التفكير بشكل سطحي!

حروف وأفكار | 0 تعليقات

قبل أيام عندما فاز (شامير) بالانتخابات (الإسرائيلية أصبنا بخيبة أمل، لأن (بيريز) أكثر عقلانية والتصاقاً بالسلام من غريمه، وقد يكون البوابة التي نعبر منها الى التعايش السلمي، في الوقت الذي نجد فيه أن جميع الحروب بيننا وبين (إسرائيل) وكذلك الانفراجات السياسية، بما فيها اتفاقية كامب ديفيد، وقعت من قبل تلك العناصر المتشددة، ولا نعتقد أنه يوجد من يقبل عقلياً أن الخامة التي صنع منها (شامير) تختلف عن نفس العنصر بالنسبة لبيريز، وإلا فإننا نقع تحت غطاء ثقيل من السذاجة والعفوية..
وعلى نفس المنوال صفقنا طويلاً لترشيح «جون سنونو» لمنصب كبير موظفي البيت الأبيض، لأنه من أرومة عربية، وهو تفاؤل غالينا فيه، لأن الرجل، وإن حمل هذا العبء التاريخي أمام الحملات الصهيونية، إلا أنه جاء من بوابة مفتوحة، وتفاصيل تاريخه وحياته ليست غائبة عن صانعي القرار في البيت الأبيض، بل قد تكون المؤسسات الصهيونية الأكثر دراية حتى بملابسه الداخلية، ونوع جهازه الهضمي، وربما أسلوب تفكيره..
فالرجل عمل كحاكم لولاية «نيوهامبشير» وقاد حملة «جورج بوش» قبل أن يحتل منصبه الأخير، وبالتالي فهو رقم واضح بين نجوم المجتمع الأمريكي، وقد يكون وصوله للبيت الأبيض بناء على رؤية لم يتح لنا معرفتها أو فهم دواخلها..
صحيح أنه يسرنا أن يوجد من نعتقد أو نظن أنه يتعاطف مع قضايانا القومية، ولكننا نقع في خطأ كبير إذا اعتقدنا أن أي شخص مهما كان انتماؤه قد يؤثر على مؤسسة حاكمة كبرى كالولايات المتحدة الأمريكية، وهو الظن الذي وقع فيه (السادات) حين أعطى نسبة الـ ۹۹٪ لحل قضايا المنطقة بواسطة أمريكا…
فالسيد «فيليب حبيب» هو من ذات الأرومة، وقد كان مهندساً لاتفاقية 17 مايو بين لبنان، و«إسرائيل» ولم يخف تعاطفه مع الوظيفة التي جاء من أجلها بانتزاع ذلك القرار، حتى أن مؤسسات صهيونية رشحته لجائزة «نوبل» للسلام أسوة بـ «بيغن – السادات» والرجل في موقفه منطقي لأنه يحمل صفات الرجل الأمريكي المخلص لقضيته ومنهج بلاده السياسي..
قد يكون التطابق بين الرجلين، أو الاختلاف محکوم بسلوك المؤسسة التي يخدمانها، وما أريد أن أخلص إليه، أن عواطفنا التي نبذلها بسخاء أمام مواقف دولية حساسة، هي نوع من مخادعة الذات عند صانعي القرارات السياسية، إذ حتى لو افترضنا أن «إسرائيل» تقوم بحملة مضادة تجاه «سنونو» فإن القصد يرقي على تصورنا، فقد لا يكون الهدف الشخصي ذاته، بقدر ما هو المجتمع العربي برمته…
نفس الموقف يتطابق مع انتخاب «شامير» إذ أنه أمام غياب الرصد والتقويم لطبيعة الانتخابات «الإسرائيلية» ونوعية تفكير الشارع هناك من قبل الدوائر السياسية العربية، ظل تصورنا عفوياً، وغير منطقي، إذاً لا توجد تناقضات أو فوارق بين المرشحين إطلاقاً، بل إن وضوح «شامير» يخدمنا أكثر من «حربائية» بيريز، وهو ما وعته الفصائل الفلسطينية التي تقود الانتفاضة بالأرض المحتلة، دون أن تأخذ أي اعتبار لمن سيكون رئيس الحكومة «الإسرائيلية»..
الخلل في التفكير العربي، مشكلة طويلة، لأنه بغياب التحليل المنطقي أصبحنا لا نملك الصدق التنبئي، وقراءة ما حولنا بفهم واضح، خاصة وأن استقراء الأحداث، وما يحيط بها من دوارت وتقلبات جعلتنا الأكثر اضطراباً في علاقاتنا مع الآخر، وقياساً على ذلك، فإن إعلان الدولة الفلسطينية، وهي التي سبق أن وضعت في حيز الاحتمالات، أصبحت الآن حقيقة واضحة، وقد قوبلت هذه الدولة عربياً بترحيب كبير لأن صاحب القرار في القيادة الفلسطينية، والتي لا شك أنها وضعت كافة مسؤولياتها وما يترتب عليها دولياً تجاه مستقبل هذه الدولة..
المشكلة أن المناخ العربي لا يزال يتعرض للأعاصير العنيفة، إذ لا نجد استراتيجية عربية بإجماع شامل تقابل القرار الفلسطيني، بحيث لا تحدث فجوات أو خلافات تجاه الحملات الدبلوماسية التي يجب أن نخوضها مع الرأي العام العالمي، بل إن انشغالنا بالهامش السياسي في الانتخابات الأمريكية و(الإسرائيلية) وتمزق قاعدتنا الداخلية، والتصرف بشكل منفرد، جعلت خوضنا لسياسة ذات أبعاد طويلة تجاه قضايانا الحساسة غير مكتملة الشروط، بدليل أن الدولة الفلسطينية، بكل زخمها، وما قد تتركه على صعيد العلاقات العربية – العربية، ومع المجال الدولي الكبير، ظلت داخل الحسابات الفلسطينية وحدها، وكأننا نتبرأ من الدم الفلسطيني، ونقع في وهم أن مثل هذه القضية يجب أن تترك لأصحابها، في الوقت الذي نجد الغياب العربي، هو الرهان الذي تنبني عليه نتائج القرارات الدولية، ومستقبل القضية برمتها..
عموماً نحن أمام متغيرات كثيرة، ولابد أن نتلمس طريقنا بين المنعطفات القادمة، خاصة وأن الظروف الدولية قد تسمح بفهم لقضايانا، وإلا فإننا سنصبح في حالة يأس شامل إذا ماقدر لركودنا أن يستمر، وغيبتنا الطويلة مستمرة أيضاً..

المرأة العاملة بين رأيين

كثيراً ما تثار قضية المرأة العاملة، وفيما إذا كان من الأفضل أن تبقى مربية وزوجة، أم تجمع بين الوظائف كلها؟
فالرأي القائل بضرورة عملها، يضع بالمقابل سؤالاً طويلاً، هو لماذا تعلمت إذن إذا كنا نريدها رهينة المحبسين، بيتها، وزوجها، ويعززون ذلك بأن المرأة ظلت عاملة فعلاً في بيئتنا الاجتماعية..
فقد عملت بالحقل فلاحة لها نفس النسبة من العطاء مع زوجها وعائلتها دون أن يؤثر ذلك على علاقاتها الأسرية ووظائفها الأخرى..
وفي البادية لها نفس النصيب من الخدمة.. راعية وأم، وسيدة أسرة، فكيف نفترض بقاء المتعلمة في منزلها، وهي تندرج مع عوامل التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وحاجاتنا لسد وظائف كثيرة لا تزال قائمة في مجتمعنا وحياتنا المعاصرة..
التحليلات الاجتماعية تقول إن المرأة العاملة تحقق ذاتها من خلال عملها، وأنها الأكثر توازناً في علاقاتها الأسرية باعتبارها صاحبة تجربة أخرى في محيط أوسع من بيتها، وأن هذا الأثر ينعكس على تربية الأبناء والسعادة الزوجية..
الرأي المضاد يقول إن المرأة العاملة تفتقر إلى الدفء والحنان، وأن الآثار السلبية التي تكتسبها من المحيط الوظيفي، ينعكس على إدارة المنزل، وأن مظاهر الإهمال وفقدان المسؤولية تطغى أكثر من غيرها عندما تكون موظفة، بل إن الخلافات الأسرية كثيراً ما تكون أسبابها الخلل الناشئ عن وظيفتين مختلفتين، وأن شعورها بأنها صاحبة وظيفة ودخل مادي يضعانها بنفس الدرجة مع الزوج، وأن مجتمعنا الذي لا يقبل هذه القسمة له اعتباراته وتقاليده، حتى أن المقارنة بين المرأة العاملة بالخارج، وفي بعض الدول العربية والاسلامية، لا يتطابق مع ظروفنا وطبيعة حياتنا..
وإذا كان لكل رأي وسائله ومنطلقاته بالإقناع، فإننا لا نستطيع الجزم أن أياً من الطرفين على حق، لأن المقاييس التي ينطلقان منها تعبر عن حالات فردية، ولا يجوز أخذها بمنطق الدراسات التحليلية..
فالمرأة العاملة أصبحت ضرورية، ويستبعد الاستغناء عنها في مجالات عديدة، وهي أسباب لها علاقة بطبيعة الحياة المعاصرة، وظروفها الاقتصادية والاجتماعية، وأذكر أن مسؤولاً قال: «إن الآباء الذين منعوا بناتهم من ارتياد المدارس في الفترة الماضية، هم الذين يتسابقون على توظيفهن الآن» وليس في هذا أي شذوذ أو خروج عن القاعدة الإنسانية، لأن هذا حق طبيعي، وغير متناقض مع تقاليدنا وديننا الحنيف..
لكننا أمام وجهة النظر الأخرى، لا نستطيع إغفال أن العلاقة الزوجية، وتربية الأطفال، ورعاية البيت يجب أن تقوم على حساب الوظيفة الخارجية..
طبيعي أن تكون الفوارق بالتفكير والثقافة، وقبول الحياة الجديدة، بين الزوجين، هي المعايير لنجاح أو فشل الحياة الزوجية، بل أنه في غياب تعاون بينهما قد يجعل الخلل كبيراً، إذ أن عملية التنازل عن بعض الواجبات في سبيل استقرار عائلي، وفهم الظروف المستجدة والمتغيرة في مجتمعنا، لا يمكن قبولها بسهولة ما لم يصاحبها اعتراف من الطرفين بحقيقة الواقع والتأقلم معه..
من جانب آخر أعترف أن مثل هذه الأقوال فيها مجازفة كبيرة، إذ أن الدراسات الميدانية، وتحليل معطياتها، هي التي يمكنها إعطاء حكم معقول على مثل هذه الآراء، ولا أظن أن مراكز البحوث في جامعاتنا خارج هذا الاهتمام من الدراسات الحيوية لما يحدث في مجتمعنا من تطورات وأحداث..

التطابق المستحيل

أحد المفكرين الأجانب قال: إننا نستهجن العرب ونحن نراهم يتركون أحذيتهم خارج مجالسهم، ولا نستهجن أنفسنا كيف نفعل ذلك حين نقلع قبعاتنا عن رؤوسنا.. فهل الحذاء أكثر نظافة ولياقة من القبعة؟
مثل هذا القول تتجلى فيه روح الموضوعية، إذ ليس حكماً مثالياً أن نطلق على عادات الشعوب، ولمجرد أنها لا تتفق مع تقاليدنا، بأنها شاذة وسيئة..
فالذين يقبلون الكلاب، ويعايشونها على نفس الدرجة مع أبنائهم، ويعطونها حناناً خاصاً، هم في نظرنا أكثر من مستهجنين، ولكننا لو عرفنا الأسباب التي جعلت تلك المجتمعات تقبل بمثل هذه العادات، خاصة حين نعرف الآثار النفسية التي فصمت العلاقة بين أبناء الأسرة الواحدة، فإننا قد نجد لهم بعض العذر..
الإنجليزي مثلاً، من أكثر شعوب العالم تعلقاً بتقاليده ومراسيمه، ولكنه لا يطيق أن يرى مسلماً ينحر أضحيته بالشارع، بل وقد يثير الرأي العام، ويطلب محاكمة ذلك المسلم بخروجه عن تقاليد المجتمع الإنجليزي..
عدم التطابق بين الشعوب، هو الذي جعل لها خصوصيتها الاجتماعية والثقافية … وحتى في ظل التبعية الثقافية التي فرضتها عوامل القوة بين البلدان المتقدمة والمتخلفة، نجد أن جذور تلك الثقافات هي محور الإبداع في الفنون الإنسانية، ويكفي أن الرقص الأفريقي، وغرابة عوالم الحياة في الدول النامية، هي التي جعلت كثيراً من الأعمال الروائية تدخل السوق العالمية، وتنفذ إلى أعماق تلك المجتمعات المتقدمة..
القاعدة المنطقية ترى أن ذلك التراكم التاريخي، هو الذي شكل طبيعة وتقاليد كل مجتمع، وبالتالي أعطاه الديمومة والبقاء على أصالته، وهما الأساس في التجربة الإنسانية وتعددها وثرائها..

التاريخ/ 13 ربيع الثاني 1409هـ – 22 نوفمبر 1988م

مقالات مشابههة

الكرت الذهبي!!

الكرت الذهبي!!

لم أغضب أو أحتج حين زحفت نظراته عليّ تقيسني عرضا، وطولا.. ولم أعرف أنه ربما يزن جيبي، وهل أتعاطى الطريقة الجديدة في مبايعات الأسواق الكبيرة في (الدانير كلاب)، أو...

التفسير المضاد!!

التفسير المضاد!!

لم يفاجئنا من يقول إن عيني الفاروق العسليتين تتصلان بنسبه لجدته الرومية!!وبنفس الوقت لن نعدم رأي هذا المدعى للتاريخ أن يجعل من أحد الزعماء العرب صورة لأجداده الأتراك،...

رأي في موضوعين

رأي في موضوعين

في «حروف، وافكار» السبت قبل الماضي كان الزميل الدكتور «حمد المرزوقي» قد كتب عن «الأمريكي الذي يقرأ.. ولا يفهم» وهو حوار جاد عكس تصور كل من الدكتور حمد، وكذلك الأمريكي...

شارك برأيك

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *