قال..
- «هل يمكننا أن نعيش لحظة ميلاد دولة (الولايات العربية المتحدة)؟ وقبل أن يواصل حديثه، استدرك، ولكن ليس على غرار الولايات المتحدة الأمريكية، أو الجمهوريات السوفياتية، وإنما ولايات عربية تملك إطارها العقائدي والفكري، ومنهجها الخاص بها بحيث تكون نموذجاً جديداً في السلوك الإنساني والتطور الحضاري»..
قاطعته.. - «.. وتملك حق (الفيتو) في مجلس الأمن ولغتنا العربية المصدر الأول للأمم المتحدة، ومحكمة العدل الدولية، ولغة العلوم والفلسفة والكمبيوتر، وشفرة الأقمار الصناعية، والسيدة المطلقة في ثقافة الشعوب والأمم»!!
قال معقباً: - «دعني أسترسل في مشاعري وخيالاتي، ولا تعتقد أن هناك مستحيلاً لا يمكن تحقيقه داخل هذا اللون من الخيال، خاصة إذا ما عرفنا أن الخيال العلمي أصبح مصدراً لكثير من الانجازات الحضارية الراهنة وأنا شخصياً لا أقف خارج خشبة المسرح الواقعي، إذ أن منطق الاحتمالات، وهي الأكثر قربة للتحقيق من الخيال، قابل للتطبيق على هذا الوطن الكبير، والذي يفوق مساحة أمريكا، وتتنوع فيه الطقوس، والإمكانات الطبيعية والحجم السكاني الكبير، والجغرافيا التي تعتبر جوهر أزمته بين صراعات القوى العالمية» …
قلت.. - «لنترك نوع الحكم، وفيما إذا كان اللباس الرسمي سوف يكون إفرنجياً، أم مشرقياً خليجياً «غترة وعقال وثوب طويل» أو إزار وعمة، أو برنس مغربي، فهل تتصور أن تختفي ما تجسده هذه الملابس من رموز وطنية وتراثية داخل هذه الولايات الكبيرة»؟
قاطعني محتداً.. - «أظنك تريد أن تدخلني دوامة أخرى عن اللهجات، والأجناس، والتقاليد، وفيما إذا افترض أن يقبل سكان السواحل وجبة من لحم «الضبان» بدلاً من السمك، والعكس!! إنني حين أتحدث عن ولايات عربية متحدة، أفترض وجود منهج تربوي واحد، ولو على الأقل في الخطوط العامة، بحيث تكون اللغة العربية هي الأساس الحضاري، ومن ثم تبدأ التوزيعات للمناهج وفقاً للتوزيع الجغرافي ونوعية المحاصيل، أو الثروات الطبيعة التي تحتاجها خطط التنمية القومية، ولا يغير هذا من بقاء الأسس التي يعيشها مجتمعنا سواء النواحي الدينية أو التقليدية..»
قلت: - «تعني وحدة اقتصادية أولاً، بحيث تتداخل المصالح بين الأفراد والحكومات ليتبع ذلك إلغاء لمراكز الحدود وحرية انتقال الأموال، وحمل الهوية الواحدة، لينشأ خلف ذلك إقامة المنشآت الصناعية والزراعية، والتحول من الإقليمية الاقتصادية إلى (الكارتل) العربي الأضخم»؟
قلت: - «لنخرج من الخيال، إلى منطق الاحتمالات، ونستمر في ذلك الفراغ الكبير الذي تملؤه مصانعنا، وكيف وأنت تستقل طائرة عابرة للقارات تعرف أنها صممت وأنجزت بعقل عربي وإمكانات قومية، وأنه بمجرد أن تقع قدمك على أي مطار دولي تجد منتجات وطنك تغرق الأسواق الحرة، بالإلكترونيات والعطور والملابس، والأقلام، ثم تكون كبرياؤك أعظم حين ترى لوحات (النيون) والدعايات تغطي الطرقات لنوعيات متعددة من سياراتك، ووسائل التكييف، وأسماء مدن و فنادق وطرقات تحمل أسماء مدنك، وأبطالك التاريخيين، وكلها كتب باللغة العربية كلغة عالمية، ثم فتحت الجريدة لتقع عيناك على أحدث الأخبار بإطلاق الرحلة المكوكية المائة للفضاء الخارجي بروادها السبعة، وتدشين حاملة الطائرات الجبارة (طنجة) وحصول (أحمد) على جائزة نوبل الطبية في هندسة (الجينات) كل هذا وخادم المطعم بخاطبك بلغتك عن نوعية الطلب التي تريد، وأن قائمة الطعام التي أمامك وضعت تحت تصرفك، والتي تصدرتها أنواع الأطعمة العربية، بمذاقها الحاد، أو طعمها الخاص بدءاً من التبولة الشامية، وطبق الفول المصري، وانتهاء بالكسكسي المغربي، والقرصان النجدية»!!
ابتسم طاف خياله بالتاريخ العربي الدولة الكبرى التي أنجبت الفقهاء، والفلاسفة والعلماء.. الجدل بين الفقيه والحاكم، والفيلسوف مع رجل الحديث، لا جوازات ولا حدود بين العواصم الحضرية، ولا شرطة تمنع هجرة أعرابي من الجزيرة، إلى الأندلس ولا مغربي يدخل الشام، أو يستوطن اليمن..
قال.. - «والدينار العربي سيكون من بين سلات العملة الصعبة الأولى في العالم، يقارع الدولار والاسترليني، والين الياباني وبورصات النقد ترصد حركة الدينار بكل الوسائط الحديثة، وإلى جانب الأمن العسكري يقف الأمن الغذائي والصناعي والصحي بأعلى درجات التقدم».
قلت..
۔ «ولكن ماذا سيكون تصورك عن موازين القوى العسكرية، ومراكز النفوذ، ووضع (إسرائيل) على الخارطة العربية، والمجال الحيوي الذي سيظل مرتبطاً بقوتنا العربية، والمحاور التي يمكن أن تدور عليها سياستنا العالمية»..
تباطأ بالحديث.. جذب نفساً عميقاً من رئتيه قال.. - «القوة النووية حيدت الحرب، وتبقى وسائل الردع كحق طبيعي للدفاع عن النفس، وهنا يمكن أن ندخل مع العالم، لا بتنازع القوة، ولكن بصياغة السلام، والتفرغ للبحث العلمي بما يسعد البشرية، وتوظيف إمكاناتنا وفقاً لسياسة أكثر واقعية وقبولاً لمنطق التعايش»..
أما عن (إسرائيل) فدعني أقل أن مركزها سيصبح مثيلاً لموقع (فنلندا) مع الاتحاد السوفياتي، بمعنى أنه يمكنها التصرف داخل حدودها الضيقة بحريتها الكاملة، ولكن رسم سياستها الخارجية أو معاهداتها العسكرية، يجب أن يخضع للقوة العربية وهو الناموس الطبيعي لجدلية التاريخ..
وكما حدثتك عن الجغرافيا الحساسة، إن جاز التعبير، فإن المجال الحيوي للولايات العربية المتحدة، سوف يجعلها غير عادية، فغير العمق العربي، هناك المحيط الإسلامي الضخم، والمجتمعات الشرقية الآسيوية التي لها طبيعة التجانس في الكثير من العادات وأساليب الحياة، والأهداف السياسية التي تربط تلك الجغرافيا بجغرافيتها، وكذلك أفريقيا، إذ أن أجنحتك التي تقع على القارتين سوف توجد لك الموقع المؤثر الذي لا يتوفر للعديد من قوى العالم..
أما عن سياسة المحاور فأعتقد أن التنافس الدولي السلمي سوف يكون هو القوة في صياغة سياسة خاصة، إذ لن يكون هناك مجال آخر يغذي المواجهات العسكرية حتى بالوسائل التقليدية، لأن التقدم العلمي سوف يفرز تحديات طبيعية لا يمكن أن تعالج إلا في نطاق عالمي، مثلما يحدث الآن للتلوث، والخلل في طبقات «الأوزون» أو ما قد ينشأ من أمراض إنسانية، أو تلف في التربة، أو نقص في المياه، أو تعريض أخر قد يهدد هذا الكوكب»..
وقلت معقباً أيضاً: - «.. وهل تعرف الحقيقة، أننا نتحدث في اليوم الأول من الجوزاء من سنة ۱۳6۷ بالهجرية الشمسية وأن الاخبار تتحدث عن حصار لغزة من قبل (إسرائيل) وقتال في لبنان، ومشروع انعقاد مؤتمر قمة عربي طارئ يوم الاربعاء القادم، وأن الأوضاع كما هي، ورحلتك ليست إلا استرخاءً طويلاً في زمن الغيبوبة العربية» …
قال مستنكراً.. - «لقد قلت مسبقاً أنني أحلم، ولكن دعني أسألك ما معنى المصادفة العجيبة أن يقع هذا الحديث في اليوم الأول للجوزاء»؟
قلت: - «لأنه البرج الساخن الذي نتطلع إليه بخيالنا فقط دون أن نبلغه»..
قال.. - «.. وفي حساباتنا الفلكية يقع في هذا البرج (البطين، والثريا، والدبران)»
قلت ضاحكاً. - «.. وهل يمكن تحوير الاسم الأخير إلى اسم مناسب ولا سيما وأنه آخر فصول الربيع في حساباتنا»؟
قال.. - «إذا بلغت الثريا مشياً فوق السراب وتحقق مشروع الولايات العربية المتحدة»!!
لمن يفهم …!!
خلصنا من نبأ أكبر حبة بطاطس في مزارعنا، إلى أخر المعمرين الذي تجاوز المائة عام، وأعظم الاكتشافات التي يروج لها أصحاب نجوم (سعد الذابح، وسعد بلع) عن الوصول لعلاجات – أمراض السكر والسرطان والإيدز، بتعويذاتهم وخرافاتهم.
صحفنا المحلية، يبدو أنها استهلت الطريق، وصار اللعب على وتر الترويج الإخباري لهذه الخيالات جزء من مهماتها اليومية.
فنحن نعلم أن حجم أي ثمرة في عصرنا الحاضر متأثر بطبيعة المخصبات الكيماوية ونوعية التربة والسلالة النباتية، وأن عوامل الصدفة أحياناً تلعب دوراً كبيراً في شذوذ النبات، وهي حالات استثنائية قد تقع عندنا كغيرنا..
وفيما يتعلق بالمعمرين، نعرف أنه لا يوجد سجل مواليد أو أحوال مدنية لكل من يدعون أنهم وصلوا المائة أو تجاوزوها، اللهم إلا تلك الذكريات عن الحرب الفلانية، أو الموقعة العلانية، والتي تكثر فيها الروايات والنقل من جد لآخر، وهو زعم يسقط لو أن أي معمر أخضع لدراسة علمية طبية تستطيع تقدير سنه على ضوء الواقع والحقيقة..
أما عن المروجين لمعجزاتهم الطبية، فإن القضية الآن تدخل الحرب الجديدة للكسب غير المشروع على حساب الطب والمنجزات العلمية، وقد أشرت إلى هذا في مقال سابق، ولكني أريد أن أضيف أن حماية المواطنين، وأعني تلك الطبقة التي تخلط بين الخرافة والقدرات الإلهية البعيدة عن هذا الترويج، أصبحت سلعة في يد من لا يجد من يحاسبه على أقواله أو امتهانه هذه الحرفة التي لا يوجد لها مجال للتصديق في عصرنا الحاضر.
بتحديد آخر، أن وسائل الإعلام التي تحاول أن تروج لهذه الخيالات، يجب أن تفهم مدى الأضرار التي تلحق بسمعتنا الوطنية، خاصة فيمن لا يعرف إنجازاتنا أو طبقاتنا الاجتماعية الواعية، والذي قد يجد في هذه الأخبار وسيلة لإساءة سمعتنا بقصد أو بدون قصد..
التاريخ/ الثلاثاء 18 شوال 1409هـ – 23 مايو 1989م
0 تعليق