تأملت في المرأة زينتها وهي تقفل أخر علبة لحليها.. قاست طول (الفستان) لونه.. تناسبه مع التسريحة والحذاء، وشكل ظل العينين..
الخادمة القابعة خلفها، ترشدها إلى أن خللاً أخر برز، حيث أن (الفستان) الأسود ضيق جداً، أظهر جبهتين متحادتين بين الكرش، والأرداف..
- قالت السيدة المعطرة لخادمتها:
- «.. هل تعتقدين أن ذلك عيب مشين لوسامتي، وشخصيتي في حفل هذا المساء؟» تلكأت الخادمة مراعية نفسية سيدتها الحادة، والساخطة أحياناً.. قالت بعد صمت:
- «… يمكن سيدتي أن تقيسي ذلك من خلال المرآة، خاصة حين تلتفتين إلى الاتجاه الآخر وتعطين جنبك لزاوية المرأة، ليظهر لك ذلك واضحاً…
ردت السيدة.. - «أنت من اختار لي (الفستان).. مقاسه.. ألوانه.. وحتى شكل قَصته وتفصيله»؟
أوضحت الخادمة (بدبلوماسية هادئة).. - «سيدتي.. ولكن وزنك زاد خلال الأشهر الماضية، وهو ما أوجد الخلل في المقاسات.. العرض والطول، والبروزات الزائدة في مواقع الجسد الكبير»..
السيدة المحترمة، قبلت على مضض، لأن نفس الكلمات سمعتها من الزوج المحترم أيضاً، ومن البنت الشقية الوسطى صاحبة أطول لسان في العائلة..
عقبت السيدة على خادمتها.. - «ألا ترين أن وضع مشد قد يقلص بعض النتوءات الزائدة؟»
قالت الخادمة: - «في الحمام الملاصق لغرفة سيدتي، يوجد ميزان يمكنه أن يحسب (الكيلوات) الزائدة، وعلى ضوئها يمكن أن تتصرف، ولو أدعي لفتق الثوب وتعريضه أو إطالته»..
استحسنت السيدة هذا الرأي، وقبل أن تعلق، أو تقبل بالاختبار الجديد كرعت نصف كأس من عصير الجزر البارد، والذي قنعت أنه وصفة رائعة لتحسين بشرة الوجه والعنق!
تأكدت السيدة من أن أكثر من خمسة (كيلوات) أضيفت للسبعين كيلاً، وأن معدل الزيادة ضعف ما اعتقدت.. هنا ثارت ونكشت شعرها الذي جلست من أجله ثلاث ساعات أمام (الكوافيرة) في شارع العاصمة الأوروبية الكبيرة.. تأففت قالت لخادمتها بحدة: - «خمسة كيلوات دفعة واحدة»؟
على صوت السيدة المحترمة اجتمعت العائلة.. الأب هو الوحيد خارج أسماء الحضور..
تبنت البنت الكبرى فكرة تعديل الفستان، لأن وقت السهرة طويل، وأن الخادمة الشاطرة تملك مهارة خاصة في الخياطة، وترميم الأجساد سريعة النمو..
البنت الوسطى قالت إن اللوم يقع على «الكبسات» ولحم الحاشي، ونومة عقب الظهر.. السيدة المحترمة ضاقت بالملاحظات الساخرة للبنت الشيطانية.. قالت بعد أن سبحت في عرقها الذي أضاف مشكلة لعملية الأصباغ الكثيرة على الوجه لابنتها الملاسنة.. - «تخرجين، أم أترك لك الفندق بمن فيه؟»..
بحسها المعروف.. خرجت البنت تتبعها قهقهات ضج لها ممر الفندق..
وكمن يريد أن يحسم معركة كبرى.. تشكلت اللجنة، وأخذ بالرأي الأكثر صواباً، وهو أن الخضوع لرأي الخادمة، هو الأنسب طالما أن البدائل الأخرى مستحيلة..
المعركة انتقلت أصولها، وفروعها إلى المقهى الشهير.. قال لصديقه: - «ثبت أننا نتزوج «خراتيت» «وأميات»!
عاتبه الآخر ساخراً.. - «أنت شباب، وقادر أن تضيف أخرى، وتتبنى فكرة تجديد وتحسين النسل من الوسيمات وصاحبات الذوق الرفيع»..
رد هو بنفس السخرية.. - «أعتقد أن هذا يؤكد خوفاً معيناً منها، خاصة وأنت أكثر الشاكين من الإحراجات التي تواجهها في سفراتك الصيفية، أو أن مندوب وكالة منها حاضر يتجسس على كلماتك وأنفاسك.»
الصديق الحاضر البديهة قال: - «كلنا في الهم غم!»
- «تعني أن الشكل والمضمون فيهن كلاسيكي، وغير قابل للتطور؟»
- «بدون أدنى خوف.. نعم.. تصور أن سيداتنا المبجلات يزحفن بأكبر حمولة تحتاجها امرأة في العالم..
عشرات الشنط من الفساتين والمساحيق، والحلي، ولكن الخيارات تظل للسيدة أو الآنسة التي تعيش في الظل لتفرض ذوقها وبصماتها على جسد السيدة وحواجبها وروائح عطورها»
قاطعه قائلاً:
تعني مجلات (الموضة) وتعاليم الصديقات، وتوجيه بعض الأخوات والبنات».. وكمن يستدل على غباء أخر للزوج.. رد محتداً: - «لا.. يا سيدي.. إنهن من يولين الرعاية لنا ولأبنائنا، ويقمن باختيار صبغات الشعر وطواقم الحلي، وقصات الشعر، ودهان الأظافر، والروائح، وتعلم سيداتنا كيف يقاومن الإغراء بالأكل باليدين، وإتباع (تكتيك) استعمال الشوكة والسكين، ولا يتظاهرن بالمضغ المسموع، أو فتح الفم عند إدخال اللقمة و…»
- «قصدك تقول مدرسات الأمية في منازلنا؟»
- «نعم سيدي.. أو آنستنا أو سيداتنا الخادمات»..
وكمن يقدم (فاتورة) حساب للتاريخ برواية مفاجئة.. قال له الصديق: - «ليس الأمر متعلقاً بخواص السيدات والوظائف النسائية البحتة.. أو الواجبات المنزلية، لأنك لم تأت بأكثر من هامش صغير من سلوكيات سيداتنا حين يكن ضيوفاً على مطاعم ومعارض بيوت الأزياء والحلي، أو حتى في الحدائق العامة..
صدقني إنني كثيراً ما أجد في بساطة وذوق الخادمة ما يجعلها أكثر وسامة وذوقاً من سيدتها، وأضيف أنها الأكثر جمالاً وتناسقاً في الجسم والشكل»..
عقب الآخر.. - «.. تجوز خادمتك!»
ولأنه يريد للحديث مساراً جاداً فقد تابع.. - «… القضية لم تعد شكلية، لأنه ليس المطلوب في الزوجة قد (مارلين مونرو) وعيون «نورا» أو قوام عارضات الأزياء، ولكن المسألة تصل إلى نوعية الثقافة، ومدى أصولها الحضارية على الجنسين، وأخذها كسلوك وطبيعة.
أنا كل صباح أشاهد في المطعم خادماتنا فقط يحملن مسؤولية إفطار الصغار، فسحتهم في الشوارع والحدائق، تغيير ملابسهم، وحتى مخاطبتهم بالإنجليزية، أو العربية المكسرة»..
أضاف الصديق الآخر متسائلاً: - و«هوانمنا، أو سيداتنا المبجلات»؟
- «يأكلن من (حنيني) الليل»..
° ° °
قالت السيدة لخادمتها.. - «أفهميه أننا لن ندفع المبلغ الذي طلبه للساعة والأسورة»..
البائع المتمرس عرف القصد.. خاطب الخادمة.. - «نحن لا نحتاج إلى وسيط بيننا.. لدينا من ينطق العربية، ويفاوضها على ما تريد.»
قالت السيدة… - «… لا نريد إحراجاً مع أحد.. أنا وأنت فقط من يصح له الكلام مع البائع، وحتى من ينطق العربية لا يمكن أن يغير من قناعاتنا في السعر، والتخفيض»..
رد صاحب المعرض.. - «هو خادم آخر لسيدتي ويعمل لحسابنا الخاص، ومفوض عنا في البيع والشراء، والعروض الأخرى التي يمكنه حملها إليكم في الفندق أو الشقة»..
قالت لخادمتها.. - «.. وهل يعني أن التخفيض وارد بواسطة البائع العربي»؟
قال صاحب لغة الضاد… - «ولماذا لا يحدث ذلك، طالما أنك سمعت أنني مفوض مطلق اليد في المعرض»؟ لفلفت غطاء رأسها.. فتحت دفتر الشيكات».. الخادمة أرشدها إلى مكان التوقيع وتدقيق المبلغ المطلوب..
° ° °
قالت لصديقاتها مفاخرة.. - «المشكلة أن ذوق (موضة) هذا العام تختلط فيه الألوان الصاخبة، مع التعقيدات الكثيرة في الألوان، والقصات».
عقبت زميلة أخرى.. - «… وينطبق هذا على الحلي والساعات، والأحذية.. ألوان.. وأشكال تصلح لسكان “العوالم
الأخرى».
قالت الثالثة.. - «.. وهل تعتقدن أن ذوقنا لابد أن يتناسب وذوق الأجانب؟»
ردت الأولى بحدة: - «.. أنت مفهوم موقفك وأفكارك.. فإذا كنت من زبائن الأسواق الشعبية فهو نقص فيك، وليس في زوجك»..
الخادمة الطيبة فضت النزاع بصيغة حضارية حين قالت إن مثلكم العربي، يقول:
(كل… والبس ما يعشقه الآخرون)..
° ° °
السيد المحترم «کسر» فواتيره، أرقام حساباته..
قال في الجلسة الصاخبة مع الأصدقاء.. - «ما نجمعه من أرباح الأسهم، والعقارات يذهب «علف» في يد زوجاتنا.
اقترح آخر: - «أن نشترط وزناً معيناً لكل زوجة، وأن تجتاز كل واحدة اختباراً خاصاً في (الإتيكيت) وأن نحدد سقفاً أعلى لميزانياتهن»..
قال ملقوف: - «واختيار محاسب قانوني، ومستشار صحي، ومالي، يضافون إلى شخصيات الرحلة، وألا يكون من بين خادماتنا من تحصل على أي نسبة في الجمال والذوق، حتى نحافظ على مسألة القبول، لا الرفض للسيدات العزيزات»..
التاريخ/ الثلاثاء 18 محرم 1409هـ – 30 أغسطس 1988م
0 تعليق