ولكن الهاجس المحير هو أن أولئك الشباب يتفاعلون مع حاضرهم لعدم وجود البدائل الداخلية التي تعوضهم عن هذا التشتت والبحث عن هذا البديل يغرى من يحاط (باللاآت، والممنوعات) أن يسعى للمغريات التي تسهلها وفرة النقود، والوقت وشبه الضياع..
فقصة الفراشين قد لا تكون انفصالاً عن واقع، بقدر ما هو محاولة تحقيق رغبة جاهلة هو المحافظة على الصورة التي تعلموها بأن أي مهنة دنيا هي (عيب) ولأنهم يعتقدون أنهم ينقذون سمعتهم من مهنة فراش.. تماماً كما هو يتلى في حلقات بعض السذج ممن لم يطالهم التعليم الذين كانوا يرددون (أن الكفار سخرهم الله لنا ليصنعوا لنا السيارة والطيارة والراديو) إلخ..
ولكن الصورة تنعكس وتبدو مغايرة تماماً حينما نرى أن الحاجة كانت تذيب هذه العوائق الصغيرة. وبوقت غير بعيد..
من تجربتي الشخصية في الوظيفة – كنت أعرف أن عشرات الأشخاص، وبمختلف الأعمار والمؤهلات يمرون يومياً على كل الأجهزة الحكومية وغيرها في البحث عن عمل دونما رسم لنوع العمل الذي سيزاولونه..
ولأن تلك الوظائف ترقى على الوظائف ذات المهن المذمومة فإنه كان الرأي السائد هو أن العمل قيمة اجتماعية ومادية، ولذلك لابد من التضحية ولابد من خلق معجزة البقاء، والانتماء لمجتمع لا بديل فيه لعاجز..
ولأن الوظيفة كانت شحيحة ونادرة، ولأن الأعداد فائضة عن الحاجة، فإن الطاقات كانت جيدة ومعطاءة..
إذن كان الأمر يتعدى حدود التفضيل بين وظيفة وأخرى لأنه كان الكل يعرف أن الوظيفة للمؤهل وللكفاءة التي تشغل هذه الوظيفة..
لا أريد سلسلة الأحداث التي كانت ترافق الحصول على وظيفة، ولكن ما أجده أكثر حساسية هو أنه تميز مجتمعنا بفروق عجيبة ربما صنعتها مجموعة ظروف متعددة، وهذه الظروف قد تتلاحق مع أحداث وتكوينات اجتماعية أخرى تفرزها ذات الظروف نفسها..
• • سيدة سعودية تفقد في مصائف فرنسا حلي بثلاثة ملايين ريال حصل عليها لصوص محترفون!!
• • القطة السعيدة التي تزوجت في (جدة) بمائة ألف ريال، حسب رواية صحيفة عكاظ، والتي تناقلتها وكالات الأنباء العالمية كحدث يضاف إلى الأحداث الكبرى لهذا العام!! أو السقوط تحت لواء الإعلام الرديء..
• • وقبلها أخبار صيفية حارة وشبه خيالية.. قيل إن تاجراً خليجياً أهدى سائقة سيارته (الروز رويس) البالغ قيمتها مائتا ألف ريال.. ومليونير (اليخوت) الذي أقام حفلات كبرى في عرض البحر..
• • وأخيراً موضة شراء الصحف من بعض المليونيرات أيضاً لتسجل حوادثهم الأسبوعية، وعرض إعلانات شركاتهم وصرعاتهم..
وشيء آخر أخذ مساره بين معظم الشخصيات هو الغربة عن اللغة والوطن.. غربة اللغة نجدها في الحديث الدائم بين من يجيدون لغة انجليزية بـ (ياه) و(ييس) وطرح مجموعة اصطلاحات في الاقتصاد، والفن وحتى في الفكر.. وإن كان الأكثر – وبدون مؤاخذة – لا يتفقون إلا بتطبيق تلك النصوص لفظاً فقط دون محتوى مقبول..
