التاريخ يقول أن العرب هم الذين اكتشفوا (الصفر) وبعلم الرياضيات اعتبر هذا الاكتشاف واحداً من أخطر التحولات في علم الرياضيات، والفلك، وقياس الكون وغيره..
ولكن الصفر يبقى يشغل حيزاً أو خانة.. أي أنه بذاته لا يعطي أي معادلة أو يقرر معنى في الحركة المادية أو ما فوق المادة.. ولهذا أعطيناه ذاك المثل الشهير (صفر على الشمال)!
في التوجه للإنسان بكليته، نجد أنه مربوط لرغباته الشخصية، وميوله، وكثيراً ما تكون تلك الرغبات منطلقاً لتحديث الطبيعة وإنجاب قوانين ونظم، وإنجازات علمية تفوق التصور.. لكنها تجر معها تلك النزعة (الغائية) في تحوير مسار الإنسان والكون وتملكه بأي أداة سطو غير أخلاقية..
والعربي واحد من الممتلكات الرقمية في سجل العالم الحديث، إذ أنه مخلوق غير متوازن، كما تحاول أن تضفي عليه الدراسات الاجتماعية والنفسية الغربية.. وهذا الإخلال غير الطبيعي ينحدر من عدة عوامل تاريخية وآنية..
• فكما يقال أنه عاطفي، وسريع الغضب والتسامح.
• وأنه مظهري في حياته العامة، وخيالي في قراءته للأشياء..
• شجاع، وكريم، لكنه يحارب بنفس القبيلة، وكرم حاتمها..
• ومن قائل أنه غير عملي، ولا مبتكر، وتسيطر عليه روح المكابرة..
إذا كانت هذه الصفات صحيحة، أو شبه صحيحة، وقائمة كظواهر وسلوك عام، فإنه من الأولى القبول بتحليلها وتصنيف إيجابياتها وسلبياتها وإعطائها المنظور المقبول..
العاطفة لم تكن إخلالاً في النفسية الإنسانية، إلا إذا تعدت حدودها الطبيعية.. ولأن التطابق بين الإنسان ومجمل حالاته النفسية هو الأمر المسير لكل مرتكزات حياته.
وبصرف النظر عن المعنى المباشر للعاطفة، وتحديدها بعاطفة الوالدين والأبناء إلخ.. فإن العاطفة محور حركة في الذات، وكثيراً ما كانت عاطفة الشعوب واحدة من الأمور التي تقلب الموازين وتغير مسار التاريخ..
فالحركات الكبر، وما يسمى منها (عفوية) هي زخم عاطفي ارتبط بمواقف وتحديات أجبرت على خلق حركاتها حتى أن معظم القادة الكبار وجدوا في عواطف شعوبهم وجنودهم طاقات مختزنة قابلة للتفجير والتغيير..
والشعب العربي واحد ممن أخذ بهذه المميزات، أو رسخت مع تكوينه، وإذا كانت عواطفه تسبق عقلانية تصرفاته، فإنه مارس تحديات كبيرة ومحاولات لبتر تاريخه لكن هذه العواطف ليست بالخطورة التي حاول الاستعمار أن يضعها كواحدة من الصفات السيئة في سلوك العربي. لأن حساسيته سواء في حالة الغضب أو الفرح قائمة على فقدان الأمن في القرون الأخيرة من ماضيه.. وكذلك عدم وجود المعوض في جميع الفلسفات الكبرى، أو الأيدلوجيات الحديثة، وإن كان هناك شذوذ في بعض الأفراد إعادة سيرة القبيلة باللجوء إلى الانتماءات للشرق أو الغرب..
لكن العاطفة هي التي أقامت حاجزاً سميكاً بالتلاؤم مع الاستعمار، أو مع إسرائيل، لأن التفسير للتاريخ عنده هو القبول بأي حداثة بشك، مع أن العربي خارج دائرة وطنه سريع الاندماج بالشعوب الأخرى وقبوله لأي أقلية غير عربية داخل وطنه طالما أنها تحررت من الشعور بملازمتها لأي أجنبي..
وعلى العكس المجتمع اليهودي الذي ظل في عالم التيه شعباً لم يقبل الاندماج، أو الترويض، وإن كان أظهر عداوات لكل البيئات التي سكنها..
ولا نستطيع أن ننفي أن المجال العاطفي الذي تتمحور به الشخصية العربية أفقده أكثر المواقف التي تتطلب المناورة، أو التكيف وهو الأمر الذي يحتاج إلى تربية وطنية طويلة..
الشيء الثاني أن الاتهام بمظهرية العربي، لم تأت إلا حديثاً، وهو ما تعانيه الشعوب الأفريقية بالذات التي اكتسبت شخصياتها ذلك النمط التقليدي للرجل الأبيض وهي التي كثيراً ما عالجها الفلاسفة السود واعتبروها انقياداً للاستعمار عند فئة منحلة من تقاليدها وشخصيتها.
وهذه الظواهر تكثر في أكثر البلدان حديثة التحرر، وبين طبقات معينة منها، وهي حالة انسحاق تلك الطبقات بعدم إجادتها أي مهارة أو بنوع ذاتي يقلص ذلك العجز.
صحيح أن العربي حديث النعمة أخذ بهذه الشكليات واعتبرها نوعاً من المظاهرات العالمية، واستغلت واجهة دعائية. وهذه الشخصيات كأي طفيليات اجتماعية تنبت في تلك المحيطات الكبيرة..
وإذا كان تجسيد هذه الصفات وغيرها جزءاً من الحملة العالمية الكبيرة، التي لا زالت ترى بالعربي وحشاً يريد اغتيال الحضارة الحديثة في أوربا أو آسيا.. فإن الأزمة التي نشبت بين فرنسا واليابان على ربطة عنق رئيس وزراء اليابان الذي اتهم وقتها أنه زيف ماركة (بيير كاردان) الشهيرة، ما هي إلا طرفاً في كسب دعائي لمؤسسة تجارية وكرد فعل بأن الذوق الفرنسي هو الأكمل والأعظم..
ومهما كان الحكم على العروق الأخرى خارج الدائرة الغربية بأنها الأقل خلقاً وحضارة، فإنها برؤيتهم لا زالت بمراحل الحلم والجري وراء الأسطورة والخيال الشعري، فإن القبول بتفسير للأزمة الاقتصادية أو التقنية، وفوارق الدخول بين الأغنياء والفقراء، هي من الحقائق التي يرفضها الأغنياء بل يحاربونها..
ولذلك صار العالم الثالث ومن معه عقلاً غير واع ولا يجيد وزن الحقائق مع الواقع، ولقد كانت هذه من القضايا التي جسدت مفهوم الغرب واحدة من القواعد الدعائية الإرهابية..
والعرب – بشكل خاص – أهم القواعد المستهدفة بالرفض ومحاولة تطويع كل وسائل الإعلام بإغراقه بالوحشية، وطبعه بذلك الأعرابي الذي يجالد الصحراء على بعيره ويغني للقمر والليل، يصطاد العقارب والثعابين، يأكل الثعالب، ويسكن الخيام أو كهوف الجبال..
وبطبيعة الحال لن نستطيع أن نغير هذه القيود الدعائية ما لم يكن لنا ثبات لشخصيتنا العربية، والاندماج في المرحلة الحضارية بكل ما تعنيه هذه الحقيقة..
لكن هذا لا ينفي أننا دون قبول التحديات الحاضرة بواقعية صاحب النفس الطويل، ولكن بعقلية المقيم والفاحص لكل أدوات التاريخ..
في العلاقات الإنسانية تبدو كل الدراسات ذات بعد واحد وهي تبقي بحدودها داخل المنظرين لها، أو من ينفذونها كجزء من مصالح متزاوجة ولذلك صارت قصيدة شعر، تماماً كما يترجم عن حقوق الانسان، ومحكمة العدل الدولية، وهيئة الأمم المتحدة..
آخر الكتب المترجمة من الحضارة العربية كان لمستشرق غربي اسمه (هل).. في ظاهر الكتاب تلمس الحياد شبه الإيجابي في دراسة التاريخ العربي، لكنه يترك وسط محيط كبير من الشكوك حول الانجازات العربية..
فهو يرى أن العربي كان فاتحاً أسطورياً في سرعة القضاء على مملكتين عنيدتين في التاريخ هما فارس، والروم، وأن قوة تأثير الدين الذي جعل المؤمن الشهيد بالجنة، والمجاهد الحي له مكاسب الدنيا والآخرة..
وأن هذه الروح إلى جانب فقر الجزيرة العربية كانت أهم المقومات في خلق العربي المسلم الذي غاب عقلياً وروحياً عن قبيلته ليلتقي بالدين بروح الايمان المطلق..
ثم ينتهي إلى أن الأساسيات في الحضارة العربية كلها نتيجة للحركة النشطة التي صاحبت ترجمات جميع المنجزات الفكرية العلمية لليونان والفرس.
وبصرف النظر عما يقال إن البناء الحضاري إنساني وأممي، فإن محاولة تعريف الشخصية العربية أنها وسيط بين الحضارات هي الحصيلة لكل دراسات المستشرقين، إلا ما قل منهم..
وفي الحاضر نشاهد نفس النزعة، بل الممارسة بشكل بشع.. والأوربي يظل هو الأعلى والأعلم، وفي هذا بعض الحقيقة، لكن أن يتصرف كأي وحش في غابات الكنغو.
الإنجليز – مثلا – عرفوا بأبشع الدول المستعمرة، وكل الانقسامات والحروب، ومآسي التفتت القومي، والشعبي هم وراءه.. حتى أن أفريقيا من خطباء (هايد بارك) خاطب الإنجليز قائلاً: إنكم تقولون المتحف الإنجليزي ولقد ذهبت إلى ذلك المتحف لأجد أنه مسروقات الإنجليز من أقطار العالم، ولذلك لم يكن في أي يوم متحفاً إنجليزاً بالهوية، أو الحقيقة)..
وما ينطبق على هذا القول، ما نراه في المعاملة اللاإنسانية للعربي في لندن، الذي يجره غباؤه، أو حسن نيته التوجه كل صيفية هناك ليكون طعماً للصوص ومادة ساخرة للإعلام..
أواخر الصرعات التي حاولت بها بريطانيا التمسك بنفسها الاستعماري القديم، هو أحداث شركات التأمين على ناقلات البترول الخليجية، وإعطاء المنطقة صفة القائمة على البارود..
وبنفس المعاملة لا تخرج من الأسلوب ذاته، وبأكبر التحديات تلك المستعمرة الأمريكية (كندا) التي رشحت نفسها أول فاتح للقدس بنقل سفارتها إلى هناك، لتمارس بشخصيتها المقهورة، تصدير أحداث كهذه..
ومآسي تدمير المفاعلات الذرية العراقية، وسرقة اليورانيوم، وكل وسائل القرصنة يغيب عنها العقل الأمريكي أو الأوربي، بل تحفظ كل هذه الأحداث في الملفات التي تسجل ضد مجهول. وحتى مكاتب التحقيق والصحافة تتركها كأي مواد قابلة للنسيان..
المائة وعشرون مليون صفر، والذين تخلوا عن الزواج من أربع إلى غزو العالم جنسياً، ومتاجرة بالعقار، والأسلحة والبنوك.. هم أنفسهم العرب برؤية أكثر دول العالم.. وستكبر الصورة كل يوم طالما أننا ملايين الأميين، والانهزاميين، ومسلوبي الإرادة والحرية..
بطبيعة الحال لن نكون متشائمين من الحاضر، لأنه سيتخرج آلاف المفكرين والمهندسين والأطباء، ولابد من تغيير مسار التاريخ، لكن هذا يبقى معنى في الحلم، لأن نفس أدوات التدمير العقلي والإنساني تنمو مع نفس المسار..
والخوف هو أن نبقي نتلو الأخبار والتحليلات لنكذب أنفسنا بصدق أنفسنا، ونردد أن اليهود وراء العقل البشري كله لنساهم معهم في نشر وترسيخ منظمة العقل اليهودي..
وهنا المأساة أن نكون طابوراً مدجناً نعطى لأنفسنا حق التحرر الشخصي، وبنفس الوقت نعيش عقلية الهندي الأحمر المضطهد..
ترى هل نطلب من شركات التأمين البحث عن مؤمن على العقل العربي؟!
أم أنه كالمتفجرات، والسوائل النارية التي يصعب قبولها في دوائر التأمين؟
لقد اكتشفنا (الصفر) فهل نعطيه حياة، ونسجل رقماً جديداً في الوجود؟!
لست أدرى!!
… وأصبح ذكرى
لم يكن إلا وحماً تاريخياً، أو إطلالة على الوجود.. ظل قطعة من المعاناة والتضحية والصبر..
شهد الحرب مع الفقر بطفولته وشبابه. وبقي رجلاً يهزم في نفسه تلك الجيوش الخائفة من المجهول..
كان الوحيد الذي لم يحتل أي متر من الأرض، إلا ما عبرته قدماه.. لكنه احتل متراً من الأرض كمكان طبيعي في (العود)..
أصدقاؤه، وأقاربه لم يعرفوا أن ذلك الوخز في جنبه الأيسر، أو الطاعن الخفي ضيف سيعطل ذلك القلب النابض الذي اتسع للابتسامة، قاوم الغضب.. تماماً كالجندي المجهول..
ووفاءً لذلك الإنسان الذي لا أرغب طرح اسمه في رثاء.. كان صديقاً أوفى مني، وأكثر حرارة في عاطفته كتب قصيدة نبطية يرسم فيها العبرة المكتومة..
وبصرف النظر عمن يفسرها بجيده، أو سقيمة، أو غير مضبوطة الوزن والقافية، إن جاز هذا، فإنها تظل كالأمل الكبير الذي يرفض غياب العزيز، وهو ما يسمى بالكذب على الذات.. لكنها على الأقل عاطفة صادقة وأمينة
• * •
شلناك فوق امتوننا شيل ما شيل
مثلك ولا ظني يجود الزمان
أو ياما تقدمت أنت زمل المحاصيل
ترتع ابحملك مردفه حمل ثاني
أو لا ظنتي تقصر اعزومك عن الشيل
لو شفت من ربعك ضعيف امتداني
ما هي ابعاداتك اخلاف المواصيل
تروح أو تتركني صريع أبمكان
عودتني يا وافي الوعد والكيل
اليا نخيتك تلحق الجيش ثاني
تدني أمن الهقواة ما يعجز الخيل
واتجيبني باشمام بلايا تواني
حببتلي العود أقفي أو تقبيل
أو ظلام قبرك صار أعز الأماني
وجهك معي في ظلمة الغار قنديل
أو ونسي معك دون الملا والمغاني
يا حيف مالي منك كود التعاليل
أسلى الخاطر أبماضي زماني
واجتر فيك الذكر قيل بعد قيل
أولا يردى الظامي سبق به معاني
هذا الوجار وضف باقي المعاميل
والهيل كبه لو خليطه يماني
وكسر أشدة عيس غز مراسيل
بقطع الفيافي يلحقن الأماني
واغمد حدود رهفات المصاقيل
وطوح أعنان مشبهرات العناني
ولا يستون لي راجسات الخلاخيل
قب الردوف مظمرات المثاني
زم النهود ارموشهنه مظاليل
ولا عاد صارب يطبرك الأغاني
ولا عاد أكل هذا سوى قيل
بأفراق أبو هيفا فقدنا المعاني
التاريخ / 28 – 10 – 1399هـ
0 تعليق