برميل النفط في المفهوم الغربي صار عبارة عن مصمم جاهل يمثل سطوة أعرابي يمزق خارطة الكرة الأرضية، ويدلق عليها النفط ليحرق العالم.. وإلى جانبها عمدت غرف العمليات العسكرية على محاولة خلق الحروب النفسية وإلقاء ضغوط حادة على عرب النفط مرة بالغزو، وأخرى بالتهديد بالمجاعة، وثالثة بمحاولة خلق مصادمات بين الجيران.
لكن النفط حين يقترن بالإسلام، فإنه قاعدة عامة على تدوين أخطر المواقف، وهو هنا يقترن بأيدلوجية تحتل جزءاً ضخماً من خارطة العالم التي تمتد من المحيط الى المحيط، وهنا محاولة إفراغ مضمون الإسلام من كل قواعده الإنسانية لإضفاء عليه قاعدة الشواذ في التاريخ فلا يكفي أن كل بعثات التبشير والمستشرقين هم نتاج الحروب الصليبية الأخيرة، والمبطنة بكل أشكال الاستعمار الاقتصادي، والثقافي..
وحين نقول النفط (إسلامياً) فان المواقع على الخارطة الكونية اختلفت عنها في السابق، لأن الحس الإسلامي لم يتصاعد فقط كقوة عائدة من الغيب، بل هو حضور إرادي في ذات العقلية الإسلامية..
حتى عند المثقف العربي بدأ يعيد مساراته العقائدية وكل الذين كانوا يتحركون من أفق يساري، أو متعاطف مع اليسار وجدوا أن الروافد التي كانت ترى كحلقات من زمن تاريخي جامد يفاجئون بأن العقائد الثابتة لها صفة الديمومة والبقاء، وأن لها عمر الكون، والإنسان.. وهذا ما جعل إطلاق الأحكام على تفسير التاريخ مرة بالمادية التاريخية، وأخرى بحوار الحضارات.. إلى آخر تلك الاجتهادات أو الصفات التي تحاول أن تخترق الزمن الماضي بلغة الواقع المعاش.
غير أن الإسلام لم يكن يدخل بذات الحيز، ليتحجم أمام أسطورة السطوة العليا، وهي التي تمثلت بخندق المحارب النازي، أو أبجديات السطوة على الإنسان والتاريخ في العصر (الإستاليني)
ومثل ماهي الحروب العامرة بين أصحاب البيت الواحد (فيتنام، الصين، كمبوديا) فإن المكانة التي تربط بين القوى الإسلامية في العالم تتعدى انقسام مسرح روسيا – الصين، لأن الثوابت في العقيدة الواحدة غير قابلة للتجزئة ولأنها في هذا المحيط الكبير لا تعيش على التحضر المسبق بحيث تدخل كجزء من لعبة سياسية متوترة وحتى محاولة توظيف الثورة المضادة الإسلامية في أفغانستان وإعطائها صفات ثأرية من أمريكا ضد روسيا، كرد على الحروب الفيتنامية بينما هي في الواقع استجابة ذاتية وشعبية، وبالتالي فإنها خيار خاص لحماية ذات العقيدة.
من هنا محاولة الربط بين الإسلام، والعرب والنفط كنغمة مرتبة على هرم الحضارة والإنسان الأوروبي، وهو ذات الموقف الذي حمل العنصرية الحديثة في رسم الصورة المعكوسة، حتى الدعوة التي تغذيها الصهيونية العالمية بالأخوة الدينية تحت أسماء متعددة (كالماسونية أو البهائية)، أو الانتشار بأي صفوف أخرى في وسائط تخريب العقائد السماوية عملاً بمبدأ (بروتوكولات الصهيونية)..
وإذا كان التصور المخالف الذي يحمله المنصفون من خارج الإسلام، وحتى بعض الشخصيات العالمية أمثال (نهرو) حين وصف الإسلام بأنه أعظم حركة في التاريخ آخت بين الإنسان والإنسان، وجعل من صفات الخلفاء الراشدين القدوة الكبرى التي أعطت دوراً تاريخياً وعقائدياً رائعاً، فإنه عند أصحاب العقيدة ذاتها لم يكن الإسلام عنصرياً، أو جباراً على الضعفاء، بل كان هو الحافظ للحقوق لمختلف الفئات غير العربية، حتى أن الفاروق العظيم قرب في مجلسه كل موالي قريش الذين دخلوا الإسلام، قبل القرشيين أنفسهم.
وهذا ما يحملنا على القول إن هذه بالنسبة لنا مسلمات، وليست تحديثاً في تاريخنا أو دعوات جديدة وأنه خلافاً لكل التصورات التي تحاول أن تأخذ الجانب العدائي المبطن من الإسلام، فإنه أصبح في الوقت الحاضر يرى كحركة طارئة، وإنما هو كقوة بعث حاضرة في وجدان العقل المسلم..
من هنا نقول أن الأحداث التي تجري الآن في أقدس قداسات الدنيا، ليست هي بمعزل عن أي دس أو تخريب في إضفاء نفس التشنيع التي يسر بها كل الأعداء.. وإنما هي لا تنعزل أبداً عن تخطيط مسبق وبأدوات، إما جاهلة، أو مستغلة، ولكنها أيضاً تسجل أخطر ظاهرة اجتماعية تمر بوطننا الحبيب..
ومهما اختلفت كل التوجهات، فإن النقاش على نوع الجزاء أمر تنهيه نفس الأحكام الشرعية، لكن ما يعنينا هو محاولة تلبيس شخصية المسلم بالقاتل المدمر، بأقدس قداساته.. هذا الأمر الذي حولته كل الأجهزة الأجنبية ومن يدور في فلكها إلى إعطاء تلك الأحداث كل التفسيرات التي أظهرت العداوة المبطنة ضد الإسلام والمسلمين..
وإذا كنا يجب أن ندرك بوعي ما تهدف إليه كل الدعايات والدسائس وبمنطق من يجاهد بكل أسلحته وقواه، وأعني أهمها تلك التي وصفت كل دعاة الإسلام بأنهم ضد تعليم المرأة، وضد كل المستحدثات والإنجازات العلمية، وهي المحاولة التي تناور عليها كل الخطط المناوئة التي تريد بهذه التعبئة تمزيق ذات المسلم، وخلق جبهة (العلمنة) بوجه أي عقيدة دينية، لتسهيل طريق الانتماءات لأي جبهة عارضة..
من جهة أخرى لا يستطيع أحد أن ينكر أن عملاً مسلحاً كهذا لا يرجع فقط للقتل لذاته، ولكن الرؤية تتعدى إلى أن هناك خللاً في التربية، وخاصة ممن غرر بهم في سحبهم إلى هذا المحيط الناري، وعمل كهذا لا يجب أن نراه بشخصية كل عابد متوجه إلى الله بكل جوارحه..
نحن نعلم أن الإسلام كان أكبر حام لذوي الديانات الأخرى بل حفظ لهم ذات المودة والمؤاخاة.. وهي نفسها التي يجب أن تكبر في عقل المسلم، وأن لا يضيق بأي حوار أو أن يجد بهذه التجاوزات الصورة البشعة للمسلم العابد بدون جهالة أو تعصب..
وإذا كان الألم يكبر ويتضاعف على كل ما جرى، فان تلك الحكمة القائلة (لا تعطني سمكة بل علمني كيف أصيدها) هو الشيء الذي يجب أن نراه بمجهر أكبر، وهو أن نتعلم ونواجه ظروفنا بالحذر، وردم كل الفراغات التي يحاول أن ينفذ منها الأعداء إلينا.. وسيبقى البيت عامراً بحراسة رب البيت ما دامت الشمس تشرق وتغيب..
الجهد الكبير
الأستاذ (الجهيمان) لازال يعطي، أو يضيء على الوجه الأصح.. فقد عرف كاتباً، وباحثاً في أخطر تراث شعبي.. ذلك أن مثل مصادر هذه البحوث لا تتيسر لأحد فهي باقية على ألسنة الناس، ومن هم في سن متقدمة.. لذلك لم أفاجأ حين رأيت الثلاثة أجزاء الأولى من (الأمثال الشعبية في قلب جزيرة العرب) للأستاذ عبد الكريم الجهيمان..
وإذا كانت مصر والعراق بالذات تقدمت بصيانة التراث الشعبي، سواء التاريخي، أو الحديث، وخصص بذلك بحوث في الجامعات ومتخصصين في الرسم والنحت وتجميع كل ما يتصل بذلك التراث.. وانشاء مجلات للبحث العلمي في أساسيات التراث الشعبي، وصلته بالحياة الاجتماعية والسياسية ودوره كرياده لتلك الشعوب..
فإننا لا نجد في هذه المناسبة إلا أن تراثنا هو الأحق في الرعاية والبحث، خاصة وأن جيلاً ناشئاً ربما فاته كل ما عاصر أجداده أو كانت عليه مدينته وقريته من حياة بسيطة لها خرافاتها، وشعرها ومنسوجاتها وكل ما يتصل بتلك المرحلة الزمنية..
إن الأستاذ الجهيمان، وإن كان ليس بحاجة أن أدون هذه السطور عنه، ليفتح أمامنا بهذا الجهد الكبير نافذة على حجم الفائدة من التراث الشعبي..
وإذا كان قد انصبت بحوثه، وتجميعه على وسط الجزيرة بحكم ارتباطه بذات الحياة، واللهجة، فإن بقية المناطق تحتاج إلى بعث تراثها، خاصة وأننا نعرف أن البحر من أهم القواعد التي قامت عليه أحزان، وأفراح سكان تلك المناطق..
ولا أنسى أن جهوداً قامت على أكتاف أشخاص لهم نفس الاهتمامات مثل الاستاذ (العقيلي) من جازان، والأستاذ – العبودي – من القصيم وغيرهما ممن لهم نفس الجهد الرائع.. إلا أنها تبقى في حدود النشاط الفردي.. أي أقل من المطلوب.. وهذا الأمر باعتقادي يحتاج إلى مؤسسات متخصصة تستطيع أن تستفيد من التجارب السابقة لكل الأقطار التي لها هذا الاهتمام والسبق.
فتحية لأستاذنا الجهيمان، ولكل من لهم تلك الخطوات الرائدة.. ولعلها بدايات تؤسس مع قادم الأيام اهتماماً أكثر..
الواجهة الحديثة
في القصة القصيرة، والشعر ربما بدأت لنا علاقات جيدة مع الإنتاج الهام الذي يدخل السوق العربية بأكثر تواضع، ولكنه بصياغة جديدة..
المهم في الموضوع أن الكاتب، والكتابة عمل يتصل بكل فلسفات الإنسان وحياته.. وإذا ما تزامنت الحقيقة مع الشجاعة، في اقتحام ذلك البناء المغلق في حياة الناس ۰۰ وأعني بها تلك الأطر التي تجتمع حول البيئة والمعتقدات ووصلها بالتاريخ القديم، والممارسات اليومية المباشرة.. فإن الكاتب لا يطرح نفسه فقط، وإنما يخلق ذلك التوازن بين دوران الزمن، والأثر الذي تعطيه تلك الشرائح الشعبية.
ولست أدري كم كان عظيماً (سومرست موم) حين كان يقول أنه لا يجد في حياة الناس البسطاء أي غلاف مغطى بالمجاملة، أو ابتكار صور مزيفة، كما هي العادة عند الناس المشهورين، الذين يسبق تصورهم بأكبر من أحجامهم..
وهنا كان سر قيمة (موم) لأنه يبحث عن البساطة ليس فقط في حياة الناس، ولكن بأساليب الحياة ذاتها، لأننا نحن الذي نعطيها التعقيد، او البساطة.. ولقد علل كيف كان يتعامل مع الكتاب والفلاسفة، لا بصدق مشاعرهم فقط وإنما بعرضهم لأفكارهم وحياتهم بأقل الكلمات، وأبسط الأساليب..
إن العطاء الجديد الذي دخل سوقنا، ليس كله يفتح تلك الأبواب بنفس البساطة التي عناها (موم). ولكن أقلاماً جيدة أخذت هذا المسار سواء في تكثيف المعنى، أو بسط الصورة بعدسات متعددة..
ما أريد أن أنتهى إليه أننا بهذا الحضور، يسبق الكاتب عندنا الناقد، وبأكثر الجروح والمعاناة، وربما بأكثر جرأة.. ولعل الناقد هو الذي حتى الآن لم تفتح مظاريف المناقصة بإيجاده.. ربما لعلل كثيرة.. أهمها الضعف الفكري، وسوء المتابعة، وربما الزمن يعطينا من يعلق الجرس في المستقبل القريب.
الذين خارج الضوء
الزملاء، والاصدقاء في كل صحافتنا المحلية هم الجنود المجهولون.. إنهم يعرقون ويتألمون ويواجهون العقاب والثواب بنفس التحمل، والقدرة على نسيان الذات..
في الأزمة الأخيرة عشت معهم بالدموع، والألم والأمل. الكل تتنازعه رغبة الحصول على أي خبر. أي تعليق. بصرف النظر عن رفع اسمه على ذلك التحصيل..
والصحافة لا ترحم، إنها تأكل أبناءها، لأنها غير قابلة للمعايشة الهادئة..
المطابع تريد أن تمضغ مئات الصفحات، لتفرز ما نسميه بالجريدة اليومية.. والعاملون بمختلف تخصصاتهم يدورون بسرعة المطبعة، وإلا ما كان هناك شيء يرى..
الصحفي عندنا المواجهة عنده هو مع العمل، أي أنه لم يمتهن أسلوب الصحفيين الآخرين، الذين يجدون حجوزاتهم بالدرجة الأولى بالطائرات، وبالفنادق الممتازة ويخرجون بالحقائب مليئة بالهدايا وغيرها..
الصحفي هنا مواطن يعيش على كفاءته ومكافأته، والذين لا يعرفون كيف يعايشون السهر الطويل، وملاحقة الأنباء ووكالاتها، والحصول على السبق الصحفي، أو الخبر الجديد، ينسون أنها مهنة الشقاء فعلاً، وعمل الرجال الأوفياء..
إنني لا أقول هذا مجاملة، أو ابتزاز ابتسامة شكر منهم، لأنهم يدركون أن هذا قدر رائع.. وهي عشق، وسحر، وكم سيفني في العمل الرائد من جنود مجهولين لا يعرفون إلا المفاتيح التي تؤدي إلى دروب الوطن.
ولذلك لم نجد مزاداً علنياً، كما هو حاصل في سوق نخاسة الصحافة العربية، وهنا الفارق في النوعية والصدق، وهي مجرد خاطرة لكل الزملاء في صحافتنا، وتحية إكبار لهم على هذا الطريق الطويل، والشاق..
الحق على الطرشان
الكل يشتكي، من الكهرباء والتلفون.. وكل يحمل مبررات شكواه، ورد الشكوى..
فقد قيل أن المواطن يسرف بالطلب، والاستعمال.. أي مهنته هي مخالفة نظام ما يجب أن يكون، وأن هذه عائدة إما لأنانية خاصة، أو لجهل أعمى..
ويرد المواطنون، أن هذه المشاريع تزحف بخطوات سلحفائية وأن كل المبررات ليست إلا تكبيراً لأزمة مفتعلة لأن الأدوات التي تشغل هذه المشاريع هي ذاتها التي تستخدم هذا الأسلوب..
وكل من المواطن والوزارة يملك جانباً من الحقيقة والمبالغة.. وهذا عائد لعدم وضوح الرؤية بينهما.
فلا المواطن يريد أن يتقاسم الصبر مع المسئول، ولا المسئول قابل لامتحانات المواطن وتجريدها من الانفعال بالرد بالواقع كما هو، وعن المنظور للمستقبل.
والغرامة التي يدفعها الجميع، هي هذه الدرجات من التصنيف بين الأهم والمهم.. وبين (الواسطة) كأقوى العوامل المنفذة..
وبالمقارنة بذلك نجد أن الشكوى والرد ستدوم إلى أن يكون هناك حل بأثر رجعي يستمد واقعه من الواقع، وهذا أمر ذو حلقات متواصلة.. وكل يغني على ليلاه..
التاريخ / 23 – 1 – 1400 هـ
0 تعليق