وإذا كان الحديث أيضاً كثر حول هذا الموضوع، واعتبر وسيلة تقليل من بعض الشباب، إلا أننا لا نرى ذلك في تعميم كامل.. ولكن الملاحظ أن الكثرة لا زالت في محيط تلك النصوص، أو التعريفات فقط وداخل تلك الصور المعتمة..
وغربة عن الوطن.. وهي الأكثر توتراً وعدمية.. ولعل الشك يطول، ولكنه محصلة – استلاب – وهي تلك القرارات التي لا تظهر التمييز ما بين الحاضر بكل متناقضاته وعفويته.. أي حاضر بلد نام لا يملك مفاتيح التغيير بسرعة الضوء.. وبين ما يطلبه، ولا يدركه أولئك..
الاستلاب هو الظهور بموقف العاجز من الانجازات العلمية أو الحضارية وإسباغ نظرة التواطؤ مع ذلك العالم بدون وعي.. أي إحلال نظرة التفوق، والتصور بأن المعجزة لا تتحقق إلا بالمضمون الذي ينفذه ذلك الجنس أو اللون..
واستلاب من الماضي الذي غرق في الصوفية والشعر. والتطوع النظري في تفسير الكون والعالم والإنسان، أو كما يراه هؤلاء.
ونوع أخر يتراوح بين التزمت والانطواء والمحاربة بأسلحة غير يقينية.. وهو استلاب اعتباطي.. أي أنه يختار ويحدد ويقيم بدون مدلول تاريخي، أو منظور واقعي..
فهو يأخذ التاريخ والعلم، والتطور من خلال ما يقبله تفسيره هو، ومن مجموع المضامين الذي اتخذها كحقائق لا تقبل البديل أو التراجع.. وهذا النوع لا يطور البدائل ولا يأخذ من الأنسجة العظيمة التي أعطتها العقيدة الدينية أو التي يجب أن تعطى للزمن مفهوماً حضارياً قائماً في الزمان والمكان..
وبين هذا وذاك لا يكون هناك قنطرة يعبر فيها (الفراش والمتفرنج) والتائه بين رغبة التقليد، وإيجاد البدائل في الغربة الخارجية..
هذه الأشياء تقرع الباب، وتسد الطريق.. وما ينطوي عليه الزمن لا ينقطع بأسباب وهمية، أو ترسيب مجموع هذه الأحزمة حول بطن واحد، لا يتسع لوجبتين..
والاحتمال هو أن لا توظف تلك الصور المهزوزة لمجموعة المليونيرات بحذاء (سندريلا) أو تكيف على مزاج (الراطن) أو سقوط (الفراش) تحت لواء الأجنحة الطائرة على خشبة الساحر.
الحركة تتطلب الأخذ بالمسافة الزمنية، والتطويع إلى كبرياء غير مغلوطة، أو (ميتافيزيقية)..
ولأن السكون ارتطام بجدار الوهم، أو تطويق الذات بمجموعة متشابكة، من احتقار الماضي، وشبح المستقبل، ولعنة الحاضر.. وهو الأمر الذي يحيط بالمترددين بالوقوع تحت طائلة التراجع، أو الهروب بالوسائل المتعددة.. حتى لا يعيش القهرية الذاتية..
وبين تلك الأدوات مراجعة، وبحث، وعلى الطرف الممتد إلى المستقبل يبقى الحديث عامراً بالاحتمالات وهو ما سيكون عليه قراءة ذلك الامتداد الطويل.
إذاعتنا.. وحساسية السامع..
الإذاعة صوت.. وشخصية ومتابعة للحدث.. وبين تلك الاقانيم تصير هيكلة الإذاعة كوسيلة إصلاحية ذات نفوذ وقوة..
والحديث عن الإذاعة السعودية يبقى في ذات الإطار. ولكن المحتوى يصير أقل من الممكن أو المطلوب..
في برامجها ازدواجية ظاهرة.. والاعتراف بالصورة الحسنة ليس معناه عدم القبول بالنقد، ولأن النقد هو الأداة التي يمكن من خلالها كشف المعائب.
خذوا مثلاً أذان المغرب في رمضان قبل أيام فقط، رفعه الشيخ (بن ماجد) ولكنه في النهاية ظهر أنه أذان الفجر مسجلاً، بدليل (الصلاة خير من النوم)..
وشيء آخر.. كل المقابلات ترسب في حقل شخصيات معروفة.. ومن كثرة تكرارها عرفت حياتهم، وشخصياتهم وواجباتهم اليومية والأسبوعية وحتى عدد سفراتهم الداخلية والخارجية..
والإعلام الناجح هو الذي يطور وسائله كل يوم.. وإلا ما معنى أن أسمع الدكتور الفلاني، أو المسئول العلاني بأكثر من برنامج، أو ندوة.. وهل لا يوجد من يستطيع أن يملأ ذلك الشريط إلا تلك الشخصيات فقط..
في إذاعة الكويت يشدني برامج متعددة ورائعة مثلاً برنامج (نافذة على التاريخ). هذا البرنامج أكد شخصية تلك الإذاعة الشقيقة.. وفي برامج رمضان كانت الشخصيات الكثيرة التي يكشفها معدو البرامج هم أولئك الذين كان لهم مساهماتهم في صناعة تاريخ المواطن الكويتي..
بنفس الدرجة يوجد لدينا عشرات الأشخاص الذين يمتهنون صناعة السيوف، ودكاكين العطارة، وذكرياتهم عن الماضي، وتصورهم للحاضر.. أي أن تلك الشخصيات الشعبية هي التي تجر السامع وتجبره على الحضور نفسياً وعقلياً في تجارب أولئك الآباء..
وأمر آخر.. هو أن من بين المعدين، أو المقدمين من هو لازال في مرحلة الأسئلة الكلاسيكية والمكرورة.. وقليل منهم من يدرك مدى حساسية أذن السامع، أو قبوله.
هذه الأمور أسوقها، لا برغبة أن أحصل على حصتي في هذه البرامج أو غيرها لأنني بقرارة نفسي لا أشعر أنني مؤهل، ولا أريد أن أتعلم الحلاقة في رؤوس اليتامى.. ولكن بدافع أن نجد لنا شخصيتنا الإذاعية المسموعة عالمياً.. وأرجو أن يقع هذا الرأي من المسئولين موقع الصدق وعدم رؤيته بحساسية خاصة..
وقضية المواصلات العامة..
الموضوع الذي ستكون عليه شركة النقل الجماعي، والحكم عليها يعتبر الضرب بالودع.
فالشركة لاتزال في بدايتها، ولكن لابد من وجود حماية لها، والرؤية لها بعين بصيرة وجيدة. لأن مرفقاً كهذا يحتاج إلى مساندة من المواطن أولاً وقبل كل شيء..
ولكن يظل موضوع حمايتها بإدراك من المواطن والدولة معاً.. فعشرات السيارات الزائدة عن الاستعمال اشتهرنا بها..
فالأب في سيارة، والأبناء كل بسيارته.. والمتعاقد دخل دور المنافسة بنفس الأسلوب لأنه لا يمكن أن يدفع ثلث راتبه في سبيل الصرف على سيارات الأجرة.
ولأنه لا يوجد ضرائب تصاعدية، أصبحنا بلداً مصدرة للسيارات، لأن أسعارها قياسية بالنسبة لأي دولة عربية.
ثم أنه أصبحت السيارات، وما تفرزه عوادمها، إضافة إلى قسوة الطبيعة، وكذلك ما تفرزه المكيفات من حرارة كل ذلك أثر بشكل مباشر في طقس المدن الكبرى وتلويثها.
وآخر إن الاستمرار في إعطاء الحرية الكاملة لشركات استيراد السيارات فرض عدم المبالاة عند كثير من الشباب، وأضاع ثروة ضخمة في مقابر السيارات..
ناهيك بأزمة السير والحوادث، والصرف على المرور وغيره.. واستنفاد جهود رجاله.. كل هذا يجبرنا إلى إعادة النظر أصلاً في استيراد السيارات وتقنينها، ووضع الترتيبات السريعة لفرض ضريبة على كل سيارة تزيد عن حاجة المواطن وغيره..
التاريخ/ 15 – 9 – 1399هـ
0 تعليق