الخرافة.. والإشاعة!!

حروف وأفكار | 0 تعليقات

حربا الإشاعة والخرافة تحولتا إلى شكل الإعلان الذي يتغلغل في مجتمعنا، وصارت بعض وسائل الإعلام تعطيه صفة المشكلة الاجتماعية الخطيرة..
فإذا كنا في طفولتنا نعرف كيف وصلت قناعاتنا بأن (لحمة) تنزل مع المطر لتسبب مرض السعار، وأن حجاباً، (أو حرزاً) من جلد الذئب يطرد الأشباح والجن، وأن الصواعق ليست إلا مجموعة من المسامير وقطع الحديد، لتأتي الكشوف العلمية وتخرجنا من هذه القناعات لتوثق ذلك في مجموعة حقائق لا تقبل الجدل، أو اللبس، ولتصبح تلك التصورات جزءا من أساطيرنا الشعبية الراهنة..
في الأيام الماضية صرنا نحتار في قضايا الطب الشعبي، مع نسيج عريض من الخرافة، وهي البلبلة التي دخلت سوقنا بالإشاعة أو وسائل النشر، والتي في كلتا الحالتين تجر مخاطر غير عادية، لأن التسليم بحقيقة حليب (التيس) مثلاً الذي قيل إنه جمع خصائص الفحولة مع الأنوثة، وكيف أن هذا الحليب صارت له أفعال سحرية في معالجة بعض الأمراض المستعصية، نوع من الممارسة الخطيرة، وتجهيل لعقولنا ومستحدثات الإنجازات العلمية، والطبية..
الطامة الأخرى جاءت من الصفات التي تحدثها (اللحَّاسة) في نجران التي بمجرد إدخال لسانها في عين مريض يشفى من الماء الزرقاء، والرمد النهري (الجلاكوما)، وهي في هذه الحال يجب أن تضع مركزاً علمياً كمستشفى الملك خالد للعيون في إجازة طويلة بما في ذلك تسريح أطبائنا، وإقفال معاملنا، ووسائلنا العلمية كلها!!
ونقطة ثالثة لا تقل تعقيداً عن المشاكل السابقة وهو زواج الإنسية من جني، ورغم ما شرحه بعض علمائنا الأجلاء من استحالة ذلك، فإن استمرار الترويج له وبشكل يعلن التعبئة العامة علينا يضعنا في حلقة صعبة، وبلبلة ذهنية لا أخر لها، حتى أن حواراً مع رجل عالم أثبت بطلان هذه الإشاعات، وعلل ذلك قائلاً: بأن عقد القران هل تم بمأذون شرعي؟ وهل سبق أن شاهدنا ابناً مختلطاً لجني مع إنسية؟ ثم هل هناك تركيب متشابه (لجينات) أنسية مع (جنيّة) بحيث يحدث التلاقح، والإنجاب وبصرف النظر عن إثبات وجود الجن بكل الأسانيد الدينية – ومازال الكلام لهذا العالم – فإننا لم نصل إلى ما يفيد بتلك الزواجات في وثائق مشهود لها بالصحة والثبات؟
وحتى لا نقع في الاتهام بنفي قدرة الخالق جل وعلا فإن الأمر المطروح هل يقبل صفوة علمائنا مثل هذه الإشاعات، ومن ثم أليس بقدرتهم إعطاؤنا تخريجاً دينياً وعقلياً يضعنا في دائرة الواقع وذلك بجمع أراء ذوي الاختصاص من أطباء وعلماء في الحقلين الديني والعلمي والإفتاء بشأنها؟
هناك وسائل حرب أخرى لا تقل بشاعة عن ذلك، لنأخذ قضية الترويج لدواء أنتجته دولة عربية وأنه بمجرد اعطائه للمرأة الحامل يسبب لها أعراضاً خطيرة من تشويه للجنين، إلى نزيف مستمر قد يؤدي إلى الوفاة، ومثل ذلك قضية (الحقن) الملوثة (بفيروسات الإيدز) في الوقت الذي أثبتت المعامل بطلان القولين معاً، وبشهادة المختصين، ليأتي التحقيق ويثبت أن تلك الإشاعة دسيسة من رجل يعمل بشركة الأدوية، ولقضايا أخلاقية تخصه وحده، أطلق تهمته، لتصبح كارثة على شركة الأدوية، والدولة العربية التي ينتج فيها.
المسألة هنا ماذا لو دخلت حروب الإشاعات شركات إنتاج للمواد الغذائية المحلية عندنا، بفعل دولة أجنبية ما وجدت من يروج لها حبكة قد تضرب جانباً من اقتصادنا الوطني، وبأسلوب رخيص، وكيف ستكون الانعكاسات السلبية علينا ومتى ستستعيد تلك الشركات ثقة المواطن وقناعته بأن ما سمعه مجرد إشاعة مدسوسة؟
هناك من قد يتساءل، وما علاقة الخرافات، بالترويج الدعائي؟ وأظن أن الإجابة سهلة، فطالما لا توجد الحصانة الواعية التي تفرق بين قيمة الطب ومدارسه، وبين ادعاء أي شخص بأنه قادر على المجيء بالمعجزات، أمورا قد تسهل قبول الإشاعة وهي عملية لا تحتاج إلى برهان طالما أن أي إنسان يريد أخذ احتياطاته خوفاً من توفر ولو جزء نسبي من تلك الإشاعة، وهو ما قد تنسحب أضراره على المتعلم الواعي، والجاهل معاً، أو قد تصيب الواعي باعتباره الأسهل تحرزاً من هذه الأخطار، من الذي ينقصه الوعي الصحي أو العام..
الذي أريد أن أنتهي إليه، أننا بلد اتخذ سياسة التصنيع والزراعة، والكفاءة الطبية العالية، والتعليم المفتوح لكل طبقات الشعب، ولهذا فإن أي خسارة في هذه الأبنية الواسعة، قد تجردنا من مكاسبنا، ولهذا لابد أن تكون الروادع بحجم الخسائر حتى لا نظل هدفاً تخترقه تلك الحملات وتعطل علينا مشروعنا الحضاري الكبير، لمجرد رغبة في الانتشار لوسيلة إعلامية معينة، أو كيد من مؤسسة، أو شخص يريد أن يدمر مؤسساتنا الوطنية بوسائلهما الخاصة..

• • •

التعاون العربي

يطلق على عصرنا الراهن، عصر المعلومات، حتى قيل أنه لا يمكن اتخاذ قرارات على أعلى المستويات أو أدناها، إلا بتوفر عناصر تضع حسابات النجاح قبل الفشل، وقد أثبتت التطبيقات التي تستعملها معظم دول العالم المتقدم حقيقة ذلك، وبرهنت عليه بنجاحها في بحوثها، العلمية والاجتماعية..
فالوسائل العلمية التي مسحت قيعان البحار، والصحاري، وحذرت من مخاطر التلوث، وثقوب طبقات (الأوزون) على الأرض، جاءت بهذه المعلومات من مصادرها الأصلية، وذلك بجمعها وتحليلها، واستنتاج الحلول لها..
ظاهرة الصراعات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، تدخل من هذه الثقوب الجديدة، حتى أن المخاطر من وجود عوازل بين المجتمعات الإنسانية بحيث تتحول بعضها إلى أسياد وأخرى إلى مسودين، لم يعد قضية تنتشر فيها الأسلحة، بقدر ما هي استخدام أقوى للوسائل العلمية الحديثة بحيث لا يمكن أن يتحقق لأي مجتمع المنافسة على السلع الاقتصادية، أو السباق العلمي باختصار الزمن، وكسب السوق المحلي والعالمي معاً..
وإذا كان هناك من يعرّف السياسة بأنها تابع للاقتصاد، فإن الذين يملكون حقول المعرفة، هم الذين يسعون الآن لتقليص نفوذهم مع بعضهم، والالتفات إلى تقاسم مغانمهم بدون إثارة الحروب أو افتعالها وبالتالي فإن الساحة القادمة التي سيكون عليها الصراع سوف تتحدد بين طبائع الظروف التي تقود مجتمعات النخبة المتقدمة علمياً، والأخرى التي لا تزال تجتر أوضاعها وظروفها، وهي عملية لا يمكن الاعتقاد فيها بروح المساواة والأخوة الإنسانية..
الأمة العربية الآن تلتفت، ولا أقول نحقق عملاً كبيراً في مشروعها القومي، إذ أن السعي إلى ما يشبه الوحدات الإقليمية، وإن كان هذا الرأي قد قال به ساسة ومفكرون من دول المغرب العربي في منتصف الستينات، إلا أن هذا الاتفاق يجعلنا الأكثر حذراً لاسيما وأن توقع الفشل مواز لمراحل النجاح الطويلة، والتي تحتاج إلى يقين ذاتي أولا، وتحليلاً لمعطيات الواقع دون الإسراف في الاحتفال بالمظاهر على حساب الحقائق، أو الانسياق وراء قرارات تفرضها ظروفاً مستجدة على الواقع العربي..
ومع أن هذه الوحدات الإقليمية، أو مجالس التعاون العربي، هي الآن تشكل ظاهرة معقولة، فإن الذي يجعلها الأنسب للتحقيق أن نضعها في حقلها الوطني الشامل، بحيث تكون القرارات موزعة على الدوائر العليا دون النظر إلى القاعدة العريضة، بحيث لا يحدث الخلل الذي أفسد التجارب السابقة أو عطلها نهائياً..
ومع قناعتنا بأننا لابد أن نمثل مستقبل أمتنا بشكل ينافس جدلية المستقبل العالمي وأن الرهان على الإقليمية، أو القطرية لا يضعنا في حساب الهيبة الدولية التي تتكتل وتطرح أبعاد العصور القادمة لعصور جديدة، إلا أن المعوقات طويلة وصعبة جداً..
فالعامل الاقتصادي الذي يلعب أهم دور في حركة اللقاءات العربية لا يزال ضبابياً، أو يحمل من مشاكل التناقض مما يجعله يدخل دائرة الضياع الكلي، حتى أن التسهيلات التي تمنحها دول خارجية لبعض الدول العربية، أكثر أماناً ومرونة من دولة عربية أخرى.. ويقاس على ذلك مشاكل العمالة والحدود، والتنسيق السياسي والعسكري إلخ..
ومع كل الاحتمالات، فإن وجود الاتجاه إلى خلق وحدات عربية حتى ولو كانت مجرد طرح نظري لا يصل إلى التحقيق العملي، بأنها نوع من إعادة الثقة بضرورة الوحدة العربية، وأهم من ذلك أن النظر من قبل كل عربي إلى هذه الوحدات بأنها لم تدخل شكل التكتلات الإقليمية، هو جزء من شروط الأمان العربي لهذا الاتجاه..
شيء آخر ومهم، أنه إذا كانت يتصاعد الآن على المستوى الدولي تسريع الحلول الإقليمية في المنطقة العربية، وأن التنافس بين القوى العالمية أخذ شكل سباق أخر يغلب عليه التنسيق المشترك، فإننا لن نكون خارج بؤرة الصراع، حتى لو تقلصت تعقيدات الحرب الباردة أو الساخنة..
فهناك الدولة الفلسطينية التي سوف تقام على قطاعي الضفة الغربية وغزة، والحديث عن إمكانات توفر عوامل اقتصادية وجغرافية قادرة على جعلها تستوعب الشعب العربي الفلسطيني، وماهي الأدوار التي سوف تلعبها سواء بحالة الجوار مع (إسرائيل) أو مع بعض الدول العربية.
يقابل ذلك الدول الأخرى التي تجاور الدول المجاورة العربية وكيف يمكن وضع استراتيجية تلتقي عليها المصالح القومية مع مصالح تلك الأقطار، وعلى أي أساس يمكن إيجاد ضمانات تجعل تلك الأطراف لا تدخل في حروب أو منافسات تخدم الدول الأجنبية الأخرى..
ثم، وهو الأهم، هل هذه الوحدات العربية سوف تعيد للجامعة العربية طبيعتها، ودورها بحيث تكون ملتقى عربياً بشكل الدولة العربية المتحدة في المستقبل البعيد، وفيما إذا كانت هناك نية في إعادة صياغة ميثاق الجامعة العربية، وجعله يتلاءم وأسس البناء القومي القادم؟
الأسئلة كثيرة، ولكنها لا تخرج عن هدف واحد، وهو أن الأمة العربية لا يمكنها أن تدير ظهرها للتاريخ، وتحاول أن تحسم مشاكلها بحلقات من التناقضات التي لا تستوعب الزمن أو تتفاعل معه، وفي كل الأحوال فإن ما نحتاج إليه هو أن نصل بمعلوماتنا إلى ما يحقق لنا دراسات استراتيجية تنبني عليها سياسة تطورنا القومي، حتى نتخذ قراراتنا بشكل منطقي لا يضعنا في مواجهة الإحراجات أو الإفلاس السياسي.

• • •

لعبد المحسن الصالح:
واللي ماله عنده غالي
من عياله يأخذ حذره
وإن قال ولده أبي سيكل
طير عيونه وزقره
والى ما استثمل كلامه
تقعد له ثم اصطره
وان شاف الصطره مافادت
اخذ له شوم واسجره
والى جايبي ينحاش
جاب المقطيه وهجره!!

التاريخ / الثلاثاء 22 رجب 1409هـ – 28 فبراير 1989م

مقالات مشابههة

الكرت الذهبي!!

الكرت الذهبي!!

لم أغضب أو أحتج حين زحفت نظراته عليّ تقيسني عرضا، وطولا.. ولم أعرف أنه ربما يزن جيبي، وهل أتعاطى الطريقة الجديدة في مبايعات الأسواق الكبيرة في (الدانير كلاب)، أو...

التفسير المضاد!!

التفسير المضاد!!

لم يفاجئنا من يقول إن عيني الفاروق العسليتين تتصلان بنسبه لجدته الرومية!!وبنفس الوقت لن نعدم رأي هذا المدعى للتاريخ أن يجعل من أحد الزعماء العرب صورة لأجداده الأتراك،...

رأي في موضوعين

رأي في موضوعين

في «حروف، وافكار» السبت قبل الماضي كان الزميل الدكتور «حمد المرزوقي» قد كتب عن «الأمريكي الذي يقرأ.. ولا يفهم» وهو حوار جاد عكس تصور كل من الدكتور حمد، وكذلك الأمريكي...

شارك برأيك

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *