«بترومين».. وتجربة الاندماج الإداري!

حروف وأفكار | 0 تعليقات

تجربة (بترومين) في دمج إدارة مصافي البترول، كانت جيدة، ومؤكدة النجاح، وهو قول ورد على لسان أكثر من مسؤول، إذ أن التجربة حققت عائداً كبيراً في الإنتاج، وتجاوزاً هاماً لعقد (الروتين) وتخفيضاً ملحوظاً في العمالة، وقد تم ذلك دون أي إرباك للعمل أو الصلاحيات، أو مرونة التحرك بين هذه الإدارات..
مثل هذا التصرف ليس جديداً على كثير من الشركات والمؤسسات ذات الطابع الإنتاجي والإدارة المرنة التي تحاول أن تعالج خسائرها بمزيد من الأرباح، والجودة الإنتاجية، ولعلنا لو ضربنا مثلاً عابراً في التجمعات الكبرى، أو فيما يسمى (الشركات متعددة الجنسية) وكيف أنها وصلت إلى أن تكون سلطة مالية خارج نطاق تشريعات وقوانين دولها، فإن هذا الاتجاه العالمي أصبح مقياساً لحركة جديدة في الأسلوب الإداري المعاصر..
الذي يعنينا أن تجربة (بترومين) يمكن تعميمها، إذا وجد ذلك مناسباً، على أكثر من قطاع تجاري وحكومي، وبشكل لا يجعل ذلك هدفاً لتقليص صلاحيات تلك الادارات..
فمثلاً لدينا الشركات الزراعية التي تعتمد نظاماً واحداً، واتجاهاً غير متباعد كثيراً في طبيعة النشاط، ولعل عزلها عن بعضها جعلنا نتكلف الكثير من الآليات، وتوزع الإنتاج على أشكال قد لا تحقق الأهداف التي سعت إليها هذه الشركات، وباعتقادي، فان دمجها بشركة واحدة، دون الإخلال بطبيعة اتجاهاتها، يجعلها قابلة لزيادة أرباحها، وتخفيض تكاليفها، والاتجاه إلى التصنيع الغذائي، وتسويقه بكلفة أقل..
بشكل آخر هناك أيضاً الجوانب التربوية، سواء في قطاعات التعليم العام والذي نجده موزعاً بين تعليم بنين وبنات، أو القطاعات الأخرى التي ساهمت في فتح المعاهد والمدارس بقواتنا المسلحة وغيرها.. ونحن إزاء هذه التعددية لا نعتقد أنها وجدت بأسباب تختلف عن ظروفنا الراهنة، اللهم إلا اجتهاداً لا نستطيع أن نقول أنه عديم الفائدة، أو لم يؤد دوره، وبشكل خاص، الإسهامات التي جعلت دوائرنا العسكرية تأخذ مسؤولية كبيرة في التعليم ومكافحة الأمية وتحقق مستوى رائداً في هذه الإسهامات الكبيرة..
بنفس الوقت هناك الجامعات والتي تتشابه اختصاصاتها ومناهجها، التي كلفتنا الكثير من الأموال وضياع الاختصاصات النادرة بين دوائرها، وعدم التنسيق بين نظمها وتطويعها فيما يحقق لنا كلفة أقل ونوعية من الخريجين تطابق اتجاهاتنا التنموية ومشاريعنا الوطنية..
كذلك القطاع الصحي، الذي له نفس التعددية، والذي لا نشك أننا كسبنا في ظل تلك التوزيعات منافسة شريفة ورائدة جاءت في صالح المواطن، إلا أننا لا نظن أن استمرار هذا النظام يساعد في المستقبل البعيد على حل الكثير من مشاكلنا، لاسيما وأن التوسع في هذا المجال، وسرعة الابتكارات التي وفرها العلم الحديث وكلفتها، وندرة الاختصاصين الماهرين في مجالات طبية معقدة، يجعلنا نفكر في وضع إدارة تنسق بين هذه المنشآت الكبيرة وتجعلها في وحدة واحدة دون أن يؤثر ذلك على طبيعة نشاطها وخدماتها..
ما أريد أن أنتهي إليه، هو أن التفكير في دمج الكثير من دوائرنا الزراعية، أو الصحية، أو التربوية قد يوفر لنا نسبة هائلة من التكاليف، على ألا يأتي ذلك ليزيد مضاعفة (الروتين) أو يوقف حركة هذه الإدارات عن أداء دورها، أو يربكها.
أذكر، إن لم تخني الذاكرة، أن تفكيراً مماثلاً نشأ قبل سنوات، ونتيجة لدراسة مستفيضة، بتوحيد مستودعات الدوائر الحكومية، وإعداد مشروع لها يتم وفق التصنيف الحديث للمستودعات وأن تأخذ شكل إدارة مستقلة قادرة على توفير احتياجاتنا ومشترياتنا، أو تأمينها بواسطة موجوداتها، وأذكر أيضاً أن مثل هذا التفكير طرح لاستيعاب الإدارات الهندسية، وجعلها من اختصاصات البلديات أو وزارة الأشغال، بدلًا من توزيعها على أكثر من وزارة وإدارة..
القضية بكل تشعباتها قابلة للحوار، والتطبيق، بمعنى أن تتم عملية التوحيد أو الدمج وفقاً لمشروع يراعي كل الظروف، ويطرح القضية بشكل عملي بحيث تجرى تجارب على القطاعات المتماثلة بالاختصاص والتنظيم الإداري، وإذا ما حققت نجاحاً واضحاً يمكن أن يتم الدمج والتوحيد بصورة تضمن لنا نجاح هذه التجربة، ولا أظن ما فعلته (بترومين) خارج هذا التصور، إذ أنها جربت ونجحت، وهو ما نريد أن نحققه إذا كان مفيداً وعملياً..

(الكاتب – الصحفي)!

لا أدرى إن كان أي كاتب في صحيفة مهما كان اختصاصه، ونوعية معالجته للقضايا الاجتماعية، أو السياسية أو غيرها، قادراً أن يكون الممثل المسؤول عن طرح مشاكل الناس وقضاياهم..
فالمواطن الذي يريدك أن تحل مشكلة غلاء المهور، أو قطع غيار السيارات، أو زحمة المرور، أو تعسف شركات (الليموزين) وأن بقدرتك أن تكون صوتاً عالياً، هو نوع من المبالغة بالثقة بهذا الكاتب أو أي زميل له..
صحيح أن من يدخل باب الصحافة يكون كاتب (عرائض) يراقب المشاكل، يبحثها ويسلط الأضواء عليها، ولكن من يعتقد أنه طبيب يخطئ لأنه أكثر الناس مرضاً، ولعل هذه الوظيفة (الكتابية، أو الصحفية) لا تخلو من الكثير من المفاجآت، وحتى المؤلم منها..
شخصياً عانيت الكثير من المشاكل أثناء السفر من مطار الرياض، وحاولت أن أدخل في معركة ساخنة أعرف أنني سوف أخسرها مع بائعين، ورجال مرور وموظفي دوائر حكومية وغير حكومية، ومثلي من الزملاء من قد يدخل في معركة الدفاع عن النفس بكل أسلحته الجسدية، خاصة ممن يملكون العضلات، ومع كل هذه الصور، فإنه من المستحيل أن يكون (الكاتب – الصحفي) حلاّل مشاكل، وأن كل حرف يكتبه سوف يدخل المكاتب المغلقة، أو يلغي أسباب النقص، أو أننا سوف نجده يصلح ذات البين بين الأزواج والأصدقاء، أو يضيء عتمة الشوارع المظلمة أو يفتح (مقسم) هواتف، أو (يسفلت) شوارع مغبرة!!
المواطن الكريم بعواطفه إلى حد السذاجة أحياناً، ولا أدري إذا كان (الكاتب – الصحفي) له هذا السحر والسلطة المطلقة، في الوقت الذي أجده مواطناً يملك وظيفة الصحفي، الناقد، أو الكاشف، وأحياناً المحرض على أخطاء وقعت فعلاً، ولكن ذلك مربوط بجملة ظروف قد يكون هو نفسه مخطئاً في تقديره لها، أو متجنياً على أحد، خاصة إذا ما تداخلت العوامل الشخصية مع طبيعة الموضوع الذي يعرضه..
ومع كل هذه الأسباب لا أعتقد أننا لا نحتاج إلى (الكاتب – الصحفي) والمشكلة التي يتعرض لها، لأننا لو فقدنا مثل هذه القضايا، فسوف نغلق صحافتنا، ومثل ذلك ينطبق على المحامين الذين من طبيعتهم المرافعة، وطول اللسان، فهل يا ترى هناك مصدر رزق (للكاتب – الصحفي) بأن تكثر المشاكل.. أم العكس هو المطلوب؟

مشاغبون.. أم متعصبون؟

أكثر المواضيع إثارة في صحافتنا (الرياضة، والفن) وقد أجازف وأقول إنها الوسيلة الأكثر إغراء لتوزيعها وتنشيط ساحتها بين مختلف الطبقات الوطنية..
في الخارج نجد صحف الفضائح، والجرائم، وأحياناً تلك التي تهتم بالمضاربات الاقتصادية والأسهم، والضرائب، لها أكبر جاذبية بين جماهير القراء، وقد تكون صحافة الفن والرياضة لها نفس النسب من الحضور، وأكثرها توزيعاً على المهتمين بتلك الآراء والتعليقات..
لكن هل طبيعة القارئ ميالة لكل ما هو خارج الأعراف، تماماً مثل المتفرج على متصارعين يجد نفسه منحازاً تلقائياً لأحدهما، دون أن تربطه أي عاطفة، أو حتى سابق معرفة به..
ما أريد أن أقوله إننا في تجاذبنا العاطفي، وانحيازنا غير الواقعي، مع فنان أو رياضي نصل بتعصبنا إلى حد الإفراط، وهي نزعة أعتقد أنها تراكمت بفعل نشأتنا الاجتماعية، والبحث عن بطل في الأب أو الأخ الأكبر، أو طفل الحارة أو المدرسة الذين تتجسد فيهم شروط تلك البطولة..
لا أدري ما أسباب المفاضلة مثلاً بين (محمد عبده، وطلال مداح) أو بين (ماجد عبد الله وصالح النعيمة) ونحن نعرف أن لكل إنسان منهم خصائصه التي ينفرد بها سلبية كانت أو ايجابية وندرك أن مكتشف البصمات الإنسانية، عرف أنه لا يوجد تشابه بين بصمة وأخرى..
شخصياً أجد في كل نجم فني أو رياضي ميزة أحاول أن أكتشف أسبابها، وحتى لو قدر أنني أكثر ميلاً لشخص دون آخر، فإن ذلك قراري الشخصي الذي لا يتطابق بالنتيجة والسبب مع آخر، ولا يلغي صفات قد يجدها غيري أكثر واقعية بذلك النجم الذي يسجل درجة أقل من الآخر بنظري في نسبة نجوميته أو أدائه..
البحث عن بطل أو فنان نتعصب له، لا تبتعد كثيراً عن التعصب القومي، والأيديولوجي، وإن كانت الأخيرة، إما مدمرة، كما حدث في لبنان، أو بناءة كما حدث لليابانيين والألمان بعد هزيمتهم في الحرب العالمية الثانية، وتسيير قوتهم في صالح بنائهم القومي فيما بعد الحرب..
(محمد عبده، وطلال مداح، صالح النعيمة، وماجد عبد الله) هم جزء من تراثنا الفني والرياضي، وحين نتنافس على الإعجاب بأحدهم، فلا يعني إسقاط درجات تفوق أحدهم على الآخر، ولو بشكل نسبي..
صفحاتنا الفنية – الرياضية، مليئة بالعجائب، وأقدرها على التعجب أنها مساحة للمشاغبة والتعصب، وهما خصيصتان لهما سلبياتهما أكثر من إيجابياتهما..

التاريخ/ الثلاثاء 14 شعبان 1409هـ – 21 مارس 1989م

مقالات مشابههة

الكرت الذهبي!!

الكرت الذهبي!!

لم أغضب أو أحتج حين زحفت نظراته عليّ تقيسني عرضا، وطولا.. ولم أعرف أنه ربما يزن جيبي، وهل أتعاطى الطريقة الجديدة في مبايعات الأسواق الكبيرة في (الدانير كلاب)، أو...

التفسير المضاد!!

التفسير المضاد!!

لم يفاجئنا من يقول إن عيني الفاروق العسليتين تتصلان بنسبه لجدته الرومية!!وبنفس الوقت لن نعدم رأي هذا المدعى للتاريخ أن يجعل من أحد الزعماء العرب صورة لأجداده الأتراك،...

رأي في موضوعين

رأي في موضوعين

في «حروف، وافكار» السبت قبل الماضي كان الزميل الدكتور «حمد المرزوقي» قد كتب عن «الأمريكي الذي يقرأ.. ولا يفهم» وهو حوار جاد عكس تصور كل من الدكتور حمد، وكذلك الأمريكي...

شارك برأيك

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *