رجل الأعمال ديناميكية الواقع.. والنظرة التقليدية الكلاسيكية!

حروف وأفكار | 0 تعليقات

إلى عهد قريب كانت تجارتنا متواضعة وبسيطة، ولا تعدو تلك الشحنات من المواد الغذائية، ومواد البناء والملابس، وتجارة تصدير الماشية أو التمور، وحتى البترول في بدايات تصديره كانت عائداته عاملاً مساعداً في بناء هياكل الدولة، إذ لم يفِ بكامل حاجاتها وراء متطلبات إنشاء أجهزة تتطلع إلى تأسيس شامل، خاصة في تلك الفترة التي كانت أسعار البترول ضئيلة أمام الوفرة الكبيرة في الأسواق العالمية..
فالمفاهيم السائدة للتاجر الوطني كانت مترتبة على رخاء المواسم الممطرة، والتي تجعل البادية، كطبقة مهمة في السوق، هي المحرك للتعامل التجاري، ثم تطورت القضية إلى اتجاه أوسع، حين أصبحت الوظائف الحكومية أهم مصدر للموظف، والتاجر معاً، غير أن الأمور، وإن تطورت إلى الأحسن، فإنها ظلت تجارة متواضعة تدار بوسائل إدارية تقليدية ومحلية في نفس الوقت..
وإذا ما استثنينا الأعداد الأحادية من التجارة والذين بدأوا تشكيل شركات صغيرة أو مصارف أو وكالات للسيارات والمعدات الأخرى، فإن الحجم التجاري لم يصل إلى الدرجة التي بموجبها يمكن فهم نشوء طبقة جديدة في المجتمع تصل بسياساتها الاقتصادية إلى آفاق أبعد من الحيز المحلي، غير أن التطور اللاحق فرض هذا الاتجاه، وصارت العلاقات التجارية تنمو بشكل سريع، وتتوسع مع العالم الخارجي، وهو ما ترتب عليه إنشاء البنوك والإدارات الحديثة التي تحتاجها تلك التطورات، وصارت خبرات رجال الأعمال لاتقف عند حدود دفتر للواردات، وآخر للمبيعات، بل أصبحت الدولة بمشاريعها الكبيرة، تحتاج إلى المقاول، والوكيل، والمشرف، والمخطط، وتحولت المزاحمة بين المقاول الأجنبي والوطني إلى ما يشبه السباق على الفرص المتاحة، وإن كان المقاول الأجنبي الأكثر تميزاً في البدايات الأولى باعتباره يملك رصيداً كبيراً من التجارب، وغطاءً ضخماً من الأموال والأيدي العاملة المدربة..
وباتساع الأعمال الصناعية والزراعية، والتجارة الخارجية، نشأ جيل مخضرم، وأخر جديد يتعايش مع هذه المرحلة بنفس التطور التي وصلت إليه وسائل التنمية الحديثة أو لعلها طبيعة الظروف التي أدت إلى الفهم المشترك بين قطاع الدولة والقطاع الخاص، والكيفية التي يمكن أن تؤدي إلى وضع سياسة أكثر تطوراً، وتجنباً لضغط الشركات الأجنبية واحتكاراتها، إلى تنمية الشركات المحلية دون قطع الصلة بتلك المؤسسات أو الشركات التي سبقتنا تقنية وادارية والاستفادة من إمكاناتها المتاحة بل والدخول معها في المشاركة في كثير من الاستثمارات الكبرى التي نحتاجها..
ومع أن القطاع الوطني الخاص أخذ يتجه إلى استثمارات تسعى إلى الربح الطويل والبطيء، فإن الآثار السلبية التي تركتها المضاربات بالعقار والأراضي، والاندفاع وراء التوسع غير المدروس، قد أضر بفئات كثيرة نمت من خلال الطفرة، وأفلست بعدها، ومثل هذه الشرائح تعد استثناءً خاصاً. لأن عوامل الصدفة وحدها هي التي لعبت الدور الأساسي في تكوينها واضمحلالها، غير أن الذي يعنينا هي تلك الفئة التي أخذت مجالها بخطوات مستقرة، ومستفيدة من طبيعة الظروف المتلاحقة، ومحدثة التغييرات الإيجابية في بنيتها وفقاً لمتطلبات التطور التي تسير فيه قواعد التنمية الوطنية، ومقدار ما تستطيع تعويضه عن الشريك الأجنبي حتى في المجالات والمشاريع الرئيسية الكبرى، وكذلك إرساء قاعدة انتاجية واستثمارية لها صفات الثبات والتطور، وهو ما بدا فعلاً كاتجاه عام بين رجال الأعمال والدولة، وصارت الحوارات تتم بطرق المكاشفة الصريحة والسعي وراء المصلحة الوطنية دون حاجة إلى المجاملة أو الحذر التي تنتج عنه عادة المخاوف التي تبطل مثل هذا التعاون..
من هذه الأسباب أعتقد أن مؤتمر رجال الأعمال السعوديين الذي انعقد الأسبوع الماضي، يعد ناجحاً أو متطوراً عن المؤتمرات السابقة، وهو أمر طبيعي، إذ أن هذه الشريحة الاجتماعية تعد أكثر العناصر فهماً للواقع واستقراءً للمستقبل، وأن اتجاهاتها لا تنمو داخل (البيروقراطية التجارية) إن صح التعبير، بل تحاول أن تسير على نفس الدرجة من السرعة لا مع التطور الذي تفرضه قنوات العلاقة في السوق المحلي، وإنما من خلال التبدلات والعلاقات المتنامية التي تحكم هذه المؤسسات في العالم، بما في ذلك حالات التذبذب والاستقرار في أسعار العملات والأسهم والعوامل الأخرى التي تؤثر في وسائل الإنتاج والتصدير، والصراع على الأسواق العالمية بين قوى الإنتاج الكبرى..
وحتى لا نقع في استطرادات أطول، نواجه بالعديد من الأسئلة، وهي: هل قطاعنا الخاص وصل إلى الحدود المعقولة لمعرفة إمكانات الاستثمار المحلي، والدور الذي يجب أن يلعبه الرأسمال الخاص، وكذلك الاستفادة من تحليل المعلومات، والبحوث التي يمكن أن تقوم بها الدولة أو القطاعات الخاصة، ومدى بلورة خطط مشتركة للعمالة الوطنية، واستغلال الثروات الوطنية التي اكتشفت أو التي جاءت مؤشرات تفيد بوجودها.. ثم ما هي إمكانيات التنسيق بين رجال الأعمال السعوديين والخليجيين باعتبار وجود تعاون مفتوح وسياسات مشتركة بين الدول الخليجية، وكذلك رصد التحركات الدولية بما في ذلك السوق الأوروبية المشتركة، أو الأسواق الأخرى في الدول الرئيسية في العالم، ومدى إمكانية إنشاء تعاون عربي مشترك بين القطاعات الأهلية، والسعي لإيجاد نظم تكفل تحرك تلك الرساميل دون أي شعور بالخوف، أو سن قوانين تعسفية بديلة على المستوى العربي الشامل تمنع مثل هذا التعاون؟
أعرف أن طرح هذه الأسئلة يحتاج إلى وجود استراتيجية عليا، لا تقف عند حدود رجال الأعمال وحدهم، ولكن بمعاونة الدول مجتمعة، ومع ذلك فان توجيه هذه الأسئلة لهذه الطبقة الوطنية الهامة، يعني أنها الأكثر إدراكاً لجميع الحالات التي تنمو فيها عوامل الثقة أو تنعدم، وتتسع مجالات الاستثمار أو تموت..
بصيغة أخرى أعتقد أن مؤتمر رجال الأعمال السعوديين بداية لتطلعات أوسع، ولعلي لا أبالغ إذا قلت أن المؤتمر أهم حدث على صعيد الداخل، حتى لو جاءت النتائج مرضية، أو بقياساتنا الخاصة، ناجحة ومثمرة إذ أن العوامل والظروف التي دارت بها حوارات المؤتمرين، جاءت أكثر استعداداً لقبول توسيع العلاقة بين القطاعين الحكومي والوطني، ولا نظن أن المسافة يمكن أن تتباعد بينهما لأن حاجة كل طرف للآخر لا تقوم على اعتبارات سطحية أو عاطفية، وإنما على أسس المنفعة المشتركة، ويكفي أن السباق العالمي على الاستثمار وجلب الأموال، والتسهيلات التي تعطيها معظم النظم السياسية بما فيها تلك الأيديولوجيات الشمولية، يجعل الظروف الإيجابية عندنا أقرب للتحقيق، خاصة وأن المناخ موات، والظروف لا تشكل عوائق صعبة في انتقال رؤوس الأموال أو جلبها، وتبقى النتائج معلقة على صدق النوايا، وما يستطيع رجال الأعمال أن يقدموه خلال السنوات القادمة، في التنمية الوطنية الشاملة..

الحارات الثقافية المظلمة!

كم كبير يصدر من الكتب.. دراسات جامعية، قصص، دواوين شعر، مقالات، ورسائل الدكتوراه والماجستير، هذا عدا ما يصدر من كتب في التراث الشعبي، والدراسات الاقتصادية والإدارية، ولكن ذلك يثير تساؤلاً طالما نوقش، وتعددت حوله الإجابات.. وهو هل هذا الكم الكبير يحقق نسب النجاح والبقاء كأعمال إبداعية، أو علمية تخدم واقعنا الراهن، وهل يمكن اعتبارها مؤلفات تؤسس لنهضة ثقافية أو تربوية، أو علمية؟
لا شك أنه بوجود سوق مفتوحة، ورقابة ضعيفة، وسلبية عامة من الجامعات بتقويم هذا الإنتاج، سوف نبقى نعيش هذا السلوك اللامسوؤل، وأعني أنه بوجود قارئ مقبول، وسوق رائجة للكتاب، لم تفرز القاعدة الاجتماعية نوعية خاصة لها طبيعة الريادة الثقافية..
فالأكاديميون يقفون وسط الطريق، بين واجب الفصل وكتابة المحاضرات، وبين المتابعة الخالية من المسئولية لمجموع النتاجات المحلية، وهم يعللون الأسباب بضغط الظروف الخاصة بهم، وتجنب الدخول في احراجات صعبة قد تفسر أراءهم بغير مواقعها، مما ينتج عنه ردات فعل هم أحوج الناس الى تجنبها والابتعاد عنها..
الطرف الآخر، ونعني بهم أصحاب المحاولات المقبولة، يقولون إنهم بالساحة وحدهم، وأن أي نقص في عطاءاتهم لا يعود لضعف في الموهبة، أو المهارة الذاتية، وإنما بكشف المناطق غير المضاءة من قبل من يملكون أدوات النقد والتوجيه.. وإذا كان الإشكال يتحدد بسلبية كل الأطراف، فإن المستقبل الثقافي سوف يظل في نفس الموقع يراوح بين المد والجزر السلبيين، وقد نعطي العذر للبعض ممن له تجارب ساخنة في الساحة الثقافية، ولكن هذا لا يعني القبول المطلق بروح السلبية التي أوصلت الأندية الثقافية، ودور النشر، وقاعات الجامعات وحتى الندوات الثقافية إلى هذا الواقع الصعب..
صحيح أنه لدينا إشعاعات صغيرة في الحارات الثقافية المظلمة، ولكن بنقص الروح التي تستجيب لكشف المواهب وإثرائها، والشجاعة الأدبية التي يجب أن تسود القنوات الثقافية بمختلف تخصصاتها واتجاهاتها، وطرح الحقيقة دون إخلال بأي موازين اجتماعية أو تقاليد متعارف عليها، لا يخلي المسئولية عن أي مثقف أو رجل اختصاص، اللهم إلا إذا كنا نريد أن نبحث عن مكتب استقدام يتعاقد لنا مع مثقفين، ومؤلفين لقاء عقود مفتوحة وميسرة تدخل في مهنة العمالة الثقافية الجديدة!
هذا القول ليس للسخرية أو الحط من جهد أي إنسان، ولكن حدود السلبية فاقت كل شيء، بما في ذلك الوقوف عند نقطة النهاية التي لن تسير ابداً في مشروعنا الثقافي..

التاريخ / الثلاثاء 3 ذو القعدة 1409هـ – 6 يونيو 1989م

مقالات مشابههة

الكرت الذهبي!!

الكرت الذهبي!!

لم أغضب أو أحتج حين زحفت نظراته عليّ تقيسني عرضا، وطولا.. ولم أعرف أنه ربما يزن جيبي، وهل أتعاطى الطريقة الجديدة في مبايعات الأسواق الكبيرة في (الدانير كلاب)، أو...

التفسير المضاد!!

التفسير المضاد!!

لم يفاجئنا من يقول إن عيني الفاروق العسليتين تتصلان بنسبه لجدته الرومية!!وبنفس الوقت لن نعدم رأي هذا المدعى للتاريخ أن يجعل من أحد الزعماء العرب صورة لأجداده الأتراك،...

رأي في موضوعين

رأي في موضوعين

في «حروف، وافكار» السبت قبل الماضي كان الزميل الدكتور «حمد المرزوقي» قد كتب عن «الأمريكي الذي يقرأ.. ولا يفهم» وهو حوار جاد عكس تصور كل من الدكتور حمد، وكذلك الأمريكي...

شارك برأيك

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *