[ 1 ]
«ينقل الموظف (…) وفقاً لمقتضيات المصلحة العامة إلى الإدارة (…) وينفذ موجبه اعتباراً من تاريخ هذا الأمر»!!
الإشكال النظامي هنا، أن (المصلحة العامة) دائماً تأخذ شكل خلاف ما بين رئيس ومرؤوس، وإن ظلت حالات استثنائية إلا أنها تطرح عدة تساؤلات من ضمنها:
أ- أن الوظيفة المدنية صريحة القرار في التعيينات والعقوبات والترفيعات وغيرها، وبالتالي لا يمكن إخضاعها إلى ما يشبه (فك الارتباط) بين رئيس ومرؤوس لمجرد إزالة الطرف الأصغر لمصلحة الرئيس الأكبر..
ب – أن ما يصدق على حالات النقل و(للمصلحة العامة) يأتي في الوظائف السرية أو العسكرية أو ما في حكمهما مما يتطلب تغييراً في المناصب أو تبديلاً في المراكز تحت طائلة الضرورات الحتمية والتي تبقي قراراتها على نسبة من السرية بدون إبداء الأسباب لاعتبارات تتعلق بمسؤوليات الوظيفة ودورها الخاص أمنياً أو اجتماعياً.
ج- قد تضطر جهة ما إلى نقل موظف مدني «لمقتضيات المصلحة العامة» إذا أرادت أن تحافظ على سمعة الموظف إذا ما اقترف جنحة أو كان غير كفء لوظيفته نتيجة عجز عقلي أو ظروف استجدت له أثناء العمل، وتلك قاعدة تنظر إلى التقاليد الاجتماعية والإنسانية من باب (سد الذرائع) وهي معقولة ومقبولة تبعاً لنتائجها السلبية أو الايجابية..
لكن أن تصل عملية (المصلحة العامة) إلى حالات تجميد أو إهدار لقوة وطنية معنوياً ومادياً دون إبداء الأسباب، فإن مثل هذه الأوضاع تحتاج إلى مراجعة تامة، خاصة وأن الخلافات الإدارية ليست من الوقائع المعقدة التي لا تجد حلاً في الأنظمة المشروعة..
فالخلاف مثلاً على اجتهاد أو تنفيذ نظام يخدم الوظيفة، يجب ألا يفسر مجتزأ بحيث تأخذ الاعتبارات الشخصية دورها السلبي لتعيق عملية المساهمة الجماعية وبما لا يفقد تلك العلاقات الانسانية داخل العمل الواحد الدور الفاعل والمنتج..
هذا الواقع ليس قضية خاصة لها أشخاصها وقضاياها المعقدة، ولكنها قد تحدث طالما أن العلاقات الوظيفية ليست دائماً بتلك المثاليات التي نتمناها، وما يجعل الأمر غير معقول هو أن بعض الأشخاص أنفسهم عند وصولهم إلى مراكز قيادية تفترض أن تفسر النظام أو تعمل على تجييره لصالحها..
وإذا كنا نتحدث عن حالات استثنائية فقط ليست سائدة بشكل كبير، فإن ما يعنينا هو أن العلاقة بين أركان العمل الواحد أصبحت تأخذ بصيغ العلاقات الإنسانية والتي من خلالها يمكن قياس درجة النجاح والإنجازات الخلاقة بين قسم وآخر، أو إدارة وأخرى..
صحيح أن التجرد من الهوى صعب، ولكن الكوابح الأخلاقية كثيراً ما تكون وسيلة الرادع لكل إنسان يحمل من تربيته الاجتماعية ومثلها ما يجعله يوازن بين نوازعه ومواقفه الموضوعية ولكن بالقياس إلى تلك الحالات فإن الأخذ بمبدأ النظام دون اجتراء على حق أحد، هو الذي يساعد على سد الفراغ في بعض فجواته خاصة وأننا أمام الحالات الصعبة يجب أن نفهم «المصلحة العامة» أنها ليست فضفاضة بحيث تقبل التفسير والتعسف، وهو ما يجبرنا أن تكون القرارات صريحة بأسبابها ونتائجها حتى تظل العلاقات الوظيفية قائمة فعلاً في خدمة «المصلحة العامة».
[ 2 ]
أراء كثيرة تعتقد أن هناك مغالاة في أسعار السيارات، وجشعاً في أثمان قطع غيارها واستغلالاً من «الورش»، ولعل السيارة، وهي تدخل عندنا مرحلة الضرورات، والترف احياناً، أخذت وضع المستهلك الجديد لميزانية كل أسرة ولكن هذا لا ينفي أن الشكوى مستمرة تأخذ الشكل العام لعديد من المواطنين بمختلف مراتبهم ودخولهم..
وبصرف النظر عن مثل هذه الحالات باعتبار أن لها نظامها ورقابتها، فإن الوضع الأهم هو دور الوكالات المختلفة للسيارات، وفيما إذا هي ساهمت كقطاع خاص في التنمية البشرية وتدريب الكوادر الوطنية كجزء من مسؤولياتها، أم الموقف يندرج تحت تلك الأعذار التي تنفي رغبة المواطن بالتدريب والعمل في مهن تتطلب جهداً كبيراً؟
القصد هنا أن دور هذه الوكالات مبتور تماماً، فلا هي قامت بدور القطاع الخاص الذي يضع الخطط الطويلة لتصنيع قطع الغيار، وإعداد القوى الوطنية، ولا هي التي تجردت من الاحتكار..
مثلاً (أرامكو، سابك) وقطاعات حكومية لها صفة الشركات (بترومين، الخطوط السعودية) وغيرها أخذت بهذا المبدأ وسدت ثغرات كبيرة في عمالتها الفنية والإدارية، لكن الذي حدث بالنسبة لهذه الوكالات أنها استعانت بالعمالة الأجنبية كجزء من تراكم أرباح وربطها بعجلة العمالة الهامشية التي لا نستفيد منها كوطن على المدى البعيد..
فإذا كانت هذه الوكالات عاجزة مثلاً عن بناء (ورش) تدريب والمساهمة في تنمية القطاع البشري كجزء من مهماتها، فإن البديل الممكن هو اقتطاع مبالغ من أصل الأرباح التي تحصل عليها وتوظيفها في رفع كفاءة مراكز التدريب والكليات التقنية التي أسستها الدولة، وهي إمكانات تتيح الاستفادة من عائد هذه العمالة المدربة على قطاعات أهلية وسيعة بما فيها هذه الوكالات، ولعل مثل هذا التصرف يجب أن ينظر إليه من زاوية المسؤولية المشتركة بين كل القطاعات والقطاع الحكومي..
أما أن نركن إلى عمالة أجنبية دائمة، دون أن نوجد التوازن بين مطالب المستقبل والظروف الراهنة، فان هذا سوف يسبب لنا خسائر فادحة أقلها الفترة الزمنية التي نحتاجها مرة أخرى في تدريب قطاعات كبيرة من شبابنا وتهيئتهم لهذه المهمات الضرورية.
[ 3 ]
موضوع أخر على نفس الدرجة من الأهمية وهو العلاقة غير الواضحة بين الكليات المتوسطة والجامعات التي أخذت صورة أخرى مختلفة.
هذه الكليات لا تأخذ بالتقاليد الأكاديمية بحيث تصبح مراكز تعليم وبحث تربوي لتصل مهمتها إلى دور واضح بحيث يكون الأستاذ المشارك، أو المحاضر، أو الأستاذ مثلاً له وظيفة جامعية شبيهة بالعاملين في الجامعات على الرغم من تطبيق الكادر الواحد على الطرفين، وهذا الواقع جعل ما يشبه (الغبن المعنوي) يلحق بهذه الكليات والعاملين بها.
صحيح أن المتخرجين منها يحصلون على دبلوم دون الجامعة وأعلى من الثانويات العامة ولكن المسألة تتعلق بالتنظيم ذاته بالنسبة للأساتذة بشكل خاص.
فإذا كان إخضاعهم لكادر الجامعة وامتيازاته كسباً مادياً، فإن إلحاقها بالجامعات كتابع إداري وفني يكسبها قوتها المعنوية ككليات أكاديمية معترف بها، والاستفادة من العاملين بها في تكليفهم ببحوث تتواصل مع كليات التربية بكل فروعها.
الأمر الآخر أن تبعيتها للجامعات تجعل التنسيق بين الأكاديميين في الاختصاص الواحد أقرب إلى التكامل في دراسة الكتب الدراسية ونوعية المحاضرات والاحتياجات التي تتطلبها مدارس التعليم العام من الخريجين..
وإذا كان التوسع بهذه الكليات، سواء في قطاعات وزارة المعارف أو تعليم البنات قد جاء برغبة سد الاحتياجات المتنامية من المدرسين أو رفع كفاءة بعضهم، فإن دراسة أوضاعها للمستقبل البعيد يجب أن تنظر إلى مدى الحاجة إليها في التخصصات الموجودة فقط، إذ إن إمكانات تسديد الاحتياجات من المدرسين قد تأتي منها ومن كليات التربية، والمعاهد الأخرى المساعدة، مما يعني أن الاستغناء عنها وارد ، وهو ما يجعل التفكير بتحويل بعضها إلى كليات (تقنية) تأخذ بالجمع بين التعليم الأكاديمي والفني وفق تخطيط يراعي ظروف المستقبل، أمراً جوهرياً، وقد تكون مجالاً لتجربة جديدة تساعد على تخفيف الضغط على كليات الجامعات والاتجاه إلى نوع خاص من التعليم الذي يوفر لنا قاعدة عريضة من الكفاءات البشرية الفنية وبالتالي استمرارية هذه الكليات وتطويرها بما ينفع حاجاتنا القادمة..
[ 4 ]
قال محتداً..
– «هل جربت المصارعة في سوق الغنم»؟
– رد زميله..
– «مع جزار يحمل سواطير وسكاكين، وعضلات قوية»؟
رد مبتسماً..
– «مع الباعة.. تصور أن تكون شبه خروف تنتقل من يد بائع لآخر وبقوة، لابد أن (تجس) الخروف، وتعرف أنه (ثني، أو رباع) تركي، أو نجدي، أو نعيمي، وكلهم يحاول الضحك عليك لمجرد أنك (حضري) تلبس الثياب البيضاء (وزبون) يمكن استغلاله»..
قال زميله …
– «يبدو أنك لم تعرف الطريق إلى الأسواق العمومية، (بعتيقة) والربوة»؟
قاطعه قائلاً..
– «هل رجمك أحد «بسطل» طماطم، أو طبق بيض»؟
قال..
– «نظمت البلدية الحمالين، اشترطت عليهم لباساً خاصاً، وأرقاماً ألصقت على صدورهم، والمؤسسة التي يتبعونها»..
قاطعه..
– «وما دخل الحمالين بالبائعين بسوق الغنم»؟
قال..
– «يبدو أنك أكثر من (ملقوف).. أقول إن الحمالين أصبحوا في حال مشابهة لأصحابك في سوق الغنم.. الجميع بدون تنظيم، فإذا كان بائع المواشي يقاتل من أجل جرك إلى شراء خروف بالقسر، فإن حمال السوق يرفع عليك أسعار حمل طبق بيض مثلاً من مظلة ما إلى سيارتك بخمسة ريالات، وإذا اضطررت إلى حمل صندوق برتقال من مظلة أخرى فعليك دفع الخمسة الأخرى، وهكذا»!!
قال..
– «ولماذا لا تكون أنت الحمال وتوفر على نفسك المبلغ المضاعف»؟
رد بحنق..
– «المسألة ليست بحالتي الخاصة، وإنما بشيخ كبير، أو امرأة، أو مريض إلخ.. فهل وُضعت هذه الخدمات لاستغلال الآخرين».؟
قال معقباً..
– «أتفق معك بأن نقص التنظيم، هو الذي فتح شهية الجميع بأن يضعوك أمام ما لا ترغب».
قال..
– «وهل يعني أن أمانة مدينة الرياض لا تجعل هذا من خصوصياتها، ومسؤولياتها؟
عقب زميله..
– «(دوّر) مدير بلدية الحارة، وقدم له مع التحية والتقدير مقترحاتك الفذة»!
وبضيق عقب..
– «بطوابع، وختم.. أم بدون».؟!
تصافح الاثنان، ومشي كل في طريقه يكركر بضحكة عريضة!
—————————
التاريخ/ الثلاثاء 18 شعبان 1408هـ – 5 أبريل 1988م
0 تعليق